تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره الفرقان
سوره الفرقان
[۱]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۱]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
تَبارَکَ الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِیَکُونَ لِلْعالَمِینَ نَذِیراً (۱)
تَبارَکَ الَّذِی أی: تکاثر خیر الذین نَزَّلَ الْفُرْقانَ و تزاید، لأن إنزال الفرقان هو إظهار العقل الفرقانی المخصوص بعبده المخصوص به بانفراده من جمله العالمین بالاستعداد الکامل الذی لم یکن لأحد مثله، فیکون عقله الفرقانی هو العقل المحیط المسمى عقل الکل، الجامع لکمالات جمیع العقول، و ذلک إنما یکون بظهوره تعالى فی مظهره المحمدی بجمیع صفاته المفیض بها على جمیع الخلائق على اختلاف استعداداتهم، و ذلک الظهور هو تکثر الخیر و تزایده الذی لم یمکن أزید و لا أکثر منه، و لذلک قال: لِیَکُونَ لِلْعالَمِینَ نَذِیراً أی:على العموم، فإن کل نبیّ غیره کانت رسالته مخصوصه بمن ناسب استعداده من الخلائق، و رسالته علیه السلام عامه للکل، و هو بعینه معنى ختم النبوّه و من هذا تبین کون أمته خیر الأمم.
[۲- ۵]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۲ الى ۵]
الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَمْ یَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَ خَلَقَ کُلَّ شَیْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً (۲) وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَهً لا یَخْلُقُونَ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ وَ لا یَمْلِکُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا یَمْلِکُونَ مَوْتاً وَ لا حَیاهً وَ لا نُشُوراً (۳) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْکٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَیْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً (۴) وَ قالُوا أَساطِیرُ الْأَوَّلِینَ اکْتَتَبَها فَهِیَ تُمْلى عَلَیْهِ بُکْرَهً وَ أَصِیلاً (۵)
الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یقهرهما تحت ملکوته، أوجد کل شیء موسوما، یتعین بسمه الإمکان، و یشهد علیه بالعدم فَقَدَّرَهُ تَقْدِیراً على قدر قبول بعض صفاته و مظهریه بعض کمالاته دون بعض، أی: هیأ استعداداتهم لما شاء من کمالاتهم التی هی صفاته.
[۶- ۱۲]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۶ الى ۱۲]
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِی یَعْلَمُ السِّرَّ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ کانَ غَفُوراً رَحِیماً (۶) وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ یَأْکُلُ الطَّعامَ وَ یَمْشِی فِی الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَیْهِ مَلَکٌ فَیَکُونَ مَعَهُ نَذِیراً (۷) أَوْ یُلْقى إِلَیْهِ کَنْزٌ أَوْ تَکُونُ لَهُ جَنَّهٌ یَأْکُلُ مِنْها وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (۸) انْظُرْ کَیْفَ ضَرَبُوا لَکَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلاً (۹) تَبارَکَ الَّذِی إِنْ شاءَ جَعَلَ لَکَ خَیْراً مِنْ ذلِکَ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ یَجْعَلْ لَکَ قُصُوراً (۱۰)
بَلْ کَذَّبُوا بِالسَّاعَهِ وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ کَذَّبَ بِالسَّاعَهِ سَعِیراً (۱۱) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَکانٍ بَعِیدٍ سَمِعُوا لَها تَغَیُّظاً وَ زَفِیراً (۱۲)
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِی یَعْلَمُ الغیب المخفی عن المحجوبین فی العالمین إِنَّهُ کانَ غَفُوراً یستر صفات النفوس الحاجبه للغیوب بأنوار صفاته رَحِیماً یفیض الکمالات على القلوب عند صفائها بحسب الاستعدادات. و من غفرانه و رحمته هذا الإنزال الذی تشکّون فیه أیها المحجوبون بَلْ کَذَّبُوا بالقیامه الکبرى، و ذلک التکذیب إنما یکون لفرط الاحتجاب أو نقصان الاستعداد، و کلاهما یوجب التعذیب بالعذاب لاستیلاء نیران الطبیعه الجسمانیه و الهیئات الهیولانیه على النفوس الظلمانیه بالضروره و تأثیر زبانیه النفوس السماویه و الأرضیه فیها التی إذا قابلتهم باستعداد قبول تأثیرها و قهرها من بعید لکونها تکون فی الجهه السفلیه ظهر لهم آثار قهرها و تسلط غضب تأثیرها.
[۱۳- ۱۴]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۱۳ الى ۱۴]
وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَکاناً ضَیِّقاً مُقَرَّنِینَ دَعَوْا هُنالِکَ ثُبُوراً (۱۳) لا تَدْعُوا الْیَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً کَثِیراً (۱۴)
وَ إِذا أُلْقُوا من جمله أماکن نار الطبیعه الحرمانیه مَکاناً ضَیِّقاً یحبسها فی برزخ یناسب هیئاتها مقدّر بقدر استعدادها مُقَرَّنِینَ بسلاسل محبه السفلانیات و هوى الشهوات، تمنعها عن الحرکه فی تحصیل المرادات و أغلال صور هیولانیه مانعه لأطرافها و آلاتها عن مباشره الحرکات فی طلب الشهوات، و مقرّنین بما یجانسهم من الشیاطین المغویه إیاهم عن سبیل الرشاد و الداعیه لهم إلى الضلال دَعَوْا هُنالِکَ ثُبُوراً بتمنی الموت و التحسر على الفوت، لکونهم من الشده فیما یتمنى فیه الموت.
[۱۵- ۲۱]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۱۵ الى ۲۱]
قُلْ أَ ذلِکَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّهُ الْخُلْدِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ کانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِیراً (۱۵) لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ خالِدِینَ کانَ عَلى رَبِّکَ وَعْداً مَسْؤُلاً (۱۶) وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ وَ ما یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَیَقُولُ أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِی هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِیلَ (۱۷) قالُوا سُبْحانَکَ ما کانَ یَنْبَغِی لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِکَ مِنْ أَوْلِیاءَ وَ لکِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّکْرَ وَ کانُوا قَوْماً بُوراً (۱۸) فَقَدْ کَذَّبُوکُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِیعُونَ صَرْفاً وَ لا نَصْراً وَ مَنْ یَظْلِمْ مِنْکُمْ نُذِقْهُ عَذاباً کَبِیراً (۱۹)
وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعامَ وَ یَمْشُونَ فِی الْأَسْواقِ وَ جَعَلْنا بَعْضَکُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَهً أَ تَصْبِرُونَ وَ کانَ رَبُّکَ بَصِیراً (۲۰) وَ قالَ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلائِکَهُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَکْبَرُوا فِی أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا کَبِیراً (۲۱)
قُلْ أَ ذلِکَ خَیْرٌ أَمْ جَنَّهُ عالم القدس الموعوده للمجرّدین عن ملابس الأبدان و صفات النفوس لَهُمْ فِیها ما یَشاؤُنَ من اللذات الروحانیه أبدا سرمدا وَ ما یَعْبُدُونَ عامّ لکل معبود سوى اللّه، و القول إنما یکون بلسان الحال لأن کل شیء سوى الإنسان المحجوب شاهد بوجوده و وجده باللّه تعالى و وحدانیته، مسبّح له بإظهار خاصیته و کماله، مطیع له فیما أراد اللّه من أفعاله، و ذلک معنى قوله: سُبْحانَکَ ما کانَ یَنْبَغِی لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِکَ مِنْ أَوْلِیاءَ فحالهم ناطقه بنفی الضلال عن نفسهم فی إثبات الضلال للواقفین معهم، المحجوبین بهم بسبب الانهماک فی اللذّات الحسیّه و الاشتغال بالطیبات الدنیویه الموجبه للغفله و نسیان الذکر و البور الهلکى.
[۲۲- ۲۴]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۲۲ الى ۲۴]
یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلائِکَهَ لا بُشْرى یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ وَ یَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (۲۲) وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (۲۳) أَصْحابُ الْجَنَّهِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِیلاً (۲۴)
یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلائِکَهَ لا بُشْرى یَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِینَ لأن ذلک الیوم هو وقت وقوع القیامه الصغرى و إخراب البدن الذی به تؤثر فیهم الروحانیات السماویه و الأرضیه بالقهر و التعذیب و إلزام الهیئات البرزخیه المنافیه لطباع أرواحهم فی الأصل، و إن کانت مناسبه لها فی الحال وَ یَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً یتمنون أن یدفع اللّه عنهم ذلک و یمنعه. و إنما جعلت أعمالهم هباء لکونها غیر مبنیه على عقائد صحیحه. و الأصل فی العمل الإیمان اللازم لسلامه الفطره و إذا لم یکن کان کل حسنه سیئه لمقارنتها النیه الفاسده و التوجه بها لغیر وجه اللّه.
[۲۵]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۲۵]
وَ یَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِکَهُ تَنْزِیلاً (۲۵)
وَ یَوْمَ تَشَقَّقُ سماء الروح الحیوانی بغمام الروح الإنسانی بانفتاحها عنه، و لهذا قیل فی التفاسیر: إنه غمام أبیض دقیق. و إنما شبّه بالغمام لاکتسابه الهیئه الجسدانیه و الصوره اللطیفه النفسانیه من البدن و احتجابه بها و کونه منشأ العلم کالغمام للماء، و فی تلک الصوره الثواب و العقاب قبل البعث الجسدانی وَ نُزِّلَ الْمَلائِکَهُ باتصالها به إما للثواب و إما للعقاب لأنها إما مظاهر اللطف و أما مظاهر القهر.
[۲۶- ۳۳]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۲۶ الى ۳۳]
الْمُلْکُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَ کانَ یَوْماً عَلَى الْکافِرِینَ عَسِیراً (۲۶) وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلاً (۲۷) یا وَیْلَتى لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلاً (۲۸) لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِی وَ کانَ الشَّیْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (۲۹) وَ قالَ الرَّسُولُ یا رَبِّ إِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (۳۰)
وَ کَذلِکَ جَعَلْنا لِکُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِینَ وَ کَفى بِرَبِّکَ هادِیاً وَ نَصِیراً (۳۱) وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَهً واحِدَهً کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلاً (۳۲) وَ لا یَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناکَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِیراً (۳۳)
الْمُلْکُ یَوْمَئِذٍ الْحَقُ أی: الثابت الذی لا یتغیر لِلرَّحْمنِ الموصوف بجمیع صفات اللطف و القهر، المفیض على کل ما یستحق لزوال کل ملک باطل و لا قدره حینئذ لأحد على إنجاء المعذبین منه و لا یمکنهم الالتجاء بغیره لبطلان التعلقات و الإضافات و ظهور ملک الرحمن على الإطلاق.
أو یوم تشقق سماء القلب بغمام نور السکینه و تنزّل ملائکه القوى الروحانیه بالأمداد الإلهیه و الأنوار الصفاتیه فی القیامه الوسطى تکون تلک السلطنه على القلب للرحمن المستوی على عرشه، المتجلی له بجمیع صفاته وَ على کلا التقدیرین کانَ یَوْماً عَلَى الْکافِرِینَ عَسِیراً أما على الأول فلتعذبهم عند خراب البدن بالهیئات المظلمه و قهر القوى السماویه، و أما على الثانی فلظهور تعذّبهم فی شهود صاحب هذه القیامه و اطلاعه، و لم یوجد موجودا مستقلا فی التأثیر فیناسبه و لم یکن قاهر غیره فیشارکه على حالهم أو للبناء على تأویلهم بالقوى النفسانیه المقهوره هناک، المعذبه بالریاضه، و اللّه أعلم.
تثبیت فؤاده علیه السلام بالقرآن هو أنه لما ردّ فی مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهدایه الخلق کان قد یظهر نفسه وقتا غبّ وقت على قلبه بصفاتها، و یحدث له التلوین بسببها کما ذکر فی قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ[۱]، و فی قوله: عَبَسَ وَ تَوَلَّى (۱)[۲] فکان یتدارکه اللّه تعالى بإنزال الوحی و الجذبه و یؤدّبه و یعاتبه فیرجع إلیه فی کل حال و یتوب، کما قال علیه السلام: «أدّبنی ربّی فأحسن تأدیبی».
وقال صلى اللّه علیه و سلم: «إنه لیغان على قلبی و إنی لأستغفر اللّه فی الیوم سبعین مره حتى یتمکن و یستقیم».
و کان سبب ظهور ابتلاء اللّه تعالى إیاه بالدعوه لإیذاء الناس إیاه و عداوتهم و مناصبتهم له، و الحکمه فی الابتلاء أمران، أحدهما: راجع إلیه، و هو أن یظهر نفسه بجمیع صفاتها فی مقابله استیلاء الأعداء المختلفین فی النفوس و صفاتها و استعداداتها و مراتبها فیؤدّبه اللّه بحکمه وجود کل صفه و فضیله کل قوه، فیحصل له جمیع مکارم الأخلاق و کمالات جمیع الأنبیاء کما قال علیه السلام: «بعثت لأتمم مکارم الأخلاق، و أوتیت جوامع الکلم».
فإن ظهوره بکل صفه هو ظرف قبوله لفضیلتها و حکمتها، إذ لو لا الجهات المختلفه فی القلب بواسطه صفات النفس لما استعدّ لقبول الحکم المتفننه و الفضائل بتخصص توجهه لکل واحده منها. و الثانی: راجع إلى الأمّه، فإنه رسول إلى الکل و استعداداتهم متباینه، و نفوسهم فی الصفات متفاوته. فیجب أن یکون فیه جوامع الحکم و الکلم و الفضائل و الأخلاق لیهدی کلّا منهم بما یناسبه من الحکمه، و یزکیه بما یلیق به من الخلق، و یعلّمه ما ینتفع به من العلم على حسب استعداداتهم و صفاتهم و إلا لم یمکنه دعاء الکل.
فعلى هذا کون التنزیل مفرّقا منجما إنما یکون بحسب اختلاف صفات نفسه فی الظهور منها على أوقاته موجبا لتثبت قلبه فی الاستقامه فی السلوک إلى اللّه، و فی اللّه عند الاتصاف بصفاته، و من اللّه فی هدایه الخلق، و تلک هی الاستقامه التامه المطلقه. فلیقتدی به السالکون و الواصلون و الکاملون المکملون فی سلوکهم و کونهم مع الحق و تکمیلهم.
و الترتیل هو أن یتخلل بین کل نجم و آخر مده یمکن فیها تزایله فی قلبه و یترسخ و یصیر ملکه لا حالا و من هذا تبین معنى قوله: وَ لا یَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ أی: صفه عجیبه إِلَّا جِئْناکَ بِالْحَقِ الذی یقمع باطل تلک الصفه کما قال: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ[۳] و هو الفضیله المقابله لتلک الرذیله وَ أَحْسَنَ تَفْسِیراً أی: کشفا بإظهار صفه إلهیه تجلی بها لک تقوم مقامها فتکشفها، و بالحقیقه تلک الصفه الإلهیه الکاشفه إیاها هی تفسیر الصفه الباطله و معاناتها فإن کل صفه نفسانیه ظلّ ظلمانی لصفه إلهیه نورانیه تنزّلت فی مراتب التنزلات و احتجبت و تضاءلت و تکدّرت کالشهوه للمحبه و الغضب للقهر و أمثالها.
[۳۴- ۴۲]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۳۴ الى ۴۲]
الَّذِینَ یُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِکَ شَرٌّ مَکاناً وَ أَضَلُّ سَبِیلاً (۳۴) وَ لَقَدْ آتَیْنا مُوسَى الْکِتابَ وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِیراً (۳۵) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِیراً (۳۶) وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا کَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَ جَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آیَهً وَ أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِینَ عَذاباً أَلِیماً (۳۷) وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَیْنَ ذلِکَ کَثِیراً (۳۸)
وَ کُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ کُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِیراً (۳۹) وَ لَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْیَهِ الَّتِی أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَ فَلَمْ یَکُونُوا یَرَوْنَها بَلْ کانُوا لا یَرْجُونَ نُشُوراً (۴۰) وَ إِذا رَأَوْکَ إِنْ یَتَّخِذُونَکَ إِلاَّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (۴۱) إِنْ کادَ لَیُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَیْها وَ سَوْفَ یَعْلَمُونَ حِینَ یَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِیلاً (۴۲)
الَّذِینَ یُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ لشده میل نفوسهم إلى الجهه السفلیه فتنکست فطرتهم فبعثوا على صور وجوهها إلى الأرض یسحبون إلى نار الطبع أُوْلئِکَ شَرٌّ مَکاناً من أن یقبلوا الحق الدامغ لباطل صفاتهم وَ أَضَلُّ سَبِیلًا من أن یهتدوا إلى صفات اللّه تعالى التی هی تفسیر صفاتهم و کشفها.
[۴۳- ۴۴]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۴۳ الى ۴۴]
أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلاً (۴۳) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلاً (۴۴)
أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ کل محجوب بشیء واقف معه، فهو محبّ له، مجانس لذلک الشیء، فهو فی الحقیقه عابد لهواه بعبادته لذلک المحبوب، و الباعث لهواه على محبه غیر اللّه هو الشیطان، فمحبّ کل شیء غیر اللّه لا للّه و بغیر محبه اللّه عابد له و لهواه و للشیطان متعدد المعبود متفرق الوجهه.
أبعد ذلک تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلًا بدعوته إلى التوحید و قد کان فی غایه البعد محجوبا بظلّ من ظلاله.
[۴۵- ۴۶]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۴۵ الى ۴۶]
أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساکِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیْهِ دَلِیلاً (۴۵) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَیْنا قَبْضاً یَسِیراً (۴۶)
أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّکَ کَیْفَ مَدَّ الظِّلَ بالوجود الإضافی. اعلم أن ماهیات الأشیاء و حقائق الأعیان هی ظل الحق و صفه عالمیه الوجود المطلق، فمدها إظهارها باسمه النور الذی هو الوجود الظاهر الخارجی الذی یظهر به کل شیء و یبرز کتم العدم إلى فضاء الوجود أی الإضافی وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساکِناً أی: ثابتا فی العدم الذی هو خزانه وجوده، أی: أمّ الکتاب و اللوح المحفوظ الثابت وجود کل شیء فیهما فی الباطن و حقیقته لا العدم الصرف بمعنى اللاشیء فإنه لا یقبل الوجود أصلا، و ما لیس له وجود فی الباطن و خزانه علم الحق و غیبه لم یمکن وجوده أصلا فی الظاهر، و الإیجاد و الإعدام لیس إلا إظهار ما هو ثابت فی الغیب و إخفاؤه فحسب و هو الظاهر و الباطن و هو بکل شیء علیم ثُمَّ جَعَلْنَا شمس العقل عَلَیْهِ أی: الظل دَلِیلًا یهدی إلى أن حقیقته غیر وجوده و إلا فلا مغایره بینهما فی الخارج فلا یوجد إلا الوجود فحسب، إذ لو لم یمکن وجوده لما کان شیئا فلا یدلّ على کونه شیئا غیر الوجود إلا العقل ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَیْنا بإفنائه قَبْضاً یَسِیراً لأن کل ما یفنى من الموجودات فی کل وقت فهو یسیر بالقیاس إلى ما سبق، و سیظهر کل مقبوض عما قلیل فی مظهر آخر. و القبض دلیل على أن الإفناء لیس إعداما محضا بل هو منع عن الانتشار فی قبضته التی هی العقل الحافظ لصورته و حقیقته أزلا و أبدا.
[۴۷]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۴۷]
وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (۴۷)
وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ لیل ظلمه النفس لِباساً یغشاکم بالاستیلاء عن مشاهده الحق و صفاته و الذات و ظلالها فتحتجبون یوم الغفله فی الحیاه الدنیا سُباتاً تسبتون بها عن الحیاه الحقیقیه السرمدیه کما قال علیه السلام: «الناس نیام فإذا ماتوا انتبهوا». وَ جَعَلَ نهار نور الروح نُشُوراً تحیا قلوبکم به فتنتشرون فی فضاء القدس بعد نوم الحسّ.
[۴۸- ۴۹]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۴۸ الى ۴۹]
وَ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ الرِّیاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهِ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (۴۸) لِنُحْیِیَ بِهِ بَلْدَهً مَیْتاً وَ نُسْقِیَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَ أَناسِیَّ کَثِیراً (۴۹)
وَ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ ریاح النفحات الربانیه ناشره محییه أو مبشره بین یدی رحمه الکمال بتجلی الصفات وَ أَنْزَلْنا من سماء الروح ماء العلم طَهُوراً مطهرا یطهرکم عن لوث الرذائل و رجس الطبائع و العقائد الفاسده و الجهالات المفسده لِنُحْیِیَ بِهِ بَلْدَهً مَیْتاً أی: قلبا میتا بالجهل وَ نُسْقِیَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً من القوى النفسانیه بالعلوم النافعه العملیه وَ أَناسِیَ من القوى الروحانیه کَثِیراً بالعلوم النظریه.
[۵۰]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۵۰]
وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَیْنَهُمْ لِیَذَّکَّرُوا فَأَبى أَکْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ کُفُوراً (۵۰)
وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ هذا العلم المنزّل على صور و أمثال مختلفه لِیَذَّکَّرُوا حقائقهم و أوطانهم الحقیقیه و ما نسوا من العهد و الوصل و طیب الأصل فَأَبى أَکْثَرُ النَّاسِ إِلَّا کُفُوراً لنعمه الهدایه الحقانیه، و غمطا للرحمه الرحیمیه للاحتجاب بصور الرحمه فی ستور الجلال من الغواشی الهیولانیه.
[۵۱]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۵۱]
وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِی کُلِّ قَرْیَهٍ نَذِیراً (۵۱)
وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِی کُلِّ قَرْیَهٍ نَذِیراً أی: فرقنا کمالک المطلق الذی تدعو به جمیع الخلق إلى الحق على أشخاص و وزعناه بحسب أصناف الناس على اختلاف استعداداتهم على الأنبیاء، کما قال: وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ[۴]، فبعثنا فی کل صنف نبیّا یناسبهم کما کان قبل بعثه محمد من اختصاص موسى ببنی إسرائیل و اختصاص شعیب بأهل مدین و أصحاب الأیکه و غیر ذلک.
و خففنا عنک الجهاد، إذ الجهاد إنما یکون بحسب الکمال و کلما کان الکمال أعظم کان الجهاد أکبر لأن اللّه تعالى یربّ کل طائفه باسم من أسمائه فإذا کان الکامل مظهر جمیع صفاته متحققا بجمیع أسمائه وجب علیه الجهاد مع جمیع طوائف الأمم بجمیع الصفات، و لکن ما فعلنا ذلک لعظم قدرک و کونک الکامل المطلق، و القطب الأعظم، و الخاتم على ما ذکر فی تأویل قوله: کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَکَ[۵].
[۵۲]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۵۲]
فَلا تُطِعِ الْکافِرِینَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً کَبِیراً (۵۲)
فَلا تُطِعِ المحجوبین بموافقتهم فی الوقوف مع بعض الحجب و نقصان بعض الصفات وَ جاهِدْهُمْ لکونک مبعوثا إلى الکل جِهاداً کَبِیراً هو أکبر الجهادات کما قال: «ما أوذی نبیّ مثل ما أوذیت»، أی: ما کمل نبیّ مثل کمالی.
[۵۳- ۵۷]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۵۳ الى ۵۷]
وَ هُوَ الَّذِی مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَیْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً (۵۳) وَ هُوَ الَّذِی خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ کانَ رَبُّکَ قَدِیراً (۵۴) وَ یَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا یَنْفَعُهُمْ وَ لا یَضُرُّهُمْ وَ کانَ الْکافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِیراً (۵۵) وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَ نَذِیراً (۵۶) قُلْ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِیلاً (۵۷)
وَ هُوَ الَّذِی مَرَجَ الْبَحْرَیْنِ أی: خلط بحر الجسم و الروح فی الإیجاد هذا الذی هو بحر الروح عَذْبٌ فُراتٌ أی: صاف لذیذ، و هذا الذی هو بحر الجسم مِلْحٌ أُجاجٌ أی:متغیر متکدّر غیر لذیذ وَ جَعَلَ بَیْنَهُما بَرْزَخاً هو النفس الحیوانیه الحائله بینهما من الامتزاج و تکدر الروح بالجسم و تکثفه و تنور الجسم بالروح و تجرّده وَ حِجْراً مَحْجُوراً عیاذا یتعوّذ به کل منهما من بغی الآخر و مانعا یمنع ذلک.
[۵۸- ۵۹]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۵۸ الى ۵۹]
وَ تَوَکَّلْ عَلَى الْحَیِّ الَّذِی لا یَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَ کَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراً (۵۸) الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّهِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِیراً (۵۹)
وَ تَوَکَّلْ عَلَى الْحَیِّ الَّذِی لا یَمُوتُ أی: شاهد موت الکل و عدم حراکهم بذواتهم، کما قال: إِنَّکَ مَیِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَیِّتُونَ (۳۰)[۶] فإنهم لا یتحرکون إلا بدواع أوجدها اللّه تعالى فیهم بفناء أفعالک و أفعال الکل فی أفعال الحق و رفع حجبها عن أفعاله إذ مقام التوکل هو الفناء فی الأفعال.
و بیّن بقوله: عَلَى الْحَیِّ الَّذِی لا یَمُوتُ إن منشأ التوکل شهود صفه حیاته التی بها یحیا کل حیّ لأن من یموت لا یکون حیّا بالذات و بالترقی عن مقام فناء الأفعال إلى الفناء فی صفه الحیاه یصح مقام التوکل کما قالت المتصوفه: لا یمکن تصحیح کل مقام إلا بالترقی إلى المقام الذی فوقه، و إذا کان کل حیّ یموت إنما یحیا بحی الذات الذی حیاته عین ذاته فبه یتحرک، فلا تبال بأفعالهم فإنهم لو اجتمعوا بأسرهم على أن یضرّوک بشیء لم یضروک إلا بما کتب اللّه علیک، على ما ورد فی الحدیث.
وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ و نزهه بتجرّدک عن صفاتک و محوها فی صفاته عن أن تکون لغیره صفه مستقلّه تکون مصدرا لفعله ملتبسا بحمده، أی: متّصفا بصفاته، فإن الحمد الحقیقی هو الاتصاف بصفاته الکمالیه التی هو بها حمید و ذلک هو تصحیح مقام التوکل و تحقیقه بنفی الصفات التی هی مبادئ الأفعال من الغیر، و إذا تجرّدت عن صفاتک بالاتصاف بصفاته شاهدت إحاطه علمه بالکل، فاکتفیت به عن سؤاله فی دفع جنایاتهم عنک و جزاء إیذائهم لک، و شاهدت قدرته على مجازاتهم، کما قال إبراهیم علیه السلام: «حسبی من سؤالی علمه بحالی».
و ذلک معنى قوله: وَ کَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِیراًالَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أی: احتجب بسماوات الأرواح و أرض الأجسام وَ ما بَیْنَهُما من القوى فی الأیام السته التی هی الآلاف السته من ابتداء زمان آدم إلى محمد علیهما السلام، لأن الخلق لیس إلا احتجاب الحق بالأشیاء و الأیام هی أیام الآخره لا أیام الدنیا، إذ لم تکن الدنیا ثمه و لا الشمس و النهار وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَهٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[۷].
ثُمَّ اسْتَوى عَلَى عرش القلب المحمدی فی السابع الذی هو یوم الجمعه، أی: یوم اجتماع جمیع الأوصاف و الأسماء فیه، و ذلک هو معنى الاستواء فی الاستقامه بالظهور التامّ و الفیض العام الذی هو الرحمه الرحمانیه و لهذا جعل فاعل الاستواء اسم الرحمن دون اسم آخر إذ لا یکون الاستواء بمعنى الظهور التام إلا به، و یمکن أن تؤوّل الأیام بالشهور السته التی یتمّ فیها خلق سموات أرواح الجنین و أرض جسده و ما بینهما من القوى و الاستواء بالظهور التام على عرش قلبه الذی کان على ماء النطفه قبل خلقه ما خلق فی الشهر السابع الذی أنشأه فیه خلقا آخر بحصوله إنسانا، و الرحمانیه بعموم فیضه المعنویّ و الصوریّ من قلبه إلى جمیع أجزاء وجوده فَسْئَلْ بِهِ خَبِیراً اسأل عارفا به یخبرک بحاله و اسأله فی حاله کونه عالما بکل شیء.
[۶۰]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۶۰]
وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً (۶۰)
وَ إِذا قِیلَ لَهُمُ اسْجُدُوا أی: إذا أمرتهم بالفناء فی جمیع صفاته و طاعته بها أنکروا و لم یمتثلوا أمرک لقصور استعدادهم عن قبول هذا الفیض و عدم معرفتهم لهذا الاسم لعدم احتظائهم من جمیع الصفات أو وجود احتجابهم عنها.
[۶۱- ۶۳]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۶۱ الى ۶۳]
تَبارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِیها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِیراً (۶۱) وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَهً لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ أَوْ أَرادَ شُکُوراً (۶۲) وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (۶۳)
تَبارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی سماء النفس بروج الحواس وَ جَعَلَ فِیها سراج شمس الروح و قمر القلب مُنِیراً بنور الروح وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لیل ظلمه النفس، و نهار نور القلب یعتقبان لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ فی نهار نور القلب العهد المنسی و ینظر فی المعانی و المعارف و یعتبر أَوْ أَرادَ فی لیل ظلمه النفس شُکُوراً بأعمال الطاعات و اکتساب الأخلاق و الملکات وَ عِبادُ الرَّحْمنِ أی: المخصوصون بقبول فیض هذا الاسم لسعه الاستعداد الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً أی: الذین اطمأنت نفوسهم بنور السکینه و امتنعت عن الطیش بمقتضى الطبیعه فهم هینون فی الحرکات البدنیه لتمرّن أعضائهم بهیئه الطمأنینه وَ إِذا خاطَبَهُمُ أهل السفاهه یسلمون مقالهم و لا یعارضونهم لامتلائهم بالرحمه و بعد حالهم عن ظهور النفس بالسفاهه و کبر نفوسهم بالتقوّی بنور القلب عن أن تتأثر بالإیذاء و تضطرب.
[۶۴- ۶۹]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۶۴ الى ۶۹]
وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِیاماً (۶۴) وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها کانَ غَراماً (۶۵) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً (۶۶) وَ الَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَ لَمْ یَقْتُرُوا وَ کانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً (۶۷) وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لا یَزْنُونَ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ یَلْقَ أَثاماً (۶۸)
یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَهِ وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً (۶۹)
وَ الَّذِینَ یَبِیتُونَ أی: الذین هم فی مقام النفس میتون بالإراده سُجَّداً فانین بالریاضه قائمین بصفات القلب أحیاء بحیاته للّه قائلین بلسان الحال الذی لا تتخلف عن دعائه الإجابه رَبَّنَا اصْرِفْ و لما وصفهم بالتزکیه التامه و الفناء عن جمیع صفات النفس من الرذائل المذیقه المورطه فی عذاب جهنم الطبیعه و مستقرّ السوء و العاقبه الوخیمه عقب وصفهم بالتحلیه التامه من الاتصاف بجمیع أجناس الفضائل الأربع، و ذلک هو حیاتهم بالقلب بعد موتهم عن النفس، کما قیل: مت بالإراده تحیا بالطبیعه، فالقوام بین الإسراف و الإقتار فی الإنفاق هو العدل و التوحید المشار إلیه بقوله:
لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ هو أساس فضیله الحکمه الذی إذا حصل وقع ظله الذی هو العدل فی النفس فاتصفت بجمیع أنواع الفضائل، و الامتناع عن قتل النفس المحرّمه إشاره إلى فضیله الشجاعه، و الامتناع عن الزنا فضیله العفّه. ثم ذکر من فی مقابلتهم من المحجوبین من فیض الرحمه الرحیمیه التی فی ضمن الرحمانیه الذین لا یستعدون لقبول عموم فیضه فلا یختصون به و إن کانوا لا یخلون من فیضه الظاهر الشامل للکل فقال: وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ أی: یرتکب جمیع أجناس الرذائل حتى الشرک باللّه یَلْقَ جزاء الإثم الکبیر المطلق، و هو مضاعفه العذاب الروحانی و الجسمانی بالاحتجاب الکلی و هیئات الهیکل السفلی یَوْمَ الْقِیامَهِ الصغرى و الخلود فیه على غایه الهوان.
[۷۰- ۷۶]
[سوره الفرقان (۲۵): الآیات ۷۰ الى ۷۶]
إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِیماً (۷۰) وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ یَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (۷۱) وَ الَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً (۷۲) وَ الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ لَمْ یَخِرُّوا عَلَیْها صُمًّا وَ عُمْیاناً (۷۳) وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّیَّاتِنا قُرَّهَ أَعْیُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ إِماماً (۷۴)
أُوْلئِکَ یُجْزَوْنَ الْغُرْفَهَ بِما صَبَرُوا وَ یُلَقَّوْنَ فِیها تَحِیَّهً وَ سَلاماً (۷۵) خالِدِینَ فِیها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً (۷۶)
إِلَّا مَنْ تابَ رجع إلى اللّه و تنصل عن المعاصی فبدّل الشرک بالإیمان و استبدل الرذائل بالفضائل فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ بمحو الهیئات عن نفوسهم و إثبات هذه وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً یستر صفات نفوسهم بنوره رَحِیماً یفیض علیهم الکمالات بجوده، و هذه هی التوبه الحقیقیه.
ثم بیّن بعد ذکر التوبه الحقیقیه حال أهل السلوک فقال: وَ الَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ أی: لا یحضرون أهل الزور المشتغلین بمتاع الغرور، فإن أهل الدنیا أهل الزور یحسبون الفانی باقیا و القبیح حسنا و یعدّون المعدوم موجودا، و الشرّ خیرا، فهم الکذّابون المبطلون، الخاطئون، أی: یعتزلونهم بملازمه الخلوات و إیثار الطاعات و إقام الصلاه.
وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ أی: الفضول غیر الضروریه ترکوها و أعرضوا عنها مَرُّوا بها مکرمین أنفسهم عن مباشرتها، قانعین بالحقوق عن الحظوظ و هم الزاهدون بالحقیقه، التارکون المجرّدون. ثم لما بیّن الزهد الحقیقی و التجرید قرن به العباده الحقیقیه و التحقیق بقوله:وَ الَّذِینَ إِذا ذُکِّرُوا بِآیاتِ رَبِّهِمْ أی: کوشفوا المعارف و الحقائق و تجلیات الصفات و المشاهدات لَمْ یَخِرُّوا على العلم بتلک الآیات من المعارف و الحقائق صُمًّا بل تلقوها بآذان واعیه هی آذان القلوب لا النفوس، و على مشاهدتها وَ تجلیها عُمْیاناً بل أحدقوا نحوها ببصائر جدیده مکحله بنور الهدایه.
ثم وصف طلبهم للترقی عن مقام القلب إلى مرتبه السابقین و الاستعانه باللّه عن تلوین النفس و صفاتها لینخرطوا فی سلک المقرّبین بقوله:وَ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أزواج نفوسنا و ذریّات قوانا ما تقرّ به أعیننا من طاعاتهم و انقیادهم خاضعین، و تنوّرهم بنور القلب مخبتین غیر طالبین للاستعلاء و الترفع و الاستکبار و التجبر وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ أی: المجرّدین إِماماً بالوصول إلى مقام السابقین أُوْلئِکَ یُجْزَوْنَ غرفه الفردوس و جنه الروح بصبرهم مع اللّه و فی اللّه عن غیره وَ یُلَقَّوْنَ فِیها تَحِیَّهً خلود حیاه وَ سَلاماً سلامه و براءه عن الآفات، أی: یحییهم اللّه بإبقائهم سرمدا ببقائه و یسلمهم بإیتائهم کماله کما قیل: تَحِیَّتُهُمْ یَوْمَ یَلْقَوْنَهُ سَلامٌ[۸]، و قال: تَحِیَّتُهُمْ فِیها سَلامٌ[۹].
[۷۷]
[سوره الفرقان (۲۵): آیه ۷۷]
قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ فَقَدْ کَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ یَکُونُ لِزاماً (۷۷)
ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ أی: لو لم یکن طلبکم للّه و إرادتکم لکنتم شیئا غیر ملتفت إلیه و لا معبوء به کالحشرات و الهوام، فإن الإنسان إنما یکون إنسانا و شیئا معتدّا به إذا کان من أصحاب الإراده و الطلب، و اللّه تعالى أعلم.
[۱] ( ۱) سوره الحج، الآیه: ۵۲.
[۲] ( ۲) سوره عبس، الآیه: ۱.
[۳] ( ۱) سوره الأنبیاء، الآیه: ۱۸.
[۴] ( ۱) سوره الرعد، الآیه: ۷.
[۵] ( ۲) سوره الفرقان، الآیه: ۳۲.
[۶] ( ۱) سوره الزمر، الآیه: ۳۰.
[۷] ( ۱) سوره الحج، الآیه: ۴۷.
[۸] ( ۱) سوره الأحزاب، الآیه: ۴۴.
[۹] ( ۲) سوره إبراهیم، الآیه: ۲۳.