تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره حم الأحقاف
سوره حم الأحقاف
[۱- ۵]
[سوره الأحقاف (۴۶): الآیات ۱ الى ۵]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (۱) تَنْزِیلُ الْکِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ (۲) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ الَّذِینَ کَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (۳) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِی ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْکٌ فِی السَّماواتِ ائْتُونِی بِکِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَهٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (۴)
وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا یَسْتَجِیبُ لَهُ إِلى یَوْمِ الْقِیامَهِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (۵)
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ أی: بالوجود المطلق الثابت الأحدی الصمدی الذی یتقوّم به کل شیء، أو بالعدل الذی هو ظل الوحده المنتظم به کل کثره، کما قال: بالعدل قامت السموات و الأرض. وَ بتقدیر أَجَلٍ مُسَمًّى أی: کمال معین ینتهی به کمال الوجود و هو القیامه الکبرى بظهور المهدی و بروز الواحد القهار بالوجود الأحدی الذی یفنى عنده کل شیء کما کان فی الأزل وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بالاحتجاب عن الحق عَمَّا أُنْذِرُوا من أمر هذه القیامه مُعْرِضُونَ.
قُلْ أَ رَأَیْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تسمونه و تثبتون له وجود أو تأثیر أی شیء کان أَرُونِی ما تأثیره فی شیء أرضی بالاستقلال أو شیء سماویّ بالشرکه ائْتُونِی على ذلک بدلیل نقلیّ من کتاب سابق أو عقلی من علم متقن إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ، وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شیئا، أی: کان کدعاء الموالی للساده مثلا إذ لا یستجیب له أحد إلا اللّه.
[۶- ۱۲]
[سوره الأحقاف (۴۶): الآیات ۶ الى ۱۲]
وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ کانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ کانُوا بِعِبادَتِهِمْ کافِرِینَ (۶) وَ إِذا تُتْلى عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِینٌ (۷) أَمْ یَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَیْتُهُ فَلا تَمْلِکُونَ لِی مِنَ اللَّهِ شَیْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِیضُونَ فِیهِ کَفى بِهِ شَهِیداً بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (۸) قُلْ ما کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِکُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما یُوحى إِلَیَّ وَ ما أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ (۹) قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ کَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَکْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (۱۰)
وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لِلَّذِینَ آمَنُوا لَوْ کانَ خَیْراً ما سَبَقُونا إِلَیْهِ وَ إِذْ لَمْ یَهْتَدُوا بِهِ فَسَیَقُولُونَ هذا إِفْکٌ قَدِیمٌ (۱۱) وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَهً وَ هذا کِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِیًّا لِیُنْذِرَ الَّذِینَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِینَ (۱۲)
وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ کانُوا لَهُمْ أَعْداءً لأن عباده أهل الدنیا لسادتهم و خدمتهم إیاهم لا تکون إلا لغرض نفسانی و کذا استعباد الموالی لخدمهم فإذا ارتفعت الأغراض و زالت العلل و الأسباب کانوا لهم أعداء و أنکروا عبادتهم یقولون: ما خدمتمونا و لکن خدمتم أنفسکم، کما قیل فی تفسیر قوله تعالى: الْأَخِلَّاءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ[۱].
[۱۳]
[سوره الأحقاف (۴۶): آیه ۱۳]
إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ (۱۳)
إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ أی: تجرّدوا عن العلائق و رفضوا العوائق و انقطعوا إلى اللّه عن کل ما سواه و رحموا البصر عن طغواه فصدقا قالوا: ربنا اللّه، إذ لو بقیت منهم بقایا و لم یأمنوا التلوینات فی عرصه الفناء لم یقولوا صادقین: ربّنا اللّه ثُمَّ اسْتَقامُوا بالتحقق به فی العمل و التحفظ به فی مراعاه آداب الحضره عن الزلل و الخطل، بحیث لم ینبض منهم عرق و لم یتحرک منهم شعره إلا باللّه و للّه فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ إذ لا حجاب و لا عقاب وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ إذ لا مرغوب إلا و هو حاصل لهم فلم یفت منهم شیء و لا یفوت کما قیل: إنّ فی اللّه عزاء لکل مصیبه و درکا عن کل ما فات.
[۱۴- ۱۸]
[سوره الأحقاف (۴۶): الآیات ۱۴ الى ۱۸]
أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّهِ خالِدِینَ فِیها جَزاءً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (۱۴) وَ وَصَّیْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ کُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِینَ سَنَهً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَ عَلى والِدَیَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إِنِّی تُبْتُ إِلَیْکَ وَ إِنِّی مِنَ الْمُسْلِمِینَ (۱۵) أُولئِکَ الَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَیِّئاتِهِمْ فِی أَصْحابِ الْجَنَّهِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِی کانُوا یُوعَدُونَ (۱۶) وَ الَّذِی قالَ لِوالِدَیْهِ أُفٍّ لَکُما أَ تَعِدانِنِی أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِی وَ هُما یَسْتَغِیثانِ اللَّهَ وَیْلَکَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَیَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (۱۷) أُولئِکَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ فِی أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ کانُوا خاسِرِینَ (۱۸)
أُولئِکَ أَصْحابُ الْجَنَّهِ المطلقه الشامله للجنان کلها خالِدِینَ فِیها جَزاءً بِما کانُوا یَعْمَلُونَ فی حال السلوک حتى الوصول حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِینَ سَنَهً لما کانت النفس ممنوّه بتدبیر البدن لتوقف استکمالها علیه مشغوله عن کمالها به فی أول النشأه لم تنفتح بصیرتها و لم یصف إدراکها و لم یتبین رشدها إلا وقت بلوغ النکاح کما قال فی الیتامى: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ[۲] و ذلک هو الأشد الصوری. ألا ترى أن الطبیعه من وقت الطفوله إلى هذا الحد لا تتفرغ إلى تحصیل ماده النوع عن إیرادها ما یزید فی الأقطار من الغذاء زائدا على بدل المتحلل من البدن لضعف الأعضاء و شدّه الاحتیاج إلى النمو و التصلب، فالنفس حینئذ منغمسه فی البدن، مستعمله للطبیعه فی ذلک العمل، ذاهله عن کمالها إلى هذا الأجل، فلما قربت الآلات من حدّ کمالها و وصلت إلى ما یصلح لاستعمالها فی تصرفاتها و انتقص الاحتیاج إلى ما یزید فی أقطارها تفرّغت الطبیعه إلى ذخیره ماده النوع من الشخص لاستغنائها بکمال الشخص عن مادته فتفرّغت النفس إلى تحصیل کمالها، فانفتحت بصیره عقلها و ظهرت أنوار فطرتها و استعدادها و تنبّهت عن نومها فی مهدها، و تیقّظت عن سنه غفلتها و تفطّنت لقدس جوهرها و طلبت مرکزها و غایتها لأمرین صلاحیه الآلات للاستعمال فی الاستکمال و فراغها عن تخصیص البدن بالإقبال لقله الإشغال، لکنها ما دامت سنّ النموّ باقیه و زیاده الآلاف فی القوه و الشده ممکنه ما توجهت بالکلیه إلى الجهه العلویه و ما تجرّدت لتحصیل الکمالات العقلیه و المطالب القدسیه للاشتغال المذکور و إن قلّ و ذلک إلى منتهى الثلثین من السن کما تبین فی علم الطب، فلما جاوزتها و أخذت فی سنّ الوقوف أقبلت إلى عالمها و أشرقت أنوار فطرتها فاشتدّت فی طلب کمالها لوقوع الفراغ لها إلیها، فأخذ کافل الأیتام الحقیقیه الذی هو روح القدس أن آنس رشدها فی دفع أموالها التی هی الحقائق و المعارف و العلوم و الحکم إلیها، لبلوغها نکاح الغوانی من المفارقات القدسیه و النورانیات الجبروتیه و ذلک وقت سیرها فی صفات اللّه إلى ذات اللّه حتى الفناء التام بالاستغراق فی عین الجمع لإمکان السیر فی أفعاله من وقت الأشدّ الصوری إلى أشدّ هذا الأشدّ المعنوی الذی نهایته الأربعون تقریبا. و لهذا قیل: الصوفیّ بعد الأربعین أبذّ، إذ لم یستعدّ بالتوجه و الطلب و السیر فی الأفعال بالتزکیه لقبول تلک الأموال و التصرف فیها فلم یأنس روح القدس منه الرشد فلم یدفع إلیه، و إذا تم سیره فی اللّه عند ذلک الأشدّ بالفناء فیه کان وقت البقاء بعد الفناء و أوان الاستقامه فی العمل.
و أشار إلیها بقوله: رَبِّ أَوْزِعْنِی و لهذا لم یبعث نبی قط إلا بعد الأربعین سوى عیسى و یحیى و مع ذلک وقفا فی بعض السموات. و لما کانت النعم أوابد یجب تقییدها بالشکر استوزع الشکر على نعمه الکمال الحاصل المسبوق بالنعم الغیر المتناهیه لمحافظتها لئلا یحتجب برؤیه الفناء فیترک الطاعه تبرّما لحاله و اتکالا على کماله، فإن آفه مقام الفناء رؤیه الفناء و المبتلی بها یقع فی التلوین و یحرم نعمه التمکین، و لهذا
قال علیه السلام: «أفلا أکون عبدا شکورا».
فطلب محافظه نعمه الهدایه و الکمال علیه بإیقافه على الطاعات التی هی شکر نعمته التی أنعم بها علیه و على والدیه الذین هما السبب القریب لوجوده إذ لو لم یکن فیهما خیر و خلق حسن و سرّ صالح لم یظهر علیه ذلک الکمال لأنه سرّهما و لهذا وجب الإحسان و الدعاء بالوالدین و لهما وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً بتکمیل المستعدّین فإن الواجب على الکامل أولا محافظه کماله ثم تکمیل المستکملین، إذ العمل إنما هو من الأمور النسبیه فربما کان صالحا بالنسبه إلى أحد سیئا بالنسبه إلى غیره، کما قال: «حسنات الأبرار سیئات المقرّبین».
و لهذا قال: وَ أَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی أی: أولادی الحقیقیه سواء کانوا صلبیه أو لا لأن علمه الصالح الذی هو التکمیل و تربیه المریدین لا ینجع إلا بعد تهیء استعدادهم و الصلاح فی أعمالهم و أحوالهم و ذلک من فیضه الأقدس، و لو لم یکن هذا الصلاح و القبول التام الذی لا یکون إلا من عند اللّه لما کان للإصلاح و التکمیل و الإرشاد أثر کما قال: إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ[۳] و هما، أی: محافظه الکمال بالشکر بالقیام بحق الملهم بالطاعات و التکمیل بالإرشاد ملاک العمل فی الاستقامه و وظیفه المتحقق بالوجود الحقانی فی مقام البقاء إِنِّی تُبْتُ إِلَیْکَ من ذنب رؤیه الفناء و هذه التوبه هی التی تاب بها موسى علیه السلام عند الإفاقه کما قال تعالى: فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ[۴] وَ إِنِّی مِنَ الْمُسْلِمِینَ المنقادین المستسلمین فی سلک العباد لمکان الاستقامه أُولئِکَ الموصوفون بتلک التوبه و الاستقامه هم الَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا بظهور آثار تربیتهم و حسن هدایتهم فی مریدیهم لأن التکمیل أحسن أعمالهم، ألا ترى أن کل من لم یثبت على طریق المتابعه و لم یتشدّد فی حفظ السنه من الکمل لم یکن له أتباع و لم یقم منه کامل لخلله فی الاستقامه و اتکاله على حاله من الکرامه و ذلک علامه عدم قبول عمله الصالح. و هؤلاء لما قاموا بشکر نعمه الکمال قبل عملهم وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَیِّئاتِهِمْ التی هی بقایا صفاتهم و ذواتهم بالمحو الکلی و الطمس الحقیقی فی مقام التمکین فلا یقعون فی ذنب رؤیه الفناء و لا تلوین ظهور الإنیه و الأنانیه فِی أَصْحابِ الْجَنَّهِ المطلقه وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِی کانُوا یُوعَدُونَ حیث قال: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْءٍ[۵].
[۱۹- ۲۸]
[سوره الأحقاف (۴۶): الآیات ۱۹ الى ۲۸]
وَ لِکُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ لِیُوَفِّیَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (۱۹) وَ یَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْیَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ بِما کُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (۲۰) وَ اذْکُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (۲۱) قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَأْفِکَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (۲۲) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَ أُبَلِّغُکُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَ لکِنِّی أَراکُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (۲۳)
فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِیَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِیحٌ فِیها عَذابٌ أَلِیمٌ (۲۴) تُدَمِّرُ کُلَّ شَیْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا یُرى إِلاَّ مَساکِنُهُمْ کَذلِکَ نَجْزِی الْقَوْمَ الْمُجْرِمِینَ (۲۵) وَ لَقَدْ مَکَّنَّاهُمْ فِیما إِنْ مَکَّنَّاکُمْ فِیهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَهً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَیْءٍ إِذْ کانُوا یَجْحَدُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (۲۶) وَ لَقَدْ أَهْلَکْنا ما حَوْلَکُمْ مِنَ الْقُرى وَ صَرَّفْنَا الْآیاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (۲۷) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَهً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَ ذلِکَ إِفْکُهُمْ وَ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (۲۸)
وَ لِکُلٍّ دَرَجاتٌ لما ذکر السابقین و عقبهم بذکر من یقابلهم من المطرودین الذین حقّ علیهم القول و بین أنّ الفریق الأول فی عداد السعداء و الفریق الثانی من جمله الأشقیاء. تناول الکلام الأصناف السبعه المذکوره فی أول الکتاب للتصریح بذکر الصنفین اللذین هما الأصل فی الإیمان و الکفر، و التعریض بذکر الخمسه الباقیه فقال: وَ لِکُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أی:
و لکل صنف من أصناف الناس درجات من جزاء أعمالهم من أعلى علیین إلى أسفل سافلین، و غلب الدرجات على الدرکات بل لکل أحد من کل صنف رتبه و مقام و موقع قدم من إحدى الجنان أو طبقات النیران.
أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا أنکر علیهم إذهاب جمیع الحظوظ فی لذات الدنیا لأن لکل أحد بحسب استعداده الأول کمالا و نقصا یقابله، و بحسب وقت تکوّنه فی هذا العالم سعاده عاجله و شقاوه تقابلها فله بحسب کل واحده من النشأتین طیبات و حظوظ تناسب کلا کمالیه، فمن أقبل بوجهه على طیبات الدنیا و حظوظها و الاستمتاع بها و أعرض بقلبه عن طیبات الأخرى و لذاتها حرم الثانیه أصلا لانغماسه فی الأمور الظلمانیه و احتجابه عن المطالب النورانیه، کما قال تعالى: رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَهِ مِنْ خَلاقٍ[۶]، و ذلک معنى قوله: أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا لأن حظوظ الأخرویه التی تقتضیها هویته ذهبت فی هذه، فکأن ما زاد فی النهار نقص من اللیل. و أما من أقبل بوجهه إلى الأخرى و تنزّه عن هذه بالزهد و التقوى و رغب فی المعارف الحقیقیه و الحقائق الإلهیه و اللذات العلویه و الأنوار القدسیه التی هی الطیبات بالحقیقه فقد أوتی منها حظه و لم ینقص من حظوظه العاجله على قیاس الأول بل وفر منها نصیبه کما قال: مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَهِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَ مَنْ کانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَهِ مِنْ نَصِیبٍ (۲۰)[۷] و ذلک لأن الاستغراق فی عالم القدس و التوجه إلى جناب الحق یورث النفس قوه و قدره تؤثر بها فی عالم الحسّ، فکیف إذا اتصلت بمنبع القوى و القدر؟ أما ترى أن عالم الملکوت مؤثر فی عالم الملک متصرّف فیه، قاهر له بإذن اللّه تعالى؟، و تسخیره و الانهماک فی عالم الحسّ یخمد قوه الفطره و یطفئ نور القلب فلا تبقى له قدره و لا قوه و تأثیر فی شیء، و کیف و قد تأثرت عمّا من شأنه التأثر المحض و تسخرت لما من شأنه التسخر الصرف و الانفعال المطلق؟، و لهذا قیل: الدنیا کالظل تتبع من أعرض عنها و تفوت من أقبل إلیها. و
قال أمیر المؤمنین رضی اللّه عنه: «من أقبل إلیها فاتته و من أعرض عنها أتته».
فَالْیَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أی: الذله و الصغار لملازمتکم بالطبع للجهه السفلیه و توجهکم بالعشق إلى المطالب الدنیه، فأنتم اخترتم الدناءه و الانقهار بالتجبر و الاستکبار و ذلک معنى قوله: بِما کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ أی: فی مقام النفس باستیلاء القوه الغضبیه التی شأنها الاستکبار فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِ إذ لو تجرّدوا عن الهیئات الغضبیه و الشهویه، و ترّفعوا عن الصفات النفسیه و نضوا جلابیب الإنیه و الأنانیه لاستکبروا بالحق فی السماء و الأرض و لکان تکبّرهم کبریاء اللّه کما
قال الصادق علیه السلام لمن قال له: فیک کل فضیله و کمال إلا أنک متکبّر!، فقال: «لا و اللّه، بل انخلعت عن کبری فخلع علیّ کبریاء اللّه»
أو ما هذا معناه، فهذا هو التکبر بالحق وَ بِما کُنْتُمْ تَفْسُقُونَ باستیلاء القوه الشهوانیه التی خاصیتها الفسق و الفساد.
[۲۹]
[سوره الأحقاف (۴۶): آیه ۲۹]
وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَیْکَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ یَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِیَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِینَ (۲۹)
وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَیْکَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ الجنّ نفوس أرضیه تجسدت فی أبدان لطیفه مرکبه من لطائف العناصر سماها حکماء الفرس الصور المعلقه، و لکونها أرضیه متجسده فی أبدان عنصریه و مشارکتها الإنس فی ذلک سمیّا ثقلین، و کما أمکن الناس التهدّی بالقرآن أمکنهم.
و حکایاتهم من المحققین و غیرهم أکثر من أن یمکن ردّ الجمیع و أوضح من أن یقبل التأویل، و إن شئت التطبیق فاسمع. و إذ صرفنا إلیک نفرا من جنّ القوى الروحانیه من العقل و الفکر و المتخیله و الوهم حال القراءه فی الصلاه، أی: أملناهم نحوک و اتّبعناهم سرّک بالإقبال بهم إلیک و صرفهم عن جانب النفس و الطبیعه بتطویقهم إیاک و تسخیرهم لک حتى یجتمع همّک و لا یتوزع قلبک و لا یتشوّش بالک بحرکاتهم فی وقت حضورک عند طلوع فجر نور القدس یَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ الوارد إلیک من العالم القدسیّ فَلَمَّا حَضَرُوهُ أی: حضروا العقل القرآنی الجامع للکمالات عند ظهور النور الفرقانی علیک قالُوا أَنْصِتُوا أی: سکنوا و سکت بعضهم بعضا عن کلامهم الخاص بهم مثل الأحادیث النفسانیه و التصورات و الهواجس و الوساوس و الخواطر و الحرکات الفکریه و الانتقالات التخیلیه. و القول هاهنا حالیّ کما ذکر غیر مره إذ لو لم یسکنوا و ینصتوا مستمعین لما یفیض علیهم من الواردات القدسیه لم یبق من الوارد أثر، بل لم یکن بتلقی الغیب و لا ورود المعنى القدسی و لا تلاوه الکلام الإلهی کما ینبغی، و لهذا قال: إِنَّ ناشِئَهَ اللَّیْلِ هِیَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِیلًا (۶)[۸] و لأمر ما کان مبدأ الوحی منامات صادقه و ذلک کون هذه القوى ساکنه متعطله عند النوم حتى قوی على عزلها عن أشغالها و تعطیلها فی الیقظه فَلَمَّا قُضِیَ أی: الوارد المعنوی و النازل القدسی الکشفی وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ القوى النفسانیه و الطبیعیه ینذرونهم عقاب الطغیان و العدوان على القلب بالتأثیر فیهم بالملکات الفاضله و إفاضات الهیئات النوریه المستفاده من المعنى القدسی النازل و یمنعونهم الاستیلاء على القلب بالتسخیر و الارتیاض.
[۳۰]
[سوره الأحقاف (۴۶): آیه ۳۰]
قالُوا یا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا کِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِیقٍ مُسْتَقِیمٍ (۳۰)
قالُوا یا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا کِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى أی: ما تأثرنا بمثل هذا التأثر النوری فی الوجود المحمدی إلا فی زمن موسى و من بعده إلى هذا الزمان ما تلقینا هذا المعنى لأن عیسى علیه السلام ما تم معراجه و ما بلغ حاله حال النبیین المذکورین، موسى و محمد، فی الانخراط فی سلک القدس فی حیاته و مشایعه جمیع قواه لسرّه و ما کمل فناؤه لیتحقق جمیع قواه بالوجود الحقانی و لذلک بقی فی السماء الرابعه و احتجب فیها بخلافهما و سیتبع المله المحمدیه بعد النزول لیتم حاله مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ لکونه مطابقا له فی الهدایه إلى التوحید و الاستقامه کما أشیر إلیه بقوله: یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِیقٍ مُسْتَقِیمٍ.
[۳۱- ۳۵]
[سوره الأحقاف (۴۶): الآیات ۳۱ الى ۳۵]
یا قَوْمَنا أَجِیبُوا داعِیَ اللَّهِ وَ آمِنُوا بِهِ یَغْفِرْ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ وَ یُجِرْکُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ (۳۱) وَ مَنْ لا یُجِبْ داعِیَ اللَّهِ فَلَیْسَ بِمُعْجِزٍ فِی الْأَرْضِ وَ لَیْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیاءُ أُولئِکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (۳۲) أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لَمْ یَعْیَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ یُحْیِیَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ (۳۳) وَ یَوْمَ یُعْرَضُ الَّذِینَ کَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَ لَیْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما کُنْتُمْ تَکْفُرُونَ (۳۴) فَاصْبِرْ کَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ کَأَنَّهُمْ یَوْمَ یَرَوْنَ ما یُوعَدُونَ لَمْ یَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَهً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ یُهْلَکُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (۳۵)
یا قَوْمَنا أَجِیبُوا داعِیَ اللَّهِ بمطاوعه القلب فی التوجه إلى اللّه و التأدّب بآدابه و الاستسلام لأحکامه و الانقیاد لأوامره و نواهیه فی طاعته وَ آمِنُوا بِهِ بالتنوّر بنوره و الانخراط فی سلک عبادته یَغْفِرْ لَکُمْ مِنْ ذُنُوبِکُمْ الهیئات الرذائل و المیل إلى الجهات السفلیه بمتابعه الهوى و حجب الصفات النفسانیه دون التعلقات البدنیه و الشواغل الطبیعیه لامتناع تجریدها عن الماده، و لهذا المعنى أورد من التبعیضیه وَ یُجِرْکُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ بسبب النزوع و الانجذاب إلى اللذات و الشهوات مع الحرمان لفقدان الآلات و ما قال بعض المفسرین: إنّ الجنّ لا ثواب لهم و إنما إسلامهم یدفع عقابهم، فی تفسیر الآیه إن ثبت إشاره إلى أن هذه القوى البدنیه لا حظ لها من المعانی الکلیه العقلیه و الهیئات النوریه و اللذات القدسیه لکن انقیادها و مطاوعتها للسر یدفع آلامها الحسیه و النزوعیه و اللّه أعلم.
تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق)، ج۲، ص: ۲۶۴
[۱] ( ۱) سوره الزخرف، الآیه: ۶۷.
[۲] ( ۲) سوره النساء، الآیه: ۶.
[۳] ( ۱) سوره القصص، الآیه: ۵۶.
[۴] ( ۲) سوره الأعراف، الآیه: ۱۴۳.
[۵] ( ۳) سوره الطور، الآیه: ۲۱.
[۶] ( ۱) سوره البقره، الآیه: ۲۰۰.
[۷] ( ۲) سوره الشورى، الآیه: ۲۰.
[۸] ( ۱) سوره المزمل، الآیه: ۶.