تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره النحل
سوره النحل
[۱- ۲۷]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۱ الى ۲۷]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا یُشْرِکُونَ (۱) یُنَزِّلُ الْمَلائِکَهَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (۲) خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا یُشْرِکُونَ (۳) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَهٍ فَإِذا هُوَ خَصِیمٌ مُبِینٌ (۴)
وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَکُمْ فِیها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْکُلُونَ (۵) وَ لَکُمْ فِیها جَمالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَ حِینَ تَسْرَحُونَ (۶) وَ تَحْمِلُ أَثْقالَکُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَکُونُوا بالِغِیهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّکُمْ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (۷) وَ الْخَیْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِیرَ لِتَرْکَبُوها وَ زِینَهً وَ یَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (۸) وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ (۹)
هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَکُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِیهِ تُسِیمُونَ (۱۰) یُنْبِتُ لَکُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّیْتُونَ وَ النَّخِیلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (۱۱) وَ سَخَّرَ لَکُمُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (۱۲) وَ ما ذَرَأَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً لِقَوْمٍ یَذَّکَّرُونَ (۱۳) وَ هُوَ الَّذِی سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْکُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْیَهً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْکَ مَواخِرَ فِیهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (۱۴)
وَ أَلْقى فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلاً لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (۱۵) وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ (۱۶) أَ فَمَنْ یَخْلُقُ کَمَنْ لا یَخْلُقُ أَ فَلا تَذَکَّرُونَ (۱۷) وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَهَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۸) وَ اللَّهُ یَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ (۱۹)
وَ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ (۲۰) أَمْواتٌ غَیْرُ أَحْیاءٍ وَ ما یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ (۲۱) إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَهِ قُلُوبُهُمْ مُنْکِرَهٌ وَ هُمْ مُسْتَکْبِرُونَ (۲۲) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما یُسِرُّونَ وَ ما یُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْتَکْبِرِینَ (۲۳) وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ (۲۴)
لِیَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ کامِلَهً یَوْمَ الْقِیامَهِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما یَزِرُونَ (۲۵) قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَیْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ (۲۶) ثُمَّ یَوْمَ الْقِیامَهِ یُخْزِیهِمْ وَ یَقُولُ أَیْنَ شُرَکائِیَ الَّذِینَ کُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِیهِمْ قالَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْیَ الْیَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْکافِرِینَ (۲۷)
أَتى أَمْرُ اللَّهِ لما کان صلى اللّه علیه و سلم من أهل القیامه الکبرى یشاهدها و یشاهد أحوالها فی عین الجمع، کما قال صلى اللّه علیه و سلم: «بعثت أنا و الساعه کهاتین». أخبر عن شهوده بقوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ و لما کان ظهورها على التفصیل بحیث تظهر لکل أحد لا یکون إلا بوجود المهدی علیه السلام قال: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ لأن هذا لیس وقت ظهوره، ثم أکد شهوده لوجه اللّه و فناء الخلق فی القیامه بقوله: سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا یُشْرِکُونَ من إثبات وجود الغیر.
ثم فصّل ما شهد فی عین الجمع لکونه فی مقام الفرق بعد الجمع یشاهد کثره الصفات فی عین أحدیه الذات بحیث لا یحتجب بالوحده عن الکثره و لا بالعکس، کما ذکر فی قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ[۱] الآیه، فقال: یُنَزِّلُ الْمَلائِکَهَ بِالرُّوحِ أی: العلم الذی یحیی به القلوب، یعنی:القرآن مِنْ عالم أَمْرِهِ الذی انتقش فیه عَلى مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ المخصوصین بمزید عنایته، إن أخبروهم بالتوحید و التقوى، فبین بعد بیان أحدیّه الذات عالم الصفات الحقیقیه بتنزیل الروح الذی هو العلم، و إثبات المشیئه التی هی الإراده، و عالم الأسماء بإثبات الملائکه، و عالم الأفعال بالإنذار.
ثم عدّ الصفات الإضافیه کالخلق و الرزق، و فصّل النعم المتعدده کالنعم و غیرها. و لما ظهر الحق و الخلق ظهر طریق الحق و الباطل، فقال: وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ أی: علیه لزوم السبیل المستقیم و الهدایه إلیها لأهله، کما قال: إِنَّ رَبِّی عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ[۲] أی: کل من کان على هذا الصراط الذی هو طریق التوحید لا بدّ و أن یکون من أهله تعالى لأنه طریقه الذی یلزمه.
و من السبیل جائِرٌ یعنی بعض السبل، و هی السبل المتفرقه مما عدا سبیل التوحید جائر عادل عن الحق، موصل إلى الباطل لا محاله، فهی سبیل الضلاله کیفما کانت. و لم یشأ هدایه الجمیع إلى السبیل المستقیم لکونها تنافی الحکمه.
[۲۸- ۳۴]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۲۸ الى ۳۴]
الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (۲۸) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ فِیها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَکَبِّرِینَ (۲۹) وَ قِیلَ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّکُمْ قالُوا خَیْراً لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَهٌ وَ لَدارُ الْآخِرَهِ خَیْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِینَ (۳۰) جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ کَذلِکَ یَجْزِی اللَّهُ الْمُتَّقِینَ (۳۱) الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّهَ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (۳۲)
هَلْ یَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِیَهُمُ الْمَلائِکَهُ أَوْ یَأْتِیَ أَمْرُ رَبِّکَ کَذلِکَ فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (۳۳) فَأَصابَهُمْ سَیِّئاتُ ما عَمِلُوا وَ حاقَ بِهِمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (۳۴)
الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَهُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ قد مرّ أن السابقین الموحدین یتوفاهم اللّه تعالى بذاته، و أما الأبرار و السعداء فقسمان: فمن ترقى عن مقام النفس بالتجرّد و وصل إلى مقام القلب بالعلوم و الفضائل یتوفّاهم ملک الموت، و من کان فی مقام النفس من العباد و الصلحاء و الزهّاد و المتشرّعین الذین لم یتجرّدوا عن علائق البدن بالتزکیه و التحلیه تتوفاهم ملائکه الرحمه بالبشرى بالجنه، أی: جنّه الأفعال و الآثار.
و أما الأشرار الأشقیاء فکیفما کانوا تتوفاهم ملائکه العذاب، إذ القوى الملکوتیه المتصله بالنفوس تتشکل بهیئات تلک النفوس، فإذا کانت محجوبه ظالمه کانت هیئاتهم غاسقه ظلمانیه هائله، فتتشکل القوى الملکوتیه القابضه لنفوسهم بتلک الهیئات لمناسبتها، و لهذا قیل: إنما یظهر ملک الموت على صوره أخلاق المحتضر، فإذا کانت ردیئه، ظلمانیه، کانت صورته هائله، موحشه، غلب على من یحضره الخوف و الذعر، و تذلّل و تمسکن، و نزل عن استکباره، و أظهر العجز و المسکنه، و هذا معنى قوله: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ أی: سالموا، و هانوا، و لانوا، و ترکوا العناد و التمرّد و قالوا: ما کُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ فأجیبوا بقولهم: بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَفَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ الأفعال.
و أما المتّقون عن المعاصی و المناهی، الواقفون مع أحکام الشریعه، المعترفون بالتوحید و النبوّه على التقلید لا التحقیق، و إلا لتجرّدوا بعلم الیقین عن صفات النفس إلى مقام القلب، فتتوفاهم الملائکه طیبین على صوره أخلاقهم و أعمالهم الطیبه الجمیله، فرحین مستبشرین یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّهَ أی: الجنه المعهوده عندهم، و هی جنه النفوس من جنات الأفعال بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
[۳۵- ۳۹]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۳۵ الى ۳۹]
وَ قالَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْءٍ کَذلِکَ فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (۳۵) وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِی کُلِّ أُمَّهٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَهُ فَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَهُ الْمُکَذِّبِینَ (۳۶) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ یُضِلُّ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِینَ (۳۷) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَیْمانِهِمْ لا یَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ یَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (۳۸) لِیُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی یَخْتَلِفُونَ فِیهِ وَ لِیَعْلَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّهُمْ کانُوا کاذِبِینَ (۳۹)
وَ قالَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْءٍ إنما قالوا ذلک عنادا و تعنتا عن فرط الجهل، و إلزاما للموحدین بناء على مذهبهم، إذ لو قالوا ذلک عن علم و یقین لکانوا موحدین لا مشرکین بنسبه الإراده و التأثیر إلى الغیر، لأن من علم أنه لا یمکن وقوع شیء بغیر مشیئه من اللّه، علم أنه لو شاء کل من فی العالم شیئا لم یشأ اللّه ذلک لم یمکن وقوعه، فاعترف بنفی القدره و الإراده عما عدا اللّه تعالى فلم یبق مشرکا، قال اللّه تعالى: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَکُوا[۳]. کَذلِکَ فَعَلَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فی تکذیب الرسل بالعناد.
[۴۰- ۴۷]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۴۰ الى ۴۷]
إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ (۴۰) وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِی الدُّنْیا حَسَنَهً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَهِ أَکْبَرُ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ (۴۱) الَّذِینَ صَبَرُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (۴۲) وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (۴۳) بِالْبَیِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الذِّکْرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَیْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ (۴۴)
أَ فَأَمِنَ الَّذِینَ مَکَرُوا السَّیِّئاتِ أَنْ یَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَیْثُ لا یَشْعُرُونَ (۴۵) أَوْ یَأْخُذَهُمْ فِی تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِینَ (۴۶) أَوْ یَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّکُمْ لَرَؤُفٌ رَحِیمٌ (۴۷)
إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ الفرق بین إراده اللّه تعالى و علمه و قدرته لا یکون إلا بالاعتبار، فإن اللّه تعالى یعلم کل شیء و یعلم وقوعه فی وقت معین بسبب معین على وجه معین، فإذا اعتبرنا علمه بذلک قلنا بعالمیته، و إذا اعتبرنا تخصیصه بالوقت المعین و الوجه المعین قلنا بإرادته، و إذا اعتبرنا وجوب وجوده بوجود ما یتوقف علیه وجوده فی ذلک الوقت على ذلک الوجه المعلوم قلنا بقدرته، فمرجع الثلاثه إلى العلم. و لو اقتضى علمنا وجود شیء و لم یتغیر و لم یحتج إلى تروّ و عزیمه غیر کونه معلوما و تحریک الآلات لکان فینا أیضا کذلک.
[۴۸]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۴۸]
أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْءٍ یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْیَمِینِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَ هُمْ داخِرُونَ (۴۸)
أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْءٍ أی: ذات و حقیقه مخلوقه، أیه ذات کانت من المخلوقات یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ أی: یتجسد و یتمثل هیاکله و صوره، فإن لکل شیء حقیقه هی ملکوت ذلک الشیء و أصله الذی هو به هو کما قال تعالى: بِیَدِهِ مَلَکُوتُ کُلِّ شَیْءٍ*[۴].
و ظلاله هو: صفته و مظهره، أی: جسده الذی به یظهر ذلک الشیء. عَنِ الْیَمِینِ وَ عن الشَّمائِلِ أی: عن جهه الخیر و الشرّ سُجَّداً لِلَّهِ منقاده بأمره، مطواعه لا تمتنع عما یرید فیها، أی: یتحرک هیاکله إلى جهات الأفعال الخیریه و الشرّیه بأمره وَ هُمْ داخِرُونَ صاغرون، متذللون لأمره، مقهورون.
[۴۹- ۵۳]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۴۹ الى ۵۳]
وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ دابَّهٍ وَ الْمَلائِکَهُ وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ (۴۹) یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ (۵۰) وَ قالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَیْنِ اثْنَیْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِیَّایَ فَارْهَبُونِ (۵۱) وَ لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ الدِّینُ واصِباً أَ فَغَیْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (۵۲) وَ ما بِکُمْ مِنْ نِعْمَهٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فَإِلَیْهِ تَجْئَرُونَ (۵۳)
وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ ینقاد ما فِی السَّماواتِ فی عالم الأرواح من أهل الجبروت و الملکوت و الأرواح المجرّده المقدّسه وَ ما فِی الْأَرْضِ فی عالم الأجساد من الدواب و الأناسیّ و الأشجار و جمیع النفوس و القوى الأرضیه و السماویه وَ هُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ لا یمتنعون عن الانقیاد و التذلّل لأمره یَخافُونَ رَبَّهُمْ أی: یتکسرون و یتأثرون و ینفعلون منه انفعال الخائف مِنْ فَوْقِهِمْ من قهره و تأثیره و علوّه علیهم وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ طوعا و انقیادا بحیث لا یسعهم فعل غیره.
[۵۴- ۵۵]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۵۴ الى ۵۵]
ثُمَّ إِذا کَشَفَ الضُّرَّ عَنْکُمْ إِذا فَرِیقٌ مِنْکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ (۵۴) لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (۵۵)
إِذا فَرِیقٌ مِنْکُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِکُونَ بنسبه النعمه إلى غیره و رؤیته منه، و کذا بنسبه الضرّ إلى الغیر و إحاله الذنب فی ذلک علیه، و الاستعانه فی رفعه به.
قال اللّه تعالى: «أنا و الجنّ و الإنس فی نبأ عظیم، أخلق و یعبد غیری، و أرزق و یشکر غیری»، و ذلک هو کفران النعمه و الغفله عن المنعم المشار إلیهما بقوله: لِیَکْفُرُوا بِما آتَیْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وبال ذلک الاعتقاد علیهم، أو فسوف تعلمون بظهور التوحید أن لا تأثیر لغیر اللّه فی شیء.
[۵۶- ۷۴]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۵۶ الى ۷۴]
وَ یَجْعَلُونَ لِما لا یَعْلَمُونَ نَصِیباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا کُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (۵۶) وَ یَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ (۵۷) وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ (۵۸) یَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِکُهُ عَلى هُونٍ أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ (۵۹) لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَهِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ (۶۰)
وَ لَوْ یُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَکَ عَلَیْها مِنْ دَابَّهٍ وَ لکِنْ یُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَهً وَ لا یَسْتَقْدِمُونَ (۶۱) وَ یَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما یَکْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْکَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (۶۲) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِکَ فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِیُّهُمُ الْیَوْمَ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (۶۳) وَ ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ إِلاَّ لِتُبَیِّنَ لَهُمُ الَّذِی اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَهً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (۶۴) وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ (۶۵)
وَ إِنَّ لَکُمْ فِی الْأَنْعامِ لَعِبْرَهً نُسْقِیکُمْ مِمَّا فِی بُطُونِهِ مِنْ بَیْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِینَ (۶۶) وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَکَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (۶۷) وَ أَوْحى رَبُّکَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِی مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا یَعْرِشُونَ (۶۸) ثُمَّ کُلِی مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُکِی سُبُلَ رَبِّکِ ذُلُلاً یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِیهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (۶۹) وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ ثُمَّ یَتَوَفَّاکُمْ وَ مِنْکُمْ مَنْ یُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْ لا یَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَیْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ قَدِیرٌ (۷۰)
وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَکُمْ عَلى بَعْضٍ فِی الرِّزْقِ فَمَا الَّذِینَ فُضِّلُوا بِرَادِّی رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَهُمْ فِیهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَهِ اللَّهِ یَجْحَدُونَ (۷۱) وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ بَنِینَ وَ حَفَدَهً وَ رَزَقَکُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ أَ فَبِالْباطِلِ یُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ یَکْفُرُونَ (۷۲) وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَمْلِکُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ شَیْئاً وَ لا یَسْتَطِیعُونَ (۷۳) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (۷۴)
وَ یَجْعَلُونَ لِما لا یَعْلَمُونَ وجوده مما سواه نَصِیباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ فیقولون: هو أعطانی کذا، و لو لم یعطنی لکان کذا، و فلان رزقنی و أعاننی، فیجعلون لغیره تأثیرا فی وصول ذلک إلیه، و إن لم یثبتوا له تأثیرا فی وجوده فقد جعلوا له نصیبا مما رزقهم اللّه.
[۷۵- ۷۶]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۷۵ الى ۷۶]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلى شَیْءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ یَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (۷۵) وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَیْنِ أَحَدُهُما أَبْکَمُ لا یَقْدِرُ عَلى شَیْءٍ وَ هُوَ کَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَ مَنْ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (۷۶)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للمجرّد و المقید و المشرک و الموحد عَبْداً مَمْلُوکاً محبّا لغیر اللّه، مؤثرا له بهواه، فإن المقید بالشیء یدین بدینه و یصدر عن حکمه، و یتصرّف بأمره، فهو عبده إذ کل من أحب شیئا أطاعه، و إذا أطاعه فقد عبده. فمنهم من یعبد الشیطان و منهم من یعبد الشهوه و منهم من یعبد الدنیا أو الدینار أو اللباس، کما قال علیه الصلاه و السلام: «تعس عبد الدینار، تعس عبد الدرهم، و تعس عبد الخمیصه»، و قال اللّه تعالى: أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ[۵] و إذا عبده کان مملوکه و رقیقه.
لا یَقْدِرُ عَلى شَیْءٍ لأن المحب و العابد لا یرتقی همته و تأثیره و قوّه نفسه من محبوبه و معبوده و إلا لما کان مقهورا له، أسیرا فی وثاقه، بل ینقض منه و معبوده عاجز لا تأثیر له، بل لا وجود سواء کان جمادا أو حیوانا أو إنسانا أو ما شئت، فهو أعجز منه و أذلّ، و لهذا قیل: إن الدنیا کالظلّ، إذا تبعته فاتک و إن ترکته تبعک، فإن تابع الدنیا أحقر قدرا من الدنیا و أقلّ خطرا، و لا تأثیر للدنیا فکیف به حتى یحصل له و بسببه شیء؟ و إنّ الدنیا ظلّ زائل، فهو ظل الظل و لا ظلّ لظلّ الظلّ، بل الظلّ للذات و لا ذات له فلا ملک له و لا قدره.
وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً و من أحبنا و أقبل بقلبه علینا، و تجرّد عما سوانا، و انقطع إلینا، أعطیناه الأید و القوه، و رزقناه الملک و الحکمه، و أسبغنا علیه النعمه الظاهره و الباطنه لأنه متوجه إلى مالک الملک، منعم الکل، منیع القوى و القدر، فأکسب نفسه القوه و التأثیر و القدره منه، و تأثر منه الأکوان و الأجرام و أطاعه الملک و الملکوت کما أوحى اللّه تعالى إلى داود علیه السلام:«یا دنیا اخدمی من خدمنی، و أتعبی من خدمک».
ثم إذا ربت همّته الشریفه عن الأکوان و لم تقف بمحبته مع غیر اللّه و لم یلتفت إلى ما سواه زدنا فی رزقه فآتیناه صفاتنا و محونا عنه صفاته، فعلمناه من لدنا علما و أقدرناه بقدرتنا، کما قال تعالى:«لا یزال العبد یتقرّب إلیّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به»، الحدیث. فَهُوَ یُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً ینفق من النعم الباطنه کالعلم و الحکمه سرّا، و من الظاهره جهرا، أو ینفق من کلتیهما سرّا کالذی یصل إلى الناس من غیر تسببه لوصوله ظاهرا و هو فی الحقیقه منه وصل لأنه حینئذ واسطه الوجود الإلهی و وکیل حضرته و جهرا کالذی یتسبب هو بنفسه ظاهرا لوصوله هَلْ یَسْتَوُونَ استفهام بطریق الإنکار و کذا المشرک کالأبکم الذی لم یکن له استعداد النطق فی الخلقه لأنه ما استعدّ للإدراک و العقل الذی هو خاصیه الإنسان، فیدرک وجوب وجود الحق تعالى و کماله و إمکان الغیر و نقصانه فیتبرأ عن غیره و یلوذ به عن حول نفسه و غیره و قوّتهما.
لا یَقْدِرُ عَلى شَیْءٍ لعدم استطاعته و قصور قوته للنقص اللازم لاستعداده وَ هُوَ کَلٌّ عَلى مَوْلاهُ لعجزه بالطبع عن تحصیل حاجته، فهو عبد بالطبع محتاج، متذلّل للغیر، ناقص عن رتبه کل شیء لکونه أقل من لا شیء، فإن الممکن الذی یعبده لیس بشیء سواء کان ملکا أو ملکا أو فلکا أو کوکبا أو عقلا أو غیرها أَیْنَما یُوَجِّهْهُ لا یَأْتِ بِخَیْرٍ لعدم استعداده و شرارته بالطبع فلا یناسب إلا الشرّ الذی هو العدم فکیف یأتی بالخیر هَلْ یَسْتَوِی هُوَ و الموحد القائم باللّه، الفانی عن غیره حتى نفسه یقوم بالحق، و یعامل الخلق بالعدل، و یأمر بالعدل، لأن العدل ظلّ الوحده فی عالم الکثره فحیث قام بوحده الذات وقع ظله على الکل، فلم یکن إلا آمرا بالعدل وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ أی: صراط اللّه الذی علیه خاصته من أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبیعه لأهل الحقیقه یمرّون علیه کالبرق اللامع.
[۷۷- ۷۸]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۷۷ الى ۷۸]
وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما أَمْرُ السَّاعَهِ إِلاَّ کَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ (۷۷) وَ اللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئاً وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَهَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ (۷۸)
وَ لِلَّهِ غَیْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أی: و للّه علم الذی خفی فی السموات و الأرض من أمر القیامه الکبرى، أو علم مراتب الغیوب السبعه التی أشرنا إلیه من غیب الجنّ و النفس و القلب و السرّ و الروح و الخفی و غیب الغیوب أو ما غاب من حقیقتهما أی: ملکوت عالم الأرواح و عالم الأجساد وَ ما أَمْرُ القیامه الکبرى بالقیاس إلى الأمور الزمانیه إِلَّا کأقرب زمان یعبر عنه مثل لمح البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ و هو بناء على التمثیل و إلا فأمر الساعه لیس بزمانی و ما لیس بزمانی یدرکه من یدرکه لا فی الزمان إِنَّ اللَّهَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ یقدر على الإماته و الإحیاء و الحساب لا فی زمان کما یشاهد أهله و خاصته.
[۷۹- ۸۲]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۷۹ الى ۸۲]
أَ لَمْ یَرَوْا إِلَى الطَّیْرِ مُسَخَّراتٍ فِی جَوِّ السَّماءِ ما یُمْسِکُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (۷۹) وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ بُیُوتِکُمْ سَکَناً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُیُوتاً تَسْتَخِفُّونَها یَوْمَ ظَعْنِکُمْ وَ یَوْمَ إِقامَتِکُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِینٍ (۸۰) وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْجِبالِ أَکْناناً وَ جَعَلَ لَکُمْ سَرابِیلَ تَقِیکُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِیلَ تَقِیکُمْ بَأْسَکُمْ کَذلِکَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْلِمُونَ (۸۱) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْکَ الْبَلاغُ الْمُبِینُ (۸۲)
أَ لَمْ یَرَوْا إِلَى الطَّیْرِ القوى الروحانیه و النفسانیه من الفکر و العقل النظری و العملی، بل الوهم و التخیّل مُسَخَّراتٍ فِی جَوِّ السَّماءِ أی: فضاء عالم الأرواح ما یُمْسِکُهُنَ من غیر تعلق بماده و لا اعتماد على جسم ثقیل إِلَّا اللَّهُ.
[۸۳]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۸۳]
یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ یُنْکِرُونَها وَ أَکْثَرُهُمُ الْکافِرُونَ (۸۳)
یَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ أی: هدایه النبی أو وجوده لما ذکرنا أنّ کل نبیّ یبعث على کمال یناسب استعدادات أمّته و یجانسهم بفطرته، فیعرفونه بقوّه فطرتهم ثُمَّ یُنْکِرُونَها لعنادهم و تعنتهم بسبب غلبه صفات نفوسهم من الکبر و الأنفه و حبّ الریاسه أو لکفرهم و احتجابهم عن نور الفطره بالهیئات الغاسقه الظلمانیه و تغیر الاستعداد الأول وَ أَکْثَرُهُمُ الْکافِرُونَ فی إنکاره لشهاده فطرهم بحقیته.
[۸۴- ۸۶]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۸۴ الى ۸۶]
وَ یَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ شَهِیداً ثُمَّ لا یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا وَ لا هُمْ یُسْتَعْتَبُونَ (۸۴) وَ إِذا رَأَى الَّذِینَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ (۸۵) وَ إِذا رَأَى الَّذِینَ أَشْرَکُوا شُرَکاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَکاؤُنَا الَّذِینَ کُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِکَ فَأَلْقَوْا إِلَیْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّکُمْ لَکاذِبُونَ (۸۶)
وَ یَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ کُلِّ أُمَّهٍ شَهِیداً أی: نبعث نبیّهم على غایه الکمال الذی یمکن لأمّته الوصول إلیه أو التقرّب منه و التوجه إلیه لإمکان معرفتهم إیاه فیعرفونه، و لهذا یکون لکل أمه شهید غیر شهید الأمه الأخرى، و یعرف کل من قصر و خالف نبیّه بالإعراض عن الکمال الذی هو یدعو إلیه، و الوقوف فی حضیض النقصان قصوره و احتجابه فلا حجه له و لا نطق، فیبقى متحیّرا متحسرا، و هو معنى قوله: ثُمَّ لا یُؤْذَنُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا و لا سبیل له إلى إدراک ما فاته من کماله لعدم آلته، و لا یمکن أن یرضى بحاله لقوّه استعداده الفطری الذی جبل علیه، و شوقه الأصلی الغریزی إلیه، فهو مکظوم لا یستعتب و لا یسترضى.
[۸۷- ۹۰]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۸۷ الى ۹۰]
وَ أَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ یَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ (۸۷) الَّذِینَ کَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما کانُوا یُفْسِدُونَ (۸۸) وَ یَوْمَ نَبْعَثُ فِی کُلِّ أُمَّهٍ شَهِیداً عَلَیْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِکَ شَهِیداً عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَهً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِینَ (۸۹) إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبى وَ یَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (۹۰)
وَ أَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ یَوْمَئِذٍ السَّلَمَ أی: الاستسلام و الانقیاد. و قد جاء إنکارهم کقوله تعالى: یَوْمَ یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِیعاً فَیَحْلِفُونَ لَهُ کَما یَحْلِفُونَ لَکُمْ[۶] و ذلک بحسب المواقف، فالإنکار فی الموقف الأول وقت قوّه هیئات الرذائل و شدّه شکیمه النفس فی الشیطنه، و غایه البعد عن النور الإلهی للاحتجاب بالحجب الغلیظه و الغواشی المظلمه حتى لا یعلم أنه کان یراه و یطلع علیه و نهایه تکدّر نور الفطره حتى یمکنه إظهار خلاف مقتضاه.
و الاستسلام فی الموقف الثانی بعد مرور أحقاب کثیره من ساعات الیوم الذی کان مقداره خمسین ألف سنه حین زالت الهیئات، و رقّت و ضعفت شراشر النفس فی رذائلها، و قرب من عالم النور لرقّه الحجب و لمعان نور فطرته الأولى، فیعترف و ینقاد، هذا إذا کان الاستسلام و الإنکار لنفوس بعینها.
و قد یکون الاستسلام للبعض الذین لم ترسخ هیئات رذائلهم، و لم تغلظ حجبهم، و لم ینطفئ نور استعدادهم. و الإنکار لمن ترسخت فیه الهیئات و قویت و غلبت علیه الشیطنه، و استقرّت و کثف الحجاب، و بطل الاستعداد و اللّه أعلم.
وَ جِئْنا بِکَ شَهِیداً عَلى هؤُلاءِ قد مرّ فی سوره (النساء)، وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ أی: العقل الفرقانی بعد الوجود الحقانی تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْءٍ تبیینا و تحقیقا لحقّیه کل شیء، و هدایه لمن استسلم و انقاد لسلامه فطرته إلى کماله وَ رَحْمَهً له بتبلیغه إلى ذلک الکمال بالتربیه و الإمداد و بشاره له ببقائه على ذلک الکمال أبدا سرمدا فی الجنان الثلاث.
[۹۱- ۹۶]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۹۱ الى ۹۶]
وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَیْمانَ بَعْدَ تَوْکِیدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلاً إِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (۹۱) وَ لا تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّهٍ أَنْکاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ أَنْ تَکُونَ أُمَّهٌ هِیَ أَرْبى مِنْ أُمَّهٍ إِنَّما یَبْلُوکُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَکُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ ما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ (۹۲) وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّهً واحِدَهً وَ لکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (۹۳) وَ لا تَتَّخِذُوا أَیْمانَکُمْ دَخَلاً بَیْنَکُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ لَکُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (۹۴) وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (۹۵)
ما عِنْدَکُمْ یَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِیَنَّ الَّذِینَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (۹۶)
وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ الذی هو تذکر العهد السابق و تجدیده بالعقد اللاحق بالبقاء على حکمه فی الإعراض عن الغیر و التجرّد عن العوائق و العلائق فی التوجه إلیه إِذا عاهَدْتُمْ أی: تذکرتموه بإشراق نور النبیّ علیکم و تذکیره إیاکم.
[۹۷]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۹۷]
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاهً طَیِّبَهً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (۹۷)
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى أی: عملا یوصله إلى کماله الذی یقتضیه استعداده، إذ الصلاح فی الشخص توجهه إلى کماله أو کونه على ذلک الکمال، و الفساد بالضدّ و فی العمل کونه وصله وسیله إلیه من صاحب قلب بالغ إلى کمال الرجولیه أو صاحب نفس قابله لتأثیر القلب مستفیضه منه وَ هُوَ مُؤْمِنٌ أی: معتقد للحق اعتقادا جازما، إذ صلاح العمل مشروط بصحه الاعتقاد و إلا لم یتصور کماله على ما هو علیه و لم یعتقده على الوجه الذی ینبغی فلم یمکنه عمل یوصله إلیه فلا یکون ما یعمله صالحا حینئذ فی الحقیقه. و إن کان فی صوره الصلاح فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاهً طَیِّبَهً أی:
حیاه حقیقیه لا موت بعدها بالتجرّد عن المواد البدنیه و الانخراط فی سلک الأنوار السرمدیه، و التلذّذ بکمالات الصفات فی مشاهدات التجلیات الأفعالیه و الصفاتیه وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ من جنان الأفعال و الصفات بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ إذ عملهم یناسب صفاتهم التی هی مبادئ أفعالهم و أجرهم یناسب صفاتنا التی هی مصادر أفعالنا، فانظر کم بینهما من التفاوت فی الحسن.
[۹۸- ۹۹]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۹۸ الى ۹۹]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجِیمِ (۹۸) إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ (۹۹)
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ فادرج عن مقام النفس بالعروج إلى جناب القدس، فإن النفس مأوى کل کدوره و منبع کل رجس تناسب وساوس الشیطان، و تجرّدها بأحادیثها، فإن ارتقیت من مقرّها لم یکن للشیطان علیک سلطان لأنه لا یطیق نور حضور الحق و حضره القلب مهبط أنواره و جناب صفاته المقدّسه و محل تجلیاته النوریه، فعذ إلیها و عذ بنور اللّه فیها تستحکم بنیان إیمانک بالیقین فإن الإیمان الذی لا یبقى معه سلطان الشیطان کما قال تعالى:
إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِینَ آمَنُوا أقل درجاته الیقین العلمی الذی محله القلب الصافی و لا یکفی هذا الیقین فی نفی سلطانه إلا إذا کان مقرونا بشهود الأفعال الذی هو مقام التوکل کما قال تعالى: وَ عَلى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ و الفناء فی الأفعال لا یمکن مع بقاء صفات النفس، إذ بقاء صفاتها یستدعی أفعالها، و لهذا قیل: لا یمکن إیفاء حق مقام و تصحیحه و أحکامه إلا بعد الترقی إلى ما فوقه، فبالترقی إلى مقام الصفات یتم فناء الأفعال فیصح التوکل.
[۱۰۰- ۱۰۵]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۱۰۰ الى ۱۰۵]
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ (۱۰۰) وَ إِذا بَدَّلْنا آیَهً مَکانَ آیَهٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ (۱۰۱) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّکَ بِالْحَقِّ لِیُثَبِّتَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِینَ (۱۰۲) وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّما یُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِی یُلْحِدُونَ إِلَیْهِ أَعْجَمِیٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِیٌّ مُبِینٌ (۱۰۳) إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ لا یَهْدِیهِمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (۱۰۴)
إِنَّما یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْکاذِبُونَ (۱۰۵)
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ فی مقام النفس بالمناسبه التی بینهما فی الظلمه و الکدوره، إذ التولی مرتب على الجنسیه وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ بنسبه القوه و التأثیر إلیه، بل بطاعته و انقیاد أوامره للتولی المذکور.
[۱۰۶- ۱۰۷]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۱۰۶ الى ۱۰۷]
مَنْ کَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمانِ وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ (۱۰۶) ذلِکَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَیاهَ الدُّنْیا عَلَى الْآخِرَهِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ (۱۰۷)
مَنْ کَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ لکون الظلمه له ذاتیه بحسب استعداده الأول و النور عارضیا، فهو فی حجاب خلقی عن نور الإیمان إن اعتراه شعاع قدسیّ من نفس الرسول أو من فیض القدس أو أثر فیه وعدا و وعیدا، أو کلمه حق فی دعوته إلى الحق فی حال إقبال من قلبه و دعاه داعیه نفسانیه من حصول نفع و دفع ضرّ مالیین أو جاه و عزّه بسبب الإسلام، آمن ظاهرا، و مقامه و مقرّه الکفر، فقد استحق غضب اللّه لأنه محجوب بحسب الاستعداد عن أول مراتب الإیمان الذی هو شهود الأفعال بالاستدلال من الصنع على الصانع فعقابه من باب الأفعال و الصفات لا الذی أُکْرِهَ على الکفر بالإنذار و التخویف وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ ثابت متمکن مملوء بِالْإِیمانِ لنوریه فطرته فی الأصل و کون النور ذاتیا له بحسب الفطره، و الکفر و الاحتجاب إنما عرض بمقتضى النشأه. و قد زال الحجاب العارضی. وَ لکِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْکُفْرِ صَدْراً أی: طاب به نفسا و رضی و اطمأن لکونه مستقرّه و مأواه الأصلی فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ عظیم، أی: غضب مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ لاحتجابهم عن جمیع مراتب الأنوار من الأفعال و الصفات و الذات، فما أغلظ حجابهم و ما أعظم عذابهم.
ذلِکَ أی: انشراح الصدر بالکفر و الرضا به بسبب بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَیاهَ الدُّنْیا عَلَى الْآخِرَهِ لکونها مبلغ علمهم و نهایته، و ما بلغ علمهم إلى الآخره لانسداد بصائر قلوبهم و مناسبه استعدادهم للأمور الغاسقه السفلیه من الموادّ الجسمیه، فأحبوا ما شعروا به و لاءم حالهم. و حبّ الدنیا رأس کل خطیئه لاستلزامه الحجاب الأغلظ الذی لا خطیئه إلا تحته و فی طیّه وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ أی: المحجوبین بأغلظ الحجب لامتناع قبولهم للهدایه.
[۱۰۸- ۱۰۹]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۱۰۸ الى ۱۰۹]
أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ (۱۰۸) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِی الْآخِرَهِ هُمُ الْخاسِرُونَ (۱۰۹)
أُولئِکَ الَّذِینَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ بقساوتها و کدورتها فی الأصل فلم ینفتح لهم طریق الإلهام و الفهم و الکشف وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ بسدّ طریق المعنى المراد من مسموعاتهم و طریق الاعتبار من مبصراتهم إلى القلب، فلم یؤثر فیهم شیء من أسباب الهدایه من طریق الباطن من فیض الروح و إلقاء الملک و إشراق النور و لا من طریق الظاهر بطریق التعلیم و التعلم و الاعتبار من آثار الصنع وَ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ بالحقیقه لعدم انتباههم بوجه من الوجوه و امتناع تیقظهم من نوم الجهل بسبب من الأسباب.
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِی الْآخِرَهِ هُمُ الْخاسِرُونَ الذین ضاعت دنیاهم التی استنفدوا فی تحصیلها وسعهم، و أتلفوا فی طلبها أعمارهم، و لیسوا من الآخره فی شیء إلا فی عذاب هیئات التعلقات و وبال التحسرات.
[۱۱۰- ۱۱۱]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۱۱۰ الى ۱۱۱]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۱۰) یَوْمَ تَأْتِی کُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا یُظْلَمُونَ (۱۱۱)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ هاجَرُوا أی: تباعد بین هؤلاء المحجوبین الذین: إنّ ربّک علیهم بالغضب و القهر، و بین الذین: إنّ ربّک لهم بالرضا و الرحمه و هم الذین هاجروا عن مواطن النفس بترک المألوفات و المشتهیات مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا و ابتلوا بحکم النشأه البشریه ثُمَّ جاهَدُوا فی اللّه بالریاضات و سلوک طریقه بالترقی فی المقامات و التجرید عن الهیئات و التعلقات وَ صَبَرُوا على ما تحب النفس و تکرهه بالثبات فی السیر إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بعد هذه الأحوال لَغَفُورٌ لهم بستر غواشی الصفات النفسانیه رَحِیمٌ بإفاضه الکمالات و إبدال صفاتهم بالصفات الإلهیه.
[۱۱۲]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۱۲]
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْیَهً کانَتْ آمِنَهً مُطْمَئِنَّهً یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما کانُوا یَصْنَعُونَ (۱۱۲)
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للنفس المستعدّه، القابله الصافیه عن الکدورات، المستفیده من فیض القلب، الثابته فی طریق اکتساب الفضائل، الآمنه من خوف فواتها و فنائها، المطمئنه باعتقادها یَأْتِیها رِزْقُها رَغَداً من العلوم النافعه و الفضائل الحمیده و الأنوار الشریفه مِنْ کُلِّ مَکانٍ أی: من جمیع جهات الطرق البدنیه کالحواس الممتاره إیاها قوت العلوم الجزئیه، و الجوارح، و الآلات التی تطاوعها فی الأعمال الجمیله، و تمرین الفضیله إذا کانت منقاده للقلب مطواعه له، قابله لفیضه، باقیه على معتقدها من الحق تقلیدا.
و من جهه القلب کإمداد الأنوار، و هیئات الفضائل، فظهرت بصفاتها بطرا و إعجابا بزینتها و کمالها. و نظرا إلى ذاتها ببهجتها و بهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانیه عن تلک الأنوار و مالت إلى الأمور السفلیه من زخارف الدنیا و اللذات الحسیّه و انقطع إمداد القلب عنها، و انقلبت المعانی الوارده إلیها من طرق الحس هیئات غاسقه من صور المحسوسات التی انجذبت إلیها فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بانقطاع مدد المعانی و الفضائل و الأنوار من القلب و الخوف من زوال مقتنیاتها من الشهوات و المألوفات الحسیّه و المشتهیات بِما کانُوا یَصْنَعُونَ من کفران نعم اللّه باستعمالها فی طلب اللذات الحسیّه و الزخارف الدنیویه و لظهورها بصفاتها و إعجابها بکمالاتها و رکونها إلى الدنیا و لذاتها و استیلائها على القلب بهیئاتها و أفعالها و حجب صاحبها عن نوره و مدده بطلب شهواتها، کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «نعوذ باللّه من الضلال بعد الهدى»بقریه صفتها ما ذکر.
[۱۱۳- ۱۱۹]
[سوره النحل (۱۶): الآیات ۱۱۳ الى ۱۱۹]
وَ لَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَ هُمْ ظالِمُونَ (۱۱۳) فَکُلُوا مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ حَلالاً طَیِّباً وَ اشْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ (۱۱۴) إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَهَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۱۵) وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْکَذِبَ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْکَذِبَ لا یُفْلِحُونَ (۱۱۶) مَتاعٌ قَلِیلٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ (۱۱۷)
وَ عَلَى الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (۱۱۸) ثُمَّ إِنَّ رَبَّکَ لِلَّذِینَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَهٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِکَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۱۹)
وَ لَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ أی: من جنسهم و هی القوه الفکریه التی هی من جمله قوى النفس بالمعانی المعقوله و الآراء الصادقه فَکَذَّبُوهُ بعدم التأثر بها و الانقیاد لأوامرها و نواهیها العقلیه و الشرعیه و ترک العمل بمقتضاها و قلّه المبالاه بها، و لم یرفعوا بها رأسا عن الانهماک فیما هم علیه فَأَخَذَهُمُ عذاب الاحتجاب و الحرمان عن لذه الکمال فی حاله ظلمهم و زیغهم عن طریق الفضیله و نقصهم لحقوق صاحبهم.
[۱۲۰]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۰]
إِنَّ إِبْراهِیمَ کانَ أُمَّهً قانِتاً لِلَّهِ حَنِیفاً وَ لَمْ یَکُ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (۱۲۰)
إِنَّ إِبْراهِیمَ کانَ أُمَّهً قد مرّ أن کل نبی یبعث فی قوم یکون کماله شاملا لجمیع کمالات أمته و غایه لا یمکن لأمّته الوصول إلى رتبه إلا و هی دونه، فهو مجموع کمالات قومه و لا یصل إلیهم الکمال فی صفه من صفات الخیر و السعاده إلا بواسطته بل وجوداتهم فائضه من وجوده فهو وحده أمه لاجتماعهم بالحقیقه فی ذاته، و لهذا
قال علیه الصلاه و السلام: «لو و زنت بأمتی لرجحت بهم».
قانِتاً للّه مطیعا له، منقادا بحیث لا یتحرک منه شعره إلا بأمره لاستیلاء سلطان التوحید علیه و محو صفاته بصفاته، و اتحاده بذاته، و لهذا سمی خلیل اللّه لمخاله الحق إیاه فی شهوده. فمخالته عباره عن مزج بقیه من ذاته تؤذن بالاثنینیه أما ترى رسول اللّه صلى اللّه علیه و سلم لما لم یبق منه شیء من بقیته سمی حبیب اللّه فمحو صفاته فی صفات الحق بالکلیه و بقاء أثر من ذاته دون العین قنوته للّه و إلا کان قانتا باللّه لا للّه، کما قال لمحمد علیه الصلاه و السلام: وَ ما صَبْرُکَ إِلَّا بِاللَّهِ[۷] حَنِیفاً مائلا عن کل باطل حتى عن وجوده و وجود کل ما سواه تعالى معرضا عن إثباته. و ما کان مِنَ الْمُشْرِکِینَ بنسبه الوجود و التأثیر إلى الغیر.
[۱۲۱]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۱]
شاکِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (۱۲۱)
شاکِراً لِأَنْعُمِهِ أی: مستعملا لها على الوجه الذی ینبغی لکونه متصرفا فیها بصفات اللّه فتکون أفعاله إلهیه مقصوده لذاتها لا لغرض فلا یمکنه و لا یسعه إلا توجیه کل نعمه إلى ما هو کمالها على مقتضى الحکمه الإلهیه و العنایه السرمدیه اجْتَباهُ اختاره فی العنایه الأولى بلا توسط عمل منه و کذا لکونه من المحبوبین الذین سبقت لهم منه الحسنى، فتتقدم کشوفهم على سلوکهم وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ أی: بعد الکشف و التوحید و الوصول إلى عین الجمع هداه إلى سلوک صراطه لیقتدی به، و ردّه من الوحده إلى الکثره و إلى الفرق بعد الجمع لإعطاء کل ذی حق حقه من مراتب التفاصیل، و تبیین أحکام التجلیات فی مقام التمکین و الاستقامه و إلا لم یصلح للنبوّه.
[۱۲۲]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۲]
وَ آتَیْناهُ فِی الدُّنْیا حَسَنَهً وَ إِنَّهُ فِی الْآخِرَهِ لَمِنَ الصَّالِحِینَ (۱۲۲)
وَ آتَیْناهُ فِی الدُّنْیا حَسَنَهً من تمتیعه بالحظوظ لتتقوى نفسه على تقنین القوانین الشرعیه و القیام بحقوق العبودیه فی مقام الاستقامه و الإطاقه بحمل أعباء الرساله و آتیناه الملک العظیم مع النبوه، کما قال: وَ آتَیْناهُمْ مُلْکاً عَظِیماً[۸] لیتمکن من تقریر الشریعه و یضطلع بأحکام الدعوه و الذکر الجمیل کما قال: وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِیًّا[۹] و الصلاه و السلام علیه کما قال: وَ تَرَکْنا عَلَیْهِ فِی الْآخِرِینَ (۱۰۸) سَلامٌ عَلى إِبْراهِیمَ (۱۰۹)[۱۰] وَ إِنَّهُ فِی الْآخِرَهِ أی: فی عالم الأرواح لَمِنَ الصَّالِحِینَ المتمکنین فی مقام الاستقامه بإیفاء کل ذی حق حقه، و تبلیغه إلى کماله و حفظه علیه ما أمکن.
[۱۲۳]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۳]
ثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّهَ إِبْراهِیمَ حَنِیفاً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ (۱۲۳)
ثُمَّ أَوْحَیْنا إِلَیْکَ أی: بعد هذه الکرامات و الحسنات التی أعطیناه إیاها فی الدارین شرّفناه و کرمناه بأمرنا باتباعک إیاه أَنِ اتَّبِعْ مِلَّهَ إِبْراهِیمَ فی التوحید و أصول الدین التی لا تتغیر فی الشرائع کأمر المبدأ و المعاد و الحشر و الجزاء و أمثالها، لا فی فروع الشریعه و أوضاعها و أحکامها، فإنها تتغیر بحسب المصالح و اختلاف الأزمنه و الطبائع و ما علیه أحوال الناس من العادات و الخلائق.
[۱۲۴]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۴]
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ وَ إِنَّ رَبَّکَ لَیَحْکُمُ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ فِیما کانُوا فِیهِ یَخْتَلِفُونَ (۱۲۴)
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِینَ اخْتَلَفُوا فِیهِ أی: ما فرض علیک إنما فرض علیهم فلا یلزمک اتباع موسى فی ذلک بل اتباع إبراهیم.
[۱۲۵]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۵]
ادْعُ إِلى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَهِ وَ الْمَوْعِظَهِ الْحَسَنَهِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ (۱۲۵)
ادْعُ إِلى سَبِیلِ رَبِّکَ إلخ، أی: لتکن دعوتک منحصره فی هذه الوجوه الثلاثه لأن المدعو إما أن یکون خالیا عن الإنکار أو لا، فإن کان خالیا لکونه فی مقام الجهل البسیط غیر معتقد لشیء، فإما أن یکون مستعدا غیر قاصر عن درک البرهان بل یکون برهانی الطباع أو لا. فإن کان الأول فادعه بالحکمه و کلمه بالبرهان و الحجه و اهده إلى صراط التوحید بالمعرفه، و إن کان قاصر الاستعداد فادعه بالموعظه الحسنه و النصیحه البالغه من الإنذار و البشاره و الوعد و الوعید و الزجر و الترهیب و اللطف و الترغیب، و إن کان منکرا ذا جهل مرکب و اعتقاد باطل فجادله بالطریقه التی هی أحسن من إبطال معتقده بما یلزم من مذهبه بالرفق و المداراه على وجه یلوح له أنک تثبت الحق و تبطل الباطل لا غرض لک سواه.
إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ فی الأزل لشقاوته الأصلیه فلا ینجع فیه أحد هذه الطرق الثلاثه وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ المستعدّین، القابلین للهدایه لصفاء الفطره.
[۱۲۶]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۶]
وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ (۱۲۶)
وَ إِنْ عاقَبْتُمْ إلخ، أی: الزموا سیره العداله و الفضیله لا تجاوزوها فإنها أقلّ درجات کمالکم، فإن کان لکم قدم فی الفتوه و عرق راسخ فی الفضل و الکرم و المروءه فاترکوا الانتصار و الانتقام ممن جنى علیکم و عارضوه بالعفو مع القدره و اصبروا على الجنایه فإنه لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ ألا تراه کیف أکده بالقسم و اللام فی جوابه و ترک المضمر إلى المظهر حیث ما قال: لهو خیر لکم، بل قال: لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ[۱۱] للتسجیل علیهم بالمدح و التعظیم بصفه الصبر، فإن الصابر ترقى عن مقام النفس و قابل فعل نفس صاحبه بصفه القلب فلم یتکدّر بظهور صفه النفس و عارض ظلمه نفس صاحبه بنور قلبه، فکثیرا ما یندم و یتجاوز عن مقام النفس، و تنکسر سوره غضبه فیصلح، و إن لم یکن لکم هذا المقام الشریف فلا تعاقبوا المسیء لسوره الغضب بأکثر مما جنى علیکم فتظلموا، أو تتورطوا بأقبح الرذائل و أفحشها فیفسد حالکم و یزید وبالکم على وبال الجانی.
[۱۲۷]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۷]
وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُکَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ (۱۲۷)
وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُکَ إِلَّا بِاللَّهِ اعلم أنّ الصبر أقسام: صبر للّه، و صبر فی اللّه، و صبر مع اللّه، و صبر عن اللّه، و صبر باللّه. فالصبر للّه هو من لوازم الإیمان و أول درجات أهل الإسلام.
قال النبی علیه الصلاه و السلام: «الإیمان نصفان، نصف صبر و نصف شکر»، و هو حبس النفس عن الجزع عند فوات مرغوب أو وقوع مکروه، و هو من فضائل الأخلاق الموهوبه من فضل اللّه لأهل دینه و طاعته المقتضى للثواب الجزیل. و الصبر فی اللّه هو الثبات فی سلوک طریق الحق، و توطین النفس على المجاهده بالاختیار، و ترک المألوفات و اللذات، و تحمل البلیّات، و قوّه العزیمه فی التوجه إلى منبع الکمالات، و هو من مقامات السالکین، یهبه اللّه لمن یشاء من فضله من أهل الطریقه.
و الصبر مع اللّه هو لأهل الحضور، و الکشف عند التجرّد عن ملابس الأفعال و الصفات، و التعرّض لتجلیات الجمال و الجلال، و توارد واردات الأنس و الهیبه، فهو بحضور القلب لمن کان له قلب، و الاحتراس عن الغفله و الغیبه عند التلوینات بظهور النفس و هو أشقّ على النفس من الضرب على الهام، و إن کان لذیذا جدا.
و الصبر عن اللّه هو لأهل الجفاء و الحجاب، نورانیا کان أو ظلمانیا، و هو مذموم جدا، و صاحبه ملوم حقا و کلما کان أصبر کان أسوأ حالا و أبعد، و کلما کان فی ذلک أقوى کان ألوم و أجفى أو لأهل العیان و المشاهده من العشاق و المشتاقین المتقلبین فی أطوار التجلی و الاستتار، و المنخلعین عن الناسوت المتنوّرین بنور اللاهوت ما بقی لهم قلب و لا وصف کلما لاح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا و تفانوا، و کلما ضرب لهم حجاب ورد وجودهم تشویقا و تعظیما ذاقوا من ألم الشوق و حرقه الفرقه ما عیل به صبرهم و تحقق موتهم و هو من أحوال المحبین و لا شیء أشق من هذا الصبر و أشد تحملا و أقتل، فإن أطاقه المحب کان خافیا و إن لم یطق کان فانیا فیه هالکا، و فی هذا المقام قال الشبلی:
صابر الصبر فاستغاث به الصب | ر فصاح المحب بالصبر صبرا |
أی: صابر الحبیب الصبر، فاستغاث به الصبر عند إشرافه على النفاد فصاح المحب بالصبر صبرا على النفاد و الهلاک، فإن فیه النجاح و الفلاح. و الصبر باللّه هو لأهل التمکین فی مقام الاستقامه الذین أفناهم اللّه بالکلیه و ما ترک علیهم شیئا من بقیه الإنیه و الإثنینیه ثم وهب لهم وجودا من ذاته حتى قاموا به و فعلوا بصفاته و هو من أخلاق اللّه تعالى لیس لأحد فیه نصیب و لهذا أمره به. ثم بیّن أن ذلک الصبر الذی أمرت به لیس من سائر أقسام الصبر حتى یکون بنفسک أو بقلبک بل هو صبری لا تباشره إلا بی و لا تطیقه إلا بقوّتی، و لعدم وفاء قوته بهذا الصبرقال: «شیّبتنی سوره هود».
وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ بالتلوین بظهور القلب بصفته لأن صاحب هذا الصبر یرى الأشیاء بعین الحق فکل ما یصدر عنهم یراه فعل اللّه و کل صفه تظهر علیهم یراه تجلیا من تجلیاته و ینکر المنکر بحکمه لأن اللّه بصّره بأنواع التجلیات القهریه و اللطفیه و الغضبیه و الرضویه و عرّفه أحکامه و أمره بإنفاذ الأحکام فی مواقعها. وَ لا تَکُ فِی ضَیْقٍ مِمَّا یَمْکُرُونَ لانشراح صدرک بی، فکن معهم کما ترانی معهم سائرا بسیری، قائما بی و بأمری.
[۱۲۸]
[سوره النحل (۱۶): آیه ۱۲۸]
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ (۱۲۸)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا بقایاهم و آنیاتهم بالاستهلاک فی الوحده و الاستغراق فی عین الجمع وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ بشهود الوحده فی عین الکثره، و الطاعه فی عین المعصیه، و القیام بالأمر و النهی فی مقام الاستقامه، و إبقاء حقوق التفاصیل فی عین الجمع، فلا یحجبهم الفرق عن الجمع و لا الجمع عن الفرق، و یسعهم مراعاه الحق و الخلق للرجوع إلى الکثره بوجود القلب الحقانیّ.
[۱] ( ۱) سوره آل عمران، الآیه: ۱۸.
[۲] ( ۲) سوره هود، الآیه: ۵۶.
[۳] ( ۱) سوره الأنعام، الآیه: ۱۰۷.
[۴] ( ۲) سوره یس، الآیه: ۸۳.
[۵] ( ۱) سوره الجاثیه، الآیه: ۲۳.
[۶] ( ۱) سوره المجادله، الآیه: ۱۸.
[۷] ( ۱) سوره النحل، الآیه: ۱۷۲.
[۸] ( ۱) سوره النساء، الآیه: ۵۴.
[۹] ( ۲) سوره مریم، الآیه: ۵۰.
[۱۰] ( ۳) سوره الصافات، الآیات: ۱۰۸- ۱۰۹.
[۱۱] ( ۱) سوره النحل، الآیه: ۱۲۶.