تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره طه علیه السلام
سوره طه علیه السلام
[۱- ۴]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱ الى ۴]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
طه (۱) ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (۲) إِلاَّ تَذْکِرَهً لِمَنْ یَخْشى (۳) تَنْزِیلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّماواتِ الْعُلى (۴)
طه الطاء إشاره إلى الطاهر، و الهاء إلى الهادی. و ذلک أن النبی صلى اللّه علیه و سلم من شدّه حنوه و تعطفه على قومه لکونه صوره الرحمه و مظهر المحبه، تأسّف من عدم تأثیر التنزیل فی إیمانهم و استشعر البقیه کما ذکر فی قوله: فَلَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ عَلى آثارِهِمْ[۱].
و زاد فی الریاضه فکان یحیی اللیالی بالتهجد و بالغ فی القیام حتى تورّمت قدماه فأخبر أن عدم إیمانهم لیس من جهتک بل من جهتهم و غلظ حجابهم أعدم استعدادهم لا لبقاء صفات نفسک أو بقیه أنائیتک أو وجود نقصک و قصورک فی الهدایه کما استشعرت فلا تتعب نفسک.
و نودی باسمین من أسماء اللّه تعالى دالین على نزاهته عن الأمرین المذکورین وجود البقیه أو القصور عن الهدایه فقیل: یا طاهر عن لوث البقیه، یا هادی ما أَنْزَلْنا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى و تتعب بالریاضه لکن لتذکیر من یلین قلبه و یستعدّ لقبوله بعد صفائک و طهارتک و قد حصل الأمران بحمد اللّه و کنت کاملا مکملا. و ما المقصود بالریاضه إلا هذان الأمران اللذان ظهرا فیک تجلینا علیک بالاسمین المذکورین فلم تتعب نفسک و إنما لم یحصل الاهتداء بهدایتک لقسوه القلوب التی هی ضدّ الخشیه و اللین الذی هو شرط فی حصوله لا لقصورک.
و یجوز أن یکون قسما لا نداء، أی: أقسم بالاسمین اللذین یربه بهما و یتجلى بهما له لإفاده التزکیه و التخلیه إذ المقصود بالإنزال حصول أثرهما فیک لا التعب و المشقه و قد حصل فلا تفرط فی الریاضه، و لهذا المعنى سمی آل محمدا: آل طه، أی بحصول المعنیین لهم و ظهور مسمى الاسمین فیهم تَنْزِیلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ إلى قوله: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى معناه: أنزلناه تنزیلا ممن اتّصف بجمیع الصفات الجمالیه و الجلالیه فکان لذاتک نصیب من جمیعها و إلا لما أمکنک قبوله و حمله إذ الأثر الوارد لا بد و أن یناسب المورد کما ناسب المصدر، فلما کان مصدره الذات الموصوفه بجمیع الأسماء الحسنى وجب أن یکون مورده الذی هو ذاتک کذلک موصوفه بها، فکما خلق السموات العلا و الأرض أی: عالم الأرواح و عالم الأجسام الذی هو الجسم المطلق و جعلها حجب جلاله الساتره لجماله کذلک حجبک بسماوات طبقات غیوبک من الحجب السبعه المذکوره التی هی روحانیتک و مراتب کمالک و أرض شهادتک التی هی بدنک.
[۵]
[سوره طه (۲۰): آیه ۵]
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (۵)
الرَّحْمنُ أی: ربّک الجلیل، المحتجب بحجب المخلوقات لجلاله، هو الجمیل، المتجلی بجمال رحمته على الکل، إذ لا یخلو شیء من الرحمه الرحمانیه و إلا لم یوجد.
و لهذا اختصّ الرحمن به دون الرحیم لامتناع عموم الفیض للکل إلا منه، فکما استوى على عرش وجود الکل بظهور الصفه الرحمانیه فیه و ظهور أثرها أی: الفیض العام منه إلى جمیع الموجودات فکذا استوى على عرش قلبک بظهور جمیع صفاته فیه و وصول أثرها منه إلى جمیع الخلائق، فصرت رحمه للعالمین و صارت نبوّتک عامه خاتمه. فمعنى الاستواء: ظهوره فیه سویا تاما إذ لا یطابق کلها مظهر غیره فلا یستوی و لا یستقیم إلا علیه، و لذلک لم یکن له علیه السلام ظل إذ لم یبق من ذاته مع صفاته بقیه لم تتحقق بالحق بالبقاء بعد الفناء التام.
[۶]
[سوره طه (۲۰): آیه ۶]
لَهُ ما فِی السَّماواتِ وَ ما فِی الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى (۶)
لَهُ ما فِی السَّماواتِ إلى قوله: وَ ما تَحْتَ الثَّرى بیان لشمول قهره و ملکته للکل، أی: کلها تحت ملکته و قهره و سلطنته و تأثیره لا توجد و لا تتحرک و لا تسکن و لا تتغیر و لا تثبت إلا بأمره و کذلک فنیت بالکلیه مقهوره بوحدانیته و فناء قهاریته لا تسمع و لا تبصر و لا تبطش و لا تمشی إلا به و بأمره.
[۷- ۱۲]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۷ الى ۱۲]
وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى (۷) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (۸) وَ هَلْ أَتاکَ حَدِیثُ مُوسى (۹) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ ناراً لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (۱۰) فَلَمَّا أَتاها نُودِیَ یا مُوسى (۱۱)
إِنِّی أَنَا رَبُّکَ فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ إِنَّکَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (۱۲)
وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ یَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى بیان لکمال لطفه أی: علمه نافذ فی الکل یعلم ظواهرها و بواطنها و السر و سر السر، فکذلک إن تجهر و إن تخفت فیعلمه بجهر و بخفت.
و لما کانت الصفات المذکوره هی الأمهات التی لا صفه إلا تحت شمولها و لا اسم إلا کان مندرجا فی هذه الأسماء المذکوره و لم تتکثّر الذات بها، قال: اللَّهُ أی: ذلک المنزل الموصوف بهذه الصفات هو اللّه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لم تتکثر ذاته الأحدیه و حقیقه هویته بها و لم یتعدّد، فهو هو فی الأبد کما کان فی الأزل لا هو إلا هو و لا موجود سواه باعتبار واحدیته و مصدریته لما ذکر لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى التی هی ذاته مع اعتبار تعیینات الصفات إِذْ رَأى ناراً هی روح القدس التی ینقدح منها النور فی النفوس الإنسانیه رآها باکتحال عین بصیرته بنور الهدایه فَقالَ لِأَهْلِهِ القوى النفسانیه امْکُثُوا اسکنوا و لا تتحرّکوا إذ السیر إنما یصیر إلى العالم القدسی و یتصل به عند هذه القوى البشریه من الحواس الظاهره و الباطنه الشاغله لها إِنِّی آنَسْتُ ناراً أی: رأیت نارا لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أی: هیئه نوریه اتصالیه ینتفع بها کلکم فیتنوّر و تصیر ذاته فضیله أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ من یهدینی بالعلم و المعرفه الموجب للهدایه إلى الحق أی: اکتسب بالاتصال بها الهیئه النوریه أو الصور العلمیه فَلَمَّا أَتاها أی:
اتصل بها نُودِیَ من وراء الحجب الناریه التی هی سرادقات العزه و الجلال المحتجبه بها الحضره الإلهیه یا مُوسى إِنِّی أَنَا رَبُّکَ محتجبا بالصوره الناریه التی هی أحد أستار جلالی متجلیا فیها فَاخْلَعْ نَعْلَیْکَ أی: نفسک و بدنک أو الکونین لأنه إذا تجرّد عنهما فقد تجرّد عن الکونین أی: کما تجرّدت بروحک و سرّک عن صفاتهما و هیئاتهما حتى اتصلت بروح القدس تجرّد بقلبک و صدرک عنهما بقطع العلاقه الکلیه و محو الآثار و الفناء عن الصفات و الأفعال.
و إنما سماهما نعلین و لم یسمهما ثوبین لأنه لو لم یتجرّد عن ملابسهما لم یتصل بعالم القدس و الحال حال الاتصال، و إنما أمره بالانقطاع إلیه بالکلیه کما قال: وَ تَبَتَّلْ إِلَیْهِ تَبْتِیلًا[۲] فکأنه بقیت علاقته معهما و التعلق بهما یسوّخ قدمه التی هی الجهه السفلیه من القلب المسماه بالصدر، فهما بعد التوجه الروحی و السری نحو القدس، فأمره بالقطع عنهما فی مقام الروح، و لهذا علل وجوب الخلع بقوله: إِنَّکَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً أی: عالم الروح المنزّه عن آثار التعلق و هیئات اللواحق و العلائق المادیه المسمى طوى، لطیّ أطوار الملکوت و أجرام السموات و الأرضین تحته.
و لقد صدق من قال: أمر بخلعهما لکونهما من جلد حمار میت غیر مدبوغ. و قیل: لما نودی وسوس إلیه الشیطان: إنک تنادى من شیطان! فقال: أفرق به، إنی أسمع من جمیع الجهات الست بجمیع أعضائی و لا یکون ذلک إلا بنداء الرحمن.
[۱۳، ۱۴]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۳ الى ۱۴]
وَ أَنَا اخْتَرْتُکَ فَاسْتَمِعْ لِما یُوحى (۱۳) إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِی وَ أَقِمِ الصَّلاهَ لِذِکْرِی (۱۴)
وَ أَنَا اخْتَرْتُکَ فَاسْتَمِعْ لِما یُوحى هذا وعد بالاصطفاء الذی کان بعد التجلی التام الذاتی الذی جعل جبل وجوده دکّا بالفناء فیه بالاندکاک و خروره صعقا عند إفاقته بالوجود الحقانی کما قال تعالى: فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ قالَ یا مُوسى إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِی وَ بِکَلامِی[۳]، و هذا التجلی هو تجلی الصفات قبل تجلی الذات،و لهذا أرسله و لم یستنبئه بالوحی هنا، و أمره بالریاضه و الحضور و المراقبه و وعده وقوع القیامه الکبرى عن قریب. فهذا الاختیار قریب من الاجتباء الأصلی المشار إلیه بقوله: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَیْهِ وَ هَدى (۱۲۲)[۴] متوسط بینه و بین الاصطفاء.
و کرر إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ بالتأکید، و تبدیل الربّ باللّه لئلا یقف مع الصفات فی الحضره الأسمائیه فیحتجب عن الذات إذ الرب هو الاسم الذی تجلى به له، إذ لا یربه عند طلب الهدایه و القبس إلا بذلک الاسم العلیم الهادی الذی هو جبریل، أی: إننی الواحد الموصوف بجمیع الصفات لا إِلهَ إِلَّا أَنَا لم أتکثر و لم یتعدد أنائیتی و أحدیتی بکثره المظاهر و تعدّد الصفات فَاعْبُدْنِی خصّص عبادتک بذاتی دون أسمائی و صفاتی بالعباده الذاتیه و تهیئه استعداد فناء الآنیه فی حقیقتی و التسبیح المطلق الذاتی وَ أَقِمِ الصَّلاهَ أی: صلاه الشهود الروحی لذکر ذاتی فوق صلاه الحضور القلبی لذکر صفاتی.
[۱۵]
[سوره طه (۲۰): آیه ۱۵]
إِنَّ السَّاعَهَ آتِیَهٌ أَکادُ أُخْفِیها لِتُجْزى کُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (۱۵)
إِنَّ السَّاعَهَ القیامه الکبرى بالفناء المحض فی عین الأحدیه آتِیَهٌ أَکادُ أُخْفِیها باحتجابی بالصفات لتنفصل المراتب و تظهر النفوس و الأعمال لِتُجْزى کُلُّ نَفْسٍ بحسب سعیها من الخیر و الشرّ، و یتمیز الکمال و النقصان و السعاده و الشقاوه فلا أظهرها إلا لأفراد خواصّی واحدا بعد واحد لأنی إن أظهرتها ظهر فناء الکل فلا نفس و لا عمل و لا جزاء و لا غیر ذلک.
[۱۶]
[سوره طه (۲۰): آیه ۱۶]
فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْها مَنْ لا یُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (۱۶)
فَلا یَصُدَّنَّکَ عَنْها فتبقى فی حجاب الصفات مَنْ لا یُؤْمِنُ بِها لقصور استعداده فیقف فی بعض المراتب محجوبا إما بالصفات أو الأفعال أو الآثار أو الأنداد، أی: الشرک الخفیّ و الجلیّ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فی مقام النفس أو القلب، فإن الهوى باق ببقاء الأنانیه فتهلک أنت کما هلک من صدّک.
[۱۷، ۱۸]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۷ الى ۱۸]
وَ ما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسى (۱۷) قالَ هِیَ عَصایَ أَتَوَکَّؤُا عَلَیْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِی وَ لِیَ فِیها مَآرِبُ أُخْرى (۱۸)
وَ ما تِلْکَ بِیَمِینِکَ یا مُوسى إشاره إلى نفسه، أی: التی هی فی ید عقله إذ العقل یمین یأخذ به الإنسان العطاء من اللّه و یضبط به نفسه.
قالَ هِیَ عَصایَ أَتَوَکَّؤُا عَلَیْها أی: أعتمد فی عالم الشهاده و کسب الکمال و السیر إلى اللّه و التخلق بأخلاقه علیها، أی: لا یمکن هذه الأمور إلا بها وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِی أی:أخبط أوراق العلوم النافعه و الحکم العملیه من شجره الروح بحرکه الفکر بها على غنم القوى الحیوانیه وَ لِیَ فِیها مَآرِبُ أُخْرى من کسب المقامات و طلب الأحوال و المواهب و التجلیات. و إنما سأله تعالى لإزاله الهیبه الحاصله له بتجلی العظمه عنه و تبدیلها بالأمن، و إنما زاد الجواب على السؤال لشدّه شغفه بالمکالمه و استدامه ذوق الاستئناس.
[۱۹، ۲۰]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۹ الى ۲۰]
قالَ أَلْقِها یا مُوسى (۱۹) فَأَلْقاها فَإِذا هِیَ حَیَّهٌ تَسْعى (۲۰)
قالَ أَلْقِها یا مُوسى أی: خلها عن ضبط العقل فَأَلْقاها أی: خلاها و شأنها مرسله بعد احتظائها من أنوار تجلیات صفات القهر الإلهی فَإِذا هِیَ حَیَّهٌ تَسْعى أی: ثعبان یتحرّک من شدّه الغضب، و کانت نفسه علیه السلام قویه الغضب، شدیده الحدّه، فلما بلغ مقام تجلیات الصفات کان من ضروره الاستعداد حظه من التجلی القهری أوفر کما ذکر فی (الکهف)، فبدل غضبه عند فنائه فی الصفات بالغضب الإلهی و القهر الربانی فصور ثعبانا یتلقف ما یجد.
[۲۱]
[سوره طه (۲۰): آیه ۲۱]
قالَ خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِیدُها سِیرَتَهَا الْأُولى (۲۱)
قالَ خُذْها أی: اضبطها بعقلک کما کانت وَ لا تَخَفْ من استیلائها علیک و ظهورها فیکون ذنب حالک بالتلوین، فإن غضبک قد فنى، فیکون متحرّکا بأمری و لیس هو مستورا بنور القلب فی مقام النفس حتى یظهر بعد خفائه سَنُعِیدُها سِیرَتَهَا الْأُولى أی:
میته، فانیه، صائره إلى رتبه القوّه النباتیه التی لا شعور لها و لا داعیه، و لإماتته علیه السلام إیاها فی تربیه شعیب صلوات اللّه علیه و جعله إیاها کالقوى النباتیه سمیت عصا، و لهذا قیل:وهبها له شعیب علیه السلام.
[۲۲، ۲۳]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۲۲ الى ۲۳]
وَ اضْمُمْ یَدَکَ إِلى جَناحِکَ تَخْرُجْ بَیْضاءَ مِنْ غَیْرِ سُوءٍ آیَهً أُخْرى (۲۲) لِنُرِیَکَ مِنْ آیاتِنَا الْکُبْرى (۲۳)
وَ اضْمُمْ یَدَکَ إِلى جَناحِکَ أی: اضمم عقلک إلى جانب روحک الذی هو جناحک الأیمن لتتنوّر بنور الهدایه الحقانیه، فإن العقل بموافقه النفس و انضمامه إلیها و إلى جانبها الذی هو الجناح الأیسر لتدبیر المعاش یتکدر و یختلط بالوهم فیصیر کدرا جاسیا لا یتنوّر و لا یقبل المواهب الربانیه و الحقائق الإلهیه، فأمر بضمه إلى جانب الروح لیتصفى و یقبل نور القدس تَخْرُجْ بَیْضاءَ منوره بنور الهدایه الحقانیه و شعاع النور القدسی مِنْ غَیْرِ سُوءٍ أی: آفه و نقص و مرض من شوب الوهم و الخیال آیَهً أُخْرى صفه منضمه إلى الصفه الأولى لِنُرِیَکَ من آیات تجلیات صفاتنا الآیه الْکُبْرى التی هی الفناء فی الوحده، أی: لتکون ببصرک فی مقام تجلیات الصفات، فنریک من طریقها و جهتها ذاتنا عند التجلی الذاتی، فتبصرنا بنا فی القیامه الکبرى.
[۲۴]
[سوره طه (۲۰): آیه ۲۴]
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (۲۴)
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى بظهور الأنانیه، فاحتجب بها فتعدّى عن حدّ العبودیه.
و ذلک یدل على أن النبوّه و الرساله غیر موقوفه على الفناء الذاتی لأن الدخول فی الأربعینیه التی تجلى فیها له بالذات کان بعد هلاک فرعون، و هذه الرساله و الدعوه إنما کانت فی مقام تجلی الصفات. و یقوی هذا ما قلنا مرارا: إن أکثر سیر النبی صلى اللّه علیه و سلم کان بعد النبوّه و الوحی و الاهتداء بالتنزیل.
[۲۵- ۳۵]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۲۵ الى ۳۵]
قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی (۲۵) وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی (۲۶) وَ احْلُلْ عُقْدَهً مِنْ لِسانِی (۲۷) یَفْقَهُوا قَوْلِی (۲۸) وَ اجْعَلْ لِی وَزِیراً مِنْ أَهْلِی (۲۹)
هارُونَ أَخِی (۳۰) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِی (۳۱) وَ أَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی (۳۲) کَیْ نُسَبِّحَکَ کَثِیراً (۳۳) وَ نَذْکُرَکَ کَثِیراً (۳۴)
إِنَّکَ کُنْتَ بِنا بَصِیراً (۳۵)
رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی بنور الیقین و التمکین فی مقام تجلی الصفات لئلا یضیق بإیذائهم، و لا تتأذى و تتألم نفسی بطعنهم و سفاهتهم، فکما أتکلم بکلامک معهم أسمع بسمعک کلامهم و أجده کلامک، و أرى ببصرک إیذاءهم و أجده فعلک، فلا أرى و لا أسمع ما یقابلوننی به إلا منک، فأصبر على بلائک بک و لا تظهر نفسی برؤیتها منهم، فتحتجب بصفاتها و صفاتهم عن صفاتک وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِی أی: أمر الدعوه بتوفیقهم لقبول دینک و إمدادی على المعاندین من نصرک و تأیید قدسک وَ احْلُلْ عُقْدَهً من عقد العقل و الفکر المانعین عن إطلاق لسانی بکلامک و الجراءه و الشجاعه على تصریح الکلام فی تبلیغ رسالتک و إعلاء کلمتک و إظهار دینک على دینهم بالحجه و البینه فی مقابله جبروتهم و فرعنتهم رعایه لمصلحه خوف السطوه یَفْقَهُوا قَوْلِی لتلیینک قلوبهم و الخشوع و الخشیه فیها و تأییدک إیای من عالم القدس و الأید.
و باقی القصه لا یقبل التأویل فإن أردت التطبیق فاعلم أن موسى القلب یسأل اللّه تعالى بلسان الحال أن یجعل هارون العقل الذی هو أخوه الأکبر من أبیه روح القدس له وزیرا یتقوّى به و یستوزره فی أموره و یعتضد برأیه مشارکا معاونا له فی اکتساب کمالاته معللا طلبه بقوله:
کَیْ نُسَبِّحَکَ أی: بالتجرید عن صفات النفس و هیئاتها کَثِیراً وَ نَذْکُرَکَ باکتساب المعارف و الحقائق و الحضور فی المکاشفات و مقام تجلیات الصفات کَثِیراً إِنَّکَ کُنْتَ بِنا أی:باستعدادنا لقبول الکمال و أهلیتنا له بَصِیراً فأعنا و اجعلنا متعاونین على ما ترى منا و ترید.
[۳۶- ۳۹]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۳۶ الى ۳۹]
قالَ قَدْ أُوتِیتَ سُؤْلَکَ یا مُوسى (۳۶) وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَیْکَ مَرَّهً أُخْرى (۳۷) إِذْ أَوْحَیْنا إِلى أُمِّکَ ما یُوحى (۳۸) أَنِ اقْذِفِیهِ فِی التَّابُوتِ فَاقْذِفِیهِ فِی الْیَمِّ فَلْیُلْقِهِ الْیَمُّ بِالسَّاحِلِ یَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِی وَ عَدُوٌّ لَهُ وَ أَلْقَیْتُ عَلَیْکَ مَحَبَّهً مِنِّی وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَیْنِی (۳۹)
قَدْ أُوتِیتَ أعطیت سُؤْلَکَ و وفقت لتحصیل مطلوبک. وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَیْکَ مَرَّهً أُخْرى قبل إرادتک و طلبک بمحض عنایتنا إِذْ أَوْحَیْنا إِلى أُمِّکَ النفس الحیوانیه ما یُوحى أی: أشرنا إلیها أَنِ اقْذِفِیهِ فی تابوت البدن أو الطبیعه الجسمانیه فَاقْذِفِیهِ فی یمّ الطبیعه الهیولانیه فَلْیُلْقِهِ الْیَمُ عند ظهور نور التمییز و الرشد بساحل النجاه یَأْخُذْهُ عَدُوٌّ النفس الأمّاره الجباره الفرعونیه وَ أَلْقَیْتُ عَلَیْکَ مَحَبَّهً مِنِّی أی: أحببتک و جعلتک محبوبا إلى القلوب و إلى کل شیء حتى النفس الأمّاره و القوى، و من أحببته یحبه کل شیء وَ لِتُصْنَعَ و تربى على کلاءتی و حفظی فعلت ذلک.
[۴۰، ۴۱]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۴۰ الى ۴۱]
إِذْ تَمْشِی أُخْتُکَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلى مَنْ یَکْفُلُهُ فَرَجَعْناکَ إِلى أُمِّکَ کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّیْناکَ مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنَّاکَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِینَ فِی أَهْلِ مَدْیَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ یا مُوسى (۴۰) وَ اصْطَنَعْتُکَ لِنَفْسِی (۴۱)
إِذْ تَمْشِی أُخْتُکَ العاقله العملیه عند ظهورها و حرکتها فَتَقُولُ للنفس الأمّاره و القوى المنعطفه علیه هَلْ أَدُلُّکُمْ بالآداب الحسنه و الأخلاق الجمیله على أهل بیت من النفس اللوّامه و قواها الجزئیه بفوات قرّه عینها عَلى مَنْ یَکْفُلُهُ لکم بالتربیه بالفکر و الإرضاع بلبان الحکمه العملیه و العلوم النافعه و هم له ناصحون معاونون على کسب الکمال، مرشدون إلى الأعمال الصالحه، معدّون للترقی إلى المرتبه الرفیعه فَرَجَعْناکَ إِلى أُمِّکَ المشفقه علیک التی هی النفس اللوّامه اللائمه لنفسها بتضییع قرّه عینها لیحصل اطمئنانها بنور الیقین و تتهذب بالحکمه العملیه و ترضع منها اللبن المذکور و تتربى فی حجر تربیتها بالمدرکات الجزئیه و الآلات البدنیه و الأعمال الزکیه کَیْ تَقَرَّ عَیْنُها أی: تتنوّر بنورک وَ لا تَحْزَنَ على فوات قرّه عینها و نقصها.
وَ قَتَلْتَ نَفْساً أی: الصوره الغضبیه المسوّله لک بالریاضه و الإماته فَنَجَّیْناکَ من غمّ استیلاء النفس الأمّاره و إهلاکها إیاک وَ فَتَنَّاکَ ضروبا من الفتن بظهور النفس و صفاتها و الریاضه و المجاهده فی دفعها و قمعها و إماتتها و تزکیتها فَلَبِثْتَ سِنِینَ فِی أَهْلِ مَدْیَنَ العلم من القوى الروحانیه عند شعیب العقل الفعال ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ على حد من الکمال المقدّر بحسب استعدادک أو على شیء مما قدّرته لک، أی: بعض ما قدر لک من الکمال التام الذی هو التجلی الذاتی الذی سیوهب لک بعد کمال الصفات وَ اصْطَنَعْتُکَ لِنَفْسِی أی: استخلصتک لنفسی و جعلتک من جمله خواصی من بین أهل مدینه البدن، و لما فیک من الخصال الشریفه و الأهلیه لخلافتی.
[۴۲- ۴۷]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۴۲ الى ۴۷]
اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوکَ بِآیاتِی وَ لا تَنِیا فِی ذِکْرِی (۴۲) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (۴۳) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَیِّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشى (۴۴) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ یَفْرُطَ عَلَیْنا أَوْ أَنْ یَطْغى (۴۵) قالَ لا تَخافا إِنَّنِی مَعَکُما أَسْمَعُ وَ أَرى (۴۶)
فَأْتِیاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّکَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناکَ بِآیَهٍ مِنْ رَبِّکَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (۴۷)
اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوکَ إلى آخر القصه، إن أرید تطبیقها قیل: اذهب یا موسى القلب أنت و أخوک العقل بِآیاتِی حججی و بیناتی و الاستیلاء و لا تفترا فِی ذِکْرِی إِلى فِرْعَوْنَ النفس الأمّاره الطاغیه المجاوزه حدّها بالاستعلاء و الاستیلاء على جمیع القوى الروحانیه فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَیِّناً بالرفق و المداراه فی دعوتها إلى الاستسلام لأمر الحق و الانقیاد لحکم الشرع. لعلها تلین فتتعظ و تنقاد.
و لما خافا طغیانها و تفرعنها لتعوّدها بالاستعلاء، شجعهما اللّه بالتأیید و الإعانه و المحافظه و الکلاءه و الإحاطه بما یقاسیانه و یکابدانه منها، و أمرهما بتبلیغ الرساله فی تطویعها و تسخیرها و إلزامها الامتناع عن استعباد القوى الحیوانیه و الکفّ عن تسخیرها، و أن یرسلها معهما فی التوجه إلى الحضره الإلهیه و استفاضه الأنوار الروحیه القدسیه و المعارف الحقیقیه و لا یعذبها فی تحصیل اللذات الحسیّه و الزخارف الدنیویه قَدْ جِئْناکَ بِآیَهٍ ببرهان دال على وجوب متابعتک إیانا.
وَ السَّلامُ أی: السلامه من النقائص و النجاه من العلائق و الفیض النوری من العالم الروحی عَلى مَنِ اتَّبَعَ البرهان و تمسک بالنور الإلهی.
[۴۸- ۵۲]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۴۸ الى ۵۲]
إِنَّا قَدْ أُوحِیَ إِلَیْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ کَذَّبَ وَ تَوَلَّى (۴۸) قالَ فَمَنْ رَبُّکُما یا مُوسى (۴۹) قالَ رَبُّنَا الَّذِی أَعْطى کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (۵۰) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (۵۱) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی فِی کِتابٍ لا یَضِلُّ رَبِّی وَ لا یَنْسى (۵۲)
إِنَّا قَدْ أُوحِیَ إِلَیْنا أَنَّ الْعَذابَ فی جحیم الطبیعه و هاویه الهیولى على من خالفه و أعرض عنه فَمَنْ رَبُّکُما إشاره إلى احتجاب النفس من جناب الربّ، و قوله: رَبُّنَا الَّذِی أَعْطى هدایه له بالدلیل و تبصیرا بالحجه، أی: أعطاه خلقا على وفق مصالح ذاته و آلات تناسب خواصه و منافعه و مقاصده و هداه إلى تحصیلها فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى إشاره إلى احتجابها عن المعاد و الأحوال الأخرویه من السعاده و الشقاوه و عن إحاطه علم اللّه تعالى لها.
و لما کان الواجب الأول معرفه اللّه تعالى بصفاته و کانت معرفه المعاد موقوفه علیها أجاب بإحاطه علمه بها و بأحوالها مع کثرتها و کون ذلک العلم مثبتا فی اللوح المحفوظ باقیا أزلا و أبدا، لا یجوز علیه الخطأ و النسیان.
[۵۳- ۵۵]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۵۳ الى ۵۵]
الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَکَ لَکُمْ فِیها سُبُلاً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (۵۳) کُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَکُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِأُولِی النُّهى (۵۴) مِنْها خَلَقْناکُمْ وَ فِیها نُعِیدُکُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَهً أُخْرى (۵۵)
الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ أیها القوى البدنیه أرض البدن مَهْداً وَ سَلَکَ لَکُمْ فِیها سُبُلًا من الأعضاء و الجوارح کالعین و الأذن و الأنف و غیرها وَ أَنْزَلَ من سماء الروح ماء الإدراک و المدد الروحانی فَأَخْرَجْنا بِهِ أصنافا من الإدراکات و الأفاعیل و الخواص و الهیئات و الملکات المخصوصه بکل قوه منکم کُلُوا اغتذوا و تقووا بما یختص بکم من الأحوال و الأخلاق و الأمداد و المواهب کالرضا و الصبر و علم الأسماء و الخواص و الأعداد و سائر الإدراکات و الإرادات و المقامات وَ ارْعَوْا أَنْعامَکُمْ القوى الحیوانیه بما یختص بها من الأخلاق و الآداب مِنْها خَلَقْناکُمْ أنشأناکم على حسب اختلاف أمزجه الأعضاء التی هی مظاهرها وَ فِیها نُعِیدُکُمْ بإماته عند الریاضه حتى یلازم کل محله و یندس فیه لا حراک به و لا یتطلب التجاوز عن حدّه و الاستیلاء على غیره بمحو صفات النفس حتى الفناء وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَهً أُخْرى عند البقاء بالحیاه الموهوبه الحقیقیه فتعتدل حرکاتها و تفضل ملکاتها.
[۵۶- ۶۳]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۵۶ الى ۶۳]
وَ لَقَدْ أَرَیْناهُ آیاتِنا کُلَّها فَکَذَّبَ وَ أَبى (۵۶) قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِکَ یا مُوسى (۵۷) فَلَنَأْتِیَنَّکَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَیْنَنا وَ بَیْنَکَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَ لا أَنْتَ مَکاناً سُوىً (۵۸) قالَ مَوْعِدُکُمْ یَوْمُ الزِّینَهِ وَ أَنْ یُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (۵۹) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ کَیْدَهُ ثُمَّ أَتى (۶۰)
قالَ لَهُمْ مُوسى وَیْلَکُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ کَذِباً فَیُسْحِتَکُمْ بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (۶۱) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوى (۶۲) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ یُرِیدانِ أَنْ یُخْرِجاکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ بِسِحْرِهِما وَ یَذْهَبا بِطَرِیقَتِکُمُ الْمُثْلى (۶۳)
أَرَیْناهُ آیاتِنا من الحجج و البینات الداله على التجرّد عن المواد و وجود الأنوار فَکَذَّبَ لکونها ماده وَ أَبى القبول لامتناع إدراکها للمجرّدات و أنکر إزعاجها عن وکرها البدنی بقوله: أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا و نسب البرهان إلى السحر لقصورها عن إدراکه و عجزها عن قبوله و أغرى القوى التخیلیه و الوهمیه على المعارضه و المجادله و قلما أذعنت النفس للبرهان النیر و الحق البین بدون الریاضه و الإماته، و کلما أورد علیها حرّضت الوهم و التخیل على التشکیک و القدح.
و الموعد هو وقت ترکیب الحجه و ترتیب المقامات و ذلک وقت زینه النفس الناطقه بالمدرکات و حشر القوى العقلیه و الروحانیه لاستحضار المعلومات و المخزونات ضُحًى إشراق نور شمس العقل الفعال إذ هناک تعرض النفس عن قبولها و یجمع کیدها من أنواع المغالطات و الوهمیات و یقمعها القلب بالیقینیات و إظهار أکاذیبها المفتریات. و التنازع الواقع بین القوى النفسانیه هو عدم مسالمتها فی طاعه القلب و انجذاب کل منها إلى لذته متمانعه متخالفه.
و إسرارها النجوى استبطان الکل الدواعی المخالفه للقلب مع تخالفها فی أنفسها. و نسبتها إلى السحر إشاره إلى عجزها عن إدراک معانیها و خفاء براهینها علیها.
و الطریق المثلى، أی: الفضلى عندها هی تحصیل اللذات الحسیّه و الانهماک فی الشهوات البدنیه. و إلقاؤها أولا إشاره إلى تقدّم الوهمیات و الخیالیات فی الوجود الإنسانی على العقلیات و الیقینیات عند السلوک و إلا ما احتیج إلى البرهان القاطع و الدلیل الواضح و إلى أن الواجب على الداعی إلى الحق أولا نقض الباطل و دفع الشبهه بالحجه لیزول الاعتقاد الفاسد و یتمکن استقرار الحق. و الحبال و العصیّ هی المغالطات و السفسطات من الشبهه الجدلیه التی تکاد تتمشى و تغلب على القلب لو لا تأیید الحق بنور الروح و العقل و هو معنى قوله: لا تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الْأَعْلى وَ أَلْقِ ما فِی یَمِینِکَ[۵] العاقله النظریه من البرهان المعتمد علیه یفن مصنوعاتهم المزخرفه و أباطیلهم المموّهه، فتضمحلّ و تتلاشى. إنما صنعوا کید تزویر و مکر لا حقیقه له لا ما صنعت کما زعموا، فألقی السحره سجدا فانقادت حینئذ القوى الوهمیه و الخیالیه و التخییلیه و الحسیه عند ظهور عجزها و النفس الأماره ثابته فی تفرعنها و عتوّها لعدم ارتیاضها و اعتیادها بمألوفاتها و ترأسها على القوى و تجبرها، باقیه على عنادها و شدّه شکیمتها.
و لأقطعنّ إشاره إلى إبعادها و تخویفها للقوى عند إذعانها بمنع تصرّفاتها فی المعایش و ترک سعیها فی تحصیل الملاذ و المشتهیات الجسمانیه من جهه مخالفتها إیاها بموافقه القلب. و صلبها فی جذوع النخل: إیقافها بالإماته عند الریاضه فی حدّ القوى النباتیه و إثباتها فی مقارّها و مبادئ نشأتها من أعالی مراتب القوى النباتیه دون التصرّف فی سائر المراتب و الاستعلاء على المناصب و الاستیلاء فی المکاسب، أو من الأعضاء التی هی معادنها و مظاهرها.
و هذا التخویف على هذا التأویل من قبیل أحادیث النفس و هواجسها بسبب اللمات الشیطانیه المثبطه عن المجاهده لقوله تعالى: إِنَّما ذلِکُمُ الشَّیْطانُ یُخَوِّفُ أَوْلِیاءَهُ[۶] لیفید إعراضها عن مطاوعه القلب و قیامها بخدمتها و تسخرها لها و لو حمل على المباحثه الظاهره المستفاده من قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ[۷] بعد التصدیق بالظاهر و الإیمان بالإعجاز الباهر لأجرى قوله: اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوکَ[۸] على ظاهره إلى قوله: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ[۹] أی: تباحثوا فیما بینهم فی السر، متنازعین فیما یعارضونه به من ضروب الجدل.
و قیل فی قوله: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ[۱۰] مفلقان فی البیان و الفصاحه و الاحتجاج لا یکاد یعارضهما أحد فیحجّهما.
[۶۴- ۶۷]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۶۴ الى ۶۷]
فَأَجْمِعُوا کَیْدَکُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْیَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (۶۴) قالُوا یا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِیَ وَ إِمَّا أَنْ نَکُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (۶۵) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (۶۶) فَأَوْجَسَ فِی نَفْسِهِ خِیفَهً مُوسى (۶۷)
فَأَجْمِعُوا کَیْدَکُمْ أی: اتّفقوا فیما تبارزونهما به فتکونوا متفقیّ الکلمه متعاضدین فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ أی: تخیلاتهم و وهمیاتهم یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ فی الترکیب و البلاغه و حسن التقریر و تمشیه المغالطه و السفسطه و هیئه ترتیب القیاس الجدلی کأنها تسعى، أی: تمشی خِیفَهً عن غلبه الجهّال و دوله الضلال، کما
قال أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام: «لم یوجس موسى خیفه على نفسه، إنما خاف من غلبه الجهّال و دوله الضلال»
.
[۶۸- ۷۱]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۶۸ الى ۷۱]
قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الْأَعْلى (۶۸) وَ أَلْقِ ما فِی یَمِینِکَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا کَیْدُ ساحِرٍ وَ لا یُفْلِحُ السَّاحِرُ حَیْثُ أَتى (۶۹) فَأُلْقِیَ السَّحَرَهُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسى (۷۰) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَیُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى (۷۱)
قُلْنا لا تَخَفْ شجعناه و أیّدناه بروح القدس وَ أَلْقِ ما فِی یَمِینِکَ أی: ما فی ضبط عقلک من النفس المؤتلفه بشعاع القدس المضیئه بنور الحق تَلْقَفْ ما صَنَعُوا ما زخرفوا و زوّروا من الشبهات و التمویهات الباطله و الأباطیل المزخرفه بالحجج النیره و البراهین الواضحه إِنَّما صَنَعُوا و تلقفوا کَیْدُ ساحِرٍ أی: تمویه و تزویر فَأُلْقِیَ السَّحَرَهُ سُجَّداً منصفین مذعنین مقرین بکونه على الحق لما عرفوا من صدق البینه و ظهور المعجزه و قیام الحجه و جلیه البرهان قالُوا آمَنَّا الإیمان الیقینی لأنهم کوشفوا بالحق فعرفوا ربوبیته للکل، و إنما أضافوا الربّ إلیهما مع تعمیم الإضافه إلى العالمین لزیاده اختصاصهما به و فضل ربوبیته إیاهما، فإنه یربّ کل شیء باسم یناسبه و یقتضیه استعداده و یربهما بأکبر أسمائه الحسنى على حسب کمال استعدادهما و لظهوره فیهما بکمالات صفاته و تجلیه علیهم فیهما بآیاته، فعلموا أنهم من شکوتهما عرفوا ما عرفوا، و بوسیلتهما و صلوا إلى ما وصلوا، و بتبعیتهما وجدوا ما وجدوا، لا على سبیل الاستقلال.
و اعلم أن الساحر أقرب الناس استعدادا من النبی لأن مبادئ خوارق العادات أمور ثلاثه: إما خواص الترکیب و تمزیجات المواد العنصریه و الصور و جمع الأخلاط المختلفه المزاج و الجوهر و هو من باب النیرنجات. و إما جمع القوى السماویه و الأرضیه بإعداد الصور السفلیه و المواد العنصریه لاستجلاب فیض النفوس السماویه و اتصالها بقوى الأجرام الأرضیه و هو من باب الطلسمات، و أما تأثیر النفوس و هیئاتها المستفاده من العالم العلوی و هو من الکامل المبعوث للنبوّه القائم بالدعوه إعجاز و من الواصل المحق المترقی إلى ذروه الولایه غیر المبعوث للنبوّه کرامه.
و الفرق بینهما أن الإعجاز مقارن للتحدّی و المعارضه دون الکرامه و من المقبل على الدنیا المعرض عن العالم الأعلى سحر، فکانت نفس الساحر فی بدء فطرتها قویه مخصوصه بهیئات مؤثره فی هذا العالم و أجرامه إلا أنها أعرضت عن مبدئها بالرکون إلى العالم السفلی و انقطعت عن أصل القوى و القدر و منبع التأثیر و القهر بالمیل إلى عالم الطبع، فلا یزال یضعف ما فیها من الهیئه النوریه و الشعاع القدسی کما لا یزال یزداد فی نفس النبیّ و الولیّ بالإقبال على الحق و الائتلاف بنور القدس و التأیید بالقوه الملکوتیه و التوجه إلى الحضره الإلهیه و لا جرم ینکسر من النبیّ حین عارضه و ینقمع بنفسه إذا قابله، فهو أعرف الناس بالنبیّ عند عجزه و إنکاره و أقبل الخلق لدعوته و أنواره، و أسبقهم إلى الإقرار به لکونه أقربهم فی الاستعداد إلیه ما لم یبطل استعداده الأول بالکلیه و لم یغلب علیه دین الطبیعه السفلیه.
[۷۲- ۷۴]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۷۲ الى ۷۴]
قالُوا لَنْ نُؤْثِرَکَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الَّذِی فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِی هذِهِ الْحَیاهَ الدُّنْیا (۷۲) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِیَغْفِرَ لَنا خَطایانا وَ ما أَکْرَهْتَنا عَلَیْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللَّهُ خَیْرٌ وَ أَبْقى (۷۳) إِنَّهُ مَنْ یَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا یَمُوتُ فِیها وَ لا یَحْیى (۷۴)
لَنْ نُؤْثِرَکَ کلام صادر من عظم الهمه الحاصله للنفس بقوه الیقین، إذ قوه الیقین فی القلب تورث النفس عظم الهمه و هو عدم مبالاتها بالسعاده الدنیویه و الشقاوه البدنیه و اللذات العاجله الفانیه و الآلام الحسیّه فی جنب السعاده الأخرویه و اللذه الباقیه العقلیه، و لهذا استخفوا بها و استحقروها بقولهم: إِنَّما تَقْضِی هذِهِ الْحَیاهَ الدُّنْیا.
لِیَغْفِرَ لَنا خَطایانا أی: یستر بنوره الهیئات المظلمه و الصفات الردیئه التی عرضت لنفوسنا بسبب المیل إلى اللذات الطبیعیه و محبه الزخارف الدنیویه وَ ما أَکْرَهْتَنا عَلَیْهِ مِنَ السِّحْرِ أی: معارضه موسى لأنهم لما عرفوه بنور استعدادهم و علموا کونه على الحق، فاستعفوا عن معارضته فأکرههم اللعین مَنْ یَأْتِ رَبَّهُ فی القیامه الصغرى مجرما مثّقلا بالهیئات البدنیه الممیله إلى الأجرام الطبیعیه لا یَمُوتُ فِیها بالموت الطبیعی، فلا یشعر بالآلام وَ لا یَحْیى بالحیاه الحقیقیه فینجو من تبعات الآثام.
[۷۵، ۷۶]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۷۵ الى ۷۶]
وَ مَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِکَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (۷۵) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها وَ ذلِکَ جَزاءُ مَنْ تَزَکَّى (۷۶)
وَ مَنْ یَأْتِهِ مُؤْمِناً بالإیمان الیقینی قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ من الفضائل النفسانیه المزکیه للنفوس فَأُولئِکَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى من جنات الصفات بحسب درجات ترقیهم فی الکمالات.
[۷۷- ۷۹]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۷۷ الى ۷۹]
وَ لَقَدْ أَوْحَیْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً فِی الْبَحْرِ یَبَساً لا تَخافُ دَرَکاً وَ لا تَخْشى (۷۷) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِیَهُمْ مِنَ الْیَمِّ ما غَشِیَهُمْ (۷۸) وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى (۷۹)
أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی فی ظلمه صفات النفوس و لیل الجسمانیه فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقاً من التجرید فی بحر عالم الهیولى یَبَساً لا تصل إلیه نداوه الهیئات الهیولانیه و رطوبه المواد الجسمانیه لا تَخافُ دَرَکاً لحوقا من البدنیین المنغمسین فی غواشی الطبیعه الظلمانیه وَ لا تَخْشى غلبتهم علیکم و استیلاءهم، فإنهم مقیدون محبوسون فیها، قاصرون عن شأنکم فَأَتْبَعَهُمْ لإهلاکهم دینهم بالانغماس فی الطبیعیات فغشیهم من یم القطران ما غشیهم من الهلاک السرمدی و العذاب الأبدی، و التطبیق قد مرّ غیر مره.
[۸۰، ۸۱]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۸۰ الى ۸۱]
یا بَنِی إِسْرائِیلَ قَدْ أَنْجَیْناکُمْ مِنْ عَدُوِّکُمْ وَ واعَدْناکُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَیْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَیْکُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى (۸۰) کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ وَ لا تَطْغَوْا فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبِی وَ مَنْ یَحْلِلْ عَلَیْهِ غَضَبِی فَقَدْ هَوى (۸۱)
وَ واعَدْناکُمْ جانِبَ طور القلب الْأَیْمَنَ الذی یلی روح القدس و هو محل الوحی الذی یسمونه الروع و الفؤاد وَ نَزَّلْنا عَلَیْکُمُ من الأحوال و المذاهب من الذوقیات و سلوى العلوم و المعارف من الیقینیات کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ أی: تغذوا تلک المعارف الطیبه و تقبلوها بقلوبکم فإنها سبب حیاتها وَ لا تَطْغَوْا فِیهِ بظهور النفس و إعجابها بنفسها عند استشراقها و رؤیتها بهجتها و کمالها و زینتها فَیَحِلَّ عَلَیْکُمْ غضب الحرمان و آفه الخذلان فَقَدْ هَوى سقط عن مقام القرب فی جحیم النفس و احتجب عن نور تجلی صفات الجمال فی ظلمات الاستتار و أستار الجلال.
[۸۲]
[سوره طه (۲۰): آیه ۸۲]
وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (۸۲)
وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لستّار صفات النفس الطاغیه الظاهره بتزییناتها و استغنائها بأنوار صفاتی لِمَنْ تابَ عن تظاهرها و استیلائها، و استغفر بانکسارها و انقماعها و لزومها ذلّ فاقتها و افتقارها وَ آمَنَ بأنوار الصفات القلبیه و تجلیات الأنوار الإلهیه وَ عَمِلَ صالِحاً فی اکتساب المقامات کالتوکل و الرضا و الملکات المانعه من التلوینات بالحضور و الصفاء ثُمَّ اهْتَدى إلى نور الذات و حال الفناء.
[۸۳- ۹۹]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۸۳ الى ۹۹]
وَ ما أَعْجَلَکَ عَنْ قَوْمِکَ یا مُوسى (۸۳) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِی وَ عَجِلْتُ إِلَیْکَ رَبِّ لِتَرْضى (۸۴) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَکَ مِنْ بَعْدِکَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِیُّ (۸۵) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ یا قَوْمِ أَ لَمْ یَعِدْکُمْ رَبُّکُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَیْکُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ یَحِلَّ عَلَیْکُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّکُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِی (۸۶) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَکَ بِمَلْکِنا وَ لکِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِینَهِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَکَذلِکَ أَلْقَى السَّامِرِیُّ (۸۷)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُکُمْ وَ إِلهُ مُوسى فَنَسِیَ (۸۸) أَ فَلا یَرَوْنَ أَلاَّ یَرْجِعُ إِلَیْهِمْ قَوْلاً وَ لا یَمْلِکُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً (۸۹) وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ یا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّکُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِی وَ أَطِیعُوا أَمْرِی (۹۰) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عاکِفِینَ حَتَّى یَرْجِعَ إِلَیْنا مُوسى (۹۱) قالَ یا هارُونُ ما مَنَعَکَ إِذْ رَأَیْتَهُمْ ضَلُّوا (۹۲)
أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَیْتَ أَمْرِی (۹۳) قالَ یَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْیَتِی وَ لا بِرَأْسِی إِنِّی خَشِیتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَیْنَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِی (۹۴) قالَ فَما خَطْبُکَ یا سامِرِیُّ (۹۵) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ یَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَهً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ کَذلِکَ سَوَّلَتْ لِی نَفْسِی (۹۶) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَکَ فِی الْحَیاهِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَکَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَ انْظُرْ إِلى إِلهِکَ الَّذِی ظَلْتَ عَلَیْهِ عاکِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِی الْیَمِّ نَسْفاً (۹۷)
إِنَّما إِلهُکُمُ اللَّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ کُلَّ شَیْءٍ عِلْماً (۹۸) کَذلِکَ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَیْناکَ مِنْ لَدُنَّا ذِکْراً (۹۹)
وَ ما أَعْجَلَکَ عَنْ قَوْمِکَ- إلى قوله- فِی الْیَمِّ نَسْفاً معناه على التحقیق: أنّ موسى علیه السلام لما شرّف بمقام المکالمه و أوتی کشف الصفات و بعث لإنقاذ بنی إسرائیل و إرشادهم إلى الحق وعد شریعه یسوس بها قومه، فاستخلف هارون على قومه و تخلى للمراقبه قبل تثبتهم على الإیمان و تقریرهم على الحق بالإیقان، فعوقب على تلک العجله و إن کانت من غایه الشوق إلى المشاهده.
و اقتضاء المقام عدم التفرّغ إلى تکمیل الغیر لأن فی تکمیلهم بالمعرفه الیقینیه و الکمال العلمی ثبات قدمه فی الطاعه و امتثال الأمر المستلزم للترقی فی الحال، فاعتذر بکونهم على متابعته فی الدین و إن لم تبن معاملتهم على أساس الیقین و التعجیل، إنما بدر منه لطلب مقام الرضا الذی هو کمال الفناء فی الصفات و هو استحکام مقام التجلی الصفاتی الذی منه المکالمه، و إنما ابتلاهم اللّه بالسامری لیتمیز المستعدّ القابل للکمال بالتجرید من القاصر الاستعداد المنغمس فی الموادّ الذی لا یدرک إلا المحسوس و لا یتنبّه للمجرد المعقول.
و لهذا قالوا: ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَکَ بِمَلْکِنا أی: بأن ملکنا أمرنا و خلینا و رأینا، فإنهم عبید بالطبع لا رأی لهم و لا ملکه و لیسوا مختارین بل مطبوعون مسوسون مقودون بدنیون لا طریق لهم إلا التقلید و العمل، لا التحقیق و العلم. و إنما استعبدهم بالطلسم المفرع من الحلی لرسوخ محبه الذهب فی طباعهم لکون نفوسهم سفلیه منجذبه إلى الطبیعه الذهبیه، و تجلی تلک الصوره النوعیه فیها للتناسب الطبیعی و کان ذلک من باب مزج القوى السماویه بالقوى الأرضیه و لذلک قال: بَصُرْتُ بِما لَمْ یَبْصُرُوا بِهِ من العلم الطبیعی و الریاضی الذین یبتنى علیهما علم الطلسمات و السیمیات.
فَقَبَضْتُ قَبْضَهً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ و هی على ما قیل: تراب موطئ حافر الحیزوم الذی و فرس الحیاه مرکب جبرائیل، أی: مما اتصل به أثر النفس الحیوانیه الکلیه السماویه المسخّره للعقل الفعال، المتأثره منه، الحامله لصفائه التی هی بمثابه مرکبه لاستعلائه علیها و وصول تأثیره إلى الطبائع العنصریه و الأجرام السفلیه بواسطتها من الأوضاع التی تفیض بسببها الآثار على المواد، فتنفعل منها بحسب الاستعداد و تقبل الأحوال الغریبه التی هی بمثابه تراب موطئ مرکبه فَنَبَذْتُها فطرحتها على الجرم المذاب عند الإفراغ فی صوره العجل و ذلک من تسویل النفس الشیطانیه الشریره.
و قوله: فَاذْهَبْ صادر عن غضبه علیه السلام و طرده إیاه، و إنما یجب حلول العذاب من غضب الأنبیاء و الأولیاء لأنهم مظاهر صفات اللّه تعالى، فکل من غضبوا علیه وقع فی قهره تعالى و شقی فی الدنیا و الآخره، و عذّب بعذاب الأبد، و ذاق وبال العمل، و کانت صوره عذابه فی التحرّز عن المماسه نتیجه بعده عن الحق فی الدعوه إلى الباطل.
و أثر لعن موسى علیه السلام إیاه عند إبطال کیده و إزاله مکره. و على التطبیق: إنّ القلب إذا سبق له کشف و جذبه الاجتهاد و السلوک و حصل عنده الکمال العلمی الکشفی دون العلمی الکسبی، یکون فی معرض عتاب الحق عند التعجل إلى الشهود و الحضور، ذاهلا عن أمر الشریعه و المجاهده، و یجب أن یردّ إلى العمل و الریاضه لسیاسه القوى و اکتساب مقام الاستقامه، إذ لا یقوى هارون العقل الذی هو خلیفته على قومه القوى الروحانیه و الجسمانیه على تدبیرهم و تقویمهم و تسدیدهم بدون الریاضه و المجاهده و المواظبه على الطاعه و المعامله، فینبعث سامریّ القوى النفسانیه من الحواس و یوقد علیها نار حبّ الشهوات، و یطرح علیها شیئا من أمداد الطالع بحسب الأوضاع المخصوصه، أی: التی تأثرت من تأثیر النفس الحیوانیه التی هی فرس الحیاه، فیمثل الطبیعه بصوره العجل المفرغ فی قالب الموادّ الذی همّه الأکل و الشرب و دأبه اللذه و الشهوه دون العمل و السعی بالإثاره و التعب کما أشیر إلیه، و ینتفخ فیه روح الهوى فیحیا و یتقوّى و یصیح ذا خوار، فیعبده جمیع القوى و یتخذه إلها، و کلما نبهها العقل المؤید بنور القلب على ضلالها و فتنتها و دعاها إلى الحق و متابعه الرأی العقلی و طاعته، خالفته حتى یرجع إلیها القلب المنوّر بنور الحق، المؤید بتأیید القدس، غضبان للّه تعالى أسفا على ضلالها و تفرّقها فی الدین، و یعیرها و یعنفها بلسان النفس اللوّامه، و یأخذها بالوعد و الوعید، و یذکرها طول العهد من قرب الربّ بمقتضى الخلقه و النشأه و السقوط عن الفطره، و یخوّفها باستحقاق الغضب و السخطه عن نسیان العهد و إخلاف الوعد حین الإقرار بالربوبیه عند میثاق الفطره، فلا ینجع فیها القول إذا صارت مأسوره فی أسر الهوى، منقاده لسلطان التخیّل، مستسلمه للردى، و لا طریق إلا خرق الطبیعه الجسدانیه بمبرد المجاهده و إحراقها بنار الریاضه و نسفها بریاح نفحات الرحمه الإلهیه التی إذا هبّت بها لاشت فی یمّ الهیولى الجرمیه لا حیاه بها و لا حراک بعد تغیر القوّه العاقله بعد متابعتها للقلب و مشایعتها للسر فی التوجه، و بوجود موافقتها للقوى فی المیل إلى الطبیعه و الأخذ برأسها إلى جهتها العادیه التی تلی الروح بتأثیر النور فیه حتى تنفعل و تتأثر بشعاع القدس و نور الهدایه الحقانیه و لحیتها التی هی الهیئه الذکوریه و صوره التأثیر فیما تحت، أی: جهتها السفلیه التی تلی القوى النفسانیه. و جرها إلیه، أی: الجهه العلویه و جناب الحق و عالم القدس الذی هو فیه، فیتقوى بالأید الإلهی و القدره الربانیه و جولانها فتؤثر فیها و تطوعها بأمر الحق لها و للقلب، و یستخلصها من قهر التخیّل و الوهم.
و اعتذار هارون إشاره إلى أن العقل غیر المتنوّر بنور الهدایه، المتأید بأمر الشریعه، لا یقدر أن یحافظ القوى و یعاند التخیّل و الهوى، و لا یزیدها إلا التفرقه الموقعه فی الردى. و عند استیلاء نور القلب و العقل و قهر الطبیعه بالکلیه و حصول الاستقامه فی الطریقه، ینخزل التخیّل و ینعزل و لا یقدر أن یماس شیئا من القوى بتخییله و لا یقاربه قوّه منها بقبول تسویله فیصیر ملعونا، مطرودا، فیقول: لا مساس.
و له موعد، أی: حدّ و رتبه لا یجد خلفا فیه و لا یتجاوز، فیترأس، و یستولی، و یروج أکاذیبه و غلطه بالمعقولات، و یتفقه فی المرادات و ذلک مقام الاستقامه إلى اللّه و القیام بحقائق العبودیه للّه، و لا تتجلى ناصیه التوحید و لا یحصل مقام التجرّد و التفرید إلا به، و لذلک عقبه بقوله:إِنَّما إِلهُکُمُ اللَّهُ الَّذِی لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ یکون السالک قبل ذلک مصلیا إلى قبلتین، متردّدا فی العباده بین جهتین، متخذا لإلهین وَسِعَ کُلَّ شَیْءٍ عِلْماً أی: یتحقق هناک التوحید بالفعل، و تظهر إحاطه علمه بکل شیء و حدوده و غایاته فتقف کل قوّه بنور الحق و قدرته على حدّها فی عبادته و طاعته عائذه به عن حولها و قوّتها، عابده له بحسب وسعها و طاقتها، شاهده إیاه، مقرّه بربوبیته بقدر ما أعطاها من معرفته.
مثل ذلک القصص نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من أحوال السالکین الذین سبقوا، و مقاماتهم لتثبیت فؤادک و تمکینک فی مقام الاستقامه کما أمرت وَ قَدْ آتَیْناکَ مِنْ لَدُنَّا ذِکْراً أی: ذکرا ما أعظمه و هو: ذکر الذات الذی یشمل مراتب التوحید.
[۱۰۰، ۱۰۱]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۰۰ الى ۱۰۱]
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیامَهِ وِزْراً (۱۰۰) خالِدِینَ فِیهِ وَ ساءَ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیامَهِ حِمْلاً (۱۰۱)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ بالتوجه إلى جانب الرجس و حیز الطبع و النفس فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیامَهِ الصغرى وزر الهیئات المثقله الجرمانیه، و آثام تعلقات المواد الهیولانیه.
[۱۰۲- ۱۰۴]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۰۲ الى ۱۰۴]
یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ یَوْمَئِذٍ زُرْقاً (۱۰۲) یَتَخافَتُونَ بَیْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (۱۰۳) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِیقَهً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ یَوْماً (۱۰۴)
یَوْمَ یُنْفَخُ الحیاه فِی الصُّورِ الجسمانیه، بردّ الأرواح إلى الأجساد وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِینَ الملازمین للإجرام زُرْقاً عمیا، بیض سواد العیون، أو شوها فی غایه قبح المناظر، یحسن عندها القرده و الخنازیر، یسرون الکلام لشدّه الخوف أو عدم القدره على النطق، و یستقصرون مده اللبث فی الحیاه الدنیویه لسرعه انقضائها و کل من کان أرجح عقلا منهم کان أشدّ استقصارا إیاها.
[۱۰۵- ۱۰۷]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۰۵ الى ۱۰۷]
وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ یَنْسِفُها رَبِّی نَسْفاً (۱۰۵) فَیَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (۱۰۶) لا تَرى فِیها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً (۱۰۷)
وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْجِبالِ أی: وجودات الأبدان فَقُلْ یَنْسِفُها رَبِّی بریاح الحوادث رمیما و رفاتا ثم هباء منثورا، فیسوّیها بالأرض لا بقیه منها و لا أثر. أو حوادث الأشیاء فقل:ینسفها ربّی بریاح النفحات الإلهیه الناشئه عن معدن الأحدیه فَیَذَرُها فی القیامه الکبرى قاعاً صَفْصَفاً وجودا أحدیا صرفا لا تَرى فِیها اثنینیه و لا غیر، فتقدح فی استوائها.
[۱۰۸- ۱۱۱]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۰۸ الى ۱۱۱]
یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (۱۰۸) یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَهُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلاً (۱۰۹) یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا یُحِیطُونَ بِهِ عِلْماً (۱۱۰) وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَیِّ الْقَیُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (۱۱۱)
یَوْمَئِذٍ یوم إذ قامت القیامه الکبرى یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ الذی هو الحق، لا حراک بهم و لا حیاه لهم إلا به لا عِوَجَ لَهُ أی: لا انحراف عنه و لا زیغ عن سمته إذ هو آخذ بناصیتهم و هو على صراط مستقیم، فهم یسیرون بسیره الحق على مقتضى إرادته وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ انخفضت کلها لأن الصوت صوته فحسب فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً خفیّا، باعتبار الإضافه إلى المظاهر.
أو یوم إذ قامت القیامه الصغرى یتبعون الداعی الذی هو إسرافیل مدبّر الفلک الرابع، المفیض للحیاه، لا ینحرف عنه مدعوّ إلى خلاف ما اقتضته الحکمه الإلهیه من التعلق به. و خشعت الأصوات فی الدعاء إلى غیر ما دعا إلیه الرحمن فلا تسمع إلا همس الهواجس و التمنیات الفاسده و لا تَنْفَعُ الشَّفاعَهُ أی: شفاعه من تولّاه و أحبّه فی الحیاه الدنیا ممن اقتدى به و تمسک بهدایته إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ باستعداد قبولها، فإنّ فیض النفوس الکامله التی تتوجه إلیها النفوس الناقصه بالإراده و الرغبه موقوفه على استعدادها لقبوله بالصفاء و ذلک هو الإذن وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلًا أی: رضی له تأثیرا یناسب المشفوع له، فتتوقف الشفاعه على أمرین: قدره الشفیع على التأثیر، و قوه المشفوع له للقبول و التأثر.
و هو یَعْلَمُ الجهتین ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ من قوّه القبول بالاستعداد الأصلی و تأثیر الشفیع بالتنویر وَ ما خَلْفَهُمْ من الموانع العارضه من جهه البدن و قواه، و الهیئات الفاسقه المزیله للقبول الأصلی أو المعدات الحاصله من جهتها بالتزکیه على وفق العقل العملی وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ أی:
الذوات الموجودات بأسرها لِلْحَیِّ الْقَیُّومِ و کلها فی أسر مملکته و ذلّ قهره و قدرته، لا تحیا و لا تقوم إلا به لا بأنفسها و لا بشیء غیره. وَ قَدْ خابَ عن نور رحمته و شفاعه الشافعین من ظلم نفسه بنقص استعداده و تکدیر صفاء فطرته، فزال قبوله للتنوّر باسوداد وجهه و ظلمته.
[۱۱۲- ۱۱۳]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۱۲ الى ۱۱۳]
وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا یَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً (۱۱۲) وَ کَذلِکَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا وَ صَرَّفْنا فِیهِ مِنَ الْوَعِیدِ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ أَوْ یُحْدِثُ لَهُمْ ذِکْراً (۱۱۳)
وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ بالتزکیه و التحلیه وَ هُوَ مُؤْمِنٌ بالإیمان التحقیقی فَلا یَخافُ أن ینقص شیء من کمالاته الحاصله و لا أن یکسر من حقه الذی یقتضیه استعداده الأصلی فی المرتبه لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ بالتزکیه أَوْ یُحْدِثُ لَهُمْ ذِکْراً بالتحلیه.
[۱۱۴- ۱۲۳]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۱۴ الى ۱۲۳]
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِکُ الْحَقُّ وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضى إِلَیْکَ وَحْیُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِی عِلْماً (۱۱۴) وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِیَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (۱۱۵) وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَهِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبى (۱۱۶) فَقُلْنا یا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَکَ وَ لِزَوْجِکَ فَلا یُخْرِجَنَّکُما مِنَ الْجَنَّهِ فَتَشْقى (۱۱۷) إِنَّ لَکَ أَلاَّ تَجُوعَ فِیها وَ لا تَعْرى (۱۱۸)
وَ أَنَّکَ لا تَظْمَؤُا فِیها وَ لا تَضْحى (۱۱۹) فَوَسْوَسَ إِلَیْهِ الشَّیْطانُ قالَ یا آدَمُ هَلْ أَدُلُّکَ عَلى شَجَرَهِ الْخُلْدِ وَ مُلْکٍ لا یَبْلى (۱۲۰) فَأَکَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا یَخْصِفانِ عَلَیْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّهِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (۱۲۱) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَیْهِ وَ هَدى (۱۲۲) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِیعاً بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدایَ فَلا یَضِلُّ وَ لا یَشْقى (۱۲۳)
فَتَعالَى اللَّهُ تناهى فی العلوّ و العظمه بحیث لا یقدر قدره و لا یغدر أمره فی ملکه الذی یعلو کل شیء و یصرفه بمقتضى إرادته و قدرته و فی عدله الذی یوفی کل أحد حقه بموجب حکمته وَ لا تَعْجَلْ عند هیجان الشوق لغایه الذوق بتلقی العلم اللدنی عن مکمن الجمع مِنْ قَبْلِ أن یحکم بوروده علیک و وصوله إلیک، فإن نزول العلم و الحکمه مترتب بحسب ترتب مراتب ترقیک فی القبول. و لا تفتر عن الطلب و الاستفاضه فإنه غیر متناه، و اطلب الزیاده فیه بزیاده التصفیه و الترقی و التحلیه، إذ الاستزاده إنما تکون بدعاء الحال و لسان الاستعداد، لا بتعجیل الطلب و السؤال قبل إمکان القبول. و کلما علمت شیئا زاد قبولک لما هو أعلى منه و أخفى.
و قصه آدم و تأویلها مرّت غیر مره أَلَّا تَجُوعَ فِیها وَ لا تَعْرى إذ فی التجرّد عن ملابسه الموادّ فی العالم الروحانی لا یمکن تزاحم الأضداد و لا یکون التحلیل المؤدّی إلى الفساد بل تلتذ النفس بحصول المراد آمنه من الفناء و النفاد.
[۱۲۴- ۱۲۸]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۲۴ الى ۱۲۸]
وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی فَإِنَّ لَهُ مَعِیشَهً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَهِ أَعْمى (۱۲۴) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِی أَعْمى وَ قَدْ کُنْتُ بَصِیراً (۱۲۵) قالَ کَذلِکَ أَتَتْکَ آیاتُنا فَنَسِیتَها وَ کَذلِکَ الْیَوْمَ تُنْسى (۱۲۶) وَ کَذلِکَ نَجْزِی مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ یُؤْمِنْ بِآیاتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَهِ أَشَدُّ وَ أَبْقى (۱۲۷) أَ فَلَمْ یَهْدِ لَهُمْ کَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ یَمْشُونَ فِی مَساکِنِهِمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِأُولِی النُّهى (۱۲۸)
وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْرِی بالتوجه إلى العالم السفلی بالمیل النفسی، ضاقت معیشته لغلبه شحه و شدّه بخله، فإنّ المعرض عن جناب الحق رکدت نفسه و انجذبت إلى الزخارف الدنیویه و المقتنیات المادیه لمناسبتها إیاها، و اشتدّ حرصه و کلبه علیها و نهمه و شغفه بها لقوّه محبته إیاها للجنسیه و الاشتراک فی الظلمه و المیل إلى الجهه السفلیه، فیشحّ بها عن نفسه و غیره، و کلما استکثر منها ازداد حرصه علیها و شحّه بها و ذلک هو الضنک فی المعیشه.
و لهذا قال بعض الصوفیه: لا یعرض أحد عن ذکر ربّه إلا أظلم علیه و تشوّش علیه رزقه. بخلاف الذاکر المتوجّه إلیه فإنه ذو یقین منه و توکل علیه فی سعه من عیشه و رغد، ینفق ما یجد و یستغنی بربّه عما یفقد وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَهِ الصغرى على عماه من نور الحق کقوله:
وَ مَنْ کانَ فِی هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِی الْآخِرَهِ أَعْمى[۱۱] و إنکاره لعماه إنما یکون بلسان الاستعداد الأصلی و النور الفطری المنافی لعماه من رسوخ هیئه الحبّ السفلی و العشق النفسی الاستعداد الأصلی و النور الفطری المنافی لعماه من رسوخ هیئه الحبّ السفلی و العشق النفسی بالفسق الجرمی و نسیان الآیات البینات و الأنوار المشرقات الموجب لإعراضه تعالى عنه و ترکه فیما هو فیه وَ لَعَذابُ الْآخِرَهِ أَشَدُّ وَ أَبْقى من ضنک العیش فی الدنیا لکونه روحانیا دائما.
[۱۲۹]
[سوره طه (۲۰): آیه ۱۲۹]
وَ لَوْ لا کَلِمَهٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَکانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى (۱۲۹)
وَ لَوْ لا کَلِمَهٌ سَبَقَتْ أی: قضاء سابق أن لا یستأصل هذه الأمّه بالدمار و العذاب فی الدنیا لکون نبیهم نبیّ الرحمه، و قوله: وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ[۱۲] لکان الإهلاک لازما لهم فَاصْبِرْ باللّه.
[۱۳۰]
[سوره طه (۲۰): آیه ۱۳۰]
فَاصْبِرْ عَلى ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها وَ مِنْ آناءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّکَ تَرْضى (۱۳۰)
عَلى ما یَقُولُونَ فإنک تراهم جارین على ما قضى اللّه علیهم، مأسورین فی أسر قهره و مکره بهم وَ سَبِّحْ أی: نزّه ذاتک بتجریدها عن صفاتها متلبسا بصفات ربّک، فإن ظهورها علیک هو الحمد الحقیقی قَبْلَ طُلُوعِ شمس الذات حال الفناء وَ قَبْلَ غُرُوبِها باستتارها عند ظهور صفات النفس، أی: فی مقام القلب حال تجلی الصفات، فإن تسبیح اللّه هناک محو صفات القلب وَ مِنْ آناءِ اللَّیْلِ أی: أوقات غلبات صفات النفس المظلمه و التلوینات الحاجبه فَسَبِّحْ بالتزکیه وَ أَطْرافَ نهار إشراق الروح على القلب بالتصفیه لَعَلَّکَ تصل إلى مقام الرضا الذی هو کمال مقام تجلی الصفات و غایته.
[۱۳۱- ۱۳۵]
[سوره طه (۲۰): الآیات ۱۳۱ الى ۱۳۵]
وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَهَ الْحَیاهِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ وَ رِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ أَبْقى (۱۳۱) وَ أْمُرْ أَهْلَکَ بِالصَّلاهِ وَ اصْطَبِرْ عَلَیْها لا نَسْئَلُکَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُکَ وَ الْعاقِبَهُ لِلتَّقْوى (۱۳۲) وَ قالُوا لَوْ لا یَأْتِینا بِآیَهٍ مِنْ رَبِّهِ أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَیِّنَهُ ما فِی الصُّحُفِ الْأُولى (۱۳۳) وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَکْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَیْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آیاتِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى (۱۳۴) قُلْ کُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِیِّ وَ مَنِ اهْتَدى (۱۳۵)
وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ فی التلوینات النفسیه و ظهور النفس بالمیل إلى الزخارف الدنیویه، فإنها صور ابتلاء أهل الدنیا وَ رِزْقُ رَبِّکَ من الحقائق و المعارف الأخرویه و الأنوار الروحانیه خَیْرٌ وَ أَبْقى أفضل و أدوم وَ أْمُرْ أَهْلَکَ القوى الروحانیه و النفسانیه بصلاه الحضور و المراقبه و الانقیاد و المطاوعه وَ اصْطَبِرْ على تلک الحاله بالمجاهده و المکاشفه لا نَسْئَلُکَ لا نطلب منک رِزْقاً من الجهه السفلیه کالکمالات الحسیّه و المدرکات النفسیه نَحْنُ نَرْزُقُکَ من الجهه العلویه المعارف الروحانیه و الحقائق القدسیه وَ الْعاقِبَهُ التی تعتبر و تستأهل أن تسمى عاقبه للتجرّد عن الملابس البدنیه و الهیئات النفسانیه أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَیِّنَهُ ما فِی الصُّحُفِ الْأُولى من الحقائق و الحکم و المعارف الیقینیه الثابته فی الألواح السماویه و الأرواح العلویه، و اللّه تعالى أعلم.
[۱] ( ۱) سوره الکهف، الآیه: ۶.
[۲] ( ۱) سوره المزمل، الآیه: ۸.
[۳] ( ۲) سوره الأعراف، الآیات: ۱۴۳- ۱۴۴.
[۴] ( ۱) سوره طه، الآیه: ۱۲۲.
[۵] ( ۱) سوره طه، الآیات: ۶۸- ۶۹.
[۶] ( ۲) سوره آل عمران، الآیه: ۱۷۵.
[۷] ( ۳) سوره النحل، الآیه: ۱۲۵.
[۸] ( ۴) سوره طه، الآیه: ۴۲.
[۹] ( ۵) سوره طه، الآیه: ۶۲.
[۱۰] ( ۶) سوره طه، الآیه: ۶۳.
[۱۱] ( ۱) سوره الإسراء، الآیه: ۷۲.
[۱۲] ( ۲) سوره الأنفال، الآیه: ۳۳.