تفسير ابن عربى (تأويلات عبد الرزاق کاشانی)تفسیر ابن عربی سوره الكهف

تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره الکهف

سوره الکهف‏

[۱]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْکِتابَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (۱)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْکِتابَ‏ أثنى اللّه تعالى بلسان التفصیل على نفسه باعتبار الجمع من حیث کونه منعوتا بإنزال الکتاب و هو إدراج معنى الجمع فی صوره التفصیل فهو الحامد و المحمود تفصیلا و جمعا، فالحمد إظهار الکمالات الإلهیه و الصفات الجمالیه و الجلالیه على الذات المحمدیه باعتبار العروج بعد تخصیصه إیاه بنفسه فی العنایه الأزلیه المشار إلیه بالإضافه فی قوله: عبده، و ذلک جعل عینه فی الأزل قابله للکمال المطلق من فیضه و إیداع کتاب الجمع فیه بالقوه التی هی الاستعداد الکامل و إنزال الکتاب علیه إبراز تلک الحقائق عن ممکن الجمع الوحدانی على ذلک المظهر الإنسانی فهما متعاکسان باعتبار النزول و العروج و الإنزال فی الحقیقه حمدا للّه تعالى لنبیه إذ المعانی الکامنه فی غیب الغیب ما لم ینزل على قلبه فلم یمکنه حمد اللّه حق حمده فما لم یحمده اللّه لم یحمد اللّه بل حمد حمده کما قال: لا أحصی ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک، حمد أولا فی عین الجمع نفسه باعتبار التفصیل ثم عکس فقال: الحمد للّه.

وَ لَمْ یَجْعَلْ لَهُ‏ أی: لعبده‏ عِوَجاً أی: زیغا و میلا إلى الغیر کما قال: ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ (۱۷)[۱] أی: لم یر الغیر فی شهوده.

[۲- ۴]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۲ الى ۴]

قَیِّماً لِیُنْذِرَ بَأْساً شَدِیداً مِنْ لَدُنْهُ وَ یُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (۲) ماکِثِینَ فِیهِ أَبَداً (۳) وَ یُنْذِرَ الَّذِینَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (۴)

قَیِّماً أی: جعله قیما، یعنی: مستقیما کما أمر بقوله: فَاسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ‏[۲]، و المعنى: جعله موحدا فانیا فیه غیر محتجب فی شهوده بالغیر و لا بنفسه لکونها غیرا أیضا ممکنا مستقیما حال البقاء، کما قال: إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*[۳]، أو جعله قیما بأمر العباد و هدایتهم إذ التکمیل یترتب على الکمال لأنه علیه الصلاه و السلام لما فرغ من تقویم نفسه و تزکیتها أقیمت نفوس أمته مقام نفسه فأمر بتقویمها و تزکیتها و لهذا المعنى سمى‏ إبراهیم صلوات اللّه علیه أمه، و هذه القیمیه أی القیام بهدایه الناس داخله فی الاستقامه المأمور هو بها فی الحقیقه لِیُنْذِرَ متعلق بعامل قیما أی: جعله قیما بأمر العباد لینذر بَأْساً شَدِیداً و حذف المفعول الأول للتعمیم لأن أحدا لا یخلو من بأس مؤمنا کان أو کافرا، کماقال تعالى: «أنذر الصدّیقین بأنی غیور، و بشّر المذنبین بأنی غفور».

 إذ البأس عباره عن قهره و لذلک عظمه بالتنکیر، أی: بأسا یلیق بعظمته و عزّته و وصفه بالشدّه و خصصه بقوله: مِنْ لَدُنْهُ‏ و القهر قسمان: قهر محض ظاهره و باطنه قهر کالمختص بالمحجوبین بالشرک، و قسم ظاهره قهر و باطنه لطف، و کذا اللطف کما قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: سبحان من اشتدّت نقمته على أعدائه فی سعه نعمته، و اتسعت رحمته لأولیائه فی شدّه نقمته. و من القسم الثانی القهر المخصوص بالموحدین من أهل الفناء أطلق الإنذار للکل تنبیها ثم فصل اللطف و القهر مقیدین بحسب الصفات و الاستحقاقات فقال: وَ یُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِینَ‏ أی: الموحدین لکونهم فی مقابله المشرکین الذین قالوا: اتخذ اللّه ولدا.

الَّذِینَ یَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ‏ أی: الباقیات من الخیرات و الفضائل لأن الأجر الحسن هو من جنه الآثار و الأفعال التی تستحق بالأعمال. و اعلم أن الإنذار و التبشیر اللذین هما من باب التکمیل اللازم لکونه قیما علیهم کلاهما أثر و نتیجه عن صفتی القهر و اللطف الإلهیین اللذین محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب و الشهوه، فإنّ العبد ما استعدّ لقبولهما إلا بصفتی الغضب و الشهوه و فنائهما کما لم یستعدّ لفضیلتی الشجاعه و العفه إلا بوجودهما، فلما انتفتا قامتا مقامهما لأن کلّا منهما ظل لواحده من تینک یزول بحصولها فعند ارتواء القلب منهما و کمال التخلق بهما حدث عن القهر الإنذار عند استحقاقیه المحل بالکفر و الشرک و عن اللطف التبشیر باستحقاقیه الإیمان و العمل الصالح، إذ الإفاضه لا تکون إلا عند استحقاق المحل.

[۵]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۵]

ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ کَبُرَتْ کَلِمَهً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ یَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً (۵)

ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ‏ أی: ما لهم بهذا القول من علم بل إنما یصدر عن جهل مفرط و تقلید للآباء لا عن علم و یقین و یؤیده قوله: کَبُرَتْ کَلِمَهً أی: ما أکبرها کلمه تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ‏ لیس فی قلوبهم من معناه شی‏ء لأنه مستحیل لا معنى له إذ العلم الیقینی یشهد أن الوجود الواجبی العلی أحدیّ الذات لا یماثله الوجود الممکن المعلول.

و الولد هو المماثل لوالده فی النوع المکافئ له فی القوه و الشهود الذاتی یحکم بفناء الخلق فی الحق و المعلول فی المشهود فلم یکن، ثم سوّاه شی‏ء غیره فضلا عن الشبیه و الولد کما قال أحدهم:

هذا الوجود و إن تکثر ظاهرا و حیاتکم ما فیه إلا أنتم‏

إِنْ یَقُولُونَ إِلَّا کَذِباً لتطابق الدلیل العقلی و الوجدان الذوقی الشهودیّ على إحالته.

[۶، ۷]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۶ الى ۷]

فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلى‏ آثارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً (۶) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِینَهً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (۷)

فَلَعَلَّکَ باخِعٌ‏ أی: مهلک‏ نَفْسَکَ‏ من شدّه الوجد و الأسف على تولیهم و إعراضهم، و ذلک لأن الشفقه على خلق اللّه و الرحمه علیهم من لوازم محبه اللّه و نتائجه و لما کان صلى اللّه علیه و سلم حبیب اللّه و من لوازم محبوبیته محبته للّه لقوله: یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ‏[۴] و کلما کانت محبته للحق أقوى کانت شفقته و رحمته على خلقه أکثر لکون الشفقه علیهم ظلّ محبته للّه اشتدّ تعطفه علیهم، فإنهم کأولاده و أقاربه بل کأعضائه و جوارحه فی الشهود الحقیقی، فلذلک بالغ فی التأسف علیهم حتى کاد یهلک نفسه.

و أیضا علم أن المحب إذا تقوّى بالمحبوب فی استمرار الوصل ظهر قبوله فی القلوب لمحبه اللّه إیاه فلما لم یؤمنوا بالقرآن استشعر ببقیه من نفسه و توجس بنقصان حاله فعلاه الوجد و عزم على قهر النفس بالکلیه طلبا للغایه و کان ذلک من فرط شفقته علیهم و کمال أدبه مع اللّه حیث أحال عدم إیمانهم على ضعف حاله لا على عدم استعدادهم و لذلک سلّاه بقوله: إِنَّا جَعَلْنا أی: لا تحزن علیهم فإنه لا علیک أن یهلکوا جمیعا، إنّا نخرج جمیع الأسباب من العدم إلى الوجود للابتلاء ثم نفنیها و لا حیف و لا نقص، أو إنّا جعلنا ما على أرض البدن من النفس و لذاتها و شهواتها و قوى صفاتها و إدراکاتها و دواعیها زِینَهً لها لیظهر أیهم أقهر لها و أعصى لهواها فی رضای و أقدر على مخالفتها لموافقتی.

[۸، ۹]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۸ الى ۹]

وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَیْها صَعِیداً جُرُزاً (۸) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً (۹)

وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ‏ بتجلینا و تجلی صفاتنا ما عَلَیْها من صفاتها هامده کأرض ملساء لا نبات فیها أی: نفنیها و صفاتها بالموت الحقیقی أو بالموت الطبیعی و لا نبالی، بل‏ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْکَهْفِ وَ الرَّقِیمِ کانُوا مِنْ آیاتِنا عَجَباً أی: إذا شاهدت هذا الإنشاء و الإفناء فلیس حال أصحاب الکهف آیه عجیبه من آیاتنا بل هذه أعجب.

و اعلم أن أصحاب الکهف هم السبعه الکمل القائمون بأمر الحق دائما الذین یقوم بهم العالم و لا یخلو عنهم الزمان على عدد الکواکب السبعه السیّاره و طبقها فکما سخرها اللّه تعالى فی تدبیر نظام عالم الصوره کما أشار إلیه بقوله: فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (۴) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (۵)[۵] على بعض التفاسیر و کل نظام عالم المعنى و تکمیل نظام الصوره إلى سبعه أنفس من السابقین کل ینتسب بحسب الوجود الصوری إلى واحد منهم، و القطب هو المنتسب إلى الشمس و الکهف هو باطن البدن و الرقیم ظاهره الذی انتقش بصور الحواس و الأعضاء إن فسر باللوح الذی رقمت فیه أسماؤهم و العالم الجسمانی إن جعل اسم الوادی الذی فیه الجبل و الکهف و النفس الحیوانیه إن جعل اسم الکلب و العالم العلوی إن جعل اسم قریتهم على اختلاف الأقوال فی التفاسیر و منهم الأنبیاء السبعه المشهورون المبعوثون بحسب القرون و الأدوار، و إن کان کل نبیّ منهم على ذکر و هم:

آدم و إدریس و نوح و إبراهیم و موسى و عیسى و محمد علیهم الصلاه و السلام لأنه السابع المخصوص بمعجزه انشقاق القمر، أی: انفلاقه عنه لظهوره فی دوره ختم النبوه و کمل به الدین الإلهی کما أشار إلیه بقوله صلى اللّه علیه و سلم: «إن الزمان قد استدار کهیئته یوم خلق اللّه السموات و الأرض».

 إذ المتأخر بالزمان و الظهور أی: الوجود الحسیّ هو الحائز لصفات الکلّ و کمالاتهم کالإنسان بالنسبه إلى سائر الحیوانات، و لهذاقال صلى اللّه علیه و سلم: «کأنّ بنیان النبوّه قد تمّ و بقی منه موضع لبنه واحده، فکنت أنا تلک اللبنه».

 و قد اتفق الحکماء المتألهه من قدماء الفرس أن مراتب العقول و الأرواح على مذهبهم فی التنازل تتضاعف إشراقاتها، فکل ما تأخر فی الرتبه کان حظه من إشراقات الحق و أنواره و سبحات أشعه وجهه و إشراقات أنوار الوسائط أوفر و أزید فکذا فی الزمان فهو الجامع الحاصر لصفات الکل و کمالاتهم الحاوی لخواصهم و معانیهم مع کماله الخاص به اللازم للهیئه الاجتماعیه، کماقال صلى اللّه علیه و سلم: «بعثت لأتمم مکارم الأخلاق»

و من هذا ظهر تقدّمه علیهم بالشرف و الفضیله و من جهه أن إبراهیم علیه السلام کان مظهر التوحید الأعظمی الذاتی، و کان هو الوسط فی الترتیب الزمانی بمنزله الشمس فی الرتبه کان قطب النبوه، و لزمهم کلهم اتباعه و إن لم یظهر فی المتقدمین علیه بالزمان کارتباط الکواکب السته فی سیرها بها، و لکن لا کالقمر، فتبعه بالحقیقه محمد صلى اللّه علیه و سلم.

و اعلم أن الأرواح فی عالمها مراتب متعینه، و صفوف مترتبه و استعدادات متفاوته متهیئه فی الأزل بمحض العنایه الأولى و الفیض الأقدس فأهل الصف الأول هم السابقون المفردون المقرّبون المحبوبون المخصوصون بفضل عنایته و سابقه کرامته المتعارفون بنوره المتحابون فیه، و الباقون یتباینون فی الدرجات و بحسب تقاربها و تباعدها، یتعارفون و یتناکرون، فما تعارف منها ائتلف و ما تناکر منها اختلف إلى آخر الصفوف، فلها مراکز ثابته، و أصول راسخه فی العالم العلوی و عند التعلق بالأبدان یتفاوت درجات کمالاتها و غایه سعاداتها بحسب ما لها من الاستعداد الأول‏ المخصوص بکل منها من مبادیها فی الأزل کماقال علیه الصلاه و السلام: «الناس معادن کمعادن الذهب و الفضه»،

حتى انتهت الدرجات فی العلوّ إلى الفناء فی التوحید الذاتی، فبهذا الاعتبار یکون محمد علیه السلام عین آدم بل عین السبعه و کذا باعتبار کونه جامعا لصفاتهم کما قیل‏ أنه سأله أبو یزید رحمه اللّه علیه: أنت من السبعه؟ فقال صلى اللّه علیه و سلم: «أنا السبعه».

و باعتبار علوّ مرتبته و مکانته، و سبقه فی القدم و ارتفاع درجه کماله و فضیلته، کان أقدمهم و أولهم و أفضلهم کما

قال: «أول ما خلق اللّه نوری و کنت نبیّا و آدم بین الماء و الطین».

فهو متقدم علیهم بالرتبه و العلیه و الشرف و الفضیله، متأخر عنهم بالزمان و هو عینهم باعتبار السر و الوحده الذاتیه، فالحاصل أن اختلافهم و تباینهم روحا و قلبا و نفسا لا ینافی اتحادهم فی الحقیقه و کذا افتراقهم بالأزمنه لا ینافی معیتهم فی الأزل و الأبد و عین الجمع کما قال: تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏[۶] مع قوله: لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ*[۷].

و یجوز أن یکون المراد بأصحاب الکهف روحانیات الإنسان التی تبقى بعد خراب البدن. و قول من قال: ثلاثه، إشاره إلى الروح و العقل و القلب. و الکلب هی النفس الملازمه لباب الکهف. و من قال: خمسه إشاره إلى الروح و القلب و العقل النظری و العقل العملیّ و القوه القدسیه للأنبیاء التی هی الفکر لغیرهم. و من قال: سبعه فتلک الخمسه مع السرّ و الخفاء و اللّه أعلم.

[۱۰]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۰]

إِذْ أَوَى الْفِتْیَهُ إِلَى الْکَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَهً وَ هَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (۱۰)

إِذْ أَوَى الْفِتْیَهُ إِلَى الْکَهْفِ‏ أی: کهف البدن بالتعلق به‏ فَقالُوا بلسان الحال‏ رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْکَ‏ أی: من خزائن رحمتک التی هی أسماؤک الحسنى‏ رَحْمَهً کما لا یناسب استعدادنا و یقتضیه‏ وَ هَیِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا الذی نحن فیه من مفارقه العالم العلوی و الهبوط إلى العالم السفلی للاستکمال‏ رَشَداً استقامه إلیک فی سلوک طریقک و التوجه إلى جنابک، أی: طلبوا بالاتصال البدنی و التعلق بآلات الکمال و أسبابه الکمال العلمی و العملی.

[۱۱]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۱]

فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِی الْکَهْفِ سِنِینَ عَدَداً (۱۱)

فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ‏ أی: أنمناهم نومه الغفله عن عالمهم و کمالهم نومه ثقیله لا ینبههم صفیر الخفیر و لا دعوه الداعی الخبیر. فی کهف البدن‏ سِنِینَ‏ ذوات عدد، أی:کثیره أو معدوده أی: قلیله هی مده انغماسهم فی تدبیر البدن و انغمارهم فی بحر الطبیعه مشتغلین بها، غافلین عما وراءها من عالمهم إلى أوان بلوغ الأشد الحقیقی، و الموت الإرادی‏ و الطبیعی، کماقال: «الناس نیام، فإذا ماتوا انتبهوا».

[۱۲، ۱۳]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۱۲ الى ۱۳]

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ أَحْصى‏ لِما لَبِثُوا أَمَداً (۱۲) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَهٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً (۱۳)

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ‏ أی: نبهناهم عن نوم الغفله بقیامهم عن مرقد البدن و معرفتهم باللّه و بنفوسهم المجرّده لِنَعْلَمَ‏ أی: لیظهر علمنا فی مظاهرهم أو مظاهر غیرهم من سائر الناس‏ أَیُّ الْحِزْبَیْنِ‏ المختلفین فی مده لبثهم و ضبط غایته الذین یعینون المده أم یکلون علمه إلى اللّه، فإن الناس مختلفون فی زمان الغیبه.

یقول بعضهم: یخرج أحدهم على رأس کل ألف سنه و هو یوم عند اللّه، لقوله: وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَهٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏[۸]. و یقول بعضهم: على رأس کل سبعمائه عام أو على رأس کل مائه، و هو بعض یوم، کما قالوا:لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ‏[۹]. و المحققون المصیبون هم الذین یکلون علمه إلى اللّه کالذین قالوا: رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ‏[۱۰] و لهذا لم یعین رسول اللّه صلى اللّه علیه و سلم وقت ظهور المهدیّ علیه السلام، وقال: «کذب الوقاتون».

 إِنَّهُمْ فِتْیَهٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ‏ إیمانا یقینا علمیا على طریق الاستدلال أو المکاشفه وَ زِدْناهُمْ هُدىً‏ أی: هدایه موصله إلى عین الیقین و مقام المشاهده بالتوفیق.

[۱۴، ۱۵]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۱۴ الى ۱۵]

وَ رَبَطْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (۱۴) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَهً لَوْ لا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطانٍ بَیِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ کَذِباً (۱۵)

وَ رَبَطْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ قویناها بالصبر على المجاهده، و شجعناهم على محاربه الشیطان و مخالفه النفس، و هجر المألوفات الجسمانیه، و اللذات الحسیّه، و القیام بکلمه التوحید، و نفی إلهیه الهوى، و ترک عباده صنم الجسم بین یدی جبّار النفس الأمّاره من غیر مبالاه بها حین عاتبتهم على ترک عباده إله الهوى و صنم البدن، و أوعدتهم بالفقر و الهلاک، إذ النفس داعیه إلى عبادته و موافقته، و تهیئه أسباب حظوظه مخیفه للقلب من الخوف و الموت، أو جسرناهم على القیام بکلمه التوحید، و إظهار الدین القویم و الدعوه إلى الحق عند کل جبّار هو دقیانوس وقته کنمروذ و فرعون و أبی جهل و أضرابهم ممن دان بدینهم و استولى علیه النفس الأمّاره فعبد الهوى، أو ادّعى الطغیان، و تمرد أنائیته و عدوانه الربوبیه من غیر مبالاه عند معاتبته إیاهم على‏ ترک عباده الصنم المجعول کما هو عاده بعضهم أو صنم نفسه، کما قال فرعون اللعین: ما عَلِمْتُ لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرِی‏[۱۱] و أَنَا رَبُّکُمُ الْأَعْلى‏[۱۲].

هؤُلاءِ قَوْمُنَا إشاره إلى النفس الأماره و قواها، لأن لکل قوم إلها تعبده و هو مطلوبها و مرادها، و النفس تعبد الهوى کقوله: أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ‏[۱۳]، أو إلى أهل زمان کل من خرج منهم داعیا إلى اللّه، إذ کل من عکف على شی‏ء یهواه فقد عبده. لَوْ لا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ‏ أی: على عبادتهم و إلهیتهم و تأثیرهم و وجودهم‏ بِسُلْطانٍ بَیِّنٍ‏ أی: حجه بیّنه دلیل على فساد التقلید و تبکیت بأن إقامه الحجه على إلهیه غیر اللّه و تأثیره و وجوده محال، کما قال:

إِنْ هِیَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ‏[۱۴] أی: أسماء بلا مسمیات لکونها لیست بشی‏ء.

[۱۶]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۶]

وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْکَهْفِ یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرْفَقاً (۱۶)

وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ‏ أی: فارقتم نفوسکم و قواها بالتجرّد وَ ما یَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ‏ من مراداتها و أهوائها فَأْوُوا إِلَى الْکَهْفِ‏ إلى البدن لاستعمال الآلات البدنیه فی الاستکمال بالعلوم و الأعمال، و انخزلوا فیه منکسرین، مرتاضین، کأنهم میتون بترک الحرکات النفسانیه و النزوات البهیمیه و السطوات السبعیه، أی: موتوا موتا إرادیا یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ حیاه حقیقه بالعلم و المعرفه وَ یُهَیِّئْ لَکُمْ مِنْ أَمْرِکُمْ مِرْفَقاً کما لا ینتفع به بظهور الفضائل و طلوع أنوار التجلیات، فتلتذون بالمشاهدات و تتمتعون بالکمالات کما قال تعالى: أَ وَ مَنْ کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ‏[۱۵]، و

قال علیه السلام‏ فی أبی بکر رضی اللّه عنه: «من أراد أن ینظر میتا یمشی على وجه الأرض فلینظر أبا بکر»، أی: میتا عن نفسه یمشی باللّه.

أو و إذا اعتزلتم قومکم و معبوداتهم غیر اللّه من مطالبهم المختلفه، و مقاصدهم المتشتته، و أهوائهم المتفننه، و أصنامهم المتخذه، فأووا إلى کهوف أبدانکم و امتنعوا عن فضول الحرکات و الخروج فی أثر الشهوات، و اعکفوا على الریاضات، یَنْشُرْ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ‏[۱۶] زیاده کمال و تقویه و نصره بالأمداد الملکوتیه، و التأییدات القدسیه، فیغلبکم علیهم و یهیئ لکم دینا و طریقا ینتفع به، و قبولا یهتدی بکم الخلائق ناجین. و فی الأوى إلى الکهف عند مفارقتهم سر آخر یفهم من دخول المهدی فی الغار إذا خرج و نزل عیسى و اللّه أعلم. و فی نشر الرحمه و تهیئه المرفق من أمرهم عند الأوى إلى الکهف إشاره إلى أنّ الرحمه الکامنه فی استعدادهم إنما تنتشر بالتعلق البدنی و الکمال بتهیئاته.

[۱۷]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۷]

وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ کَهْفِهِمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِی فَجْوَهٍ مِنْهُ ذلِکَ مِنْ آیاتِ اللَّهِ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیًّا مُرْشِداً (۱۷)

وَ تَرَى الشَّمْسَ‏ أی: شمس الروح‏ إِذا طَلَعَتْ‏ أی: ترقت بالتجرّد عن غواشی الجسم و ظهرت من أفقه تمیل بهم من جهه البدن و میله و محبته إلى جهه الیمین أی: جانب عالم القدس و طریق أعمال البرّ من الخیرات و الفضائل و الحسنات و الطاعات. و سیره الأبرار، فإن الأبرار هم أصحاب الیمین.

وَ إِذا غَرَبَتْ‏ أی: هوت فی الجسم و احتجبت به، و اختفت فی ظلماته و غواشیه، و خمد نورها، تقطعهم و تفارقهم کائنین فی جهه الشمال، أی: جانب النفس و طریق أعمال السوء فینهمکون فی المعاصی و السیئات و الشرور و الرذائل. و سیره الفجار الذین هم أصحاب الشمال‏ وَ هُمْ فِی فَجْوَهٍ مِنْهُ‏ أی: فی مجال متسع من بدنهم هو مقام النفس و الطبیعه، فإن فیه متفسحا لا یصیبهم فیه نور الروح.

و اعلم أن الوجه الذی یلی الروح من القلب موضع منور بنور الروح یسمى العقل و هو الباعث على الخیر و المطرق لإلهام الملک و الوجه الذی یلی النفس منه مظلم بظلمه صفاتها یسمى الصدر و هو محل وسوسه الشیطان کما قال: الَّذِی یُوَسْوِسُ فِی صُدُورِ النَّاسِ (۵)[۱۷]، فإذا تحرک الروح و أقبل القلب بوجهه إلیه تنور و تقوى بالقوه العقلیه الباعثه المشوقه إلى الکمال و مال إلى الخیر و الطاعه، و إذا تحرکت النفس و أقبل القلب بوجهه إلیها تکدر و احتجب عن نور الروح و أظلم العقل و مال إلى الشر و المعصیه.

و فی هاتین الحالتین تطرق الملک للإلهام و الشیطان للوسواس و خلطوا عملا صالحا و آخر سیئا. و فی الآیه لطیفه هی: أنه استعمل فی المیل إلى الخیر الازورار عن الکهف، و فی المیل إلى الشر قرضهم أی: قطعهم، و ذلک أن الروح یوافق القلب فی طریق الخیر و یأمره به و یوافقه معرضا عن جانب البدن و موافقاته و لا یوافقه فی طریق الشر بل یقطعه و یفارقه و هو منغمس فی ظلمات النفس و صفاتها الحاجبه إیاه عن النور و هو إشاره إلى تلوینهم فی السلوک، فإن السالک ما لم یصل إلى مقام التمکین و بقی فی التلوین قد تظهر علیه النفس و صفاته فیحتجب عن نور الروح ثم یرجع ذلک أی: طلوع نور الروح و اختفاؤه من آیات اللّه التی یستدل بها و یتوصل منها إلیه و إلى هدایته.

مَنْ یَهْدِ اللَّهُ‏ بإیصاله إلى مقام المشاهده و التمکین فیها فَهُوَ الْمُهْتَدِ بالحقیقه لا غیر وَ مَنْ یُضْلِلْ‏ بحجبه عن نور وجهه فلا هادی له و لا مرشد، أو من یهد اللّه إلیهم و إلى حالهم بالحقیقه و من یضلله یحجبه عن حالهم.

[۱۸]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۸]

وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ کَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَیْهِ بِالْوَصِیدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (۱۸)

وَ تَحْسَبُهُمْ أَیْقاظاً یا مخاطب لانفتاح أعینهم و إحساساتهم و حرکاتهم الإرادیه الحیوانیه وَ هُمْ رُقُودٌ بالحقیقه فی سنه الغفله تراهم ینظرون إلیک و هم لا یبصرون‏ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْیَمِینِ وَ ذاتَ الشِّمالِ‏ أی: نصرفهم إلى جهه الخیر و طلب الفضیله تاره، و إلى جهه الشر و مقتضى الطبیعه أخرى‏ وَ کَلْبُهُمْ‏ أی: نفسهم‏ باسِطٌ ذِراعَیْهِ‏ أی: ناشره قوتیها الغضبیه و الشهوانیه بِالْوَصِیدِ أی: بفناء البدن، و لم یقل: و کلبهم هاجع لأنها لم ترقد بل بسطت القوتین فی فناء البدن ملازمه له لا تبرح عنه، و الذراع الأیمن هو الغضب لأنه أقوى و أشرف و أقبل لدواعی القلب فی تأدیبه، و الأیسر هو الشهوه لضعفها و خستها لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ‏ أی: على حقائقهم المجرده و أحوالهم السنیه و ما أودع اللّه فیهم من النوریه و السنا، و ما ألبسهم من العز و البهاء لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ‏ فارّا لعدم اعتقادک بالنفوس المجرده و أحوالها و عدم استعدادک لقبول کمالهم، أو لولیت منهم للفرار عنهم و عن معاملاتهم لمیلک إلى اللذات الحسیّه و الأمور الطبیعیه وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً من أحوالهم و ریاضاتهم، أو لو اطلعت علیهم بعد الوصول إلى الکمال و على أسرارهم و مقاماتهم فی الوحده لأعرضت عنهم و فررت من أحوالهم و ملئت منهم رعبا لما ألبسهم اللّه من عظمته و کبریائه. و أین الحدث من القدم، و أنى یسع الوجود العدم.

[۱۹]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۹]

وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ لِیَتَساءَلُوا بَیْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِینَهِ فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکى‏ طَعاماً فَلْیَأْتِکُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْیَتَلَطَّفْ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً (۱۹)

وَ کَذلِکَ بَعَثْناهُمْ‏ أی: مثل ذلک البعث الحقیقی و الإحیاء المعنوی بعثناهم‏ لِیَتَساءَلُوا بَیْنَهُمْ‏ أی: لیتباحثوا بینهم عن المعانی المودعه فی استعدادهم الحقائق المکنونه فی ذواتهم فیکملوا بإبرازها و إخراجها إلى الفعل، و هو أول الانتباه الذی تسمیه المتصوفه الیقظه قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ کَمْ لَبِثْتُمْ‏ مرّ تأویله، و المحققون منهم هم الذین‏ قالُوا رَبُّکُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَکُمْ بِوَرِقِکُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِینَهِ هذا هو زمان استبصارهم و استفادتهم و استکمالهم.

و الورق هو ما معهم من العلوم الأولیه التی لا تحتاج إلى کسب، إذ بها تستفاد الحقائق الذهنیه من العلوم الحقیقه و المعارف الإلهیه. و المدینه محل الاجتماع، إذ لا بد من الصحبه و التربیه أو مدینه العلم من‏ قوله علیه السلام: «أنا مدینه العلم و علیّ بابها».

و إنما بعثوا أحدهم لأن کمال الکل غیر موقوف على التعلیم و التعلم بل الکمال الأشرف هو العلمی فیکفی تعلم البعض عن کل فرقه و تنبیه الباقین کما قال تعالى: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَهٍ مِنْهُمْ طائِفَهٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ‏[۱۸].

فَلْیَنْظُرْ أَیُّها أَزْکى‏ طَعاماً أی: أهلها أطیب و أفضل علما و أنقى من الفضول و اللغو و الظواهر کعلم الخلاف و الجدل و النحو و أمثالها التی لا تتقوى و لا تکمل بها النفس کقوله:لا یُسْمِنُ وَ لا یُغْنِی مِنْ جُوعٍ (۷)[۱۹]، إذ العلم غذاء القلب کالطعام للبدن و هو الرزق الحقیقی الإلهی‏ وَ لْیَتَلَطَّفْ‏ فی اختیار الطعام و من یشتری منه أی: لیختر المحقق الزکی النفس، الرشید السمت، الفاضل السیره، النقی السریره، الکامل المکمل دون الفضولی الظاهری الخبیث النفس، المتعالم، المتصدّر، لإفاده ما لیس عنده لیستفید بصحبته و یظهر کماله بمجالسته و یستبصر بعلمه فیفیدنا أو لیتلطف فی أمره حتى لا یشعر بحالکم و دینکم، جاهل من غیر قصد له‏ وَ لا یُشْعِرَنَّ بِکُمْ أَحَداً من أهل الظاهر المحجوبین و سکان عالم الطبیعه المنکرین، و إن أولنا أصحاب الکهف بالقوى الروحانیه فالمبعوث هو الفکر، و المدینه محل اجتماع القوى الروحانیه و النفسانیه و الطبیعه و الذی هو أزکى طعاما العقل دون الوهم و الخیال و الحواس، لأن کل مدرک له طعام و الرزق هو العلم النظری على کلا التقدیرین، و لا یشعرنّ بکم أحدا من القوى النفسانیه.

[۲۰]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۲۰]

إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (۲۰)

إِنَّهُمْ إِنْ یَظْهَرُوا أی: یغلبوا عَلَیْکُمْ یَرْجُمُوکُمْ‏ بحجاره الأهواء و الدواعی من الغضب و الشهوه و طلب اللذه فیقتلوکم بمنعکم عن کمالکم‏ أَوْ یُعِیدُوکُمْ فِی مِلَّتِهِمْ‏ باستیلاء الوهم و غلبه الشیطان و الإماله إلى الهوى و عباده الأوثان و على التأویل الأول ظهور العوام، و استیلاء المقلده و الحشویه المحجوبین، و أهل الباطل المطبوعین، و رجمهم أهل الحق، و دعوتهم إیاهم إلى ملّتهم ظاهر کما کان فی زمان رسول اللّه صلى اللّه علیه و سلم.

[۲۱]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۲۱]

وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَهَ لا رَیْبَ فِیها إِذْ یَتَنازَعُونَ بَیْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِینَ غَلَبُوا عَلى‏ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً (۲۱)

وَ کَذلِکَ أَعْثَرْنا عَلَیْهِمْ‏ أی: مثل ذلک البعث و الإنامه أطلعنا على حالهم المستعدّین القابلین لهدیهم و معرفه حقائقهم‏ لِیَعْلَمُوا بصحبتهم و هدایتهم‏ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ‏ بالبعث و الجزاء حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَهَ لا رَیْبَ فِیها إِذْ یَتَنازَعُونَ بَیْنَهُمْ أَمْرَهُمْ‏ أی: حین یتنازع المستعدون الطالبون بینهم أمرهم فی المعاد، فمنهم من یقول: إن البعث مخصوص بالأرواح المجرده دون الأجساد، و منهم من یقول: إنه بالأرواح و الأجساد معا، فعلموا بالاطلاع علیهم و معرفتهم أنه بالأرواح و الأجساد و أن المعاد الجسمانی حق، فقالوا: ابْنُوا عَلَیْهِمْ بُنْیاناً أی:فلما توفوا قالوا ذلک کالخانقاهات و المشاهد و المزارات المبنیه على الکمل، المقربین من الأنبیاء و الأولیاء کإبراهیم و محمد، و على سائر الأنبیاء و الأولیاء علیهم الصلاه و السلام.

رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ‏ من کلام أتباعهم من أممهم و المقتدین بهم، أی: هم أجلّ و أعظم شأنا من أن یعرفهم غیرهم، الموحدون الهالکون فی اللّه، المتحققون به، فهو أعلم بهم کماقال تعالى: «أولیائی تحت قبائی، لا یعرفهم غیری». قالَ الَّذِینَ غَلَبُوا عَلى‏ أَمْرِهِمْ‏ من أصحابهم و الذین یلون أمرهم تبرکا بهم و بمکانهم‏ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً یصلی فیه.

[۲۲]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۲۲]

سَیَقُولُونَ ثَلاثَهٌ رابِعُهُمْ کَلْبُهُمْ وَ یَقُولُونَ خَمْسَهٌ سادِسُهُمْ کَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَیْبِ وَ یَقُولُونَ سَبْعَهٌ وَ ثامِنُهُمْ کَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّی أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما یَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِیلٌ فَلا تُمارِ فِیهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِیهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (۲۲)

سَیَقُولُونَ‏ أی: الظاهریون من أهل الکتاب و المسلمین الذین لا علم لهم بالحقائق.

و قوله: رَجْماً بِالْغَیْبِ‏ أی: رمیا بالذی غاب عنهم، یعنی: ظنّا خالیا عن الیقین بعد قولهم: ثَلاثَهٌ رابِعُهُمْ کَلْبُهُمْ‏ و خَمْسَهٌ سادِسُهُمْ کَلْبُهُمْ‏ و توسیط الواو الداله على أن الصفه مجامعه للموصوف و لا تفارقه، و إنه لا عدد وراءه بین قوله: وَ یَقُولُونَ سَبْعَهٌ و بین‏ وَ ثامِنُهُمْ کَلْبُهُمْ‏.

و قوله: ما یَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِیلٌ‏ بعده، یدل على أنّ العدد هو سبعه لا غیر، فالقلیل هم المحققون القائلون به و إن أوّلناهم بالقوى الروحانیه فهم العاقلتان: النظریه و العملیه، و الفکر و الوهم، و التخیل و الذکر، و الحسّ المشترک المسمى بنطاسیا، و الکلب النفس و الشمس و الروح على کلا التأویلین.

و لهذا روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام‏ أنه قال: «إنهم کانوا سبعه، ثلاثه عن یمین الملک و ثلاثه عن یساره، و السابع هو الراعی صاحب الکلب»، فإن صحت الروایه فالملک هو دقیانوس النفس الأمّاره، و الثلاثه الذین کانوا عن‏ یمینه یستشیرهم هم العاقلتان و الفکر، و الثلاثه الذین کانوا عن یساره یستوزرهم هم التخیل و الوهم و الذکر، و الراعی هو بنطاسیا صاحب أغنام الحواس، و الذین قالوا هم ثلاثه أرادوا القلب و العاقلتین، و الذین قالوا خمسه زادوا علیهم الفکر و الوهم و ترکوا المدرک للصور و الذکر لعدم تصرفهما و کون کل منهما کالخزانه.

و على هذا التأویل فالاطلاع للفئه المحققین من الحضره الإلهیه على بقاء النفس بعد خراب البدن، و التنازع، هو التجاذب و التغالب الواقع بین القوى فی الاستیلاء على البدن الذی یبعثون فیه و هو البنیان المأمور ببنائه و الآمرون هم الغالبون الذین قالوا: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَسْجِداً[۲۰] یسجد، أی: ینقاد فیه جمیع القوى الحیوانیه و الطبیعیه و النفسانیه و المأمورون هم المغلوبون الفاعلون فی البدن المبعوث فیه و اللّه أعلم.

[۲۳، ۲۴]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۲۳ الى ۲۴]

وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْ‏ءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً (۲۳) إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللَّهُ وَ اذْکُرْ رَبَّکَ إِذا نَسِیتَ وَ قُلْ عَسى‏ أَنْ یَهْدِیَنِ رَبِّی لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (۲۴)

وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْ‏ءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ‏ أدّبه بالتأدیب الإلهی بعد ما نهاه عن المماراه و السؤال،فقال: «لا تقولنّ إلا وقت أن یشاء اللّه»بأن یأذن لک فی القول فتکون قائلا به و بمشیئته أو إلا بمشیئته على أنه حال، أی: ملتبسا بمشیئته، یعنی: لا تقولنّ لما عزمت علیه من فعل إنی فاعل ذلک فی الزمان المستقبل إلا ملتبسا بمشیئه اللّه، قائلا: إن شاء اللّه، أی:

لا تسند الفعل إلى إرادتک بل إلى إراده اللّه، فتکون فاعلا به و مشیئته‏ وَ اذْکُرْ رَبَّکَ‏ بالرجوع إلیه و الحضور إِذا نَسِیتَ‏ بالغفله عند ظهور النفس و التلوین بظهور صفاتها وَ قُلْ عَسى‏ أَنْ یَهْدِیَنِ رَبِّی لِأَقْرَبَ مِنْ هذا أی: من الذکر عند التلوین و إسناد الفعل إلى صفاته بالتمکین و الشهود الذاتی المخلص عن حجب الصفات‏ رَشَداً استقامه، و هو التمکین فی الشهود الذاتی.

[۲۵، ۲۶]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۲۵ الى ۲۶]

وَ لَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَهٍ سِنِینَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً (۲۵) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا یُشْرِکُ فِی حُکْمِهِ أَحَداً (۲۶)

وَ لَبِثُوا فِی کَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَهٍ سِنِینَ‏ من التی تبتنى على دور القمر فتکون کل سنه شهرا و مجموعها خمسه و عشرون سنه، و ذلک وقت انتباههم و تیقظهم‏ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً هی مده الحمل. و روعیت فی الآیه نکته، هی أنه: لم یقل ثلاثمائه سنه و تسعا، أو ثلاثمائه و تسع سنین، لاستعمال السنه فی العرف وقت نزول الوحی فی دوره شمسیه لا قمریه، فأجمل العدد ثم بیّنه بقوله: سنین، فاحتمل أن یکون الممیز غیرها کالشهر مثلا، ثم بین أنّ المده سنین مبهمه غیر معینه، إذ لو قیل: ثلاثمائه شهر سنین، فأبدل سنین من مجموع العدد، کانت العباره صحیحه و المراد سنین کذا عددا، أی: خمسه و عشرین. و یؤیده قوله بعده: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا و قال قتاده: هو حکایه کلام أهل الکتاب من تتمه سیقولون: و قوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ‏ ردّ علیهم. و فی مصحف عبد اللّه: و قالوا: لبثوا، و ذلک أن الیقین غیر محقق و لا مطرد.

[۲۷]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۲۷]

وَ اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنْ کِتابِ رَبِّکَ لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (۲۷)

وَ اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَیْکَ مِنْ کِتابِ رَبِّکَ‏ یجوز أن تکون من لابتداء الغایه، و الکتاب هو اللوح الأول المشتمل على کل العلوم الذی منه أوحى إلى من أوحى إلیه، و أن تکون بیانا لما أوحى. و الکتاب هو العقل الفرقانی و على التقدیرین‏ لا مُبَدِّلَ لِکَلِماتِهِ‏ التی هی أصول الدین من التوحید و العدل و أنواعهما وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً تمیل إلیه لامتناع وجود ذلک.

[۲۸، ۲۹]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۲۸ الى ۲۹]

وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداهِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَیْناکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَهَ الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (۲۸) وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَ إِنْ یَسْتَغِیثُوا یُغاثُوا بِماءٍ کَالْمُهْلِ یَشْوِی الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً (۲۹)

وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ‏ أمر بالصبر مع اللّه و أهله و عدم الالتفات إلى غیره و هذا الصبر هو من باب الاستقامه و التمکین لا یکون إلا باللّه‏ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداهِ وَ الْعَشِیِ‏ أی: دائما هم الموحدون من الفقراء المجرّدین الذین لا یطلبون غیر اللّه و لا حاجه لهم فی الدنیا و الآخره، و لا وقوف مع الأفعال و الصفات‏ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ‏ أی: ذاته فحسب، یدعونه و لا یحتجبون عنه بغیره وقت ظهورها غداه الفناء و وقت احتجابها بهم عند البقاء، فالصبر معهم هو الصبر مع اللّه، و مجاوزه العین عنهم المنهی عنها هو الالتفات إلى الغیر.

إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ‏ أی: المشرکین المحجوبین عن الحق لقوله: إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ‏[۲۱] ناراً عظیمه أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها من مراتب الأکوان کالطباع العنصریه و الصور النوعیه المادیه المحیطه بالأشخاص الهیولانیه بِماءٍ کَالْمُهْلِ‏ من جنس الغساق و الغسلین، أی: المیاه المتعفنه التی تسیل من أبدان أهل النار مسوّده فیها دسومات یغاثون بها أو غسالاتهم القذره أو من جنس الغصص و الهموم المحرقه.

[۳۰، ۳۱]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۳۰ الى ۳۱]

إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (۳۰) أُولئِکَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ یَلْبَسُونَ ثِیاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّکِئِینَ فِیها عَلَى الْأَرائِکِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (۳۱)

إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا بالتوحید الذاتی لکونهم فی مقابله المشرکین‏ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ من الأعمال المقصوده لذاتها فی مقام الاستقامه إِنَّا لا نُضِیعُ‏ أجرهم، وضع الظاهر موضع المضمر للدلاله على أن الأجر إنما یستحق بالعمل دون العلم، إذ به یستحق ارتفاع الدرجه و الرتبه جَنَّاتُ عَدْنٍ‏ من الجنان الثلاث‏ یُحَلَّوْنَ فِیها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ‏ أی: یزینون فیها بأنواع الحلیّ من حقائق التوحید الذاتی و معانی التجلیات العینیه الأحدیه، إذ الذهبیات من الحلیّ هی العینیات و الفضیات هی الصفاتیات النورانیات کقوله: وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّهٍ[۲۲].

وَ یَلْبَسُونَ ثِیاباً خُضْراً یتّصفون بصفات بهیجه، حسنه، نضره، موجبه للسرور مِنْ سُنْدُسٍ‏ الأحوال و المواهب لکونها ألطف‏ وَ إِسْتَبْرَقٍ‏ الأخلاق و المکاسب لکونها أکثف‏ مُتَّکِئِینَ فِیها عَلَى‏ أرائک الأسماء الإلهیه التی هی مبادئ أفعاله لاتصافهم بأوصافه و کون الصفه مع الذات هی الاسم المستند هو علیه فی جنه الصفات و الأفعال‏ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً فی مقابله: بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً.

[۳۲- ۴۷]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۳۷ الى ۴۷]

قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ یُحاوِرُهُ أَ کَفَرْتَ بِالَّذِی خَلَقَکَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَهٍ ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلاً (۳۷) لکِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّی وَ لا أُشْرِکُ بِرَبِّی أَحَداً (۳۸) وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَکَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّهَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْکَ مالاً وَ وَلَداً (۳۹) فَعَسى‏ رَبِّی أَنْ یُؤْتِیَنِ خَیْراً مِنْ جَنَّتِکَ وَ یُرْسِلَ عَلَیْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً (۴۰) أَوْ یُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِیعَ لَهُ طَلَباً (۴۱)

وَ أُحِیطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ یُقَلِّبُ کَفَّیْهِ عَلى‏ ما أَنْفَقَ فِیها وَ هِیَ خاوِیَهٌ عَلى‏ عُرُوشِها وَ یَقُولُ یا لَیْتَنِی لَمْ أُشْرِکْ بِرَبِّی أَحَداً (۴۲) وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ فِئَهٌ یَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما کانَ مُنْتَصِراً (۴۳) هُنالِکَ الْوَلایَهُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَیْرٌ ثَواباً وَ خَیْرٌ عُقْباً (۴۴) وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَیاهِ الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیاحُ وَ کانَ اللَّهُ عَلى‏ کُلِّ شَیْ‏ءٍ مُقْتَدِراً (۴۵) الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِینَهُ الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ خَیْرٌ أَمَلاً (۴۶)

وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَهً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (۴۷)

وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبالَ‏ أی: نذهب جبال الأعضاء بالتفتیت فنجعلها هباء منثورا وَ تَرَى‏ أرض البدن‏ بارِزَهً ظاهره مستویه، مسطحه بسیطه، کما کانت، لا صوره علیها و لا ترکیب، فیها ترابا خالصا وَ حَشَرْناهُمْ‏ الضمیر إما للقوى المذکوره و إما لأفراد الناس‏ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً غیر محشور.

[۴۸]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۴۸]

وَ عُرِضُوا عَلى‏ رَبِّکَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا کَما خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّهٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَکُمْ مَوْعِداً (۴۸)

وَ عُرِضُوا عَلى‏ رَبِّکَ‏ عند البعث‏ صَفًّا أی: مصطفین مترتبین فی المواقف لا یحجب بعضهم بعضا، کل فی رتبته‏ لَقَدْ جِئْتُمُونا أی: قلنا لهم ذلک الیوم: لقد جئتمونا حفاه عراه، غرلا فرادى، أی: کَما خَلَقْناکُمْ أَوَّلَ مَرَّهٍ بَلْ زَعَمْتُمْ‏ بإنکارکم البعث‏ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَکُمْ مَوْعِداً وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنه الأنبیاء من البعث و النشور.

[۴۹- ۵۹]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۴۹ الى ۵۹]

وَ وُضِعَ الْکِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا ما لِهذَا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَهً وَ لا کَبِیرَهً إِلاَّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً (۴۹) وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَهِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ کانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِی وَ هُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً (۵۰) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما کُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّینَ عَضُداً (۵۱) وَ یَوْمَ یَقُولُ نادُوا شُرَکائِیَ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ مَوْبِقاً (۵۲) وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ یَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (۵۳)

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِی هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ وَ کانَ الْإِنْسانُ أَکْثَرَ شَیْ‏ءٍ جَدَلاً (۵۴) وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى‏ وَ یَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِیَهُمْ سُنَّهُ الْأَوَّلِینَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (۵۵) وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِینَ إِلاَّ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِینَ وَ یُجادِلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِالْباطِلِ لِیُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آیاتِی وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً (۵۶) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُکِّرَ بِآیاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَ نَسِیَ ما قَدَّمَتْ یَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَکِنَّهً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى‏ فَلَنْ یَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (۵۷) وَ رَبُّکَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَهِ لَوْ یُؤاخِذُهُمْ بِما کَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ یَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (۵۸)

وَ تِلْکَ الْقُرى‏ أَهْلَکْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جَعَلْنا لِمَهْلِکِهِمْ مَوْعِداً (۵۹)

وَ وُضِعَ الْکِتابُ‏ أی: کتاب القالب المطابق لما فی نفوسهم من هیئات الأعمال الراسخه فیهم‏ فَتَرَى الْمُجْرِمِینَ مُشْفِقِینَ مِمَّا فِیهِ‏ لعثورهم به على ما نسوا وَ یَقُولُونَ یا وَیْلَتَنا یدعون الهلکه التی هلکوا بها من أثر العقیده الفاسده و الأعمال السیئه ما لِهذَا الْکِتابِ لا یُغادِرُ صَغِیرَهً وَ لا کَبِیرَهً إِلَّا أَحْصاها لکون آثار حرکاتهم و أعمالهم کلها باقیه فی نفوسهم صغیره کانت أو کبیره، ثابته فی ألواح النفوس الفلکیه أیضا، مضبوطه فیها، تظهر علیهم على التفصیل فی نشأتهم الثانیه لا محیص لهم عنها، و هذا معنى قوله: وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَداً مرّ معنى سجود الملائکه و إباء إبلیس.

و قوله: کانَ مِنَ الْجِنِ‏ کلام مستأنف، کأن قائلا قال: ما بال إبلیس لم یسجد؟

قال: کان من الجنّ، أی: من القوى البدنیه المختفیه بالمواد، فلذلک فسق‏ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ‏ أی: لاحتجابه بالماده و لواحقها.

[۶۰]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۶۰]

وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباً (۶۰)

وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِفَتاهُ‏ ظاهره على ما ذکر فی القصص و لا سبیل إلى إنکار المعجزات. و أما باطنه فأن یقال: و إذ قال موسى القلب لفتى النفس وقت التعلق بالبدن: لا أَبْرَحُ‏ أی: لا أنفک عن السیر و المسافره، أو لا أزال أسیر حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ‏ أی:

ملتقى العالمین: عالم الروح و عالم الجسم، و هما العذاب و الأجاج فی صوره الإنسانیه و مقام القلب‏ أَوْ أَمْضِیَ حُقُباً أی: أسیر مده طویله.

[۶۱]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۶۱]

فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَیْنِهِما نَسِیا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ سَرَباً (۶۱)

فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَیْنِهِما فی الصوره الحاضره الجامعه نَسِیا حُوتَهُما و هو الحوت الذی ابتلغ ذا النون علیه السلام بالنوع لا بالشخص، لأن غداءهما کان قبل الوصول إلى هذه الصوره فی الخارج من ذلک الحوت الذی أمر بتزوده فی السفر وقت العزیمه فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ‏ فی بحر الجسد حیّا کما کان أو لا سَرَباً نقبا واسعا کما قیل: بقی طریقه فی البحر منفرجا، لم ینضم علیه البحر.

[۶۲]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۶۲]

فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِینا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (۶۲)

فَلَمَّا جاوَزا مکان مفارقه الحوت و ألقى على موسى النصب و الجوع، و لم ینصب فی السفر و لا جاع قبل ذلک على ما حکى، تذکر الحوت و الاغتذاء منه و طلب الغداء من فتاه و إنما قال: آتِنا غَداءَنا لأن حاله ذلک نهارا بالنسبه إلى ما قبله فی الرحم‏ لَقَدْ لَقِینا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً هو نصب الولاده و مشقتها.

[۶۳]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۶۳]

قالَ أَ رَأَیْتَ إِذْ أَوَیْنا إِلَى الصَّخْرَهِ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِیهُ إِلاَّ الشَّیْطانُ أَنْ أَذْکُرَهُ وَ اتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِی الْبَحْرِ عَجَباً (۶۳)

قالَ أَ رَأَیْتَ‏ ما عرانی‏ إِذْ أَوَیْنا إِلَى الصَّخْرَهِ أی: النحر للارتضاع‏ فَإِنِّی نَسِیتُ الْحُوتَ‏ لاستغنائنا عنه‏ وَ ما أَنْسانِیهُ إِلَّا الشَّیْطانُ أَنْ أَذْکُرَهُ‏ أی: و ما أنسانی أن أذکره إلا الشیطان على إبدال أن أذکره من الضمیر، و ذلک لأن موسى کان راقدا حین اتخذ الحوت‏ سبیله فی البحر على ما قیل. و فتى النفس یقظان، فأنسى شیطان الوهم الذی زیّن الشجره لآدم ذکر النفس الحوت لموسى لکون الحال حال ذهول و السبیل المتعجب منه هو السرب المذکور.

[۶۴- ۶۹]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۶۴ الى ۶۹]

قالَ ذلِکَ ما کُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى‏ آثارِهِما قَصَصاً (۶۴) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَیْناهُ رَحْمَهً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (۶۵) قالَ لَهُ مُوسى‏ هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (۶۶) قالَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (۶۷) وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلى‏ ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (۶۸)

قالَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِی لَکَ أَمْراً (۶۹)

قالَ ذلِکَ‏ أی: تملص الحوت و اتخاذه سبیله الذی کان علیه فی جبلته‏ ما کُنَّا نطلبه، لأن هناک مجمع البحرین الذی وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه، إذ الترقی إلى الکمال بمتابعه العقل القدسی لا یکون إلا فی هذا المقام‏ فَارْتَدَّا عَلى‏ آثارِهِما فی الترقی إلى مقام الفطره الأولى کما کانا أولا یقصّان‏ قَصَصاً أی: یتبعان آثارهما عند الهبوط فی الترقی إلى الکمال حتى وجد العقل القدسی، و هو عبد من عباد اللّه مخصوص بمزیه عنایه و رحمه آتَیْناهُ رَحْمَهً مِنْ عِنْدِنا أی: کمالا معنویا بالتجرّد عن المواد و التقدّس عن الجهات.

و النوریه المحضه التی هی آثار القرب و العندیه وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً من المعارف القدسیه و الحقائق الکلیه اللدنیه بلا واسطه تعلیم بشریّ. و قوله: هَلْ أَتَّبِعُکَ‏ هو ظهور إراده السلوک و الترقی إلى الکمال‏ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً لکونک غیر مطلع على الأمور الغیبیه و الحقائق المعنویه لعدم تجرّدک و احتجابک بالبدن و غواشیه، فلا تطیق مرافقتی، و هذا معنى قوله: وَ کَیْفَ تَصْبِرُ عَلى‏ ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً لقوّه استعدادی و ثباتی على الطلب‏ وَ لا أَعْصِی لَکَ أَمْراً لتوجهی نحوک و قبولی أمرک، لصفائی و صدق إرادتی. و المقاولات کلها بلسان الحال.

[۷۰، ۷۱]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۷۰ الى ۷۱]

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی فَلا تَسْئَلْنِی عَنْ شَیْ‏ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْراً (۷۰) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَکِبا فِی السَّفِینَهِ خَرَقَها قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً (۷۱)

فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی‏ فی سلوک طریق الکمال‏ فَلا تَسْئَلْنِی عَنْ شَیْ‏ءٍ أی: علیک بالاقتداء و المتابعه فی السیر بالأعمال و الریاضات و الأخلاق و المجاهدات، و لا تطلب الحقائق و المعانی‏ حَتَّى‏ یأتی وقته، ف أُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ‏ أی: من ذلک العلم‏ ذِکْراً و أخبرک بالحقائق الغیبیه عند تجرّدک بالمعاملات القالبیه و القلبیه فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَکِبا فی سفینه البدن البالغ إلى حدّ الریاضه الصالح للعبودیه إلى العالم القدسی فی بحر الهیولى للسیر إلى اللّه‏ خَرَقَها أی: نقصها بالریاضه و تقلیل الطعام و أضعف إحکامها و أوقع الخلل فی نظامها و أوهنها قالَ‏ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها أی: أ کسرتها لتغرق القوى الحیوانیه و النباتیه التی فیها فی بحر الهیولى فتهلک‏ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً إِمْراً و هذا الإنکار عباره عن ظهور النفس بصفاتها و میل القلب إلیها، و التضجّر عن حرمان الحظوظ فی الریاضه، و عدم القناعه بالحقوق.

[۷۲- ۷۶]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۷۲ الى ۷۶]

قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (۷۲) قالَ لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ وَ لا تُرْهِقْنِی مِنْ أَمْرِی عُسْراً (۷۳) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِیا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّهً بِغَیْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَیْئاً نُکْراً (۷۴) قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً (۷۵) قالَ إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْ‏ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِی قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّی عُذْراً (۷۶)

قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْراً تنبیه روحی و تحریض قدسی على أن العزیمه فی السلوک یجب أن تکون أقوى من ذلک‏ قالَ لا تُؤاخِذْنِی بِما نَسِیتُ‏ إلى آخره، اعتذاره فی مقام النفس اللوّامه فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِیا غُلاماً هو النفس التی تظهر بصفاتها فتحجب القلب فتکون أمّاره بالسوء. و قتله بإماته الغضب و الشهوه و سائر الصفات‏ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَکِیَّهً اعتراض لتحنن القلب على النفس و أَ لَمْ أَقُلْ لَکَ‏ تذکیر و تعبیر روحی و إِنْ سَأَلْتُکَ عَنْ شَیْ‏ءٍ إلى آخره، اعتذار و إقرار بالذنب و اعتراف، و کلها من التلوینات عند کون النفس لوّامه.

[۷۷]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۷۷]

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَهٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُما فَوَجَدا فِیها جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً (۷۷)

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَیا أَهْلَ قَرْیَهٍ هم القوى البدنیه، و استطعامهما منهم هو طلب الغذاء الروحانی منهم، أی: بواسطتهم کانتزاع المعانی الکلیه من مدرکاتها الجزئیه و إنما أبوا أن یضیفوهما و إن أطعموهما قبل ذلک لأن غذاءهما حینئذ کان من فوقهم من الأنوار القدسیه و التجلیات الجمالیه و الجلالیه و المعارف الإلهیه و المعانی الغیبیه لا من تحت أرجلهم کما کان قبل خرق السفینه، و قتل الغلام بالریاضه و القوى و الحواس مانعه من ذلک لا ممده، بل لا تتهیأ إلا بعد نعاسهم و هدوّهم کما قال موسى لأهله: امکثوا. و الجدار الذی‏ یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَ‏ هو النفس المطمئنه و إنما عبر عنها بالجدار لأنها حدثت بعد قتل النفس الأمّاره و موتها بالریاضه، فصارت کالجماد غیر متحرکه بنفسها و إرادتها، و لشده ضعفها کادت تهلک، فعبر عن حالها بإراده الانقضاض.

و إقامته إیاها تعدیلها بالکمالات الخلقیه و الفضائل الجمیله بنور القوه النطقیه حتى قامت الفضائل مقام صفاتها من الرذائل. و قول موسى علیه السلام:لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَیْهِ أَجْراً تلوین قلبی لا نفسی، و هو طلب الأجر و الثواب باکتساب الفضائل و استعمال الریاضه، و لهذا أجابه بقوله:

 

[۷۸]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۷۸]

قالَ هذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً (۷۸)

هذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ‏ أی: هذا هو مفارقه مقامی و مقامک و مباینتهما و الفرق بین حالی و حالک، فإن عماره النفس بالریاضه و التخلق بالأخلاق الحمیده لیست لتوقع الثواب و الأجر و إلا فلیست فضائل و لا کمالات لأن الفضیله هی التخلق بالأخلاق الإلهیه بحیث تصدر عن صاحبها الأفعال المقصوده لذاتها لا لغرض. و ما کان لغرض فهو حجاب و رذیله لا فضیله و المقصود هو طرح الحجاب و انکشاف غطاء صفات النفس، و البروز إلى عالم النور لتلقی المعانی الغیبیه بل الاتصاف بالصفات الإلهیه بل التحقق باللّه بعد الفناء فیه لا الثواب کما زعمت‏ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً أی: لما اطمأنت النفس و استقرّت القوى أمکنک قبول المعانی و تلقی الغیب الذی نهیتک عن السؤال عنه حتى أحدث لک منه ذکرا فسأذکر لک و أنبئک بتأویل هذه الأمور إذا استعددت لقبول المعانی و المعارف.

[۷۹- ۸۱]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۷۹ الى ۸۱]

أَمَّا السَّفِینَهُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها وَ کانَ وَراءَهُمْ مَلِکٌ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَهٍ غَصْباً (۷۹) وَ أَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُما طُغْیاناً وَ کُفْراً (۸۰) فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاهً وَ أَقْرَبَ رُحْماً (۸۱)

أَمَّا السَّفِینَهُ فَکانَتْ لِمَساکِینَ‏ فی بحر الهیولى، أی: القوى البدنیه من الحواس الظاهره و القوى الطبیعیه النباتیه، و إنما سماها مساکین لدوام سکونها و ملازمتها لتراب البدن و ضعفها عن ممانعه القلب فی السلوک و الاستیلاء علیه کسائر القوى الحیوانیه. و حکی أنهم کانوا عشره أخوه خمسه منهم زمنى و خمسه یعملون فی البحر، و ذلک إشاره إلى الحواس الظاهره و الباطنه فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِیبَها بالریاضه لئلا یأخذها ملک النفس الأمّاره غصبا و هو الملک الذی کان وراءهم أی: قدّامهم‏ یَأْخُذُ کُلَّ سَفِینَهٍ غَصْباً بالاستیلاء علیها و استعمالها فی أهوائه و مطالبه‏ وَ أَمَّا الْغُلامُ فَکانَ أَبَواهُ‏ اللذان هما الروح و الطبیعه الجسمانیه مُؤْمِنَیْنِ‏ مقرین بالتوحید لانقیادهما فی سلک طاعه للّه و امتثالهما لأمر اللّه و إذعانهما لما أراد اللّه منهما فَخَشِینا أَنْ یُرْهِقَهُما أی: یغشیهما طُغْیاناً علیهما بظهوره بالأنائیه عند شهود الروح‏ وَ کُفْراً لنعمتهما بعقوقه و سوء صنیعه أو کفرا بالحجاب فیفسد علیهما أمرهما و دینهما و یبطل عبودیتهما للّه‏ فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاهً کما بدّلهما بالنفس المطمئنه التی هی خیر منه زکاه، أی: طهاره و نقاء وَ أَقْرَبَ رُحْماً تعطفا و رحمه لکونها أعطف على الروح و البدن و أنفع لهما، و أکثر شفقه. و یجوز أن یکون المراد بالأبوین الجدّ و الأب، فکان کنایه عن الروح و القلب. و کونه أقرب رحما أنسب لهما و أشدّ تعطفا.

[۸۲]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۸۲]

وَ أَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَهِ وَ کانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما وَ کانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ یَسْتَخْرِجا کَنزَهُما رَحْمَهً مِنْ رَبِّکَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِی ذلِکَ تَأْوِیلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَیْهِ صَبْراً (۸۲)

وَ أَمَّا الْجِدارُ فَکانَ لِغُلامَیْنِ یَتِیمَیْنِ فِی الْمَدِینَهِ أی: العاقلتین النظریه و العملیه المنقطعتین عن أبیهما الذی هو روح القدس لاحتجابهما عنه بالغواشی البدنیه أو القلب الذی مات أو قتل قبل الکمال باستیلاء النفس فی مدینه البدن‏ وَ کانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُما أی: کنز المعرفه التی لا تحصل إلا بهما فی مقام القلب لإمکان اجتماع جمیع الکلیات و الجزئیات فیه بالفعل وقت الکمال و هو حال بلوغ الأشد و استخراج ذلک الکنز. و قال بعض أهل الظاهر من المفسرین: کان الکنز صحفا فیها علم‏ وَ کانَ أَبُوهُما على کلا التأویلین‏ صالِحاً و قیل:کان أبا أعلى لهما حفظهما اللّه له، فعلى هذا لا یکون إلا روح القدس.

[۸۳- ۸۵]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۸۳ الى ۸۵]

وَ یَسْئَلُونَکَ عَنْ ذِی الْقَرْنَیْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَیْکُمْ مِنْهُ ذِکْراً (۸۳) إِنَّا مَکَّنَّا لَهُ فِی الْأَرْضِ وَ آتَیْناهُ مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ سَبَباً (۸۴) فَأَتْبَعَ سَبَباً (۸۵)

قصه ذی القرنین مشهوره و کان رومیا قریب العهد و التطبیق، إن ذا القرنین فی هذا الوجود هو القلب الذی ملک قرنیه، أی: خافقیه شرقها و غربها إِنَّا مَکَّنَّا لَهُ‏ فی أرض البدن بالإقدار و التمکین على جمع الأموال من المعانی الکلیه و الجزئیه و السیر إلى أیّ قطر شاء من المشرق و المغرب. وَ آتَیْناهُ مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ أراده من الکمالات‏ سَبَباً أی: طریقا یتوصل به إلیه‏ فَأَتْبَعَ‏ طریقا بالتعلق البدنی و التوجه إلى العالم السفلی.

[۸۶]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۸۶]

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِی عَیْنٍ حَمِئَهٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِیهِمْ حُسْناً (۸۶)

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ‏ أی: مکان غروب شمس الروح‏ وَجَدَها تَغْرُبُ فِی عَیْنٍ حَمِئَهٍ أی: مختلطه بالحمأه، و هی الماده البدنیه الممتزجه من الأجسام الغاسقه کقوله: مِنْ نُطْفَهٍ أَمْشاجٍ‏[۲۳].

وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً هم القوى النفسانیه البدنیه و الروحانیه قُلْنا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ‏ بالریاضه و القهر و الإماته وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِیهِمْ حُسْناً بالتعدیل و إیفاء الحظ.

[۸۷]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۸۷]

قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ یُرَدُّ إِلى‏ رَبِّهِ فَیُعَذِّبُهُ عَذاباً نُکْراً (۸۷)

قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ‏ بالإفراط و عدم الاستسلام و الانقیاد کالشهوه و الغضب و الوهم و التخیل‏ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ‏ بالریاضه ثُمَّ یُرَدُّ إِلى‏ رَبِّهِ‏ فی القیامه الصغرى‏ فَیُعَذِّبُهُ‏ بالإلقاء فی نار الطبیعه عَذاباً نُکْراً أی: منکرا أشدّ من عذابی، أو فی القیامه الکبرى فیعذبه عذاب القهر و الإفناء.

 

[۸۸]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۸۸]

وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى‏ وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا یُسْراً (۸۸)

وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ‏ بالعلم و المعرفه کالعاقلتین و الفکر و الحواس الظاهره وَ عَمِلَ صالِحاً بالسعی فی اکتساب الفضائل و الانقیاد و الطاعه فَلَهُ جَزاءً المثوبه الْحُسْنى‏ من جنه الصفات و تجلیات أنوارها و أنهار علومها وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا یُسْراً أی: قولا ذا یسر بحصول الملکات الفاضله.

[۸۹]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۸۹ الى ۹۱]

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (۸۹) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى‏ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (۹۰) کَذلِکَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَیْهِ خُبْراً (۹۱)

ثُمَّ أَتْبَعَ‏ طریقا هی طریق الترقی و السلوک إلى اللّه بالتجرّد و التزکی‏ حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ‏ أی: مطلع شمس الروح‏ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى‏ قَوْمٍ‏ هم العاقلتان و الفکر و الحدس و القوه القدسیه لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً أی: حجابا لتنوّرهم بنورها و إدراکهم المعانی الکلیه کَذلِکَ‏ أی: أمره کما وصفنا وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَیْهِ‏ من العلوم و المعارف و الکمالات و الفضائل‏ خُبْراً أی: علما، و معناه: لم یحط به غیرنا لکونه الحضره الجامعه للعالمین فلیس فی الوجود من یقف على معلوماته إلا اللّه و لأمر ما سمی عرش اللّه.

[۹۲، ۹۳]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۹۲ الى ۹۳]

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (۹۲) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَیْنَ السَّدَّیْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ قَوْلاً (۹۳)

ثُمَّ أَتْبَعَ‏ طریقا بالسیر فی اللّه‏ حَتَّى إِذا بَلَغَ بَیْنَ السَّدَّیْنِ‏ أی: الکونین، و ذلک مرتبته و مقامه الأصلی بین صدفی جبلی الإله و السیر فی المشرق و المغرب سفره تنزلا و ترقیا وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً هم القوى الطبیعیه البدنیه و الحواس الظاهره لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ قَوْلًا لکونها غیر مدرکه للمعانی و لا ناطقه بها.

[۹۴]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۹۴]

قالُوا یا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِنَّ یَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً عَلى‏ أَنْ تَجْعَلَ بَیْنَنا وَ بَیْنَهُمْ سَدًّا (۹۴)

قالُوا بلسان الحال‏ إِنَّ یَأْجُوجَ‏ الدواعی و الهواجس الوهمیه وَ مَأْجُوجَ‏ الوساوس و النوازع الخیالیه مُفْسِدُونَ‏ فی أرض البدن بالتحریض على الرذائل و الشهوات المنافیه للنظام و الحث على الأعمال الموجبه للخلل فیه و خراب القوانین الخیریه و القواعد الحکمیه و إحداث النوائب و الفتن و الأهواء و البدع المنافیه للعداله المقتضیه لفساد الزرع و النسل‏ فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً بإمدادک بکمالاتنا و صور مدرکاتنا عَلى‏ أَنْ تَجْعَلَ بَیْنَنا وَ بَیْنَهُمْ سَدًّا لا یتجاوزونه و حاجزا لا یعلونه، و ذلک هو الحد الشرعی و الحجاب القلبی من الحکمه العملیه.

[۹۵]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۹۵]

قالَ ما مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی خَیْرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوَّهٍ أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ رَدْماً (۹۵)

قالَ ما مَکَّنِّی فِیهِ رَبِّی‏ من المعانی الکلیه و الجزئیه الحاصله بالتجربه و السیر فی المشرق و المغرب‏ خَیْرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوَّهٍ أی: عمل و طاعه أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ رَدْماً هو الحکمه العملیه و القانون الشرعی.

[۹۶]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۹۶]

آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ حَتَّى إِذا ساوى‏ بَیْنَ الصَّدَفَیْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْراً (۹۶)

آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ من الصور العملیه و أوضاع الأعمال‏ حَتَّى إِذا ساوى‏ بَیْنَ الصَّدَفَیْنِ‏ بالتعدیل و التقدیر قالَ‏ للقوى الحیوانیه انْفُخُوا فی هذه الصور نفخ المعانی الجزئیه و الهیئات النفسانیه من فضائل الأخلاق‏ حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً أی: علما برأسه من جمله العلوم یحتوی على بیان کیفیه الأعمال‏ قالَ آتُونِی أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْراً النیه و القصد الذی یتوسط بین العلم و العمل، فیتحد به روح العلم و جسد العمل کالروح الحیوانی المتوسط بین الروح الإنسانی و البدن، فحصل سدّ، أی: قاعده و بنیان من زبر الأعمال و نفخ العلوم و الأخلاق و قطر العزائم و النیات، و اطمأنت به النفس و تدّبرت فآمنت.

[۹۷]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۹۷]

فَمَا اسْطاعُوا أَنْ یَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (۹۷)

فَمَا اسْطاعُوا أَنْ یَظْهَرُوهُ‏ و یعلوه لارتفاع شأنه و کونه مشتملا على علوم و حجج لم یمکنهم دفعها و الاستیلاء علیها وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً لاستحکامه بالملکات و الأعمال و الأذکار.

[۹۸]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۹۸]

قالَ هذا رَحْمَهٌ مِنْ رَبِّی فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّی جَعَلَهُ دَکَّاءَ وَ کانَ وَعْدُ رَبِّی حَقًّا (۹۸)

قالَ هذا السدّ، أی: القانون‏ رَحْمَهٌ مِنْ رَبِّی‏ على عباده، یوجب أمنهم و بقاءهم‏ فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّی‏ بالقیامه الصغرى‏ جَعَلَهُ دَکًّا باطلا، منهدما، لامتناع العمل به عند الموت و خراب الآلات البدنیه.

[۹۹]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۹۹]

وَ تَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ یَمُوجُ فِی بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (۹۹)

وَ تَرَکْنا بَعْضَهُمْ یَوْمَئِذٍ یَمُوجُ فِی بَعْضٍ‏ بالاضطراب و الاختلاط، أی: ترکناهم یختلطون لاجتماعهم فی الروح مع عدم الحیلوله وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ للبعث فی النشأه الثانیه فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً أو بالقیامه الکبرى حال الفناء و ظهور الحق. جعله دکّا لارتفاع العلم و الحکمه هناک، و ظهور معنى الحل و الإباحه بتجلی الأفعال الإلهیه و انتفاء الغیر و فعله، و ترکنا بعضهم یومئذ یموج فی بعض، حیارى، مختلطین شیئا واحدا لا حراک بهم. و نفخ فی الصور بالإیجاد بالوجود الحقّانی حال البقاء فجمعناهم جمعا فی التوحید و الاستقامه و التمکین و کونهم باللّه لا بأنفسهم.

 

[۱۰۰- ۱۰۸]

[سوره الکهف (۱۸): الآیات ۱۰۰ الى ۱۰۸]

وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ لِلْکافِرِینَ عَرْضاً (۱۰۰) الَّذِینَ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِی وَ کانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً (۱۰۱) أَ فَحَسِبَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ یَتَّخِذُوا عِبادِی مِنْ دُونِی أَوْلِیاءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْکافِرِینَ نُزُلاً (۱۰۲) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُکُمْ بِالْأَخْسَرِینَ أَعْمالاً (۱۰۳) الَّذِینَ ضَلَّ سَعْیُهُمْ فِی الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً (۱۰۴)

أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِیمُ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ وَزْناً (۱۰۵) ذلِکَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما کَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آیاتِی وَ رُسُلِی هُزُواً (۱۰۶) إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ کانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (۱۰۷) خالِدِینَ فِیها لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (۱۰۸)

وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ لِلْکافِرِینَ‏ أی: یوم القیامه الصغرى یتعذب المحجوبون عن الحق بأنواع العذاب و النیران کما ذکر فی سوره (الأنعام) أو فی ذلک الشهود، أی: ظهر لصاحب القیامه الکبرى تعذبهم فی نار جهنم‏ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِی‏ أی:

محجوبه عن آیاتی و تجلّیات صفاتی الموجبه لذکری‏ لا یَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أی: تحولا لبلوغهم الکمال الذی یقتضیه استعدادهم، فلا شوق لهم إلى ما وراءه و إن وجد کمال وراء ذلک لعدم إدراکهم له فلا ذوق و لا شوق، و کونهم فی مقابله المشرکین المحجوبین عن الحق بالغیر. و کون جنّاتهم جنّات الفردوس یدلان على أن المراد بهم هم الموحدون الکاملون الاستعداد الذین لا کمال فوق کمالهم، فلا یبقى شی‏ء وراء مرتبتهم، یریدون التحوّل إلیه.

[۱۰۹]

[سوره الکهف (۱۸): آیه ۱۰۹]

قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ مِداداً لِکَلِماتِ رَبِّی لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِماتُ رَبِّی وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (۱۰۹)

قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ أی: بحر الهیولى القابله للصور الممدّه لها فی الظهور مِداداً لِکَلِماتِ رَبِّی‏ من المعانی و الحقائق و الأعیان و الأرواح‏ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِماتُ رَبِّی‏ لکونها غیر متناهیه و امتناع وفاء المتناهی بغیر المتناهی، و اللّه أعلم.

(تم الجزء الأول و یلیه الجزء الثانی أوّله سوره مریم)


[۱] ( ۱) سوره النجم، الآیه: ۱۷.

[۲] ( ۲) سوره فصلت، الآیه: ۳۰.

[۳] ( ۳) سوره الکهف، الآیه: ۴.

[۴] ( ۱) سوره المائده، الآیه: ۵۴.

[۵] ( ۱) سوره النازعات، الآیات: ۴- ۵.

[۶] ( ۱) سوره البقره، الآیه: ۲۵۳.

[۷] ( ۲) سوره البقره، الآیه: ۱۳۶.

[۸] ( ۱) سوره الحج، الآیه: ۴۷.

[۹] ( ۲) سوره الکهف، الآیه: ۱۹.

[۱۰] ( ۳) نفس الهامش السابق.

[۱۱] ( ۱) سوره القصص، الآیه: ۳۸.

[۱۲] ( ۲) سوره النازعات، الآیه: ۲۴.

[۱۳] ( ۳) سوره الجاثیه، الآیه: ۲۳.

[۱۴] ( ۴) سوره النجم، الآیه: ۲۳.

[۱۵] ( ۵) سوره الأنعام، الآیه: ۱۲۲.

[۱۶] ( ۶) سوره الکهف، الآیه: ۱۶.

[۱۷] ( ۱) سوره الناس، الآیه: ۵.

[۱۸] ( ۱) سوره التوبه، الآیه: ۱۲۲.

[۱۹] ( ۲) سوره الغاشیه، الآیه: ۷.

[۲۰] ( ۱) سوره الکهف، الآیه: ۲۱.

[۲۱] ( ۱) سوره لقمان، الآیه: ۱۳.

[۲۲] ( ۱) سوره الإنسان، الآیه: ۲۱.

[۲۳] ( ۱) سوره الإنسان، الآیه: ۲.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

دکمه بازگشت به بالا
-+=