تفسیر ابن عربی سوره فاطر

تفسیر ابن عربى(رحمه من الرحمن) سوره فاطر

(۳۵) سوره فاطر مکیّه

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‏

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۱]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِکَهِ رُسُلاً أُولِی أَجْنِحَهٍ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ قَدِیرٌ (۱)

«الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ»– الوجه الأول- الفطر الفتق قال تعالى:

(أ و لم یروا أن السماوات و الأرض کانتا رتقا ففتقناهما)- الوجه الثانی- «الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» هو قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) إذ الفطره هی النور الذی تشق به ظلمه الممکنات و یقع به الفصل بین الصور، فیقال: هذا لیس هذا، إذ قد یقال: هذا عین هذا من حیث ما یقع به الاشتراک، و العالم کله سماء و أرض لیس غیر ذلک، و بالنور ظهرت، و اللّه مظهرها. فهو نورها، ففطر السماء و الأرض به، فبه تمیزت الأشیاء و انفصلت و تعینت فی ظهورها، فما تمیزت الأعیان فی وجودها إلا بالفطره التی فصلت بین العین و وجودها، و هو من أغمض ما یتعلق به علم العلماء باللّه، کشفه‏

[ «جاعِلِ الْمَلائِکَهِ رُسُلًا …» الآیه- أجنحه الملائکه]

عسیر و زمانه یسیر «جاعِلِ الْمَلائِکَهِ رُسُلًا» الملائکه من المألکه و هی الرساله «أُولِی أَجْنِحَهٍ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ ما یَشاءُ» الملائکه أو لو أجنحه على طبقاتها فی الأجنحه، فأعلاهم أقلهم أجنحه، و أقلهم أجنحه من له جناحان، فمن الملائکه من له جناحان إلى ستمائه جناح إلى ما فوق ذلک، و أجنحه الملائکه للنزول لا للصعود، و أجنحه الأجسام العنصریه للصعود لا للنزول، لأن الملائکه تجری بطبعها الذی علیه صوره أجسامها إلى أفلاکها التی عنها کان وجودها، فإذا نزلت إلى الأرض نزلت طائره بتلک الأجنحه،

و هی إذا رجعت إلى أفلاکها ترجع بطبعها بحرکه طبیعیه و إن حرکت أجنحتها، حتى إنّها لو لم تحرک أجنحتها لصعدت إلى مقرها و مقامها بذاتها، و أجسام الطیر العنصری یحرک جناحه للصعود، و لو ترک تحریک جناحه أو بسطه لنزل إلى الأرض بطبعه، فما یبسط جناحه فی النزول إلا للوزن فی النزول، لأنه إن لم یزن فی نزوله و بقی على طبعه تأذى من نزوله لقوه حکم الطبع، فحرکه الجناح فی النزول حرکه حفظ. و اعلم أن اللّه تعالى ما جعل للأرواح أجنحه إلا للملائکه منهم، لأنهم السفراء من حضره الأمر إلى خلقه، فلا بد لهم من أسباب یکون لهم بها النزول و العروج، فإن موضوع الحکمه یعطی هذا،

فجعل لهم أجنحه على قدر مراتبهم فی الذی یسرون به من حضره الحق أو یعرجون إلیه من حضره الخلق، فهم بین الخلق و الأمر یترددون، و لذلک قالوا: (وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّکَ) فإذا نزلت هذه السفره على القلوب فإن رأتها قلوبا طاهره قابله للخیر أعطتها من علم ما جاءت به على قدر ما یسعها استعدادها، و إن رأتها قلوبا دنسه لیس فیها خیر نهتها عن البقاء على تلک الحال و أمرتها بالطهاره بما نص لها الشارع، إن کان فی العلم باللّه فبالعلم به مما یطلبه الفکر و جاء به الخبر النبوی عن اللّه،

و إن کان فی الأکوان فبعلم الأحکام و اعتقاداتها، و اعلم أنه لیس‏ لمخلوق کسب و لا تعمل فی تحصیل مقام لم یخلق علیه، بل قد وقع الفراغ من ذلک، فجمیع الأحوال اختصاص، و الکسب اختصاص، فإذا علمت هذا علمت أن الملائکه ما لها کسب بل هی مخلوقه فی مقاماتها لا تتعداها، فلا تکتسب مقاما و إن زادت علوما و لکن لیس عن فکر و استدلال، لأن نشأتهم لا تعطی ذلک مثل ما تعطیه نشأه الإنسان، و القوى التی هم علیها الملائکه المعبر عنها بالأجنحه، و قد صح فی الخبر أن جبریل له ستمائه جناح، فهذه القوى الروحانیه لیس لها فی کل ملک تصرف فیما فوق مقام صاحبها، مثل الطائر عندنا الذی یهوی سفلا و یصعد علوا، و أجنحه الملائکه إنما تنزل بها إلى من هو دونها؛ و لیس لها قوه تصعد بها فوق مقامها،

فإذا نزلت بها من مقامها إلى ما هو دونه رجعت علوا من ذلک الذی نزلت إلیه إلى مقامها لا تتعداه، فما أعطیت الأجنحه إلا من أجل النزول کما أن الطائر ما أعطی الجناح إلا من أجل الصعود، فإذا نزل نزل بطبعه و إذا علا علا بجناحه، و الملک على خلاف ذلک، إذا نزل نزل بجناحه و إذا علا علا بطبعه، و أجنحه الملائکه للنزول إلى ما دون مقامها و الطائر جناحه للعلو إلى ما فوق مقامه، و ذلک لیعرف کل موجود عجزه و أنه لا یتمکن له أن یتصرف بأکثر من طاقته التی أعطاه اللّه إیاها، فالکل تحت ذل الحصر و التقیید و العجز، لینفرد جلال اللّه بالکمال فی الإطلاق، لذلک قال تعالى متمّما «إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ قَدِیرٌ».

 

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۲]

ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَهٍ فَلا مُمْسِکَ لَها وَ ما یُمْسِکْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (۲)

[إمساک الحق تعالى عطاء]

«ما یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَهٍ» و هو العطاء الإلهی‏ «فَلا مُمْسِکَ لَها وَ ما یُمْسِکْ» و هو المنع الإلهی‏ «فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ» و اعلم أن اللّه ما أمسک شیئا عن إرساله إلا و إمساکه عطاء من وجه لا یعرفه صاحب ذلک الغرض، مثل المستسقی، فقد أعطاه الغرض و أمسک عنه الغیث لیستسقیه، فیقام فی عباده ذاتیه من افتقار، فأعطاه ما هو الأولى به، و هذا عطاء الکرم، فلا تنظر إلى جهلک، و راقب علمه بالمصالح فیک فتعرف أن إمساکه عطاء، فمن مسکه عطاء، کیف تنظره مانعا و لا تنظره معطیا؟ و ما تسمى بالمانع إلا لکونک جعلته مانعا حیث لم تنل منه غرضک، فما منع إلا لمصلحه.

 

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۳]

یا أَیُّهَا النَّاسُ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَکُونَ (۳)

أجمع الرب و المربوب على أن اللّه خالق و العبد مخلوق، و لما کان العابد فی أصل کونه مفتقرا إلى سبب فلم یخرج عن حقیقته، و سببه رزقه الذی به بقاء عینه، فتخیله المحجوب فی الأسباب الموضوعه، و هو تخیل صحیح أنه فی الأسباب الموضوعه، لکن بحکم الجعل لا بحکم ذاتها، فجاعل کونها رزقا هو اللّه الذی یرزقکم‏ «مِنَ السَّماءِ» بما ینزل منها من أرزاق الأرواح‏ «وَ الْأَرْضِ» بما یخرج منها من أرزاق الأجسام، فهو الرزاق الذی بیده الرزق، فقال تعالى منبها «یا أَیُّهَا النَّاسُ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَکُونَ»

[توحید العله]

فهذا هو التوحید الخامس و العشرون فی القرآن، و هو توحید العله، و هو من توحید الهویه، لو لم یوحّد بالعله کما یوحّد بغیرها لم یکن إلها، لأن من شأن الإله أن لا یخرج عنه وجود شی‏ء، إذ لو خرج عنه لم یکن له حکم فیه، فلما أرسل اللّه الحجب على بعض أبصار عباد اللّه و لم یدرکوا إلا مسمى الرزق لا مسمى الرزاق، قالوا هذا، فقیل لهم ما هو هذا، هو فی هذا مجعول من الذی خلقکم، فکما خلقکم هو رزقکم، فلا تعدلوا به ما هو له و منه، فأنتم و من اعتمدتم علیه سواء، فلا تعتمدوا على أمثالکم.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۴ الى ۶]

وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (۴) یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّکُمُ الْحَیاهُ الدُّنْیا وَ لا یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (۵) إِنَّ الشَّیْطانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما یَدْعُوا حِزْبَهُ لِیَکُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِیرِ (۶)

[إشاره: حکمه من أحد عقلاء المجانین‏]

– إشاره- وقفت على واحد من عقلاء المجانین، و الناس قد اجتمعوا علیه و هو ینظرإلیهم، و هو یقول لهم: أطیعوا اللّه یا مساکین، فإنکم من طین خلقتم، و أخاف أن تطبخ النار هذه الأوانی فتردها فخّارا، فهل رأیتم قط آنیه من طین تکون فخارا من غیر أن تطبخها نار؟ یا مساکین لا یغرنکم إبلیس بکونه یدخل النار معکم، و تقولون: اللّه یقول‏ (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ مِمَّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ) إبلیس خلقه اللّه من نار،

فهو یرجع إلى أصله، و أنتم من طین تتحکم النار فی مفاصلکم، یا مساکین انظروا إلى إشاره الحق فی خطابه إبلیس بقوله: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ) و هنا وقف، و لا تقرأ ما بعدها، فقال له: (جَهَنَّمَ مِنْکَ) و هو قوله: (خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) فمن دخل بیته و جاء إلى داره و اجتمع بأهله ما هو مثل الغریب الوارد علیه، فهو راجع إلى ما به افتخر، قال: (أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نارٍ)* فسروره رجوعه إلى أصله، و أنتم یا مناحیس تفتخر بالنار طینتکم، فلا تسمعوا من إبلیس، و لا تطیعوا و اهربوا إلى محل النور تسعدوا، یا مساکین أنتم عمی ما تبصرون الذی أبصره أنا.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۷ الى ۸]

الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَهٌ وَ أَجْرٌ کَبِیرٌ (۷) أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ (۸)

قال تعالى موعدا و مبینا «أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» الآیه- الحد الضابط للإحسان فی العمل أن تعبد اللّه کأنک تراه، و ما عدا هذا فهو سوء عمل فیراه حسنا، إما ببذل الوسع فی الاجتهاد فیکون وفّى الأمر حقه و لکنه أخطأ، و هو صاحب عمل، فیکون رؤیه سوء العمل حسنا بعد الاجتهاد، و إما أن یکون فی المشیئه فلا یدری بما یختم له، إذا لم یکن عن استیفاء الاجتهاد بقدر الوسع و رآه حسنا عن غیر اجتهاد،

و هذه الآیه موطن حیره، فقد قال تعالى: «أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً» ببنیه ما لم یسم فاعله، فلا یدری من زیّنه؟ هل هو تزیین اللّه؟ أو تزیین الشیطان؟ أو تزیین الحیاه الدنیا؟ و لکن من قوله تعالى: «سُوءُ عَمَلِهِ» عرفت من زینه و إن لم یذکره، و مع هذا فالاحتمال لا یرتفع عنه تعالى، فإن اللّه یقول فی مثل هذا (زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ یَعْمَهُونَ) فجاء بنون الکنایه عن نفسه، و لذا قال تعالى: «فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ» أی یحیره فی مثل هذا، حیث وصفه بالسیّئ و الحسن، فإن سوء العمل ما کان یتصف بالحسن بالرؤیه حتى قبل العمل صفه الحسن فی وجه من الوجوه الوجودیه، فهو سوء بالخبر حسن بالرؤیه، فکأن الرؤیه لا تصدق الخبر، و شاهد الرؤیه أقطع، و الناس یطلبون أن یصدّق الخبر الخبر و الخبر الرؤیه، و لم نر أحدا یطلب أن یصدق الخبر الرؤیه کما یصدق الخبر الخبر، و هنا کان موطن الحیره، فإنه من المکر الإلهی الذی یعطی الحسن فی السوء، فقال تعالى: «وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ» أی یوفق للإصابه فی معنى السوء و الحسن لهذا العمل ما معناه، و کیف ینبغی أن یأخذه، فإذا جاءت الزینه مهمله غیر منسوبه فإنک لا تدری من زینها لک،

فانظر ذلک فی موضع آخر و اتخذه دلیلا على ما انبهم علیک، مثل قوله: (زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) و مثل قوله: «أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ» و لم یذکر من زینه، فتستدل على من زینه من نفس العمل، فزینه اللّه غیر محرمه، و زینه الشیطان محرمه، و زینه الدنیا ذات وجهین: وجه إلى الإباحه و الندب و وجه إلى التحریم، فمن أراد أن یعتصم من التزیین فلیقف عند ظاهر الکتاب و السنه، لا یزید على الظاهر شیئا،

فإن التأویل قد یکون من التزیین، فما أعطاه الظاهر جرى علیه، و ما تشابه و کل علمه إلى اللّه و آمن به، فهذا متبع لیس للتزیین علیه سبیل، و لا یقوم علیه حجه عند اللّه‏ «فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ» فهو الذی یرزق الإصابه فی النظر و الذی یرزق الخطأ «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ» أی فلا تکترث لهم حسره علیهم،

فهی بشرى من اللّه بسعاده الجمیع، فإنه ما حیل بینه صلّى اللّه علیه و سلم و بین إنسانیته، فهو إنسان فی کل حال، و لا تزول الحسرات عنه- و هو إنسان کامل- إلا باطلاعه على سعادتهم فی المآل، فلا یبالی من العوارض، فإن السوء للعمل عارض بلا شک و الحسن له ذاتی، و کل عارض زائل و کل ذاتی باق لا یبرح‏ «إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ» أی خبیر عن ابتلاء «بِما یَصْنَعُونَ» من کل ما یظهر فیکم من الأعمال و عنکم، و فی هذه الآیه لطیفه و سر خفی من لطف اللّه،

یلقن اللّه فیها عبده المؤمن الحجه إذا کان فطنا، فإن المحب ما أحب إلا ما هو جمال عنده، لا بد من حکم ذلک، ففی هذه الآیه ما رأى العبد سوء عمله حسنا، و إنما رأى الزینه التی زین له بها، فإذا کان یوم القیامه و رأى قبح العمل فر منه، فیقال له: هذا الذی کنت تحبه و تتعشق به و تهواه، فیقول المؤمن: لم یکن حین أحببته بهذه الصوره و لا بهذه الحلیه، أین‏ الزینه التی کانت علیه و حببته إلیّ؟ ترد علیه، فإنی ما تعلقت إلا بالزینه لا به، لکن لما کان محلها کان حبی له بحکم التبع،

فیقول اللّه: صدق عبدی لو لا الزینه ما استحسنه، فردوا علیه زینته، فیبدل اللّه سوءه حسنا، فیرجع حبه فیه إلیه و یتعلق به (أولئک الذین یبدل اللّه سیئاتهم حسنات) فلا ینبغی للمؤمن الکیس أن یهمل شیئا من کلام اللّه و لا کلام المبلغ عن اللّه، فإن اللّه تعالى یقول فیه‏ (وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏) فإن کلام المبلغ عن اللّه ما جاء به إلا رحمه بالسامع، و هو إن کان فطنا کان له، و إن کان حمارا کان علیه- نصیحه- إن الإنسان إذا کان فی شی‏ء لم یر حقیقته و معناه، و إذا صار عنه أجنبیا رآه، و النفس إذا التبست بشهوتها و غرضها،

و تعشقت بعلّتها و مرضها، لا ترى سوى ما هی فیه، و لهذا تصطنعه و تصطفیه، فانظر إلى ما یستقبحه الشرع فاجتنبه، و إلى ما یستحسنه فبادر إلیه و امتثله، و لا یغرنک غدّار، مدخول النصیحه غرار، فعلیک باتباع العلم، و الاستسلام للشیخ فیما وجّه علیک من الحکم، و طهاره النفس، و محاسن الأخلاق، و جمیل الوفاق‏

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۹ الى ۱۰]

وَ اللَّهُ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ فَتُثِیرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى‏ بَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَحْیَیْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها کَذلِکَ النُّشُورُ (۹) مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعِزَّهَ فَلِلَّهِ الْعِزَّهُ جَمِیعاً إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ وَ الَّذِینَ یَمْکُرُونَ السَّیِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ وَ مَکْرُ أُولئِکَ هُوَ یَبُورُ (۱۰)

«إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ»– الوجه الأول- «إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ» و هو عین شکل الکلمه من حیث ما هو شکل مسبح للّه تعالى، و لو کانت کلمه کفر، فإن ذلک یعود وباله على المتکلم بها لا علیها، فإن الحروف اللفظیه تتشکل فی الهواء، فإذا تشکلت قامت بها أرواحها، فیکون شغلها تسبیح ربها، و تصعد علوا إلیه، فقوله تعالى: «إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ» أی الأرواح الطیبه فإنها کلمات اللّه مطهره،

هذا کلام اللّه سبحانه یعظّم و یمجّد و یقدّس- المکتوب فی المصاحف- و یقرأ على جهه القربه إلى اللّه، و فیه جمیع ما قالت الیهود و النصارى فی حق اللّه من الکفر و السب، و هی کلمات کفر عاد وبالها على قائلها، و بقیت الکلمات على بابها تتولى یوم القیامه عذاب أصحابها أو نعیمهم- الوجه الثانی- إن الکلمه إذا خرجت تجسدت فی صوره ما هی علیه من طیب و خبث، فالخبیث یبقى فیما تجسد فیه ما له من صعود، و الطیب من الکلم إذا ظهرت صورته و تشکلت،

فإن کانت الکلمه الطیبه تقتضی عملا و عمل صاحبها بذلک العمل، أنشأ اللّه من عمله براقا- أی مرکوبا- لهذه الکلمه، فیصعد به هذا العمل إلى اللّه صعود رفعه یتمیز بها عن الکلم الخبیث، فقوله تعالى: «وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ» أی الأعمال تظهر فی صوره مراکب للأرواح الطیبه، فهو براق الکلم الطیب الذی یسری به إلیه تعالى و ینزل به علیه، فإن کانت الأعمال صالحه صعدت و رفعت الروح الطیبه إلى درجاتها حیث کانت من علیین- إشاره- ما ثمّ إلا عبد و رب، فإلیه تصعد و إلیک ینزل کما قال: «إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ» و قال: [ینزل ربنا إلى السماء الدنیا].

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۱۱ الى ۱۲]

وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَهٍ ثُمَّ جَعَلَکُمْ أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى‏ وَ لا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِی کِتابٍ إِنَّ ذلِکَ عَلَى اللَّهِ یَسِیرٌ (۱۱) وَ ما یَسْتَوِی الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ کُلٍّ تَأْکُلُونَ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَهً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْکَ فِیهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (۱۲)

راجع سوره الفرقان آیه رقم ۵۳ «عَذْبٌ فُراتٌ» عذب من اللذه، فهو صفه الماء «وَ مِنْ کُلٍّ تَأْکُلُونَ لَحْماً طَرِیًّا» اعلم أن اللّه عزّ و جل ما جعل التکوینات التی هی دواب البحر فی البحر الملح إلا فی العذب منه خاصه، فلو لا وجود الهواء فیه و الماء العذب ما تکون فیه حیوان‏ «وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْیَهً تَلْبَسُونَها» یکون الجوهر فی الصدف عن ماء فرات فی ملح أجاج، فصدفته جسمه و ملحه طبیعته، و لهذا ظهر حکم الطبیعه فی صدفته فإن الملحه البیاض، و هو بمنزله النور الذی یکشف به.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۱۳]

یُولِجُ اللَّیْلَ فِی النَّهارِ وَ یُولِجُ النَّهارَ فِی اللَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ یَجْرِی لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ لَهُ الْمُلْکُ وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما یَمْلِکُونَ مِنْ قِطْمِیرٍ (۱۳)

بالفلک المدار ظهرت الدهور و الأعصار، و بالشمس ظهر اللیل و النهار، من خفایا الأمور المد و الجزر فی الأنهار و البحور، أ من القمر مدّه و جزره؟ أم من غیر ذلک فکیف أمره؟ هو عبد مأمور مثل سائر الأمور، مدّه ماد الظل، و نزّله منزل الوبل و الطل، لا شک أن الأمور معلوله، و الکیفیه من اللّه مجهوله، و النفوس على طلب العلم به مجبوله.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۱۴ الى ۱۵]

إِنْ تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعاءَکُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَکُمْ وَ یَوْمَ الْقِیامَهِ یَکْفُرُونَ بِشِرْکِکُمْ وَ لا یُنَبِّئُکَ مِثْلُ خَبِیرٍ (۱۴) یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ (۱۵)

 

[تسمیه الحق باسم کل ما یفتقر إلیه‏]

لما سبق فی علمه تعالى أنه یخلق قوما و یخلق فیهم السؤال إلى الأغیار، و یحجبهم عن العلم به أنه هو المسئول فی کل عین مسئوله یفتقر إلیها، من جماد و نبات و حیوان و ملک و غیر ذلک، أخبر أن الناس فقراء إلى اللّه، أی هو المسئول على الحقیقه، فإنه بیده ملکوت کل شی‏ء، فالفقر إلى اللّه هو الأصل فقال: «یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ» فنحن فقراء إلى أسمائه، و لذلک أتى بالاسم الجامع للأسماء الإلهیه، و الافتقار فی کل ما سوى اللّه أمر ذاتی لا یمکن الانفکاک عنه،

و لذلک کان الافتقار إلى اللّه حالا و عقدا دون غیره سبحانه، ففی هذا الخطاب تسمیه اللّه بکل اسم هو لمن یفتقر إلیه فیما یفتقر إلیه، و هو من باب الغیره الإلهیه حتى لا یفتقر إلى غیره، و الشرف فیه إلى العالم بذلک، فإن من الناس من افتقر إلى الأسباب الموضوعه کلها، و قد حجبتهم فی العامه عن اللّه، و هم على الحقیقه ما افتقروا فی نفس الأمر إلّا إلى من بیده قضاء حوائجهم و هو اللّه، و لهذا قال بعض العلماء بأن اللّه‏ قد تسمى بکل ما یفتقر إلیه فی الحقیقه، و دلیلهم هذه الآیه،

و هی تنبیه من اللّه إلى الناس لعلمه بفقرهم إلیه، فإن أحدا ما افتقر إلا إلى اللّه، فمن فتح اللّه عین فهمه فی القرآن و علم أنه الصدق و الحق الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه، علم أن الأسباب التی یفتقر إلیها الإنسان إنما هی صور تجل حجبت الخلائق عن اللّه تعالى، و قد تسمى اللّه فی هذه الآیه بکل ما یفتقر إلیه، فکل ما یفتقر إلیه فهو اسم اللّه تعالى، إذ لا فقر إلا إلیه، و إن لم یطلق علیه لفظ من ذلک فنحن إنما نعتبر المعانی التی تفید العلوم، و أما التحجیر فی الإطلاق علیه سبحانه فذلک إلى اللّه،

فما اقتصر علیه من الألفاظ فی الإطلاق اقتصرنا علیه، فإنا لا نسمیه إلا بما سمى به نفسه، و ما منع من ذلک منعناه أدبا مع اللّه، فالحق تعالى یقبل صفات الخلق لا أسماءه بالتفصیل، و لکن یقبلها بالإجمال، و کونه لا یقبل أسماء العالم بالتفصیل، أعنی بذلک أسماء الأعلام، و ما عدا الأسماء الأعلام فیقبلها الحق على التفصیل، فإن الحق ما له اسم علم لا یدل على معنى سوى ذاته، فکل أسمائه مشتقه تنزلت له منزله الأعلام،

و تدل هذه الآیه على سر الاقتدار الإلهی فی کل شی‏ء، فلا شی‏ء ینفع إلا به، و لا یضر إلا به، و لا ینطق إلا به، و لا یتحرک إلا به، و حجب العالم بالصور فنسبوا کل ذلک إلى أنفسهم و إلى الأشیاء، و کلام اللّه حق و هو خبر، و مثل هذه الأخبار لا یدخلها النسخ، فلا فقر إلا إلى اللّه، فإن فی فطره کل إنسان افتقارا لموجود یستند إلیه و هو اللّه، فیقول الحق للناس: ذلک الافتقار الذی تجدونه فی أنفسکم متعلقه اللّه لا غیره،

و فی هذه الآیه تسمى الحق لنا باسم کل ما یفتقر إلیه غیره منه أن یفتقر إلى غیره، و کان فی هذا الخطاب هجاء للناس، حیث لم یعرفوا ذلک إلا بعد التعریف الإلهی فی الخطاب الشرعی على ألسنه الرسل علیهم السلام، و مع هذا أنکر ذلک خلق کثیر، و خصوه بأمور معینه یفتقر إلیه فیها، لا فی کل الأمور من اللوازم التابعه للوجود، التی تعرض مع الآنات للخلق، و کان ینبغی لنا لو کنا متحققین بفهم هذه الآیه أن نبکی بدل الدموع دما، حیث جهلنا هذا الأمر من نفوسنا إلى أن وقع به التعریف الإلهی، فکیف حال من أنکره و تأوله و خصصه؟ فإن الإنسان و إن کان فی نفس الأمر عبدا، و یجد فی نفسه ما هو علیه من العجز و الضعف، و الافتقار إلى أدنى الأشیاء، و التألم من قرصه البرغوث، و یعرف هذا کله من نفسه ذوقا، و مع هذا فإنه یظهر بالرئاسه و التقدم، و کلما تمکن من التأثیر فی غیره فإنه یؤثر، و یجد فی نفسه طلب ذلک کله و حبه ذلک، لأنه خلقه اللّه على صورته، و له تعالى العزه و الکبریاء و العظمه، فسرت هذه الأحکام فی العبد،

فإنها أحکام تتبع الصوره التی خلق علیها الإنسان و تستلزمها، فرجال اللّه هم الذین لم یصرفهم خلقهم على الصوره عن الفقر و الذله و العبودیه، و إذا وجدوا هذا الأمر الذی اقتضاه خلقهم على الصوره و لا بد، ظهروا به فی المواطن التی عیّن لهم الحق أن یظهروا بذلک فیها، فإن المقرّب لا یبقی له القرب و الجلوس مع الحق و التحدث معه اسما إلهیا من الأسماء المؤثره فی العالم و لا من أسماء التنزیه، و إنما یدخل علیه بالذله لشهود عزّه، و بالفقر لشهود غناه، و بالتهیؤ لنفوذ قدرته‏ «وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ»

[بحث فی الغنى باللّه‏]

– الوجه الأول- هو الغنی عنکم، فالغنى للّه، و هو المثنیّ علیه بهذه الصفه، فکان الاسم الغنی للّه، و الإنسان فقیر، و فقره لا یکون إلا إلى اللّه الغنی- الوجه الثانی- «وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ» اعلم أن اللّه تعالى لا یعلم بالدلیل أبدا، لکن یعلم أنه موجود، و أن العالم مفتقر إلیه افتقارا ذاتیا لا محیص عنه البته، إذ لا مناسبه بین اللّه تعالى و بین خلقه من جهه المناسبه التی بین الأشیاء، و هی مناسبه الجنس أو النوع أو الشخص، فلیس لنا علم متقدم بشی‏ء فندرک به ذات الحق لما بینهما من المناسبه،

فلیس بین الباری و العالم مناسبه فیعلم بعلم سابق بغیره أبدا، کما یزعم بعضهم من استدلال الشاهد على الغائب بالعلم و الإراده و الکلام و غیر ذلک، ثم یقدسه بعد ما قد حمله على نفسه و قاسه بها «الْحَمِیدُ» یعنی بأسمائه، و جاء بالحمید على وزن فعیل، فعمّ اسم الفاعل بالدلاله الوضعیه و اسم المفعول، فهو الحامد المحمود، و إلیه ترجع عواقب الثناء کلها، و ما یثنى علیه إلا بنا من حیث وجودنا، فهو المثنى علیه بکل ما یفتقر إلیه، فمن کونه محمودا و هو قول: [الحمد للّه‏] لا لغیره، فإنه ما فی العالم لفظ لا یدل على ثناء البته، أعنی ثناء جمیلا، و أن مرجعه إلى اللّه، فإنه لا یخلو أن یثنی المثنی على اللّه أو على غیر اللّه، فإذا حمد اللّه فحمد من هو أهل الحمد،

و إذا حمد غیر اللّه فما یحمده إلا بما یکون فیه من نعوت المحامد، و تلک النعوت مما منحه اللّه إیاها و أوجده علیها، إما فی جبلته أو فی تخلقه فتکون مکتسبه له، و على کل وجه فهی من اللّه، فکان الحق معدن کل خیر و جمیل، فرجع عاقبه الثناء على المخلوق بتلک المحامد على من أوجدها و هو اللّه، فلا محمود إلا اللّه، و ما من لفظ یکون له وجه إلى مذموم إلا و فیه وجه إلى محمود، فهو من حیث أنه محمود یرجع إلى اللّه، و من حیث ما هو مذموم لا حکم له، لأن مستند الذم عدم، فلا یجد متعلقا، فیذهب و یبقى الحمد لمن هو له،

فلا یبقى لهذا اللفظ المعیّن إلا وجه الحمد عند الکشف، و یذهب عنه وجه الذم، أی ینکشف له أن لا وجه للذم، فعادت عواقب الثناء إلى اللّه عزّ و جل، و أما من کونه حامدا فمن حیث أنه حمد نفسه بنفسه، فاللّه هو الغنی الذی لا یفتقر، الحمید الذی ترجع إلیه عواقب الثناء من الحامد و المحمود. و مبدأ الحمد غنى الحق عن العالمین، و قدّم الفقر على الغنى فی اللفظ، لأن مبدأ الحمد من الخلق هو الافتقار إلى الحق تعالى، و غنى الحق مقدّم فی المعنى على فقر الخلق إلیه،

فإن الغنى عن الخلق للّه أزلا، و الفقر للممکن فی حال عدمه إلى اللّه من حیث غناه أزلا، و اعلم أن الحمد للّه تملأ المیزان، لأنه کل ما فی المیزان فهو ثناء على اللّه و حمد للّه، فما ملأ المیزان إلا الحمد، فالتسبیح حمد و کذلک التهلیل و التکبیر و التمجید و التعظیم و التوقیر و التعزیز، و أمثال ذلک کله حمد، فالحمد للّه هو العام الذی لا أعم منه، و کل ذکر فهو جزء منه، و الحمد على ثلاثه أنحاء فی التمام و الکمال،

و أتمها واحد منها، و ذلک حمد الحامد نفسه یتطرق إلیه الاحتمال، فلا یکون له ذلک الکمال، فیحتاج إلى قرینه حال و علم یصدق الحامد فیما حمد به نفسه، فإنه قد یصف واصف نفسه بما لیس هو علیه، و کذلک حکمه إذا حمده غیره یتطرق أیضا إلیه الاحتمال، حتى یستکشف عن ذلک، فینقص عن درجه الإبانه و التحقیق، و الحمد الثالث حمد الحمد، و ما فی المحامد أصدق منه،

فإنه عین قیام الصفه به، فلا محمود إلا من حمده الحمد، لا من حمد نفسه و لا من حمده غیره، فإذا کان عین الصفه عین الموصوف عین الواصف کان الحمد عین الحامد و المحمود، و لیس إلا اللّه، فهو عین حمده سواء أضیف ذلک الحمد إلیه أو إلى غیره- بحث فی الغنى باللّه- یرى البعض أن الغنى باللّه تعالى من أعظم المراتب، و حجبهم ذلک عن التحقیق بالتنبیه على الفقر إلى اللّه الذی هو صفتهم الحقیقیه، فجعلوها فی الغنى باللّه بحکم التضمین، لمحبتهم فی الغنى الذی هو خروج عن صفتهم، و الرجل إنما هو من عرف قدره، و تحقق بصفته و لم یخرج عن موطنه، و أبقى على نفسه خلعه ربه و لقبه و اسمه الذی لقبه به و سماه، فقال: «أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ» و کان غایه الغنى فی العبد أن یستغنی باللّه عما سواه،

و لیس ذلک عندنا مقاما محمودا، فإن فی ذلک قدرا لما سوى الحق، و تمیزا عن نفسه، فلرعونه النفس و جهالتها أرادت أن تشارک ربها فی اسم الغنی، فرأت أن تتسمى بالغنی باللّه، و تتصف به حتى ینطلق علیها اسم الغنی، و تخرج عن اسم الفقیر، و هذا من غوائل النفوس المبطونه فیها، و صاحب مقام العبوده یسری ذوقه فی کل ما سوى اللّه أنه عبد کهو لا فرق، و یرى أن کل ما سوى اللّه محل جریان تعریفات الحق له،

فیفتقر إلى کل شی‏ء فإنه ما یفتقر إلا إلى اللّه، و لا یرى أن شیئا یفتقر إلیه فی نفسه، و إن أفاد اللّه الناس على یدیه فهو عن ذلک فی نفسه بمعزل، و یرى أن کل اسم تسمى به شی‏ء مما یعطیه فائده أن ذلک اسم اللّه، غیر أنه لا یطلقه علیه حکما شرعیا و أدبا إلهیا، فما خلق اللّه العالم على قدم واحده إلا فی شی‏ء واحد و هو الافتقار، فالفقر له ذاتی و الغنى له أمر عرضی، فالعبد له الفقر المطلق إلى سیده، و الحق له الغنى المطلق عن العالم، فالعالم المحقق لا یزال الأمر الذاتی من کل شی‏ء و من نفسه مشهودا له دائما دنیا و آخره،

فلا یزال عبدا فقیرا تحت أمر سیده، لا یستغنی عن ربه، فإن الحقیقه تأبى أن یفتقر إلى غیر اللّه، و قد أخبر اللّه أن الناس فقراء إلى اللّه على الإطلاق، و الفقر حاصل منهم، فعلمنا أن الحق قد ظهر فی صوره کل ما یفتقر إلیه فیه، و الفقیر من یتناول الأسباب على أوضاعها الحکمیه لا یخل بشی‏ء منها، و هو الذی یفتقر إلى کل شی‏ء و إلى نفسه و لا یفتقر إلیه شی‏ء، و هو العبد المحض عند المحققین فإن اللّه یقول من باب الغیره الإلهیه «یا أَیُّهَا النَّاسُ» و ما خص مؤمنا و لا غیره‏ «أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ» فکنّى عن نفسه فی هذه الآیه بکل ما یفتقر إلیه، أی فما افتقرتم إلیه من الأشیاء هو لنا و بأیدینا، و ما هو لنا لا یطلب إلا منا،

فإلینا الافتقار لا إلیه، إذ هو غیر مستقل إلا بنا، فما افتقر فقیر إلا إلى اللّه، عرف ذلک الشخص أو لم یعرفه، و هذا الفقیر المتحقق بفقره إلى اللّه لا تظهر علیه صفه غنى باللّه و لا بغیر اللّه، فیفتقر إلیه من ذلک الوجه فصح له مطلق الفقر، فإن الذله و الافتقار لا تکون من الکون إلا للّه تعالى، فکل من تذلل و افتقر إلى غیر اللّه تعالى و اعتمد علیه و سکن فی کل أمره إلیه فهو عابد وثن، و المفتقر إلیه یسمى وثنا، و یسمیه المفتقر إلها «وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ» أی المثنى علیه بصفه الغنی عن العالم.

خزائن الجود ما انسدت مغالقها لو انتهت لانتهى فی العالم الفقر
و فقره دائم لا ینتهی أبدا کذاک نائله لا ینقضی عمر
الفقر بالذات ذاتی لصاحبه‏ و لو یدوم له من ربه الیسر
ما قلت إلا الذی قال الإله لنا فینا ففی کل یسر مدرج عسر

 

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۱۶]

إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ (۱۶)

«إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ» إعدام الموجود «وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ» إیجاد المعدوم، فإن له الاقتدار و الاقتدار لا یکون عنه إلا الوجود، فأبى الاقتدار إلا الوجود، و علق الإراده بالإعدام، و اللّه تعالى لا یعدم الأشیاء القائمه بأنفسها بعد وجودها، و لا یتصف بإعدام أحوالها و لا أعراضها بعد وجودها، و إنما الأشیاء تکون على أحوال، فتزول تلک الأحوال عنها فیخلع اللّه علیها أحوالا غیرها، أمثالا کانت أو أضدادا، مع جواز إعدام الأشیاء بمسکه الإمداد بما به بقاء أعیانها، لکن قضى القضیه أن لا یکون الأمر إلا هکذا، و لذلک قال: «إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَ یَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ» و لکن ما فعل.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۱۷]

وَ ما ذلِکَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِیزٍ (۱۷)

بممتنع.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۱۸]

وَ لا تَزِرُ وازِرَهٌ وِزْرَ أُخْرى‏ وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَهٌ إِلى‏ حِمْلِها لا یُحْمَلْ مِنْهُ شَیْ‏ءٌ وَ لَوْ کانَ ذا قُرْبى‏ إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَ أَقامُوا الصَّلاهَ وَ مَنْ تَزَکَّى فَإِنَّما یَتَزَکَّى لِنَفْسِهِ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِیرُ (۱۸)

«وَ لا تَزِرُ وازِرَهٌ وِزْرَ أُخْرى‏» فی الآخره لأنها دار تمییز، فلا تصیب العقوبه إلا أهلها.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۱۹]

وَ ما یَسْتَوِی الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِیرُ (۱۹)

أی لا یستوی الأعمى و هو الذی لا یفهم فیعلم، و لا البصیر الذی یفهم فیعلم.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۲۰]

وَ لا الظُّلُماتُ وَ لا النُّورُ (۲۰)

و لا ظلمات الضلال و لا نور الهدى، و لا ظلمات الشرک و لا نور التوحید، و لا ظلمات الشقاء و التعب و لا نور السعاده و الراحه، و لا ظلمات الجهل و لا نور العلم، و لا ظلمات‏ المخالفه و لا نور الموافقه.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۲۱ الى ۲۴]

وَ لا الظِّلُّ وَ لا الْحَرُورُ (۲۱) وَ ما یَسْتَوِی الْأَحْیاءُ وَ لا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ (۲۲) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِیرٌ (۲۳) إِنَّا أَرْسَلْناکَ بِالْحَقِّ بَشِیراً وَ نَذِیراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّهٍ إِلاَّ خَلا فِیها نَذِیرٌ (۲۴)

[الخلق کله أمم، و فی کل أمه نذیر من جنسها]

«وَ إِنْ مِنْ أُمَّهٍ إِلَّا خَلا فِیها نَذِیرٌ» کل أمه على حسب ما تعطیه حقیقتها و تقبل رقیقتها، فإن اللّه تعالى یقول: (وَ لا طائِرٍ یَطِیرُ بِجَناحَیْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُکُمْ) فألحق البهائم بالأمم و حکم بذلک و عمّ، و کل أمه فی أفقها ناطقه و فی أوجها عاشقه، فلیس فی الوجود جماد و لا حیوان إلا ناطق بلسان، لسان ذات لا لسان حال، و القائل بخلاف هذا قائل محال، و فی کل أمه من الأمم نذیر من جنسها على حسب نفسها، فعمت الشرائع جمیع الخلائق، فنکّر الأمه و نکّر النذیر، و النذیر قد یکون لکل واحد منهم نذیر فی ذاته، و قد یکون للنوع من جنسه، لا بد من ذلک، من حیث لا یعلمه و لا یشهده إلا من أشهده اللّه، و هذه الآیه لیست بنص فی الرساله إنما هی نص أن فی کل أمه عالما باللّه و بأمور الآخره، و ذلک هو النبی لا الرسول،

و لو کان الرسول لقال: إلیها، و لم یقل: فیها، و نحن نقول: إنه کان فیما قبل نوح علیه السلام- و هو أول رسول- أنبیاء عالمون باللّه، و من شاء وافقهم و دخل معهم فی دینهم و تحت حکم شریعتهم کان، و من لم یشأ لم یکلف ذلک، و کان إدریس علیه السلام منهم، و ما من شی‏ء فی الوجود إلا و هو أمه من الأمم، فإنه تعالى ما یعذب ابتداء و لکن یعذب جزاء، فإن الرحمه لا تقتضی فی العذاب إلا الجزاء للتطهیر، و لو لا التطهیر ما وقع العذاب،

و قد [قال صلّى اللّه علیه و سلم فی الکلاب: إنها أمه من الأمم‏] فعمت الرساله الإلهیه جمیع الأمم، صغیرهم و کبیرهم، فما من أمه إلا و هی تحت خطاب إلهی على لسان نذیر بعث إلیها منها و فیها، فإن کل جنس من خلق اللّه أمه من الأمم، فطرهم اللّه على عباده تخصهم أوحى بها إلیهم فی نفوسهم، فرسولهم من ذواتهم، إعلام من اللّه بإلهام خاص جبلهم علیه، کعلم بعض الحیوانات بأشیاء یقصر عن إدراکها المهندس النحریر، و علمهم على الإطلاق بمنافعهم فیما یتناولونه من الحشائش و المآکل و تجنب ما یضرهم من ذلک، کل ذلک‏ فی فطرتهم، أما قوله تعالى: «نَذِیرٌ» أی یقوم بسیاستها لبقاء المصلحه فی حقها، سواء کان ذلک الشرع إلهیا أو سیاسیا، على کل حال تقع المصلحه به، فی القرن الذی یظهر فیه،

و ذلک بالنسبه للبشر، فهو إما نذیر بأمر اللّه و إرادته، أو نذیر بإراده اللّه لا بوحی نزل علیه یعلم به أنه من عند اللّه، فما من طائفه إلا و هی تحت ناموس شرعی حکمی أو وضع حکمی، فلا تخلو أمه من مخالفه تقع منها لناموسها کان ما کان، فقد عمت النوامیس جمیع الأمم.

 

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۲۵]

وَ إِنْ یُکَذِّبُوکَ فَقَدْ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْکِتابِ الْمُنِیرِ (۲۵)

و لما أراد اللّه إصلاح خلقه‏ و کان بهم داء الطمأنینه اصطفى‏
إماما کریما منهم متطلعا لأسرار أرواح العلى متشوفا
فأنزله فیهم طبیبا محکما أمینا علیما بالسقام و بالشفا
و جاء بآیات تؤید صدقه‏ تراها برأی العین إن کنت منصفا
فأنقذنا من لفح نار تسعرت‏ و کنا لعمر اللّه منها على شفا
و أظهر أسرارا و أبدى سبیلها لتحصیلها من بعد ما کان قد عفا

[سبب وضع الشریعه فی العالم‏]

سبب وضع الشریعه فی العالم أمران فیهما سران: الأمر الواحد صلاح العالم، و هو منهج الأنبیاء، و یؤیده قوله تعالى: (وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاهٌ)، و سره أن نصر المؤمنین حق علیه، و الأمر الآخر، إثبات ذل العبودیه، و ظهور عز الربوبیه، و سره حکم سلطان اسمیه (المعز المذل)، فتنبه لما رمزناه، و فک المعمّى الذی لغزناه، الطمأنینه بما لا حقیقه له توجب التکلیف، و ما ثمّ شی‏ء إلا و له حقیقه فقد لزمک الوقوف، ما من أمه إلا قد اطمأنت، فلما جاءتها الرساله أنّت لعبئها ثم حنّت، لو لا الوعید و الوعد، ما سعی فی الوفاء بالعهد،

فالحقائق لها رقائق، غاب عنها أهل العلائق و العوائق، و الحال علاقه المرید، و حب الکشف نهایه من لم یذق لذه المزید، و کل من شاهد أمرا لیس ذلک المشهود علیه، فذلک‏ الأمر فیه و راجع إلیه، فلیحذر أن یقول: إنه فی الکون الخارج لا محاله، فیثبت عند المحققین محاله، و من لم یفرق بین نفسه و غیره، فلا یمیز بین شره و خیره، فهذا سبب وضع الشرع، الموافق للعقل و الطبع.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۲۶ الى ۲۷]

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِینَ کَفَرُوا فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ (۲۶) أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِیضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِیبُ سُودٌ (۲۷)

[سبب زرقه السماء، و أثر البعد فی التلوین العارض‏]

إن الزرقه التی ننسبها إلى السماء و نصفها بها فتلک اللونیه لجرم السماء لبعدها عنک فی الإدراک البصری، کما ترى الجبال إذا بعدت عنک زرقا، و لیس الزرقه إلا لبعدها عن نظر العین، کما ترى الجبل البعید عن نظرک أسود، فإذا جئته قد لا یکون کما أبصرته، فإن الألوان على قسمین: لون یقوم بجسم المتلون، و لون یحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض یقوم بین الرائی و المرئی، مثل هذا و مثل الألوان التی تحدث فی المتلون باللون الحقیقی، لهیئات تطرأ فیراها الناظر على غیر لونها القائم بها الذی یعرفه.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۲۸]

وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ کَذلِکَ إِنَّما یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ (۲۸)

الخشیه من خصائص العلماء باللّه المرضی عنهم المطلوب منهم الرضى، قال تعالى:

(رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ) فالخشیه من صفات العلم الذی یعطی الخشیه اللازمه له، و على قدر العلم بها تکون الخشیه المنسوبه إلى العالم، فالعلم یورث الخشیه و الخشیه تعطی الخشوع، و هذه صفه العلماء العارفین باللّه، لعلمهم بأنه یعلم حرکاتهم و سکناتهم على التعیین و التفصیل، و کل عالم عندنا لم تظهر علیه ثمره علمه و لا حکم علیه علمه فلیس بعالم، و إنما هو ناقل، و أتمم اللّه هذه الآیه بقوله: «إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ» و عزته‏ امتناعه،

فهو الذی یخاف و یرجى و یسأل و یجیب إن شاء و إن شاء، فهو عزیز عن أن یتصف بالخوف و الرجاء و عن مثل هذا، و هو أیضا عزیز أی یمتنع أن یؤثر فیه أمر یحول بینه و بین عموم مغفرته على عباده، و لذلک قال‏ «غَفُورٌ» بما ستر، و جاء ببنیه المبالغه فی الغفران بعمومها، فهی رجاء مطلق للعصاه على طبقاتهم، فإنه لما کانت علوم اللّه و أسراره الراجعه إلیه تعالى و إلى أسمائه و إلى العالم قد سترها عن الخلق کلهم بالمجموع،

فلا یعلم المجموع و لا واحد من الخلق، لکن له العلم بالآحاد، فعند واحد ما لیس عند الآخر، فهو بالمجموع حاصل لا حاصل، فهو حاصل عند المجموع غیر حاصل عند واحد، فعند واحد من العلم باللّه ما لیس عند الآخر، فلذلک قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ».

 

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۲۹]

إِنَّ الَّذِینَ یَتْلُونَ کِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاهَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِیَهً یَرْجُونَ تِجارَهً لَنْ تَبُورَ (۲۹)

[صدقه السر و صدقه العلن‏]

«وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِیَهً»* خرج مسلم عن جریر بن عبد اللّه قال: کنا عند رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم فی صدر النهار فجاءه قوم حفاه عراه، مجتابی النمار متقلدین السیوف، عامتهم من مضر، بل کلهم من مضر، فتمعر وجه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم لما رأى بهم من الفاقه، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن،

و أقام فصلى بهم ثم خطب فقال: [یا أیها الناس اتقوا ربکم الذی خلقکم من نفس واحده و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا کثیرا و نساء و اتقوا اللّه الذی تساءلون به و الأرحام إن اللّه کان علیکم رقیبا (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِما تَعْمَلُونَ) تصدق رجل من دیناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: و لو بشق تمره، قال: فجاء رجل بصره من الأنصار تکاد کفه تعجز عنها، بل عجزت،

قال: ثم تتابع الناس حتى رأیت کومین من طعام و ثیاب، حتى رأیت وجه رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم یتهلل کأنه مذهبه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم: من سن فی الإسلام سنه حسنه فله أجرها و أجر من عمل بها من بعده من غیر أن ینتقص من أجورهم شیئا، و من سن فی الإسلام سنه سیئه کان علیه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غیر أن ینتقص من أوزارهم شیئا] و إخفاء الصدقه شرط فی نیل‏ المقام العالی، و منها أن تخفی کونها صدقه فلا یعلم المتصدق علیه أنه بین یدی المتصدق، خرج البخاری عن أبی هریره رضی اللّه عنه عن النبی صلّى اللّه علیه و سلم قال: [سبعه یظلهم اللّه فی ظله یوم لا ظل إلا ظله،

إمام عادل و شاب نشأ فی (طاعه) عباده اللّه، و رجل قلبه متعلق بالمساجد، و رجلان تحابا فی اللّه اجتمعا علیه و تفرقا علیه، و رجل دعته امرأه ذات منصب و جمال فقال: إنی أخاف اللّه، و رجل تصدق بصدقه فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق یمینه، و رجل ذکر اللّه خالیا ففاضت عیناه‏] و الکامل من الناس یعلن فی وقت فی الموضع الذی یرى أن الحق رجح فیه الإعلان، و یسر بها فی وقت فی الموضع الذی یرى أن الحق یرجح فیه الإسرار.

[سوره فاطر (۳۵): آیه ۳۰]

لِیُوَفِّیَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ یَزِیدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَکُورٌ (۳۰)

نسبه الشکر إلیه تعالى ببنیه المبالغه فی حق من أعطاه من العمل ما تعین على جمیع أعضائه و قواه الظاهره و الباطنه، فی کل حال بما یلیق به، و فی کل زمان بما یلیق به، فیشکره الحق على کل ذلک بالاسم الشکور.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۳۱ الى ۳۲]

وَ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِیرٌ (۳۱) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ (۳۲)

«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتابَ» هو القرآن المحفوظ من التحریف و الزیاده «الَّذِینَ اصْطَفَیْنا مِنْ عِبادِنا» المصطفى من عباد اللّه لا یتقدم له نظر عقلی فی العلم باللّه، فإنه ما تقدم لنبی قط قبل نبوته نظر عقلی فی العلم باللّه، و لا ینبغی له ذلک، و کذلک کل ولی مصطفى، و سبب ذلک أن النظر یقیده فی اللّه بأمر ما یمیزه به عن سائر الأمور،

و لا یقدر على نسبه عموم‏ الوجود للّه، فما عنده سوى تنزیه مجرد، فإذا عقد علیه، فکل ما أتاه من ربه فخالف عقده، فإنه یرده و یقدح فی الدلاله التی تعضد ما جاءه من عند ربه، فمن اعتنى اللّه به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر، و اصطنعه لنفسه و حال بینه و بین طلب العلوم النظریه، و رزقه الإیمان باللّه و بما جاء من عند اللّه على لسان رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم، هذا فی هذه الأمه التی عمت دعوه رسولها،

و إن سعد صاحب النظر العقلی فإنه لا یکون أبدا فی مرتبه الساذج الذی لم یکن عنده علم باللّه إلا من حیث إیمانه و تقواه، و هذا هو وارث الأنبیاء فی هذه الصفه، فهو معهم و فی درجتهم هذه، فالمصطفى هو الولی، ثم قال فی المصطفین: «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» و من ظلم لنفسه حمل الأمانه «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» و هو آدم و من کان بهذه المثابه.

و اعلم أن للنفس حقا فإذا جنی علیها و عفوت فأنت الظالم المصطفى، و هو الأول من الثلاثه، لم یأخذ لها حقها ممن ظلمها، و عاد أجرها على اللّه، و منهم ظالم لنفسه، و هو أن یمنعها حقها من أجلها، أی الحق الذی لک یا نفسی علیّ فی الدنیا نؤخره لک إلى الآخره، و بادر هنا إلى الکد و الاجتهاد و أخذ بالعزائم، و اجتنب المیل إلى الرخص،

و هذا کله حق لها، فهو ظالم لنفسه نفسه من أجل نفسه، و لهذا قال فیمن اصطفاهم‏ «فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» أی من أجل نفسه لیسعدها، فما ظلمها إلا لها، فمن ورثه الکتاب الظالم لنفسه بما یجهدها علیه، فهو یظلم نفسه فیما لها من الحق لنفسه، فهو فی الوقت صاحب عذاب و ألم لا یرید دفعه عنه، لأنه استعذبه و هان علیه حمله فی جنب ما یطلبه،

فإنه یطلب سعادته، و هو ظالم لنفسه أی من أجل نفسه بأنه لا یوفیها حقها، لنزوله فی العلم عن رتبه من یعلم أن حقائقه التی هو علیها لا تتداخل، و لا تتعدى کل حقیقه مرتبتها، و لا تقبل إلا ما یلیق بها، فإن الإنسان مجموع أمور أنشأه اللّه علیها، طبیعیه و روحانیه و إلهیه، فلا تقبل العین إلا السهر و النوم و ما یختص بها،

و لا تقبل من الثواب إلا المشاهده و الرؤیه، و الأذن لا تقبل فی الثواب إلا الخطاب، إذ لیس الشهود للسمع، و الکامل یسعى لقواه على قدر ما تطلبه، و هو إمام ناصح لرعیته لیس بغاش لها، فإن ظلمها فإنما یظلمها لها فی زعمه، و ذلک لجهله بما علم غیره من ذلک، کسلمان الفارسی و أخیه فی اللّه أبی الدرداء فی حالهما، فرجح رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم سلمان، فإنه کان یعطی کل ذی حق حقه، فیصوم و یفطر، و یقوم و ینام، و کان أبو الدرداء مع کونه مصطفى ظالما لنفسه، یصوم فلا یفطر، و یقوم فلا ینام،

هذا هو ظلم المصطفین من عباد اللّه، لا ظلم یتعدى الحدود الإلهیه، فإن من یتعدى حدود اللّه فقد ظلم نفسه، و أما الظالم لنفسه فلعلمه بقدرها عند اللّه، فهو یظلم لها لا یظلمها، فیعطى کل ذی حق حقه إلا الحق، فإنه لا یعطیه کل حقه، بل یعطیه من حقه تعالى ما یسمى به أدیبا، و ما لا یسمى به أدیبا یظلمه فیه من أجل نفسه، حتى یلحق برتبه الأنبیاء، فمثل هذا الظلم من الفضل الإلهی على عبده، فمن کان مشهده هذا سمی ظالما لنفسه مع أنه مصطفى،

و ما أوقفه على ذلک إلا علمه بالکتاب، فهو یحکم به، «وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ» و هو الذی اقتصد فی کل موطن على ما یقتضیه حکم الموطن لا بحکم نفسه، و هم أهل اللّه السابقون إلى الخیرات على طریق الاقتصاد من إعطاء کل ذی حق حقه، فمشهد الظالم ما یجب للحق فلا ینسبه إلیه، و مشهد المقتصد المواطن و ما تستحق، فالظالم یدخل فی حکم المقتصد، و لهذا کان المقتصد وسطا، لأنه على حقیقه لیست للطرفین، و فیه حکم الطرفین،

ما یحتاج إلیه أو یندرج فیه‏ «وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیْراتِ» و أما السابق بالخیرات فهو الذی یتهیأ لحکم المواطن قبل قدومها علیه، و تجتمع هذه الأحوال فی الشخص الواحد، فیکون ظالما مقتصدا سابقا بالخیرات‏ «بِإِذْنِ اللَّهِ» أی کل ذلک بأمر اللّه‏ «ذلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ» الضمیر من‏ «هُوَ» یعود على السبق الذی یدل علیه اسم الفاعل، فالمصطفون عند أولی الألباب، ثلاثه بنص الکتاب، ظالم لنفسه فی أبناء جنسه، و الثانی مقتصد و علیه المعتمد،

فإنه حکیم الوقت بعید عن المقت، و الثالث سابق بالخیرات إلى الخیرات، و هو الساعی صاحب السمع الواعی، و أما المقتصد فما زاد على زاده على قدر اجتهاده، و أما الظالم فهو المحکوم علیه للحاکم، فمن ظلم ما حکم، و من اقتصد ما اعتضد، و قنع و اکتفى، و من سبق حاز الأمر و ظفر، و الکتاب قد شمل الجمیع،

و إن کان فیهم الأرفع و الرفیع، فالکل وارث فإنه حارث، و أصحاب السهام متفاضلون، فمنهم المقلون و منهم المکثرون، فما تمیز الرجال إلا بالأحوال فی الأعمال، فکن من شئت من هؤلاء، و هؤلاء الثلاثه هم الورثه الذین قال فیهم رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم [العلماء ورثه الأنبیاء] و الوارث الکامل من ورث رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم علما و عملا و حالا، فقوله تعالى فی الوارث المصطفى إنه ظالم لنفسه یرید حال أبی الدرداء و أمثاله من الرجال، الذین ظلموا أنفسهم لأنفسهم، أی من أجل أنفسهم حتى یسعدوها فی الآخره، و ذلک أن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم قال: [إن لنفسک‏ علیک حقا، و لعینک علیک حقا] فإذا صام الإنسان دائما و سهر لیله و لم ینم، فقد ظلم نفسه فی حقها و عینه فی حقها، و ذلک الظلم لها من أجلها،

و لهذا قال: «ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» فإنه أراد بها العزائم و ارتکاب الأشد، لما عرف منها و من جنوحها إلى الرخص و البطاله، و جاءت السّنه بالأمرین لأجل الضعفاء، فلم یرد اللّه تعالى بقوله: «ظالِمٌ لِنَفْسِهِ» الظلم المذموم فی الشرع، فإن ذلک لیس بمصطفى، و أما الصنف الثانی من ورثه الکتاب فهو المقتصد، و هو الذی یعطی نفسه حقها من راحه الدنیا، لیستعین بذلک على ما یحملها علیه من خدمه ربها، فی قیامه بین الراحه و أعمال البر، و هو حال بین حالین، بین العزیمه و الرخصه، ففی قیام اللیل یسمى المقتصد متهجدا، لأنه یقوم و ینام، و على مثل هذا تجری أفعاله، و أما السابق بالخیرات و هو المبادر إلى الأمر قبل دخول وقته لیکون على أهبه و استعداد،

و إذا دخل الوقت کان متهیأ لأداء فرض الوقت، لا یمنعه من ذلک مانع، کالمتوضئ قبل دخول الوقت، و الجالس فی المسجد قبل دخول وقت الصلاه، فإذا دخل الوقت کان على طهاره و فی المسجد، فیسابق إلى أداء فرضه و هی الصلاه، و کذلک إن کان له مال أخرج زکاته و عیّنها لیله فراغ الحول، و دفعها لربها فی أول ساعه من الحول الثانی للعامل الذی یکون علیها، و کذلک فی جمیع أفعال البر کلها یبادر إلیها، کما قال النبی صلّى اللّه علیه و سلم لبلال: [بم سبقتنی إلى الجنه؟] فقال: بلال ما أحدثت قط إلا توضأت، و لا توضأت إلا صلیت رکعتین،

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم: بهما] فهذا و أمثاله من السابق بالخیرات، و هو کان حال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم بین المشرکین فی شبابه و حداثه سنه، و لم یکن مکلّفا بشرع، فانقطع إلى ربه و تحنث و سابق إلى الخیرات و مکارم الأخلاق، حتى أعطاه اللّه الرساله.

القلب بیت و إن العلم یسکنه‏ بالعلم یحیى فلا تطلب سوى العلم‏
ما ثم علم یکون الحق یمنحه‏ إلا الکتاب لمن قد خص بالفهم‏
فیه فتبدو علوم کلها عجب‏ لکل قلب سلیم حائز الحکم‏
أو سابق أو إمام ظل مقتصدا یرجو النجاه فما ینفک عن وهم‏
إن النجاه لتأتی القوم طائعه و تأت قوما إذا جاءت على الرغم‏

[إشاره: صح لنا ورث الکتاب لأنه أعطاه لنا من غیر اکتساب‏]

– إشاره- قال النبی صلّى اللّه علیه و سلم [العلماء ورثه الأنبیاء] و قال [علماء هذه الأمه أنبیاء سائر الأمم‏]: الولی یخرج بصوره النبی، لا ینسخ شریعه، و لا یثبت أخرى، و لا یسأل على تعلیمه أجرا، و إنما صح لنا ورث الکتاب، لکونه أعطاه لنا من غیر اکتساب، و کل وارث مصطفى، و من سواه على شفا، و إنما ألحق الوارث منا بالنبی السالف، لأنه للإلقاء النبوی ذائق و لمقامه العلی کاشف، فهی موهوبه و مکسوبه، و طالبه و مطلوبه.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۳۳ الى ۳۵]

جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِیها حَرِیرٌ (۳۳) وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَکُورٌ (۳۴) الَّذِی أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَهِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ (۳۵)

سمیت منزل الکرامه دار المقامه، لأنها مقیمه على العهد لا تقبل الضد «لا یَمَسُّنا فِیها نَصَبٌ وَ لا یَمَسُّنا فِیها لُغُوبٌ» فإن الراحه و الرحمه مطلقه فی الجنه کلها، فکل من فی الجنه متنعم، و کل ما فیها نعیم، فحرکتهم ما فیها نصب، و أعمالهم ما فیها لغوب، إلا راحه النوم ما عندهم لأنهم ما ینامون.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۳۶ الى ۳۷]

وَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا یُقْضى‏ عَلَیْهِمْ فَیَمُوتُوا وَ لا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها کَذلِکَ نَجْزِی کُلَّ کَفُورٍ (۳۶) وَ هُمْ یَصْطَرِخُونَ فِیها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْکُمْ ما یَتَذَکَّرُ فِیهِ مَنْ تَذَکَّرَ وَ جاءَکُمُ النَّذِیرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ (۳۷)

«وَ هُمْ یَصْطَرِخُونَ فِیها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ» فإنهم فی هذه الحال علموا صدق اللّه فی إنفاذ الوعید فیهم.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۳۸ الى ۳۹]

إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَیْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (۳۸) هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ فَمَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَ لا یَزِیدُ الْکافِرِینَ کُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (۳۹)

«هُوَ الَّذِی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ فِی الْأَرْضِ» و هی محل الخفض، إذ الخفض لا یلیق بالجناب العالی، فلهذا أقام له نائبا فیه لیعلم أنه عبد، فمن الخلافه ثبت أنه عبد فقیر، ما له قوه من استخلفه، بل الخلافه خلعت علیه، یزیلها متى شاء و یجعلها على غیره، و لو استخلف الإنسان فی السماء مع وجوده على الصوره لم یشاهد عبودیته فی رفعته، للصوره و المکان و المکانه، فربما طغى.

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۴۰ الى ۴۲]

قُلْ أَ رَأَیْتُمْ شُرَکاءَکُمُ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّماواتِ أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً فَهُمْ عَلى‏ بَیِّنَهٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ یَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (۴۰) إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً (۴۱) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِیرٌ لَیَکُونُنَّ أَهْدى‏ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (۴۲)

«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِیرٌ» یعنی دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه علیه و سلم‏ «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً».

[سوره فاطر (۳۵): الآیات ۴۳ الى ۴۵]

اسْتِکْباراً فِی الْأَرْضِ وَ مَکْرَ السَّیِّئِ وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِیلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلاً (۴۳) أَ وَ لَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَهُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ کانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّهً وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعْجِزَهُ مِنْ شَیْ‏ءٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ عَلِیماً قَدِیراً (۴۴) وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما کَسَبُوا ما تَرَکَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّهٍ وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ کانَ بِعِبادِهِ بَصِیراً (۴۵)

رحمه من الرحمن فى تفسیر و اشارات القرآن، ج‏۳، ص: ۴۶۱

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

دکمه بازگشت به بالا
-+=