تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره المعارج
سوره المعارج
[۱- ۳]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۱ الى ۳]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (۱) لِلْکافِرینَ لَیْسَ لَهُ دافِعٌ (۲) مِنَ اللَّهِ ذِی الْمَعارِجِ (۳)
ذِی الْمَعارِجِ أی: المصاعد و هی مراتب الترقی من مقام الطبائع إلى مقام المعادن بالاعتدال، ثم إلى مقام النبات، ثم إلى الحیوان، ثم إلى الإنسان فی مدارج الانتقالات المرتبه بعضها فوق بعض، ثم فی منازل السلوک کالانتباه و الیقظه و التوبه و الإنابه إلى آخر ما أشار إلیه أهل السلوک من منازل النفس و مناهل القلب، ثم فی مراتب الفناء فی الأفعال و الصفات إلى الفناء فی الذات مما لا یحصى کثره. فإن له تعالى بإزاء کل صفه مصعدا بعد المصاعد المتقدمه على مقام الفناء فی الصفات.
[۴]
[سوره المعارج (۷۰): آیه ۴]
تَعْرُجُ الْمَلائِکَهُ وَ الرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَهٍ (۴)
تَعْرُجُ الْمَلائِکَهُ من القوى الأرضیه و السماویه فی وجود الإنسان وَ الرُّوحُ الإنسانی إلى حضرته الذاتیه الجامعه فی القیامه الکبرى فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَهٍ أی:
فی الأدوار المتطاوله و الدهور المتمادیه من الأزل إلى الأبد لا المقدار المعین. ألا ترى إلى قوله فی مثل هذا المقام فی عروج الأمر: ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَهٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[۱].
[۵- ۷]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۵ الى ۷]
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلاً (۵) إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیداً (۶) وَ نَراهُ قَرِیباً (۷)
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا فإن العذاب یقع فی هذه المده المتطاوله یوم یَرَوْنَهُ لاحتجابهم عنه بَعِیداً وَ نَراهُ قَرِیباً حاضرا واقعا یتوهمه المحجوبون متأخرا إلى زمان منتظر لغیبتهم عنه و نحن نراه حاضرا.
[۸- ۱۴]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۸ الى ۱۴]
یَوْمَ تَکُونُ السَّماءُ کَالْمُهْلِ (۸) وَ تَکُونُ الْجِبالُ کَالْعِهْنِ (۹) وَ لا یَسْئَلُ حَمِیمٌ حَمِیماً (۱۰) یُبَصَّرُونَهُمْ یَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ یَفْتَدِی مِنْ عَذابِ یَوْمِئِذٍ بِبَنِیهِ (۱۱) وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِیهِ (۱۲)
وَ فَصِیلَتِهِ الَّتِی تُؤْوِیهِ (۱۳) وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ یُنْجِیهِ (۱۴)
یَوْمَ تَکُونُ سماء النفس الحیوانیه متذائبه متفانیه کَالْمُهْلِ على ما مر فی قوله:
وَرْدَهً کَالدِّهانِ[۲] وَ تَکُونُ جبال الأعضاء هباء منبثا على اختلاف ألوانها کَالْعِهْنِ* وَ لا یَسْئَلُ حَمِیمٌ حَمِیماً لشدّه الأمر و تفاقم الخطب و تشاغل کل أحد بما ابتلی به من هیئات نفسه و أهوال ما وقع فیه مع ترائیهم.
[۱۵- ۱۸]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۱۵ الى ۱۸]
کَلاَّ إِنَّها لَظى (۱۵) نَزَّاعَهً لِلشَّوى (۱۶) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى (۱۷) وَ جَمَعَ فَأَوْعى (۱۸)
کَلَّا ردع عن تمنی الافتداء و الإنجاء فإنه بهیئه أجرامه استحق عذابه و بمناسبه نفسه للجحیم انجرّ إلیها.
ألا ترى إلى قوله: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى فإن لظى نار الطبیعه السفلیه ما استدعت إلا المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس و عالم النور المقبل بوجهه إلى معدن الظلمه المؤثر بمحبته الجواهر الفاسقه السفلیه المظلمه فانجذب بطبعه إلى مواد النیران الطبیعیه و استدعته و جذبته إلى نفسها للجنسیه فاحترق بنارها الروحانیه المستولیه على الأفئده، فکیف یمکن الإنجاء منها و قد طلبها بداعی الطبع و دعاها بلسان الاستعداد.
[۱۹- ۲۱]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۱۹ الى ۲۱]
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (۱۹) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (۲۰) وَ إِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً (۲۱)
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً أی: النفس بطبعها معدن الشرّ و مأوى الرجس لکونها من عالم الظلمات، فمن مال إلیها بقلبه و استولى علیه مقتضى جبلته و خلقته ناسب الأمور السفلیه و اتصف بالرذائل التی أردؤها الجبن و البخل المشار إلیهما بقوله: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَ إِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً لمحبته البدن و ما یلائمه و تسببه لشهواته و لذاته و إنما کانت أردأ لجذبهما القلب إلى أسفل مراتب الوجود،
قال النبی علیه الصلاه و السلام: «شرّ ما فی الرجل شحّ هالع و جبن خالع».
[۲۲- ۲۶]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۲۲ الى ۲۶]
إِلاَّ الْمُصَلِّینَ (۲۲) الَّذِینَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (۲۳) وَ الَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (۲۴) لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (۲۵) وَ الَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ (۲۶)
إِلَّا الْمُصَلِّینَ أی: الإنسان بمقتضى خلقته و طبیعه نفسه معدن الرذائل إلا الذین جاهدوا فی اللّه حق جهاده و تجرّدوا عن ملابس النفس و تنزّهوا عن صفاتها من الواصلین الذین هم أهل الشهود الذاتی الَّذِینَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ فإن المشاهده صلاه الروح، غابوا فی دوام مشاهدتهم عن النفس و صفاتها عن کل ما سوى مشهودهم.
و المجرّدین الذین تجرّدوا عن أموالهم الصوریه و المعنویه من العلوم النافعه و الحقیقیه و فرّقوها على المستحق المستعدّ الطالب و على القاصر الممنوّ بالشواغل عن الطلب وَ الَّذِینَ یُصَدِّقُونَ من أهل الیقین البرهانی و الاعتقاد الإیمانی بأحوال الآخره و المعاد و هم أرباب القلوب المتوسطون.
[۲۷- ۳۱]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۲۷ الى ۳۱]
وَ الَّذِینَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (۲۷) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَیْرُ مَأْمُونٍ (۲۸) وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (۲۹) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ (۳۰) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ العادُونَ (۳۱)
وَ الَّذِینَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ أی: أهل الخوف من المبتدئین فی مقام النفس السائرین عنه بنور القلب لا الواقفین معه أو المشفقین من عذاب الحرمان و الحجاب فی مقام القلب من السالکین أو فی مقام المشاهده من التلوین فإنه لا یؤمن الاحتجاب ما بقیت بقیته کما قال: إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَیْرُ مَأْمُونٍ وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ من أهل العفه و أرباب الفتوه.
[۳۲- ۳۹]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۳۲ الى ۳۹]
وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (۳۲) وَ الَّذِینَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (۳۳) وَ الَّذِینَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ یُحافِظُونَ (۳۴) أُولئِکَ فِی جَنَّاتٍ مُکْرَمُونَ (۳۵) فَما لِ الَّذِینَ کَفَرُوا قِبَلَکَ مُهْطِعِینَ (۳۶)
عَنِ الْیَمِینِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِینَ (۳۷) أَ یَطْمَعُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ یُدْخَلَ جَنَّهَ نَعِیمٍ (۳۸) کَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا یَعْلَمُونَ (۳۹)
وَ الَّذِینَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ التی استودعوها بحسب الفطره من المعارف العقلیه وَ عَهْدِهِمْ الذی هو أخذ اللّه میثاقه منهم فی الأزل راعُونَ أی: الذین سلمت فطرتهم و لم یدنسوها بالغواشی الطبیعیه و الأهواء النفسانیه وَ الَّذِینَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ أی: یعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فکل ما شهدوه قاموا بحکمه و صدروا عن حکم شاهدهم لا غیر وَ الَّذِینَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ أی: صلاه القلب و هی المراقبه یُحافِظُونَ أو صلاه النفس على الظاهر أُولئِکَ فِی جَنَّاتٍ مُکْرَمُونَ على اختلاف طبقاتهم، فالفرقه الأولى فی جنات من الجنان الثلاث، و المتوسطون من أرباب القلوب فی جنات من جنتین منها و الباقون فی جنات النفوس دون الباقیتین.
[۴۰- ۴۴]
[سوره المعارج (۷۰): الآیات ۴۰ الى ۴۴]
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (۴۰) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَیْراً مِنْهُمْ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِینَ (۴۱) فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَ یَلْعَبُوا حَتَّى یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی یُوعَدُونَ (۴۲) یَوْمَ یَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً کَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ یُوفِضُونَ (۴۳) خاشِعَهً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّهٌ ذلِکَ الْیَوْمُ الَّذِی کانُوا یُوعَدُونَ (۴۴)
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ من الموجودات التی أوجدها بشروق نوره علیها و غروبه فیها بتعینه بها أو أعدمها بشروق نوره منها و أوجدها بغروبه فیها إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أن نطلع نورنا منهم فنهلکهم و نجعله غاربا فی آخرین خَیْراً مِنْهُمْ فنوجدهم یَوْمَ یَخْرُجُونَ من أجداث الأبدان سِراعاً إلى مقارّ ما یناسب هیئاتهم من الصور، و اللّه تعالى أعلم.
تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق)، ج۲، ص: ۳۷۲
[۱] ( ۱) سوره السجده، الآیه: ۵.
[۲] ( ۱) سوره الرحمن، الآیه: ۳۷.