تفسیر ابن عربى(رحمه من الرحمن) سوره الممتحنه
(۶۰) سوره الممتحنه مدنیّه
[سوره الممتحنه (۶۰): آیه ۱]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّهِ وَ قَدْ کَفَرُوا بِما جاءَکُمْ مِنَ الْحَقِّ یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیَّاکُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّکُمْ إِنْ کُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِی سَبِیلِی وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِی تُسِرُّونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّهِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَیْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ یَفْعَلْهُ مِنْکُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ (۱)
قال تعالى یخاطب المؤمنین «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی»
[السعید من لم یتخذ عدوا للّه محبوبا و لا محبا:]
فجعلهم أعداء له کما قال فی جزائه إیاهم (ذلِکَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ) فإن کان للّه أعداء، فکیف بأجناس العالم؟
فهم عبیده أعداؤه؛ فکیف حال عبیده بعضهم مع بعض بما فیهم من التنافس و التحاسد؟
«وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّهِ» لکونهم أمثالا لکم؟ و لما بین المثلین من الضدیه قال للمؤمن: عامل العدو بضدیه المثل لا بموده المثل، فإن العدو یرید إخراجک من الوجود، فقال تعالى «وَ قَدْ کَفَرُوا بِما جاءَکُمْ مِنَ الْحَقِّ یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِیَّاکُمْ» فما عاملکم العدو و إن کان مثلکم إلا بضدیه المثل لا بمودته، فأمرنا الحق إذا أرادوا ذلک بنا أن نقاتلهم، فنذهب أعیانهم من الموضع الذی یکونون فیه، و إن لم تسر هذه الضدیه فی ذات المثل فلیس بمؤمن، و لا هو عند اللّه بمکان، فإن اللّه لما علم ما هو علیه الإنسان فی جبلته من حبه المحسن لإحسانه، و من استجلابه الود من أشکاله بالتودد إلیهم، علم أنه تعالى إذا قال لهم «لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی» أنهم لما ذکرناه لا یقومون فی هذا النهی فی جانب الحق مقام ما یستحقه الحق، فزاد فی الخطاب فقال «وَ عَدُوَّکُمْ» و ذلک لیبغضهم إلینا، لعلمه بأنا نحب أنفسنا و نؤثر هوانا علیه تعالى، فلیس فی القرآن ذم فی حقنا من اللّه أعظم من هذا، فإنه لو علم منا إیثاره على أهوائنا لاکتفى بقوله «عَدُوِّی»
ثم تمم على نسق واحد فقال «یُخْرِجُونَ الرَّسُولَ» یعنی من موطنه، فإن مفارقه الأوطان من أشق ما یجری على الإنسان، فلما علم اللّه أنکم لا یقوم عندکم إخراج الرسول- مع بقائکم فی أوطانکم ذلک المقام- ما یستحقه الرسول منکم قال (وَ إِیَّاکُمْ) فشرککم فی الإخراج مع الرسول، کما شرککم فی العداوه مع اللّه، لتکونوا أحرص على أن لا تلقوا إلیهم بالموده، و أن نتخذهم أعداء، و المؤمنون هنا کل ما سوى الرسول، فإن الرسول إذا تبین له أن شخصا ما عدو للّه تبرأ منه،
کما تبرأ إبراهیم علیه السلام من أبیه، و من لم یطلعک اللّه على عداوته فلا تتخذه عدوا، و أقل أحوالک إذا جهلته أن تهمل أمره، فلا تعاد عباد اللّه بالإمکان، و الذی ینبغی لک أن تکره فعله لا عینه، و العدو للّه إنما تکره عینه، ففرّق بین من تکره عینه و هو عدو اللّه، و بین من تکره فعله و هو المؤمن، أو من تجهل خاتمته ممن لیس بمسلم فی الوقت، فإذا تبین لک و تحققت من عداوته للّه یتعین علیک عند ذلک أن تتخذهم أعداء، لأمر اللّه لک بذلک، حیث نهاک أن تتخذ عدوه ولیا تلقی إلیه بالموده، فإن اضطرک ضعف یقین إلى مداراتهم فدارهم من غیر أن تلقی إلیهم بموده، و لکن مسالمه لدفع الشر عنک، و اللّه یجعلنا ممن آثر الحق على هواه، و أن یجعل ذلک مناه، فما أعظمها عندی حسره حیث لم نکن بهذه المثابه عند اللّه، حتى نکتفی بذکر عداوتهم للّه و إخراج الرسول، فهنا ینبغی أن تسکب العبرات، فالسعید من وجد ذلک من نفسه، فلم یدخل تحت هذا الخطاب، فلا یتخذ عدوا للّه محبوبا و لا محبا «أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّکُمْ» أن و ما بعدها بتأویل المصدر، کأنه یقول: یخرجون الرسول و إیاکم من أجل إیمانکم باللّه ربکم، «إِنْ کُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِی سَبِیلِی وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِی، تُسِرُّونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّهِ، وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَیْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ، وَ مَنْ یَفْعَلْهُ مِنْکُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِیلِ».
[سوره الممتحنه (۶۰): الآیات ۲ الى ۶]
إِنْ یَثْقَفُوکُمْ یَکُونُوا لَکُمْ أَعْداءً وَ یَبْسُطُوا إِلَیْکُمْ أَیْدِیَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَدُّوا لَوْ تَکْفُرُونَ (۲) لَنْ تَنْفَعَکُمْ أَرْحامُکُمْ وَ لا أَوْلادُکُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ یَفْصِلُ بَیْنَکُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ (۳) قَدْ کانَتْ لَکُمْ أُسْوَهٌ حَسَنَهٌ فِی إِبْراهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْکُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ کَفَرْنا بِکُمْ وَ بَدا بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَهُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَکَ وَ ما أَمْلِکُ لَکَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْءٍ رَبَّنا عَلَیْکَ تَوَکَّلْنا وَ إِلَیْکَ أَنَبْنا وَ إِلَیْکَ الْمَصِیرُ (۴) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَهً لِلَّذِینَ کَفَرُوا وَ اغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (۵) لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِیهِمْ أُسْوَهٌ حَسَنَهٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ مَنْ یَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ (۶)
فلم یذم من تولى لیعلمنا الأدب، بل نزه نفسه بالغنى عما دعاهم إلیه، و أنهم إن أجابوا لذلک فإن الخیر الذی فیه علیهم یرجع، و اللّه غنی عنه، ثم أتبعه بالحمید، أی هو أهل الثناء بالمحامد فی الأولى و الآخره، فله الحمد على کل حال.
[سوره الممتحنه (۶۰): الآیات ۷ الى ۱۰]
عَسَى اللَّهُ أَنْ یَجْعَلَ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ الَّذِینَ عادَیْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّهً وَ اللَّهُ قَدِیرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ (۷) لا یَنْهاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ (۸) إِنَّما یَنْهاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ أَخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ (۹) یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَکُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْکُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَ لا جُناحَ عَلَیْکُمْ أَنْ تَنْکِحُوهُنَّ إِذا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الْکَوافِرِ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْیَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِکُمْ حُکْمُ اللَّهِ یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (۱۰)
لیس للمؤمن أن یبتلی المؤمن إلا بأمر إلهی
، فیکون الابتلاء للّه تعالى و منه لا منهم، مثل قوله تعالى «فَامْتَحِنُوهُنَّ» فاللّه أمر بذلک، فامتثل العبد أمر سیده، فالابتلاء لا یکون إلا للّه، و کل من ابتلى أحدا من المؤمنین بغیر أمر إلهی فإن اللّه یؤاخذه على ذلک «وَ لا تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الْکَوافِرِ» یؤید تحریم نکاح المشرکات.
[سوره الممتحنه (۶۰): الآیات ۱۱ الى ۱۲]
وَ إِنْ فاتَکُمْ شَیْءٌ مِنْ أَزْواجِکُمْ إِلَى الْکُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (۱۱) یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَکَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَکَ عَلى أَنْ لا یُشْرِکْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ وَ لا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا یَأْتِینَ بِبُهْتانٍ یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا یَعْصِینَکَ فِی مَعْرُوفٍ فَبایِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۲)
البهتان هو أن ینسب إلى الشخص ما لم یکن منه، و لقد مات رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلّم و ما مست یده ید امرأه لا یحل له لمسها، و هو رسول اللّه، و ما کانت تبایعه النساء إلا بالقول، و قوله للواحده قوله للجمیع.
[سوره الممتحنه (۶۰): آیه ۱۳]
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَئِسُوا مِنَ الْآخِرَهِ کَما یَئِسَ الْکُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (۱۳)
رحمه من الرحمن فى تفسیر و اشارات القرآن، ج۴، ص: ۳۲۰