تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره بنی إسرائیل(سوره الإسراء)
سوره بنی إسرائیل
[۱]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۱]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
سُبْحانَ الَّذِی أَسْرى بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِی بارَکْنا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیاتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (۱)
سُبْحانَ الَّذِی أَسْرى أی: أنزهه عن اللواحق المادیه و النقائص التشبیهیه بلسان حال التجرّد و الکمال فی مقام العبودیه الذی لا تصرف فیه أصلا لَیْلًا أی: فی ظلمه الغواشی البدنیه و التعلقات الطبیعیه لأنّ العروج و الترقی لا یکون إلا بواسطه البدن مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أی: من مقام القلب المحرّم عن أن یطوف به مشرک القوى البدنیه و یرتکب فیه فواحشها و خطایاها و یحجّه غوى القوى الحیوانیه من البهیمیه و السبعیه المنکشفه سوأتا إفراطها و تفریطها لعروها عن لباس الفضیله إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الذی هو مقام الروح الأبعد من العالم الجسمانی بشهود تجلیات الذات و سبحات الوجه، و تذکر ما ذکرنا أن تصحیح کل مقام لا یکون إلا بعد الترقی إلى ما فوقه لتفهم من قوله.
لِنُرِیَهُ مِنْ آیاتِنا مشاهده الصفات، فإن مطالعه تجلیات الصفات و إن کانت فی مقام القلب لکن الذات الموصوفه بتلک الصفات لا تشاهد على الکمال بصفه الجلال و الجمال إلا عند الترقی إلى مقام الروح، أی: لنریه آیات صفاتنا من جهه أنها منسوبه إلینا و نحن المشاهدون بها، البارزون بصورها إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لمناجاته فی مقام السر لطلب الفناء الْبَصِیرُ بقوه استعداده و توجهه إلى محل الشهود و انجذابه إلیه بقوه المحبه و کمال الشوق.
[۲، ۳]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۲ الى ۳]
وَ آتَیْنا مُوسَى الْکِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِی إِسْرائِیلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِی وَکِیلاً (۲) ذُرِّیَّهَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ کانَ عَبْداً شَکُوراً (۳)
وَ آتَیْنا مُوسَى القلب کتاب العلم وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِی إِسْرائِیلَ أی: القوى التی هی أسباط إسرائیل الروح أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِی وَکِیلًا لا تستبدوا بأفعالکم و لا تستقلوا بطلب کمالاتکم و حظوظکم و لا تکتسبوا بمقتضى دواعیکم و لا تکلوا أمرکم إلى شیطان الوهم فیسوّل لکم اللذات البدنیه و لا إلى عقل المعاش فیستعملکم فی ترتیبه و إصلاحه، بل کلوا أمرکم إلیّ لأدبرکم بأرزاق العلوم و المعارف و هیئات الأخلاق و الفضائل، و أکملکم بإمداد الأنوار من عالم القلب و الروح بتأیید القدس و أنزل علیکم من عوالم الملکوت و الجبروت ما یغنیکم عن مکاسب الناسوت أعنی ذُرِّیَّهَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ العقل فی فلک الشریعه و الحکمه العلمیه إِنَّهُ کانَ عَبْداً شَکُوراً لمعرفته بنعم اللّه و استعمالها على الوجه الذی ینبغی.
[۴]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۴]
وَ قَضَیْنا إِلى بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا کَبِیراً (۴)
وَ قَضَیْنا إِلى بَنِی إِسْرائِیلَ القوى فی کتاب اللوح المحفوظ أی: حکمنا فیه لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ مره فی مقام النفس حاله کونها أمّاره لتفسدنّ فی طلب شهواتکم و لذاتکم وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا کَبِیراً باستیلائکم على القلب و غلبتکم و استعلائکم علیه و منعکم إیاه عن کماله و استخدام قوته المفکره فی تحصیل مطالبکم و مآربکم، و مره فی مقام القلب عند تزینکم بالفضائل و تنوّرکم بنور القلب و ظهورکم ببهجه کمالاتکم لتفسدنّ بالظهور بکمالاتکم و احتجاب القلب بفضائلکم عن شهود تجلی التوحید و الحجب النوریه أقوى من الحجب الظلمانیه لرقتها و لطافتها و تصوّرها کمالات یجب الوقوف معها، و لتعلن فی مقام الفطره بالسلطنه بالهیئات العقلیه و الکمالات الإنسیه.
[۵]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۵]
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّیارِ وَ کانَ وَعْداً مَفْعُولاً (۵)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما أی: وعد وبال أولاهما بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا من الصفات القلبیه و الأنوار الملکوتیه و الآراء العقلیه أُولِی بَأْسٍ شَدِیدٍ ذوی سلطنه و قهر فَجاسُوا خِلالَ دیار أماکنکم و محالکم و قتلوا بعضکم بالقمع و القهر و سبوا ذراری الهیئات البدنیه و الرذائل النفسانیه و نهبوا أموال المدرکات الحسیّه و اللذات البهیمیه و السبعیه وَ کانَ وَعْداً على اللّه مَفْعُولًا لإیداعه قوه الکمال و طلبه فی استعدادکم و رکزه أدله العقل فی فطرتکم.
[۶]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۶]
ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الْکَرَّهَ عَلَیْهِمْ وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِینَ وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً (۶)
ثُمَّ رَدَدْنا لَکُمُ الدوله بتنوّرکم بنور القلب و إقبالکم على الصدر و انصرافکم إلى مقتضى نظر العقل و رأیه وَ أَمْدَدْناکُمْ بِأَمْوالٍ العلوم النافعه و الحکم العقلیه و الشرعیه و المعارف القلبیه وَ بَنِینَ من الفضائل الخلقیه و الهیئات النورانیه وَ جَعَلْناکُمْ أَکْثَرَ نَفِیراً بکثره الفضائل و الملکات الفاضله و الأخلاق الحسنه.
[۷]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۷]
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَهِ لِیَسُوؤُا وُجُوهَکُمْ وَ لِیَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ کَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّهٍ وَ لِیُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِیراً (۷)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ بتحصیل الکمالات الخلقیه و الآراء العقلیه أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ باکتساب الرذائل و الهیئات البدنیه فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ المره الْآخِرَهِ بالفناء فی التوحید بعثنا علیکم عبادا من الأنوار القدسیه و التجلیات الجلالیه و السبحات القهریه من الصفات الإلهیه و جنود سلطان العظمه و الکبریاء لِیَسُوؤُا وُجُوهَکُمْ أی: وجوداتکم بالفناء فی التوحید، فیغلب علیکم کآبه فقدان الکمالات بقهرها و سلبها وَ لِیَدْخُلُوا مسجد القلب کَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّهٍ و وصل أثرها علیکم من العلوم و الفضائل وَ لِیُتَبِّرُوا ما عَلَوْا بالظهور بکماله و فضیلته و الإعجاب برؤیه زینته و بهجته تَتْبِیراً بالإفناء بصفات اللّه.
[۸]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۸]
عَسى رَبُّکُمْ أَنْ یَرْحَمَکُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ حَصِیراً (۸)
عَسى رَبُّکُمْ أَنْ یَرْحَمَکُمْ بعد القهر بالفناء و المحو بتجلیات الصفات بالإحیاء و یبعثکم بالبقاء بعد الفناء، و یثیبکم بما لا عین رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
وَ إِنْ عُدْتُمْ بالتلوین فی مقام الفناء بالظهور بأنانیتکم عُدْنا بالقهر و الإفناء کما قال تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا (۷۴) إِذاً لَأَذَقْناکَ ضِعْفَ الْحَیاهِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً (۷۵)[۱] وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ الطبیعه لِلْکافِرِینَ المحجوبین عن الأنوار، الذین بقوا على فساد المره الأولى حَصِیراً محبسا و سجنا یحصرهم فی عذاب الاحتجاب و الحرمان عن الثواب.
[۹]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۹]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ وَ یُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً کَبِیراً (۹)
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ یَهْدِی لِلَّتِی هِیَ أَقْوَمُ أی: یبین أحوال الفرق الثلاث من السابقین و أصحاب الیمین و أصحاب الشمال یهدی إلى طریقه التوحید التی هی أقوم الطرق للسابقین وَ یُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِینَ من أصحاب الیمین الذین آمنوا تقلیدا جازما أو تحقیقا علمیا و داوموا على أعمال التزکیه و التحلیه الصالحه لأن یتوصل بها إلى الکمال أَنَّ لَهُمْ أَجْراً کَبِیراً من نعیم جنات الأفعال و الصفات فی عوالم الملک و الملکوت و الجبروت.
[۱۰، ۱۱]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۰ الى ۱۱]
وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَهِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً (۱۰) وَ یَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَیْرِ وَ کانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (۱۱)
وَ أَنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ من أصحاب الشمال بِالْآخِرَهِ لکونهم بدنیین محجوبین عن عالم النور، محبوسین فی ظلمات الطبیعه أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً فی قعر سجین الطبیعه، مقیدین بسلاسل محبه السفلیات و أغلال التعلقات و نیران الحرمان عن اللذات و الشهوات، و التعذب بالعقارب و الحیّات من غواسق الهیئات.
[۱۲]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۱۲]
وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَهَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَهَ النَّهارِ مُبْصِرَهً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّکُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ وَ کُلَّ شَیْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلاً (۱۲)
وَ جَعَلْنَا لیل الکون و ظلمه البدن و نهار الإبداع و نور الروح یتوصل بهما و بمعرفتهما إلى معرفه الذات و الصفات فَمَحَوْنا آیَهَ اللَّیْلِ بالفساد و الفناء وَ جَعَلْنا آیَهَ النَّهارِ بینه باقیه أبدا، منیره بکمالها، تبصر بنورها الحقائق لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّکُمْ أی:
کمالکم الذی تستعدّونه وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ المراتب و المقامات أی: لتحصوها من أول حال بدایتکم إلى کبر نهایتکم بالترقی فیها و حساب أعمالکم و أخلاقکم و أحوالکم، فلا تجدوا شیئا من سیئات أعمالکم إلا و تکفرونه بحسنه مما یقابله من جنسه و لا رذیله من أخلاقکم إلا و تکفرونها بضدها من الفضیله، و لا ذنبا من ذنوب أحوالکم إلا و تکفرونه بالإنابه إلى جناب الحق وَ کُلَّ شَیْءٍ من العلوم و الحکم فَصَّلْناهُ بنور عقولکم عند الکمال و نزول العقل الفرقانی تَفْصِیلًا أی: علما تفصیلیا مستحضرا لا إجمالیا مغفولا عنه کما فی العقل القرآنی عند البدایه.
[۱۳- ۱۵]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۳ الى ۱۵]
وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَهِ کِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً (۱۳) اقْرَأْ کِتابَکَ کَفى بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً (۱۴) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها وَ لا تَزِرُ وازِرَهٌ وِزْرَ أُخْرى وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (۱۵)
وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ أی: جعلنا سعادته و شقاوته و سبب خیره و شره لازما لذاته لزوم الطوق فی العنق، کما قال: «السعید من سعد فی بطن أمه و الشقیّ من شقی فی بطن أمه». وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَهِ الصغرى عند الخروج من قبر جسده کِتاباً هیکلا مصورا بصور أعماله مقلّدا فی عنقه یَلْقاهُ للزومه إیاه مَنْشُوراً لظهور تلک الهیئات فیه بالفعل مفصله لا مطویا کما کان عند کونها فیه بالقوه، یقال له: اقْرَأْ کِتابَکَ أی: اقرأه قراءه المأمور الممتثل لأمر آمر مطاع یأمره بالقراءه، أو تأمره القوى الملکوتیه سواء کان قارئا أو غیر قارئ، لأن الأعمال هناک ممثله بهیئاتها و صورها یعرفها کل أحد لا على سبیل الکتابه بالحروف فلا یعرفها الأمیّ کَفى بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً لأن نفسه تشاهد ما فعلته لازما إیاها نصب عینها مفصلا لا یمکنها الإنکار، فبین لها غیرها وَ لا تَزِرُ وازِرَهٌ وِزْرَ أُخْرى لرسوخ هیئه ما فعلته فیها و صیرورتها ملکه لازمه دون الذی فعل غیرها، و لم یعرض لها منه شیء، و إنما یتعذب من یتعذب بالهیئات التی فیه لا من خارج.
وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا رسول العقل بإلزام الحجه و تمییز الحق و الباطل.ألا ترى أن الصبی و السفیه غیر مکلفین؟، أو رسول الشرع لظهور ما فی الاستعداد من الخیر و الشرّ و السعاده و الشقاوه بسببه و مقابلته بالإقرار و الإنکار، فإن المستعد للکمال یتحرک ما فیه بالقوه عند سماع الدعوه فیشتاق و یطلب متلقیا لها بالإقرار و القبول لما یدعوه إلیه لمناسبته إیاه و قربه و غیر المستعد ینکر و یعاند لمنافاته لما یدعوه إلیه و یعده.
[۱۶، ۱۷]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۶ الى ۱۷]
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَهً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً (۱۶) وَ کَمْ أَهْلَکْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَ کَفى بِرَبِّکَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً (۱۷)
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَهً إلخ، إنّ لکل شیء من الدنیا زوالا و زواله بحصول استعداد یقتضی ذلک. و کما أن زوال البدن بزوال الاعتدال و حصول انحراف یبعده عن ظل الوحده التی هی سبب بقاء کل شیء و ثباته فکذلک هلاک المدینه و زوالها بحدوث انحراف فیها عن الجاده المستقیمه التی هی صراط اللّه و هی الشریعه الحافظه للنظام، فإذا جاء وقت إهلاک قریه فلا بد من استحقاقها للإهلاک، و ذلک بالفسق و الخروج عن طاعه اللّه فلما تعلقت إرادته بإهلاکها تقدّمه أولا بالضروره فسق مترفیها من أصحاب الترف و النعم بطرا و أشرا بنعمه اللّه و استعمالا لها فیما لا ینبغی و ذلک بأمر من اللّه و قدر منه لشقاوه کانت تلزم استعداداتهم و حینئذ وجب إهلاکهم.
[۱۸]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۱۸]
مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَهَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (۱۸)
مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَهَ لکدوره استعداده و غلبه هواه و طبیعته عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ أی: لا نزیده بإرادته زیاده على ما قدرنا له من النصیب فی اللوح و لذلک قیده بالمشیئه ثم بقوله لمن نرید یعنی: لو لم نقدر له شیئا مما أراده لم نعجل له تخلیصه، إنّا لا نعطی إلا ما أردنا من أردنا ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ أی: قعر بئر الطبیعه الظلمانیه لانجذابه بإرادته إلى الجهه السفلیه و میله إلیها یَصْلاها بنیران الحرمان مَذْمُوماً عند أهل الدنیا و الآخره مَدْحُوراً من جناب الرحمه و الرضوان فی سخط اللّه و قهره.
[۱۹، ۲۰]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۹ الى ۲۰]
وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَهَ وَ سَعى لَها سَعْیَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ کانَ سَعْیُهُمْ مَشْکُوراً (۱۹) کُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّکَ وَ ما کانَ عَطاءُ رَبِّکَ مَحْظُوراً (۲۰)
وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَهَ لصفاء استعداده و سلامه فطرته و قام بشرائط إرادته من الإیمان و العمل الصالح شکر سعیه بحصول مراده کما قیل: من طلب و جدّ وجد، لأن الطلب الحقیقی و الإراده الصادقه لا یکونان إلا عند حصول استعداد المطلوب، و إذا قارن الاستعداد الدالّ على أن المطلوب حاصل له بالقوه، مقدّر له فی اللوح أسباب خروج المطلوب إلى الفعل و بروزه من الغیب إلى الشهاده و هو السعی الذی ینبغی له و من حقه أن یسعى له على هذا الوجه المعنیّ بقوله: وَ سَعى لَها سَعْیَها أی: السعی الذی یحق لها بشرط الإیمان الغیبی الیقینی وجب حصوله له کُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ أی: کلهم من طالبی الدنیا و طالبی الآخره نمد من عطائنا لیس بمجرد إرادتهم و سعیهم شیء و إنما إرادتهم و سعیهم معرّفات و علامات لما قدّرنا لهم من العطاء وَ ما کانَ عَطاءُ رَبِّکَ ممنوعا من أحد، لا من أهل الطاعه و لا من أهل المعصیه.
[۲۱]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۲۱]
انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَهُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَکْبَرُ تَفْضِیلاً (۲۱)
انْظُرْ کَیْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فی الدنیا بمقتضى مشیئتنا و حکمتنا وَ لَلْآخِرَهُ أَکْبَرُ دَرَجاتٍ إذ بقدر رجحان الروح على البدن یکون رجحان درجات الآخره على الدنیا و بقدر تفاضلهما یکون تفاضل درجاتهما.
[۲۲- ۴۳]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۲۲ الى ۴۳]
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (۲۲) وَ قَضى رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً (۲۳) وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَهِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً (۲۴) رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما فِی نُفُوسِکُمْ إِنْ تَکُونُوا صالِحِینَ فَإِنَّهُ کانَ لِلْأَوَّابِینَ غَفُوراً (۲۵) وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْکِینَ وَ ابْنَ السَّبِیلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً (۲۶)
إِنَّ الْمُبَذِّرِینَ کانُوا إِخْوانَ الشَّیاطِینِ وَ کانَ الشَّیْطانُ لِرَبِّهِ کَفُوراً (۲۷) وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَهٍ مِنْ رَبِّکَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَیْسُوراً (۲۸) وَ لا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَهً إِلى عُنُقِکَ وَ لا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (۲۹) إِنَّ رَبَّکَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَشاءُ وَ یَقْدِرُ إِنَّهُ کانَ بِعِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً (۳۰) وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ خَشْیَهَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِیَّاکُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ کانَ خِطْأً کَبِیراً (۳۱)
وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ کانَ فاحِشَهً وَ ساءَ سَبِیلاً (۳۲) وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً (۳۳) وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّى یَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُلاً (۳۴) وَ أَوْفُوا الْکَیْلَ إِذا کِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِیمِ ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلاً (۳۵) وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (۳۶)
وَ لا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (۳۷) کُلُّ ذلِکَ کانَ سَیِّئُهُ عِنْدَ رَبِّکَ مَکْرُوهاً (۳۸) ذلِکَ مِمَّا أَوْحى إِلَیْکَ رَبُّکَ مِنَ الْحِکْمَهِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِی جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (۳۹) أَ فَأَصْفاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِکَهِ إِناثاً إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِیماً (۴۰) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِیَذَّکَّرُوا وَ ما یَزِیدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (۴۱)
قُلْ لَوْ کانَ مَعَهُ آلِهَهٌ کَما یَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِی الْعَرْشِ سَبِیلاً (۴۲) سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا یَقُولُونَ عُلُوًّا کَبِیراً (۴۳)
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ بتوقع العطاء منه و جعله سببا لوصول شیء لم یقدر اللّه لک إلیک، فتصیر مَذْمُوماً برذیله الشرک و الشک عند اللّه و عند أهله مَخْذُولًا من اللّه یکلک إلیه و لا ینصرک وَ إِنْ یَخْذُلْکُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِی یَنْصُرُکُمْ مِنْ بَعْدِهِ[۲].
قال النبی صلى اللّه علیه و سلم: «إنّ الأمه لو اجتمعوا على أن ینفعوک بشیء لم ینفعوک إلا ما کتب اللّه لک، و لو اجتمعوا على أن یضروک بشیء لم یضروک إلا ما کتب اللّه علیک، رفعت الأقلام و جفّت الصحف».
قرن سبحانه و تعالى إحسان الوالدین بالتوحید و تخصیصه بالعباده لأنه من مقتضى التوحید لکونهما مناسبین للحضره الإلهیه فی سببیتهما لوجودک و للحضره الربوبیه لتربیتهما إیاک، عاجزا، صغیرا، ضعیفا لا قدره لک و لا حراک بک، و هما أول مظهر ظهر فیه آثار صفات اللّه تعالى من الإیجاد و الربوبیه و الرحمه و الرأفه بالنسبه إلیک و مع ذلک فإنهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما و اللّه غنیّ عن ذلک، فأهمّ الواجبات بعد التوحید إذن إحسانهما و القیام بحقوقهما ما أمکن.
[۴۴- ۵۱]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۴۴ الى ۵۱]
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً (۴۴) وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَهِ حِجاباً مَسْتُوراً (۴۵) وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَکِنَّهً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَکَرْتَ رَبَّکَ فِی الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (۴۶) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ وَ إِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ یَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (۴۷) انْظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلاً (۴۸)
وَ قالُوا أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً (۴۹) قُلْ کُونُوا حِجارَهً أَوْ حَدِیداً (۵۰) أَوْ خَلْقاً مِمَّا یَکْبُرُ فِی صُدُورِکُمْ فَسَیَقُولُونَ مَنْ یُعِیدُنا قُلِ الَّذِی فَطَرَکُمْ أَوَّلَ مَرَّهٍ فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُؤُسَهُمْ وَ یَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ یَکُونَ قَرِیباً (۵۱)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ إلى آخره، إنّ لکل شیء خاصیه لیست لغیره، و کمالا یخصه دون ما عداه، یشتاقه و یطلبه إذا لم یکن حاصلا له و یحفظه و یحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصیته ینزّه اللّه عن الشریک و إلا لم یکن متوحدا فیها، فکأنه یقول بلسان الحال:
أوحده على ما وحدنی، و بطلب کماله ینزهه عن صفات النقص کأنه یقول: یا کامل کمّلنی، و بإظهار کماله یقول: کملنی الکامل المکمل. و على هذا القیاس، حتى أنّ اللبوه مثلا بإشفاقها على ولدها تقول: أرأفنی الرءوف و ارحمنی الرحیم. و بطلب الرزق: یا رزاق، فالسماوات السبع تسبحه بالدیمومه و الکمال و العلوّ و التأثیر و الإیجاد و الربوبیه، و بأنه کل یوم هو فی شأن، و الأرض بالدوام و الثبات و الخلاقیه و الرزاقیه و التربیه و الإشفاق و الرحمه و قبول الطاعه و الشکر علیها بالثواب، و أمثال ذلک. و الملائکه بالعلم و القدره و الذوات المجرّده منهم بالتجرّد عن الماده و الوجوب أیضا مع ذلک کله فهم مع کونهم مسّبحین إیّاه، مقدّسون له وَ لکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ لقله النظر و الفکر فی ملکوت الأشیاء و عدم الإصغاء إلیهم و إنما یفقه کانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ[۳].
إِنَّهُ کانَ حَلِیماً لا یعاجلکم بترک التسبیح فی طلب کمالاتکم و إظهار خواصکم، فإن من خواصکم تفقه تسبیحهم و توحیده کما وحدوه غَفُوراً یغفر لکم غفلاتکم و إهمالاتکم جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَهِ لقصور نظرهم عن إدراک الروحانیات و قصر هممهم على الجسمانیات حِجاباً مَسْتُوراً من الجهل و عمى القلب فلا یرون حقیقه القارئ و إلا آمنوا و إنما لا یبصرونک لأنهم لا یحسبونک إلا هذه الصوره البشریه لکونهم بدنیین منغمسین فی بحر الهیولى محجوبین بالغواشی الطبیعیه و ملابس الصفات النفسانیه عن الحق و صفاته و أفعاله إذ لو عرفوا الحق لعرفوک و لو عرفوا صفاته لعرفوا کلامه، و لم یکن على قلوبهم أکنه من الغشاوات الطبیعیه و الهیئات البدنیه أَنْ یَفْقَهُوهُ و لو عرفوا أفعاله لعلموا القراءه و لم یکن فی آذانهم وقر لرسوخ أوساخ التعلقات وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً لتشتت أهوائهم و تفرّق هممهم فی عباده متعبداتهم من أصنام الجسمانیات و الشهوات، فلا یناسب بواطنهم معنى الوحده لتألفها بالکثره و احتجابها بها.
[۵۲- ۶۳]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۵۲ الى ۶۳]
یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِیلاً (۵۲) وَ قُلْ لِعِبادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّیْطانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِیناً (۵۳) رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِکُمْ إِنْ یَشَأْ یَرْحَمْکُمْ أَوْ إِنْ یَشَأْ یُعَذِّبْکُمْ وَ ما أَرْسَلْناکَ عَلَیْهِمْ وَکِیلاً (۵۴) وَ رَبُّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلى بَعْضٍ وَ آتَیْنا داوُدَ زَبُوراً (۵۵) قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنْکُمْ وَ لا تَحْوِیلاً (۵۶)
أُولئِکَ الَّذِینَ یَدْعُونَ یَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِیلَهَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ وَ یَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ یَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّکَ کانَ مَحْذُوراً (۵۷) وَ إِنْ مِنْ قَرْیَهٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِکُوها قَبْلَ یَوْمِ الْقِیامَهِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِیداً کانَ ذلِکَ فِی الْکِتابِ مَسْطُوراً (۵۸) وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآیاتِ إِلاَّ أَنْ کَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَیْنا ثَمُودَ النَّاقَهَ مُبْصِرَهً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآیاتِ إِلاَّ تَخْوِیفاً (۵۹) وَ إِذْ قُلْنا لَکَ إِنَّ رَبَّکَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْناکَ إِلاَّ فِتْنَهً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَهَ الْمَلْعُونَهَ فِی الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما یَزِیدُهُمْ إِلاَّ طُغْیاناً کَبِیراً (۶۰) وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَهِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیناً (۶۱)
قالَ أَ رَأَیْتَکَ هذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى یَوْمِ الْقِیامَهِ لَأَحْتَنِکَنَّ ذُرِّیَّتَهُ إِلاَّ قَلِیلاً (۶۲) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُکُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (۶۳)
یَوْمَ یَدْعُوکُمْ فَتَسْتَجِیبُونَ بِحَمْدِهِ أی: تتعلق إرادته ببعثکم فتنبعثون فی أقرب من طرفه عین حامدین له بحیاتکم و علمکم و قدرتکم و إرادتکم حمدا واصفین له بالکمال بإظهار هذه الکمالات وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِیلًا أی: فی القبور و المضاجع لذهولکم عن الزمان کما یجیئ فی قصه أصحاب (الکهف) أو فی الحیاه الأولى لاستقصارکم إیاها بالنسبه إلى الحیاه الآخره فیتناول اللفظ القیامات الثلاث، إلا أن الآیه السابقه ترجح الصغرى.
[۶۴- ۶۹]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۶۴ الى ۶۹]
وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِکَ وَ أَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِکَ وَ رَجِلِکَ وَ شارِکْهُمْ فِی الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما یَعِدُهُمُ الشَّیْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (۶۴) إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ وَ کَفى بِرَبِّکَ وَکِیلاً (۶۵) رَبُّکُمُ الَّذِی یُزْجِی لَکُمُ الْفُلْکَ فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ کانَ بِکُمْ رَحِیماً (۶۶) وَ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ کانَ الْإِنْسانُ کَفُوراً (۶۷) أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ یَخْسِفَ بِکُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ یُرْسِلَ عَلَیْکُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ وَکِیلاً (۶۸)
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ یُعِیدَکُمْ فِیهِ تارَهً أُخْرى فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِما کَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنا بِهِ تَبِیعاً (۶۹)
وَ اسْتَفْزِزْ إلى آخره، تمکن الشیطان من إغواء العباد على أقسام، لأن الاستعدادات متفاوته فمن کان ضعیف الاستعداد استفزه أی استخفه بصوته یکفیه وسوسه و همس بل هاجسه و لمه، و من کان قویّ الاستعداد فإن أخلص استعداده عن شوائب الصفات النفسانیه أو أخلصه اللّه تعالى عن شوائب الغیریه فلیس له إلى إغوائه سبیل کما قال: إِنَّ عِبادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطانٌ و إلا فإن کان منغمسا فی الشواغل الحسیّه غارزا رأسه فی الأمور الدنیویه شارکه فی أمواله و أولاده بأن یحرضه على إشراکهم باللّه فی المحبه بحبهم کحب اللّه و یسوّل له التمتع بهم و التکاثر و التفاخر بوجودهم و یمنیه الأمانی الکاذبه و یزین علیه الآمال الفارغه و إن لم ینغمس فإن کان عالما بصیرا بتسویلاته أجلب علیه بخیله و رجله، أی: مکر به بأنواع الحیل و کاده بصنوف الفتن و أفتى له فی تحصیل أنواع الحطام و الملاذ بأنها من جمله مصالح المعاش و غره بالعلم و حمله على الإعجاب، و أمثال ذلک، حتى یصیر ممن أضلّه اللّه على علم و إن لم یکن عالما بل عابدا متنسکا أغواه بالوعد و التمنیه و غرّه بالطاعه و التزکیه أیسر ما یکون وَ کَفى بِرَبِّکَ وَکِیلًا أی: عبادی الخالصه لا یکلون أمرهم إلا إلى اللّه وحده لا إلى الشیطان و لا إلى غیره، و هو کافیهم بتدبیر الأمور و لا یتوکلون إلا علیه بشهود أفعاله و صفاته.
[۷۰]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۷۰]
وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِیلاً (۷۰)
وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ بالنطق و التمییز و العقل و المعرفه وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ أی: یسرنا لهم أسباب المعاش و المعاد بالسیر فی طلبها فیهما و تحصیلها وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ أی: المرکبات التی لم ترزق غیرهم من المخلوقات وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا أی: ما عدا الذوات المقدّسه من الملأ الأعلى، و أما أفضلیه بعض الناس کالأنبیاء على الملائکه المقرّبین فلیست من جهه کونهم بنی آدم فإنهم من تلک الحیثیه لا یتجاوزون مقام العقل بل من جهه السرّ المودع فیهم المشار إلیه بقوله: إِنِّی أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ[۴] و هو ما أعدّ لذلک البعض من المعرفه الإلهیه التامه بواسطه الجمعیه التی فیه، أی: مقام الوحده، و حینئذ لیس هو بهذا الاعتبار من بنی آدم کما قیل:
و إنی و إن کنت ابن آدم صوره | فلی فیه معنى شاهد بأبوّتی |
بل هو عین المکرّم المعروف کما قیل:
رأیت ربی بعین ربی | فقال من أنت قلت أنت |
و قد فنى ابن آدم فی هذا المقام و ما بقی منه شیء و إلا فما للتراب و ربّ الأرباب، أو و لقد کرّمنا بنی آدم بالتقریب و معرفه التوحید و حملناهم فی بر عالم الأجساد و بحر عالم الأرواح بتسییره فیهما لترکیبه منهما و إرقائه عنهما فی طلب الکمال و رزقناهم من طیبات العلوم و المعارف، و فضلناهم على الجم الغفیر ممن خلقنا، أی: جمیع المخلوقات، على أن تکون من للبیان و المبالغه فی تعظیمه بوصف المفضل علیهم بالکثره و تنکیر الوصف و تقدیمه على الموصوف أی کثیر، و أی کثیر و هو جمیع مخلوقاتنا لدلاله من على العموم تَفْضِیلًا تاما بیّنا.
[۷۱]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۷۱]
یَوْمَ نَدْعُوا کُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ فَأُولئِکَ یَقْرَؤُنَ کِتابَهُمْ وَ لا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً (۷۱)
یَوْمَ نَدْعُوا إلى آخره، أی: نحضر کُلَ طائفه من الأمم مع شاهدهم الذی یحضرهم و یتوجهون إلیه من الکمال و یعرفونه سواء کان فی صوره نبیّ آمنوا به کما ذکر فی تفسیر قوله: فَکَیْفَ إِذا جِئْنا مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ بِشَهِیدٍ[۵] أو إمام اقتدوا به أو دین أو کتاب أو ما شئت على أن تکون الباء بمعنى مع أو ننسبهم إلى إمامهم و ندعوهم باسمه لکونه هو الغالب علیهم و على أمرهم المستعلی محبتهم إیاه على سائر محباتهم فَمَنْ أُوتِیَ کِتابَهُ بِیَمِینِهِ أی: من جهه العقل الذی هو أقوى جانبیه و بعث فی صوره السعداء فَأُولئِکَ یَقْرَؤُنَ کِتابَهُمْ دون غیرهم لاستعدادهم للقراءه و الفهم لأن الذی أوتی کتابه بشماله، أی: من جهه النفس التی هی أضعف جانبیه لا یقدر على قراءه کتابه و إن کان مقروؤا لذهاب عقله و فرط حیرته وَ لا یُظْلَمُونَ أی: لا ینقصون من صور أعمالهم و کمالاتهم و أخلاقهم شیئا قلیلا.
[۷۲]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۷۲]
وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِی الْآخِرَهِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِیلاً (۷۲)
وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمى عن الاهتداء إلى الحق فَهُوَ فِی الْآخِرَهِ کذلک وَ أَضَلُّ سَبِیلًا مما هنا لأن له فی هذه الحیاه آلات و أدوات و أسبابا یمکنه الاهتداء بها و هو فی مقام الکسب باقی الاستعداد إن کان و لم یبق هناک شیء من ذلک.
[۷۳، ۷۴]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۷۳ الى ۷۴]
وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنا غَیْرَهُ وَ إِذاً لاتَّخَذُوکَ خَلِیلاً (۷۳) وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلاً (۷۴)
وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ إلخ، هو من باب التلوینات التی تحدث لأرباب القلوب بظهور النفس و لأرباب الشهود و الفناء بوجود القلب، فإنه علیه السلام لفرط شغفه و حرصه على إیمانهم بوجود القلب کاد یمیل إلیهم فی بعض مقترحاتهم و یرضى ببعض ما هو خلاف شریعته، و یضیف إلى اللّه ما لیس منه طلبا للمناسبه التی کان یتوقع أن تحدث بینه و بینهم بذلک فیحبوه کما قال: وَ إِذاً لَاتَّخَذُوکَ خَلِیلًا عسى أن یقبلوا قوله و یهتدوا به.
و استماله و تطییبا لقلوبهم عسى أن یلینوا و ینزلوا عن شدّه إنکارهم فیرقّ حجابهم و تتنوّر قلوبهم، فشدد و أقیم من عند اللّه، و لهذا قالت عائشه رضی اللّه عنها: «کان خلقه القرآن» تعنی أنه علیه الصلاه و السلام کلما ظهرت نفسه و همّت بما لیس بفضیله نبّه من عند اللّه و ثبت بتنزیل آیه تقوّمه و تردّه إلى الاستقامه حتى بلغ مقام التمکین، و هذا و أمثاله من قوله تعالى: ما کانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَکُونَ لَهُ أَسْرى[۶]، و قوله: عَفَا اللَّهُ عَنْکَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ[۷]، و قوله: وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ[۸]، و قوله: عَبَسَ وَ تَوَلَّى (۱)[۹] یدل على أنه کان أکثر سلوکه فی اللّه بعد الوصول فی زمان النبوه و زمان الوحی.
[۷۵- ۷۷]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۷۵ الى ۷۷]
إِذاً لَأَذَقْناکَ ضِعْفَ الْحَیاهِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ عَلَیْنا نَصِیراً (۷۵) وَ إِنْ کادُوا لَیَسْتَفِزُّونَکَ مِنَ الْأَرْضِ لِیُخْرِجُوکَ مِنْها وَ إِذاً لا یَلْبَثُونَ خِلافَکَ إِلاَّ قَلِیلاً (۷۶) سُنَّهَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِیلاً (۷۷)
إِذاً لَأَذَقْناکَ أی: لو قاربت فتنتهم و کدت توافقهم لأذقناک عذابا مضاعفا فی الحیاه و عذابا مضاعفا فی الممات، فإنّ شدّه العذاب بحسب علوّ المرتبه و قوه الاستعداد إذ النقصان الموجب للعذاب یقابل الکمال الموجب للذه. فکلما کان الاستعداد أتمّ و الإدراک أقوى، کانت المرتبه فی الکمال و السعاده و اللذه أقوى فکذا ما یقابله من النقص و الشقاوه أبعد و أسفل و الألم أشدّ.
[۷۸]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۷۸]
أَقِمِ الصَّلاهَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّیْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً (۷۸)
أَقِمِ الصَّلاهَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ اعلم أنّ الصلاه على خمسه أقسام: صلاه المواصله و المناغاه فی مقام الخفاء، و صلاه الشهود فی مقام الروح، و صلاه المناجاه فی مقام السرّ، و صلاه الحضور فی مقام القلب، و صلاه المطاوعه و الانقیاد فی مقام النفس.
فدلوک الشمس هو علامه زوال شمس الوحده عن الاستواء على وجود العبد بالفناء المحض، فإنه لا صلاه فی حال الاستواء إذ الصلاه عمل یستدعی وجودا، و فی هذه الحاله لا وجود للعبد حتى یصلی کما ذکر فی تأویل قوله تعالى: وَ اعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّى یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ (۹۹)[۱۰].
ألا ترى الشارع علیه السلام کیف نهى عن الصلاه وقت الاستواء، فأما عند الزوال، إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند الاحتجاب بالخلق حاله الفرق قبل الجمع أو عند البقاء حاله الفرق بعد الجمع، فالصلاه واجبه إِلى غَسَقِ لیل النفس وَ قُرْآنَ فجر القلب، فأول الصلوات و ألطفها صلاه المواصله و المناغاه و أفضلها و أشرفها صلاه الشهود للروح المشار إلیها بصلاه العصر کما فسرت الصلاه الوسطى، أی: الفضلى فی قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ[۱۱] و الصلاه الوسطى بها، و أوحاها و أخفها صلاه السرّ بالمناجاه أول وقت الاحتجاب بظهور القلب لسرعه انقضاء وقتها و لهذا استحب التخفف فی صلاه المغرب فی القراءه و غیرها لکونها علامه لها، و أزجر الصلاه للشیطان، و أوفرها تنویرا لباطن الإنسان صلاه الحضور للقلب المومی إلیها بقرآن الفجر، فإنها فی وقت تجلیات أنوار الصفات و نزول المکاشفات و لهذا استحب التکثر فی جماعه صلاه الصبح و أکد استحباب الجماعه فیها خاصه، و تطویل القراءه، و قال تعالى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً أی: محضورا بحضور ملائکه اللیل و النهار إشاره إلى نزول صفات القلب و أنوارها و ذهاب صفات النفس و زوالها، و أشدّها تثبیتا للنفس و تطویعا لها صلاه النفس للطمأنینه و الثبات، و لهذا سنّ فیما جعل آیه لها من صلاه العشاء السکوت بعده حتى النوم إلا بذکر اللّه، و حیث أمکن للشیطان سبیل إلى الوسوسه استحب، فیما جعل علامه لها الجهر کصلاه النفس و القلب و السرّ للزجر و لا مدخل له فی مقام الروح و الخفاء فأمر بالإخفات.
[۷۹]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۷۹]
وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَهً لَکَ عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً (۷۹)
وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أی: خصّص بعض اللیل بالتهجد نافِلَهً لَکَ زیاده على ما فرض خاصه بک، لکونه علامه مقام النفس، فیجب تخصیصه بزیاده الطاعه لزیاده احتیاج هذا المقام إلى الصلاه بالنسبه إلى سائر المقامات فیقتدی بک السالکون من أمّتک فی تطویع نفوسهم و یقوى تمکنک فی مقام الاستقامه، کما قال: «أفلا أکون عبدا شکورا».
عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً أی: فی مقام یجب على الکل حمده و هو مقام ختم الولایه بظهور المهدی، فإن خاتم النبوّه فی مقام محمود من وجه هو جهه کونه خاتم النبوه غیر محمود من وجه هو جهه ختم الولایه، فهو من هذا الوجه فی مقام الحامدیه فإذا تم ختم الولایه یکون فی مقام محمود من کل وجه.
[۸۰]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۸۰]
وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِیراً (۸۰)
وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی حضره الوحده فی عین الجمع مُدْخَلَ صِدْقٍ مدخلا حسنا مرضیا به بلا آفه زیغ البصر بالالتفات إلى الغیر و لا الطغیان بظهور الأنانیه و لا شوب الإثنینیه وَ أَخْرِجْنِی إلى الکثره عند الرجوع إلى التفصیل بالوجود الموهوب الحقانی مُخْرَجَ صِدْقٍ مخرجا حسنا مرضیا به من غیر آفه التلوین بالمیل إلى النفس و صفاته و لا الضلال بعد الهدى بالانحراف عن جادّه الاستقامه و الزیغ عن سنن العداله إلى الجور کالفتنه الداودیه وَ اجْعَلْ لِی مِنْ لَدُنْکَ سُلْطاناً نَصِیراً حجه ناصره بالتثبیت و التمکین بأن أکون بک فی الأشیاء فی حال البقاء بعد الفناء لا بنفسی کما
قال علیه الصلاه و السلام: «لا تکلنی إلى نفسی طرفه عین»، أو عزّا و قوه قهریه بک، أقوی بها دینک و أظهره على الأدیان کلها.
[۸۱، ۸۲]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۸۱ الى ۸۲]
وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً (۸۱) وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَهٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلاَّ خَساراً (۸۲)
وَ قُلْ جاءَ الْحَقُ أی: الوجود الثابت الواجب الحقانی الذی لا یتغیر و لا یتبدّل وَ زَهَقَ الْباطِلُ أی: الوجود البشری الإمکانی القابل للفناء و التغیر و الزوال إِنَّ الْباطِلَ أی: الوجود الممکن کانَ فانیا فی الأصل لا شیئا ثابتا طرأ علیه الفناء ففنى، بل الفانی فان فی الأزل و الباقی باق لم یزل، و إنما احتجبنا بتوهم فاسد باطل فکشف وَ نُنَزِّلُ مِنَ العقل القرآنی الجامع بالتدریج نجوم تفاصیل العقل الفرقانی نجما فنجما على الوجود الحقانی على حسب ظهور الصفات أی: نفصل ما فی ذاتک مجملا مکنونا تفصیلا بارزا ظاهرا علیک لیکون شفاء لأمراض قلوب المستعدّین المؤمنین بالغیب من أمّتک کالجهل و الشک و النفاق و عمى القلب و الغلّ و الحقد و الحسد و أمثالها فنزکیهم و رحمه تفیدهم الکمالات و الفضائل و تحلیهم بالحکم و المعارف وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ الناقصین استعدادهم بالرذائل و الحجب الظلمانیه الباخسین حظوظهم من الکمال بالهیئات البدنیه و الصفات النفسانیه إِلَّا خَساراً بزیاده ظهور أنفسهم بصفاتها کالإنکار و العناد و المکابره و اللجاج و الریاء و النفاق منضمه إلى ما لهم من الشک و الجهل و العمى و العمه.
[۸۳]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۸۳]
وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ کانَ یَؤُساً (۸۳)
وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بنعمه ظاهره أَعْرَضَ لوقوفه مع النفس و البدن و کون القوى البدنیه متناهیه لا تتدبر الأمور الغیر المتناهیه الممکنه الوقوع من سبب النعمه و ردّها عند عدمها و سائر الغیر و لا یرى إلا العاجل، و تکبر لاستعلاء نفسه على القلب و ظهوره بأنانیته و تفرعنه فنأى، أی: بعد عن الحق فی جانب النفس و طوى جنبه معرضا و کذا فی جانب الشرّ إذا مسّه یئس لاحتجابه عن القادر و قدرته و لو نظر بعین البصیره شاهد قدره اللّه تعالى فی کلتا الحالتین و تیقن فی الحاله الأولى أن الشکر رباط النعم، و فی الثانیه أن الصبر دفّاع النقم، فشکر و صبر و علم أن المنعم قدر فلم یعرض عند النعمه بطرا و أشرا خائفا زوالها، غیر غافل عن المنعم، و لم ییأس عند النقمه جزعا و ضجرا راجیا کشفها، مراعیا لجانب المبلی.
[۸۴]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۸۴]
قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلى شاکِلَتِهِ فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِیلاً (۸۴)
قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلى شاکِلَتِهِ أی: خلیقته و ملکته الغالبه علیه من مقامه فمن کان مقامه النفس و شاکلته مقتضى طباعها عمل ما ذکرنا من الإعراض و الیأس و من کان مقامه القلب و شاکلته السجیّه الفاضله عمل بمقتضاها الشکر و الصبر فَرَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِیلًا من العاملین عامل الخیر بمقتضى سجیّه القلب و عامل الشرّ بمقتضى طبیعه النفس فیجازیهما بحسب أعمالهما.
[۸۵]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۸۵]
وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِیلاً (۸۵)
وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی أی: لیس من عالم الخلق حتى یمکن تعریفه للظاهرین البدنیین الذین لا یتجاوز إدراکهم عن الحسّ و المحسوس بالتشبیه ببعض ما شعروا به و التوصیف بل من عالم الأمر، أی: الإبداع الذی هو عالم الذوات المجرّده عن الهیولى و الجواهر المقدّسه عن الشکل و اللون و الجهه و الأین، فلا یمکنکم إدراکه أیها المحجوبون بالکون لقصور إدراککم و علمکم عنه وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا هو علم المحسوسات و ذلک شیء نزر حقیر بالنسبه إلى علم اللّه تعالى و الراسخین فی العلم.
[۸۶، ۸۷]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۸۶ الى ۸۷]
وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ بِهِ عَلَیْنا وَکِیلاً (۸۶) إِلاَّ رَحْمَهً مِنْ رَبِّکَ إِنَّ فَضْلَهُ کانَ عَلَیْکَ کَبِیراً (۸۷)
وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ بالطمس فی محل الفناء أو الحجب بعد الکشف بالتلوین ثُمَّ لا تَجِدُ لَکَ بِهِ عَلَیْنا وَکِیلًا یتوکل علینا بردّه إِلَّا مجرّد رحمه عظیمه خاصه بک من فرط عنایتنا و هی أعلى مراتب الرحمه الرحیمیه المتکفله من عند اللّه تعالى بإفاضه الکمال التام علیه، أی: لو تجلینا بذاتنا لما وجدت الوحی و لا ذاتک إلا إذا تجلینا بصفه الرحمه و اسمنا الرحیم فتوجد و تجد الوحی، و کذا لو تجلینا بصفه الجلال لاحتجبت عن الوحی و المعرفه إِنَّ فَضْلَهُ بالإیحاء و التعلیم الربانی بعد موهبه الوجود الحقانی کانَ عَلَیْکَ کَبِیراً فی الأزل.
[۸۸- ۹۶]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۸۸ الى ۹۶]
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ کانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِیراً (۸۸) وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِی هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَکْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ کُفُوراً (۸۹) وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ یَنْبُوعاً (۹۰) أَوْ تَکُونَ لَکَ جَنَّهٌ مِنْ نَخِیلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِیراً (۹۱) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ کَما زَعَمْتَ عَلَیْنا کِسَفاً أَوْ تَأْتِیَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِکَهِ قَبِیلاً (۹۲)
أَوْ یَکُونَ لَکَ بَیْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِی السَّماءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِیِّکَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَیْنا کِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّی هَلْ کُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (۹۳) وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (۹۴) قُلْ لَوْ کانَ فِی الْأَرْضِ مَلائِکَهٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنا عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَکاً رَسُولاً (۹۵) قُلْ کَفى بِاللَّهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ إِنَّهُ کانَ بِعِبادِهِ خَبِیراً بَصِیراً (۹۶)
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ لکون الاستعداد الکامل الحامل له مخصوصا بک و أنت قطب العالم یرشح إلیهم ما یطفح منک فلا یمکنهم الإتیان بمثله و لا یطیقون حمله، و لهذا المعنى أبى أکثرهم إِلَّا کُفُوراً و اقترحوا الآیات الجسمانیه المناسبه لاستعدادهم و إدراکهم کتفجیر العیون من الأرض و جنّه النخیل و الأعناب و إسقاط السماء علیهم کسفا و الرقی فیها و الإتیان بالملائکه و سائر الممتنعات المتخیله و أجیبوا بقوله:قُلْ لَوْ کانَ فِی الْأَرْضِ مَلائِکَهٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ أی: ما أمکن نزول الملائکه مع کونهم نفوسا مجرّده على الهیئه الملکیه فی الأرض، بل لو نزلت لم ینزلوا إلا متجسدین، کما قال: وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَکاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَ لَلَبَسْنا عَلَیْهِمْ ما یَلْبِسُونَ (۹)[۱۲] و إلا لم یمکنکم إدراکهم فبقیتم على إنکارکم، و إذا کانوا مجسدین ما صدّقتم کونهم ملائکه فشأنکم الإنکار على الحالین بل على أیّ حال کان کإنکار الخفاش ضوء الشمس.
[۹۷- ۹۹]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۹۷ الى ۹۹]
وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِهِ وَ نَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْیاً وَ بُکْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ کُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِیراً (۹۷) ذلِکَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ کَفَرُوا بِآیاتِنا وَ قالُوا أَ إِذا کُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِیداً (۹۸) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَیْبَ فِیهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ کُفُوراً (۹۹)
وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ بمقتضى العنایه الأزلیه فی الفطره الأولى بنوره فَهُوَ الْمُهْتَدِ خاصه دون غیره وَ مَنْ یُضْلِلْ بمنع ذلک النور عنه فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أنصارا یهدونه مِنْ دُونِهِ أو یحفظونه من قهره وَ نَحْشُرُهُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ عَلى وُجُوهِهِمْ أی: ناکسی الرؤوس لانجذابهم إلى الجهه السفلیه أو على وجوداتهم و ذواتهم التی کانوا علیها فی الدنیا
کقوله: «کما تعیشون تموتون، و کما تموتون تبعثون»
إذ الوجه یعبر به عن الذات الموجوده مع جمیع عوارضها و لوازمها أی على الحاله الأولى من غیر زیاده و نقصان عُمْیاً عن الهدى، کما کانوا فی الحیاه الأولى وَ بُکْماً عن قول الحق، لعدم إدراکهم المعنى المراد بالنطق إذ لیسوا ذوی قلوب یفهم بها و یفقه، فکیف التعبیر عما لم یفهم وَ صُمًّا عن سماع المعقول، لعدم الفهم أیضا، فلا یؤثر فیهم موجب الهدایه لا من جهه الفهم من اللّه تعالى بالإلهام و لا من طریق السمع من کلام الناس و لا من طریق البصر بالاعتبار کُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِیراً کقوله:کُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَیْرَها[۱۳] بل أبلغ منه ذلک بسبب احتجابهم عن صفاتنا خصوصا قدرتنا على البعث و إنکارهم له. أنکروا و ما استدلوا بخلق السموات و الأرض على القدره.
[۱۰۰- ۱۰۴]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۰۰ الى ۱۰۴]
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِکُونَ خَزائِنَ رَحْمَهِ رَبِّی إِذاً لَأَمْسَکْتُمْ خَشْیَهَ الْإِنْفاقِ وَ کانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (۱۰۰) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسى تِسْعَ آیاتٍ بَیِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِی إِسْرائِیلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّی لَأَظُنُّکَ یا مُوسى مَسْحُوراً (۱۰۱) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّی لَأَظُنُّکَ یا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (۱۰۲) فَأَرادَ أَنْ یَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِیعاً (۱۰۳) وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِی إِسْرائِیلَ اسْکُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَهِ جِئْنا بِکُمْ لَفِیفاً (۱۰۴)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِکُونَ خَزائِنَ رَحْمَهِ رَبِّی إِذاً لَأَمْسَکْتُمْ لوقوفکم مع صفات نفوسکم التی من لوازمها الشح الجبلی لکون إدراکها مقصورا على ما یدرک بالحسّ من الأمور المادیه المحصوره و احتجابها عن البرکات الغیر المتناهیه و الرحمه الواسعه الغیر المنقطعه التی لا تدرک إلا عند اکتحال البصیره بنور الهدایه فتخشى نفادها و انقطاعها تِسْعَ آیاتٍ بَیِّناتٍ مرّت الإشاره إلیها فی سوره (الحجر).
[۱۰۵، ۱۰۶]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۰۵ الى ۱۰۶]
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً (۱۰۵) وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُکْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِیلاً (۱۰۶)
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أی: ما أنزلنا القرآن إلا بعد زوال بشریه النبی صلى اللّه علیه و سلم بالکلیه فی مقام الفناء و انتفاء الحدثان عن وجه القدم و انقشاع ظلمه الإمکان عن سبحات الوجه الواجب الباقی بالفرق الثانی لیکون له محل وجودی فما کان إنزاله إلا ظهور أحکام التفاصیل من عین الجمع على المظهر التفصیلی فکان إنزاله بالحق من الحق على الحق و نزوله بالحق على هذا التأویل هو کما یقال: نزل بکذا إذا حل به، على أن تکون الباء الثانیه للظرفیه کقولک: نزلت ببغداد و الأولى للحال أی: ملتبسا بالحق على معنیین إما بالحق الذی هو نقیض الباطل أی: بالحقیقه و الحکمه، و إما بالحق الذی هو اللّه تعالى أی: أنزل على صفته و هو الحق وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ على حسب ظهور استعدادات المظاهر المقتضیه لقبوله بحسب الأحوال و المصالح و الصفات کما أشرنا إلیه فی قوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناکَ[۱۴].
[۱۰۷- ۱۰۹]
[سوره الإسراء (۱۷): الآیات ۱۰۷ الى ۱۰۹]
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا یُتْلى عَلَیْهِمْ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (۱۰۷) وَ یَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ کانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (۱۰۸) وَ یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ یَبْکُونَ وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً (۱۰۹)
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا أی: إن وجوداتکم کالعدم عندنا. لیس المراد منه هدایتکم لکونکم مطبوعا على قلوبکم لا محل لکم عند اللّه و لا فی الوجود لکونکم أحلاس بقعه الإمکان معدومی الأعیان بالذات إنما الاعتبار بالعلماء الذین لهم وجود عند اللّه فی عالم البقاء المعتدّ بهم فی الأنباء، فانظر کیف تراهم عند تلاوته علیهم و سماعهم إیاه یَخِرُّونَ أی:
ینقادون له و یعترفون به و یعرفون حقیقته لعلمهم به و معرفتهم إیاه بنوریه الاستعداد و مناسبته له، و بنور کمالهم لتجرّدهم و علمهم بأنه کان کتابا من عند اللّه موعودا لیس هو إلا إیاه لما وجدوه مطابقا لما اعتقدوه یقینا فإن الاعتقاد الحق لا یکون إلا واحدا وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً باللین و الانقیاد لحکمه لتأثرهم به و حسن تلقیهم لقبوله.
[۱۱۰]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۱۱۰]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَیًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِکَ سَبِیلاً (۱۱۰)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ بالفناء فی الذات الجامعه لجمیع الصفات أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ بالفناء فی الصفه التی هی أمّ الصفات أَیًّا ما طلبت من هذین المقامین لست هناک بموجود و لا لک بقیه و لا اسم و لا عین و لا أثر إذ الرحمن لا یصلح اسما لغیر تلک الذات و لا یمکن ثبوت تلک الصفه أی: الرحمه الرحمانیه لغیرها فلا یلزم وجود البقیه بخلاف سائر الأسماء و الصفات فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى کلها فی هذین المقامین لا لک وَ لا تَجْهَرْ فی صلاه الشهود بإظهار صفه الصلاه عن نفسک فیؤذن بالطغیان و ظهور الأنانیه وَ لا تُخافِتْ غایه الإخفات فیؤذن بالانطماس فی محل الفناء دون الرجوع إلى مقام البقاء، فلا یمکن أحدا الاقتداء بک، وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِکَ سَبِیلًا یدل على الاستقامه و لزوم سیره العداله فی عالم الکثره و ملازمه الصراط المستقیم بالحق.
[۱۱۱]
[سوره الإسراء (۱۷): آیه ۱۱۱]
وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ کَبِّرْهُ تَکْبِیراً (۱۱۱)
وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أی: أظهر الکمالات الإلهیه و الصفات الرحمانیه التی لا تکون إلا للذات الأحدیه الَّذِی لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً أی: لم یکن عله لموجود من جنسه لضروره کون المعلول محتاجا إلیه ممکنا بالذات معدوما بالحقیقه فکیف یکون من جنس الموجود حقا الواجب بذاته من جمیع الوجوه وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ من یساویه فی قوه القهر و المملکه من الشریک فی الملک و إلا لکانا مشترکین فی وجوب الوجود و الحقیقه. فامتیاز کل واحد منهما عن الآخر لا بد و أن یکون بأمر غیر الحقیقه الواجبیه فلزم ترکبهما فکانا کلاهما ممکنین لا واجبین و أیضا فإن لم یستقلا بالتأثیر لم یکن أحدهما إلها، و إن استقلّ أحدهما دون الآخر فذلک هو الإله دونه فلا شریک له و إن استقلا جمیعا لزم اجتماع المؤثرین المستقلین على معلول واحد إن فعلا معا و إلا لزم إلهیه أحدهما دون الآخر رضی بفعله أو لم یرض وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ وَلِیٌّ مِنَ الذُّلِ أی: لم یکن له ناصر عله کان أو جزء عله تقویه و تنصره من ذلّه الانفعال و العدم و إلا لم یکن إلها واجبا بل ممکنا لتکون حبیبا قائما به لا بنفسک وَ کَبِّرْهُ من أن یتقید بصفه دون أخرى أو صوره غیر أخرى أو یلحقه شیء من هذه النقائص فینحصر فی وجود خاص تبارک و تعالى عن ذلک علوّا کبیرا تَکْبِیراً لا یقدر قدره و لا یعرف کنهه لامتناع وجود شیء غیره یفضل علیه و ینسب إلیه بل کل ما یتصور و یعقل و لا یکبر غیره بهذا التکبیر و اللّه الحق الموفق.
[۱] ( ۱) سوره الإسراء، الآیه: ۷۴، ۷۵.
[۲] ( ۱) سوره آل عمران، الآیه: ۱۶۰.
[۳] ( ۱) سوره ق، الآیه: ۳۷.
[۴] ( ۱) سوره البقره، الآیه: ۳۰.
[۵] ( ۲) سوره النساء، الآیه: ۴۱.
[۶] ( ۱) سوره الأنفال، الآیه: ۶۷.
[۷] ( ۲) سوره التوبه، الآیه: ۴۳.
[۸] ( ۳) سوره الأحزاب، الآیه: ۳۷.
[۹] ( ۴) سوره عبس، الآیه: ۱.
[۱۰] ( ۱) سوره الحجر، الآیه: ۹۹.
[۱۱] ( ۲) سوره البقره، الآیه: ۲۳۸.
[۱۲] ( ۱) سوره الأنعام، الآیه: ۹.
[۱۳] ( ۲) سوره الأنعام، الآیه: ۵۶.
[۱۴] ( ۱) سوره الإسراء، الآیه: ۷۴.