تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره الزخرف
سوره الزخرف
[۱- ۳]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۱ الى ۳]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
حم (۱) وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ (۲) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (۳)
أقسم بأول الوجود و هو الحق و آخره و هو محمد و ما أجل قسما بما هو أصل الکل و کماله، و لهذا کانت الشهاده بهما أساس الإسلام و عماد الإیمان و الجمع بینهما هو المذهب الحق و الملّه القویمه. فإنّ أحدیه الوجود و التأثیر هو الجبر و إثبات التفصیل فی الوجود و التأثیر هو القدر، و الجمع بینهما بقولنا: لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه، هو الصراط المستقیم، و الدّین المتین. أو بما یناسب الکتاب و هو اللوح و القلم لقوله تعالى: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما یَسْطُرُونَ (۱)[۱] و قد یکنى عن الکلمه بآخرها کما یکنى عنها بأولها. فعلى الوجه الأول یمکن أن یؤوّل الکتاب بنفس محمد لکونه مبینا للحق جمعا و تفصیلا و کونه منزّلا من عند اللّه قُرْآناً أی: جامعا لجمیع تفاصیل الوجود، حاصرا للصفات الإلهیه و المراتب الوجودیه و الکمالیه عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ ما نخاطبکم به.
[۴]
[سوره الزخرف (۴۳): آیه ۴]
وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ لَدَیْنا لَعَلِیٌّ حَکِیمٌ (۴)
وَ إِنَّهُ فِی أُمِّ الْکِتابِ أی: أصل الوجود فی الرتبه الأولى و أول نقطه الوجود الإضافی الممتاز بالتعین الأول عن الوجود المطلق التالی للهویه المحضه المشار إلیه بقوله: لَدَیْنا لَعَلِیٌ رفیع القدر بحیث لا رفعه وراءها حَکِیمٌ ذو الحکمه إذ به ظهرت صور الأشیاء و حقائقها أعیانها و صفاتها و ترتیب الموجودات و نظامها على ما هی علیه. و أما على الوجه الثانی فلا یستقیم هذا التأویل، بل هو القرآن المبین للتوحید و التفصیل الدال علیهما، المقسم به إجمالا و إنه فی أمّ الکتاب أی: الروح الأعظم المشتمل على کل العلوم بل کل الأشیاء لدینا قریبا منا أقرب من سائر العلوم الحاصله فی مراتب التنزلات. فإن العلم اللدنی هو الذی انتقش فی الروح الذی هو أول الأرواح قبل تنزّله فی المراتب، و کون القرآن ذا الحکمه کونه مشتملا على الحکمه النظریه المفیده للاعتقادات الحقّه من التوحید و النبوّه و بیان أحوال المعاد و أمثالها، فالحکمه العملیه من بیان أحکام أفعال المکلفین کالشرائع و کیفیه السلوک فی المراتب و أحوال المکاسب و المواهب.
[۵- ۱۴]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۵ الى ۱۴]
أَ فَنَضْرِبُ عَنْکُمُ الذِّکْرَ صَفْحاً أَنْ کُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِینَ (۵) وَ کَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِیٍّ فِی الْأَوَّلِینَ (۶) وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ نَبِیٍّ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (۷) فَأَهْلَکْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِینَ (۸) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ (۹)
الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَکُمْ فِیها سُبُلاً لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (۱۰) وَ الَّذِی نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَهً مَیْتاً کَذلِکَ تُخْرَجُونَ (۱۱) وَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْفُلْکِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْکَبُونَ (۱۲) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْکُرُوا نِعْمَهَ رَبِّکُمْ إِذَا اسْتَوَیْتُمْ عَلَیْهِ وَ تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِی سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما کُنَّا لَهُ مُقْرِنِینَ (۱۳) وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (۱۴)
أَ فَنَضْرِبُ عَنْکُمُ الذِّکْرَ أی: أ نهملکم و نصرف الذکر عنکم لإسرافکم و إنما کانت الحاجه إلى الذکر للإسراف، إذ لو کانوا على السیره العادله و الطریقه الوسطى لما احتیج إلى التذکیر بل التذکیر یجب عند الإفراط و التفریط، و لهذا بعث الأنبیاء فی زمان الفتره. قال اللّه تعالى: کانَ النَّاسُ أُمَّهً واحِدَهً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِیِّینَ[۲].
[۱۵- ۱۹]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۱۵ الى ۱۹]
وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَکَفُورٌ مُبِینٌ (۱۵) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا یَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاکُمْ بِالْبَنِینَ (۱۶) وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ (۱۷) أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَهِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ (۱۸) وَ جَعَلُوا الْمَلائِکَهَ الَّذِینَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُکْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ یُسْئَلُونَ (۱۹)
وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً أی: اعترفوا بأنه خالق السموات و الأرض و مبدعهما و فاطرهما و قد جسموه و جزءوه بإثبات الولد له الذی هو بعض من الوالد مماثل له فی النوع لکونهم ظاهریین جسمانیین لا یتجاوزون عن رتبه الحسّ و الخیال و لا یتجرّدون عن ملابس الجسمانیات، فیدرکون الحقائق المجرده و الذوات المقدّسه فضلا عن ذوات اللّه تعالى، فکل ما تصوروا و تخیلوا کان شیئا جسمانیا و لهذا کذبوا الأنبیاء فی إثبات الآخره و البعث و النشور و کل ما یتعلق بالمعاد، إذ لا یتعدّى إدراکهم الحیاه الدنیا و عقولهم المحجوبه عن نور الهدایه أمور المعاش فلا مناسبه أصلا بین ذواتهم و ذوات الأنبیاء إلا فی ظاهر البشریه، فلا حاجه إلى ما وراءها. و لما سمعوا من أسلافهم قول الأوائل من الحکماء فی إثبات النفوس الملکیه و تأنیثهم إیاها إما باعتبار اللفظ، و إما باعتبار تأثرها و انفعالها عن الأرواح المقدسه العقلیه مع وصفهم إیاها بالقرب من الحضره الإلهیه توهموا أنوثتها فی الحقیقه التی هی بإزاء الذکوره فی الحیوان مع اختصاصها باللّه فجعلوها بنات، و قلما یعتقدها العامی إلا صور إنسیه لطیفه فی غایه الحسن.
[۲۰- ۳۰]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۲۰ الى ۳۰]
وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَخْرُصُونَ (۲۰) أَمْ آتَیْناهُمْ کِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِکُونَ (۲۱) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّهٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (۲۲) وَ کَذلِکَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ فِی قَرْیَهٍ مِنْ نَذِیرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّهٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (۲۳) قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُکُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَیْهِ آباءَکُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ کافِرُونَ (۲۴)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَهُ الْمُکَذِّبِینَ (۲۵) وَ إِذْ قالَ إِبْراهِیمُ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِی بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (۲۶) إِلاَّ الَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُ سَیَهْدِینِ (۲۷) وَ جَعَلَها کَلِمَهً باقِیَهً فِی عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (۲۸) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَ رَسُولٌ مُبِینٌ (۲۹)
وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ کافِرُونَ (۳۰)
وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ لما سمعوا من الأنبیاء تعلیق الأشیاء بمشیئه اللّه تعالى افترضوه و جعلوه ذریعه فی الإنکار، و قالوا ذلک لا عن علم و إیقان بل على سبیل العناد و الإفحام، و لهذا ردّهم اللّه تعالى بقوله: ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إذ لو علموا ذلک لکانوا موحدین لا ینسبون التأثیر إلا إلى اللّه فلا یسعهم إلا عبادته دون غیره إذ لا یرون حینئذ لغیره نفعا و لا ضرا إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ لتکذیبهم أنفسهم فی هذا القول بالفعل حین عظموهم و خافوهم و خوّفوا أنبیاءهم من بطشهم کما قال قوم هود: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراکَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ[۳]، و لما خوّفوا إبراهیم علیه السلام کیدهم أجاب بقوله: وَ لا أَخافُ ما تُشْرِکُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ یَشاءَ رَبِّی شَیْئاً[۴] إلى قوله: وَ کَیْفَ أَخافُ ما أَشْرَکْتُمْ[۵].
[۳۱- ۳۵]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۳۱ الى ۳۵]
وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْیَتَیْنِ عَظِیمٍ (۳۱) أَ هُمْ یَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِیًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ (۳۲) وَ لَوْ لا أَنْ یَکُونَ النَّاسُ أُمَّهً واحِدَهً لَجَعَلْنا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّهٍ وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ (۳۳) وَ لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ (۳۴) وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ کُلُّ ذلِکَ لَمَّا مَتاعُ الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ الْآخِرَهُ عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ (۳۵)
وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ إلى آخره، لما لم یکونوا أهل معنى و لا حظ لهم إلا من الصوره لم یتصوروا فی رسول اللّه صلى اللّه علیه و سلم شیئا یعظمونه به إذ لا مال له و لا حشمه و لا جاه عندهم، و عظم فی أعینهم الولید بن المغیره و أضرابه کأبی مسعود الثقفی و غیره لمکان حشمتهم و مالهم و خدمهم، فاستخفوا برسول اللّه صلى اللّه علیه و سلم و قالوا: لا یناسب حاله اصطفاء اللّه إیاه و کرامته عنده، و لو کان هذا القرآن من عند اللّه لاختار له رجلا عظیما کالولید و أبی مسعود فأنزل علیه لتناسب حاله عظمه اللّه، فردّهم اللّه لأنهم لیسوا بقاسمی رحمه الدین و الهدایه التی لا حظ لهم منها و لا معرفه لهم بها، بل لیسوا بقاسمی ما هم یعرفونه و یتصرّفون فیه من المعیشه و الحطام الدنیوی الذی یتهالکون على کسبه و لا یقصدون إلا إیّاه، فکیف بما لم یشموا عرفه و لم یعرفوا حاله.
[۳۶]
[سوره الزخرف (۴۳): آیه ۳۶]
وَ مَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ (۳۶)
وَ مَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطاناً قرئ: یعش بضم الشین و فتحها، و الفرق أن عشا یستعمل إذا نظر نظر العشی لعارض أو متعمدا من غیر آفه فی بصره، و عشی إذا أیف بصره. فعلى الأول معناه: و من کان له استعداد صاف و فطره سلیمه الإدراک ذکر الرّحمن أی: القرآن النازل من عنده و فهم معناه و علم کونه حقا فتعامى عنه لغرض دنیوی و بغى و حسد أو لم یفهمه و لم یعلم حقیقته لاحتجابه بالغواشی الطبیعیه و اشتغاله باللذات الحسیّه عنه، أو لاغتراره بدینه و ما هو علیه من اعتقاده و مذهبه الباطل نقیض له شیطانا جنیّا فیغویه بالتسویل و التزیین لما انهمک فیه من اللذات و حرص علیه من الزخارف أو بالشبه و الأباطیل المغویه لما اعتکف علیه بهواه من دینه، أو إنسیا یغویه و یشارکه فی أمره و یجانسه فی طریقه و یبعده عن الحق. و على الثانی معناه: و من أیف استعداده فی الأصل و شقی فی الأزل بعمى القلب عن إدراک حقائق الذکر و قصر عن فهم معناه نقیض له شیطانا من نفسه أو من جنسه یقارنه فی ضلالته و غوایته.
[۳۷- ۳۸]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۳۷ الى ۳۸]
وَ إِنَّهُمْ لَیَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِیلِ وَ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (۳۷) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ یا لَیْتَ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ بُعْدَ الْمَشْرِقَیْنِ فَبِئْسَ الْقَرِینُ (۳۸)
وَ إِنَّهُمْ لَیَصُدُّونَهُمْ و إنّ الشیاطین یصدّون قرناءهم عن طریق الوحده و سبیل الحق وَ یَحْسَبُونَ الهدایه فیما هم علیه حَتَّى إِذا جاءَنا أی: حضر عقابنا اللازم لاعتقاده و أعماله و العذاب المستحق لمذهبه و دینه تمنى غایه البعد بینه و بین شیطانه الذی أضله عن الحق و زین له ما وقع بسببه فی العذاب و استوحش من قرینه و استذمه لعدم الوصله الطبیعیه أو انقطاع الأسباب بینهما بفساد الآلات البدنیه.
[۳۹- ۶۵]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۳۹ الى ۶۵]
وَ لَنْ یَنْفَعَکُمُ الْیَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّکُمْ فِی الْعَذابِ مُشْتَرِکُونَ (۳۹) أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِی الْعُمْیَ وَ مَنْ کانَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (۴۰) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (۴۱) أَوْ نُرِیَنَّکَ الَّذِی وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَیْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (۴۲) فَاسْتَمْسِکْ بِالَّذِی أُوحِیَ إِلَیْکَ إِنَّکَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (۴۳)
وَ إِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَ لِقَوْمِکَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ (۴۴) وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَهً یُعْبَدُونَ (۴۵) وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآیاتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَقالَ إِنِّی رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ (۴۶) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآیاتِنا إِذا هُمْ مِنْها یَضْحَکُونَ (۴۷) وَ ما نُرِیهِمْ مِنْ آیَهٍ إِلاَّ هِیَ أَکْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (۴۸)
وَ قالُوا یا أَیُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّکَ بِما عَهِدَ عِنْدَکَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (۴۹) فَلَمَّا کَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ یَنْکُثُونَ (۵۰) وَ نادى فِرْعَوْنُ فِی قَوْمِهِ قالَ یا قَوْمِ أَ لَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِی مِنْ تَحْتِی أَ فَلا تُبْصِرُونَ (۵۱) أَمْ أَنَا خَیْرٌ مِنْ هذَا الَّذِی هُوَ مَهِینٌ وَ لا یَکادُ یُبِینُ (۵۲) فَلَوْ لا أُلْقِیَ عَلَیْهِ أَسْوِرَهٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِکَهُ مُقْتَرِنِینَ (۵۳)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ (۵۴) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِینَ (۵۵) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلاً لِلْآخِرِینَ (۵۶) وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْیَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ یَصِدُّونَ (۵۷) وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَیْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَکَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (۵۸)
إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَیْهِ وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِی إِسْرائِیلَ (۵۹) وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْکُمْ مَلائِکَهً فِی الْأَرْضِ یَخْلُفُونَ (۶۰) وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَهِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ (۶۱) وَ لا یَصُدَّنَّکُمُ الشَّیْطانُ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ (۶۲) وَ لَمَّا جاءَ عِیسى بِالْبَیِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُکُمْ بِالْحِکْمَهِ وَ لِأُبَیِّنَ لَکُمْ بَعْضَ الَّذِی تَخْتَلِفُونَ فِیهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۶۳)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّی وَ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ (۶۴) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَیْنِهِمْ فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ یَوْمٍ أَلِیمٍ (۶۵)
وَ لَنْ یَنْفَعَکُمُ التمنی وقت حلول العذاب و استحقاق العقاب إذ ثبت و صح ظلمکم لاشتراککم فی سببه، أو: و لن ینفعکم کونکم مشترکین فی العذاب من شدّته و إیلامه وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَهِ أی: أنّ عیسى علیه السلام مما یعلم به القیامه الکبرى و ذلک أن نزوله من أشراط الساعه. قیل
فی الحدیث: «ینزل على ثنیه من الأرض المقدسه اسمها أفیق و بیده حربه یقتل بها الدجال و یکسر الصلیب و یهدم البیع و الکنائس و یدخل بیت المقدس و الناس فی صلاه الصبح، فیتأخر الإمام فیقدّمه عیسى علیه السلام و یصلی خلفه على دین محمد صلى اللّه علیه و سلم».
فالثنیه المسماه أفیق إشاره إلى مظهره الذی یتجسد فیه، و الأرض المقدسه إلى الماده الطاهره التی یتکون منها جسده، و الحربه إشاره إلى صوره القدره و الشوکه التی تظهر فیها. و قتل الدجال بها إشاره إلى غلبته على المتغلب المضلّ الذی یخرج هو فی زمانه. و کسر الصلیب و هدم البیع و الکنائس إشاره إلى رفعه للأدیان المختلفه. و دخوله بیت المقدس إشاره إلى وصوله إلى مقام الولایه الذاتیه فی الحضره الإلهیه الذی هو مقام القطب. و کون الناس فی صلاه الصبح إشاره إلى اتفاق المحمدیین على الاستقامه فی التوحید عند طلوع صبح یوم القیامه الکبرى بظهور نور شمس الوحده. و تأخر الإمام إشاره إلى شعور القائم بالدین المحمدی فی وقته بتقدّمه على الکل فی الرتبه لمکان قطبیته و تقدیم عیسى علیه السلام إیاه و اقتداؤه به على الشریعه المحمدیه إشاره إلى متابعته للملّه المصطفویه و عدم تغییره للشرائع و إن کان یعلمهم التوحید العیانی و یعرفهم أحوال القیامه الکبرى و طلوع الوجه الباقی، هذا إذا کان المهدی عیسى بن مریم على ماروی فی الحدیث: «لا مهدی إلا عیسى بن مریم»
، و إن کان المهدی غیره فدخوله بیت المقدس وصوله إلى محل المشاهده دون مقام القطب و الإمام الذی یتأخر هو المهدی، و إنما یتأخر مع کونه قطب الوقت مراعاه لأدب صاحب الولایه مع صاحب النبوه، و تقدیم عیسى علیه السلام إیاه لعلمه بتقدمه فی نفس الأمر لمکان قطبیته و صلاته خلفه على الشریعه المحمدیه اقتداؤه به تحقیقا للاستفاضه منه ظاهرا و باطنا و اللّه أعلم.
و إنما قال: وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِیمٌ لأن الطریقه المحمدیه هی صراط اللّه لکونه باقیا به بعد الفناء فدینه دین اللّه و صراطه صراط اللّه و اتباعه اتباع اللّه، فلا فرق بین قوله:
وَ اتَّبِعُونِ، و قوله: و اتبعوا رسولی. و لهذا کان متابعته تورث محبه اللّه إذ طریقه هی طریق الوحده الحقیقیه التی لا استقامه إلا لها و لهذا لم یسع عیسى إلا اتباعه عند الوصول إلى الوحده و ارتفاع الاثینیه یوجب المحبه الحقیقیه.
[۶۶- ۷۶]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۶۶ الى ۷۶]
هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَهَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ بَغْتَهً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (۶۶) الْأَخِلاَّءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِینَ (۶۷) یا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (۶۸) الَّذِینَ آمَنُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا مُسْلِمِینَ (۶۹) ادْخُلُوا الْجَنَّهَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُکُمْ تُحْبَرُونَ (۷۰)
یُطافُ عَلَیْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ أَکْوابٍ وَ فِیها ما تَشْتَهِیهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْیُنُ وَ أَنْتُمْ فِیها خالِدُونَ (۷۱) وَ تِلْکَ الْجَنَّهُ الَّتِی أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (۷۲) لَکُمْ فِیها فاکِهَهٌ کَثِیرَهٌ مِنْها تَأْکُلُونَ (۷۳) إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (۷۴) لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ (۷۵)
وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لکِنْ کانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ (۷۶)
هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَهَ أَنْ تَأْتِیَهُمْ أی: ظهور المهدی دفعه و هم غافلون عنه الْأَخِلَّاءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِینَ الخله، إما أن تکون خیریه أو لا، و الخیریه إما أن تکون فی اللّه أو للّه، و الغیر الخیریه إما أن یکون سببها اللذه النفسانیه أو النفع العقلی.
و القسم الأول هو المحبه الروحانیه الذاتیه المستنده إلى تناسب الأرواح فی الأزل لقربها من الحضره الأحدیه و تساویها فی الحضره الواحدیه التی قال فیها: فما تعارف منها ائتلف، فهم إذا برزوا فی هذه النشأه و اشتاقوا إلى أوطانهم فی القرب و توجهوا إلى الحق و تجردوا عن ملابس الحس و مواد الرجس، فلما تلاقوا تعارفوا و إذا تعارفوا تحابوا لتجانسهم الأصلی و تماثلهم الوضعی و توافقهم فی الوجهه و الطریقه، و تشابههم فی السیره و الغریزه و تجردهم عن الأغراض الفاسده و الأعراض الذاتیه التی هی سبب العداوه، و انتفع کل منهم بالآخر فی سلوکه و عرفانه و تذکره لأوطانه و التذّ بلقائه و تصفّى بصفائه و تعاونوا فی أمور الدنیا و الآخره فهی الخله التامه الحقیقیه التی لا تزول أبدا کمحبه الأولیاء و الأنبیاء و الأصفیاء و الشهداء.
و القسم الثانی هو المحبه القلبیه المستنده إلى تناسب الأوصاف و الأخلاق و السیر الفاضله، و نشأته الاعتقادات و الأعمال الصالحه کمحبه الصلحاء و الأبرار فیما بینهم و محبه العرفاء و الأولیاء إیاهم، و محبه الأنبیاء العامه أممهم. و القسم الثالث هو المحبه النفسانیه المستنده إلى اللذات الحسیه و الأغراض الجزئیه کمحبه الأزواج لمجرد الشهوه و محبه الفجار و الفساق المتعاونین فی اکتساب الشهوات و اجتلاب الأموال.
و القسم الرابع هو المحبه العقلیه المستنده إلى تسهیل أسباب المعاش و تیسیر المصالح الدنیویه کمحبه التجار و الصناع و محبه المحسن إلیه للمحسن، فکل ما استند إلى غرض فان و سبب زائل زال بزواله و انقلب عند فقدانه عداوه لتوقع کل من المتحابین ما اعتاد من صاحبه من اللذه المعهوده و النفع المألوف مع عدمه و امتناعه لزوال سببه، و لما کان الغالب على أهل العلم أحد القسمین الأخیرین أطلق الکلام و قال: الْأَخِلَّاءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِینَ لانقطاع أسباب الوصله بینهم و انتفاء الآلات البدنیه عنهم و امتناع حصول اللذه الحسیه و النفع الجسمانی و انقلابهما حسرات و آلاما و ضررا و خسرانا قد زالت اللذات و الشهوات و بقیت العقوبات و التبعات، فکل یمحق صاحبه و یبغضه لأنه یرى ما به من العذاب منه و بسببه. ثم استثنى المتقین المتناولین للقسمین الباقیین لقلتهم کما قال: وَ قَلِیلٌ ما هُمْ[۶]، وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ[۷].
و لعمری إن القسم الأول أعزّ من الکبریت الأحمر و هم الکاملون فی التقوى البالغون إلى نهایتها، الفائزون بجمیع مراتبها، اجتنبوا أولا المعاصی ثم الفضول ثم الأفعال ثم الصفات ثم الذوات، فما بقیت منهم بقایا حتى یتنافسوا فیها و یضنوا بها عن حبیبهم فیفسد محبتهم، بل ما بقی منهم إلا نفس الحب. و أما الفریق الثانی فاقتصروا على الرتبه الأولى و قنعوا بظاهر التقوى فرضوا من الآخره بما أوتوا من النعیم و تسلوا عن الرتبه الأولى و قنعوا بظاهر التقوى فرضوا من الآخره بما أوتوا من النعیم و تسلوا عن الدنیا و ما فیها بالفضل الجسیم فأبقى محباتهم فیما بینهم لبقاء أسبابها و هی الصفات المتماثله و الهیئات المتشابهه فی ابتغاء مرضاه اللّه و طلب ثوابه و اجتناب سخط اللّه و عقابه، فهم العباد المرتضون أی کلا القسمین لاشتراکهما فی طلب الرضا فلذلک نسبهم إلى نفسه بقوله: یا عباد لا خوف على الفریقین لأمنهم من العقاب و لا هم یحزنون على فوات لذات الدنیا لکونهم على ألذ منها و أبهج و أحسن حالا و أجمل، و إن تفاوت حالهم فی اللذه و السرور و الروح و الحبور بما لا یتناهى، و شتان بین محمد و محمد.
و الجنه التی أمروا بدخولها هی جنه النفس لاشتراک الفریقین فیها دون جنتی الصفات و الذات المخصوصتین بالسابقین بدلیل قوله بعده: وَ تِلْکَ الْجَنَّهُ الَّتِی أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و إنما الجنه التی هی ثواب الأعمال جنّه النفس لقوله: وَ فِیها ما تَشْتَهِیهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْیُنُ.
[۷۷- ۸۰]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۷۷ الى ۸۰]
وَ نادَوْا یا مالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنا رَبُّکَ قالَ إِنَّکُمْ ماکِثُونَ (۷۷) لَقَدْ جِئْناکُمْ بِالْحَقِّ وَ لکِنَّ أَکْثَرَکُمْ لِلْحَقِّ کارِهُونَ (۷۸) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (۷۹) أَمْ یَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ (۸۰)
وَ نادَوْا یا مالِکُ سمی خازن النار مالکا لاختصاصه بمن ملک الدنیا و آثرها لقوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغى (۳۷) وَ آثَرَ الْحَیاهَ الدُّنْیا (۳۸) فَإِنَّ الْجَحِیمَ هِیَ الْمَأْوى (۳۹)[۸] کما سمّى خازن الجنه رضوانا لاختصاصه بمن رضی اللّه عنهم و رضوا عنه. و قیل: الرضا بالقضاء باب اللّه الأعظم و هو الطبیعه الجسمانیه الموکله بأجساد العالم و الهیولى الظلمانیه أو النفس الحیوانیه الکلیه الموکله بالتأثیر فی الأجساد الحیوانیه المستعلیه على النفوس الناطقه المحبوسه فی قیود اللذات الحسیّه و المطالب السفلیه، و إنما لا یتعذب بالنار لکونه من جوهر تلک النار فهی له جنه، و للجهنمیین نار لتنافی جواهرهم و جوهرها و تباینهما.
و اختصاص ندائهم بمالک دون اللّه تعالى لاحتجابهم و بعدهم عن اللّه بالکلیه و تعبّدهم لمالک بالنیه و الأمنیه، و ما ذلک النداء إلا توجههم إلیه و طلب المراد منه و دعوتهم بقولهم: لِیَقْضِ عَلَیْنا رَبُّکَ إشاره إلى تمنی زوال بقیه الاستعداد بالکلیه و إماته الغریزه الفطریه لئلا یتأذوا بالهیئات المؤذیه و النیران المردیه، أو تمنی تعطل الحواس و عدم الإحساس لشدّه التألم بالعذاب الجسمانی و قالَ إِنَّکُمْ ماکِثُونَ إشاره إلى المکث المقدّر بحسب رسوخ الهیئات و ارتکام الذنوب و الآثام إن کانت الاستعدادات باقیه و الاعتقادات صحیحه أو الخلود فیها إن لم تکن، فإن المکث أعم من المتناهی و غیره. و کذا المجرم أعم من الشقی الأصلی و غیره، و على هذا حمل الخلود فی قوله: إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (۷۴)[۹] على المکث الطویل الأعم من المتناهی و غیره، فإنه قد یستعمل فی العرف بمعناه کثیرا مجازا، و إنما جعلنا المجرم شاملا للقسمین المذکورین من الأشقیاء لمقابلته للمتقی الشامل للقسمین المذکورین من السعداء و إن خصصناه بالشقی المردود المطرود فی الأزل کان المکث فی قوله: ماکِثُونَ.
بَلى وَ رُسُلُنا لَدَیْهِمْ یَکْتُبُونَ کل ما خطر فینا بالبال من الأشرار ینتقش فی النفوس الفلکیه کما ینتقش فی الإنسانیه لاتصالها بها و انتقاشها کما هی، إما فی القوى الخیالیه إن کانت جزئیه و إما فی القوى العاقله إن کانت کلیه، و کلاهما یظهر على النفس عند ذهولها عن الحسّ و رجوعها إلى ذاتها و ما کانت تنساها تنعکس إلیها من النفوس الفلکیه عند المفارقه فتذکرها دفعه و ذلک معنى قوله: أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ[۱۰] فالرسل الکاتبون هم النفوس الفلکیه المناسبه لکل واحد من الأشخاص البشریه بحسب الوضع المقارن لاتصال النفس بالبدن.
[۸۱- ۸۹]
[سوره الزخرف (۴۳): الآیات ۸۱ الى ۸۹]
قُلْ إِنْ کانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ (۸۱) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ (۸۲) فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَ یَلْعَبُوا حَتَّى یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی یُوعَدُونَ (۸۳) وَ هُوَ الَّذِی فِی السَّماءِ إِلهٌ وَ فِی الْأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَکِیمُ الْعَلِیمُ (۸۴) وَ تَبارَکَ الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَهِ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (۸۵)
وَ لا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَهَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ (۸۶) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى یُؤْفَکُونَ (۸۷) وَ قِیلِهِ یا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا یُؤْمِنُونَ (۸۸) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ (۸۹)
قُلْ إِنْ کانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِینَ أی: لذلک الولد، و هو إما أن یدل على نفی الولد عن اللّه بالبرهان و أما أن یدل على نفی الشرک عن الرسول بالمفهوم، أما دلالته على الأول فلما دلّ قوله: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ إلى قوله: عَمَّا یَصِفُونَ على نفی التالی و هو عباده الولد أی: أوحده و أنزّهه تعالى عما یصفونه من کونه مماثلا لشیء لکونه ربّا خالقا للأجسام کلها فلا یکون من جنسها، فیفید انتفاء الولد على الطریق البرهانی. و أما دلالته على الثانی: فإذا جعل قوله: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ إلى آخره، من کلام اللّه تعالى لا من کلام الرسول، أی: نزّه ربّ السموات عمّا یصفونه فیکون نفیا للمقدّم و یکون تعلیق عباده الرسول من باب التعلیق بالمحال و المعلق بالشرط عند عدمه فحوى بدلاله المفهوم أبلغ عند علماء البیان من دلاله المنطوق، کما قال فی استبعاد الرؤیه: فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکانَهُ فَسَوْفَ تَرانِی[۱۱] و اللّه تعالى أعلم.
تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق)، ج۲، ص: ۲۴۴
[۱] ( ۱) سوره القلم، الآیه: ۱.
[۲] ( ۱) سوره البقره، الآیه: ۲۱۳.
[۳] ( ۱) سوره هود، الآیه: ۵۴.
[۴] ( ۲) سوره الأعراف، الآیه: ۸۰.
[۵] ( ۳) سوره الأعراف، الآیه: ۸۱.
[۶] ( ۱) سوره ص، الآیه: ۲۴.
[۷] ( ۲) سوره سبأ، الآیه: ۱۳.
[۸] ( ۱) سوره النازعات، الآیات: ۳۷- ۳۹.
[۹] ( ۲) سوره الزخرف، الآیه: ۷۴.
[۱۰] ( ۱) سوره المجادله، الآیه: ۶.
[۱۱] ( ۲) سوره الأعراف، الآیه: ۱۴۳.