تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره الشعراء
سوره الشعراء
[۱- ۹]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۱ الى ۹]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
طسم (۱) تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (۲) لَعَلَّکَ باخِعٌ نَفْسَکَ أَلاَّ یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ (۳) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ آیَهً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ (۴)
وَ ما یَأْتِیهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ کانُوا عَنْهُ مُعْرِضِینَ (۵) فَقَدْ کَذَّبُوا فَسَیَأْتِیهِمْ أَنْبؤُا ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ (۶) أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ کَمْ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ (۷) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۸) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۹)
(ط) إشاره إلى الطاهر و (س) إلى السلام و (م) إلى المحیط بالأشیاء بالعلم. و الْکِتابِ الْمُبِینِ الذی هذه الأسماء و الصفات آیاته هو الموجود المحمدی الکامل ذو البیان و الحکمه، کماقال أمیر المؤمنین علیه السلام: و فیک الکتاب المبین الذی* بأحرفه یظهر المضمر
فیکون معناه على ما ذکر فی (طه): إنه علیه السلام لما رأى عدم اهتدائهم بنوره و قبولهم لدعوته استشعر أنه من جهته لا من جهتهم، فزاد فی الریاضه و المجاهده و الفناء فی المشاهده، فأوحى إلیه بأن هذه الصفات التی هی الطهاره من لوث البقیه المانع من التأثیر فی النفوس و سلامه الاستعداد عن النقص فی الأمثل، و الکمال الشامل لجمیع المراتب بالعلم هی صفات کتاب ذاتک، المبین لکل کمال و مرتبه باتصافها بجمیع الصفات الإلهیه و اشتمالها على معانی جمیع أسمائه، فلا تبخع نفسک، أی: لا تهلکها على آثارهم بشدّه الریاضه لعدم إیمانهم و امتناعه، فإنه من جهتهم إما لوجود المانع بشدّه الحجاب و أما لعدم الاستعداد، فمعنى لعل فی لعلک باخع: الإشفاق، أی: أشفق على نفسک أن تهلکها بالریاضه لعدم إیمانهم و فواته إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیْهِمْ مِنَ السَّماءِ من العالم العلوی بتأییدنا لک قهرا فتخضع أعناقهم له، منقادین، مسلمین، مستسلمین ظاهرا، و إن لم یدخل الإیمان فی قلوبهم کما کان یوم الفتح أی: امتنع إیمانهم لأنه أمر قلبی سیظهر إسلامهم بالقهر و الإلجاء و الاضطرار.
[۱۰- ۲۲]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۱۰ الى ۲۲]
وَ إِذْ نادى رَبُّکَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ (۱۰) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا یَتَّقُونَ (۱۱) قالَ رَبِّ إِنِّی أَخافُ أَنْ یُکَذِّبُونِ (۱۲) وَ یَضِیقُ صَدْرِی وَ لا یَنْطَلِقُ لِسانِی فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (۱۳) وَ لَهُمْ عَلَیَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ (۱۴)
قالَ کَلاَّ فَاذْهَبا بِآیاتِنا إِنَّا مَعَکُمْ مُسْتَمِعُونَ (۱۵) فَأْتِیا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۶) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ (۱۷) قالَ أَ لَمْ نُرَبِّکَ فِینا وَلِیداً وَ لَبِثْتَ فِینا مِنْ عُمُرِکَ سِنِینَ (۱۸) وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِی فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْکافِرِینَ (۱۹)
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّینَ (۲۰) فَفَرَرْتُ مِنْکُمْ لَمَّا خِفْتُکُمْ فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ (۲۱) وَ تِلْکَ نِعْمَهٌ تَمُنُّها عَلَیَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِی إِسْرائِیلَ (۲۲)
وَ إِذْ نادى رَبُّکَ مُوسى القلب المهذب بالحکمه العملیه، المدرب بالعلوم العقلیه، المشوّق بذکر الأنوار القدسیه و الکمالات الإنسیه، و وصف المفارقات و المجردات إلى الحضره الإلهیه الغالب على القوّه الشهوانیه بالسعی فی طلب الأرزاق الروحانیه من المعارف الیقینیه و المعانی الحقیقیه بعد قتل جبار الشهوه الذی کان یجبر لفرعون النفس الأمّاره و فراره من استیلائها إلى مدین مدینه العلم من الأفق الروحانی و وصوله إلى خدمه شعیب الروح فی مقام السرّ الذی هو محل المکالمه و المناجاه بالسیر العقلی بطریق الحکمه، و اکتساب الأخلاق بالتعدیل قبل السلوک فی اللّه بطریق التوحید و الریاضه بالترک و التجرید مع بقاء النفس المتقویه بالعلم و المعرفه، المتزینه بالفضیله و المتبجحه بزینتها و کمالها، الطاغیه بظهورها على أشرف أحوالها، المنازعه ربّها صفه العظمه و الکبریاء، المعجبه بالبهجه و البهاء لاحتجابها بأنانیتها و انتحالها کمال الحق برؤیته لها، فکانت شرّ الناس کما قال علیه الصلاه و السلام: «شرّ الناس من قامت القیامه علیه و هو حیّ»، و لو ماتت ثم قامت القیامه علیها لکانت خیر الناس.
أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ من القوى النفسانیه الفرعونیه العانیه لفرعون النفس الأمّاره، المتخذه لها ربّا، الواضعه کمال الحق موضع کمالها و هو أفحش الظلم أَ لا یَتَّقُونَ قهری و بأسی بتدمیرهم و إفنائهم أَخافُ أَنْ یُکَذِّبُونِ فی دعوتی إلى التوحید و لم یطیعونی فی الریاضه و الترک و التجرید وَ یَضِیقُ صَدْرِی لعدم اقتداری على قهرهم و علمی بامتناعهم عن قبول الأوامر الشرعیه و الأسرار الوحییه و ما یکون خارجا عن طور الفکر و العقل لتدربهم بذلک و تفرعنهم باستبدادهم وَ لا یَنْطَلِقُ لِسانِی معهم فی هذه المعانی لکونها على خلاف ما تعوّدوا به و نشؤا علیه من الحکم العملیه الداعیه إلى مراعاه التعدیل فی الأخلاق دون الفناء بالإطلاق فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ العقل لیؤدّبهم بالمعقول و یسوسهم بما یسهل قبولهم له من رعایه مصلحه الدارین و اختیار سعاده المنزلین فتلین عریکتهم و تضعف شکیمتهم بمداراته و رفقه و موافقته لهم بعلمه و حلمه وَ لَهُمْ عَلَیَّ ذَنْبٌ بقتلی جبار الشهوه فَأَخافُ إن دعوتهم إلى التوحید و أمرتهم بالتجرید و ترک الحظوظ و الاقتصار على الحقوق أَنْ یَقْتُلُونِ بالاستیلاء و الغلبه، و هذا صوره حال من احتجبت نفسه بالحکمه و لم یتألف بعد طریق الوحده مع قوّه استعداده و عدم وقوفه مع ما نال من کمال، فقلما تقبل نفسه خلاف ما یعتقد و تنقاد فی متابعه الشریعه و تقلد إلا من تدارکه سبق العنایه و ساعده التوفیق بالجذبه و کَلَّا ردع له عن الخوف بالتشجیع و التأیید فَاذْهَبا أمر باستصحاب العقل للمناسبه و الجنسیه و تقریر التوحید بطریق البرهان القامع للتفرعن و الطغیان و إِنَّا مَعَکُمْ مُسْتَمِعُونَ وعد بالکلاءه و الحفظ و تقویه الیقین، فإن من کان الحق معه لا یغلبه أحد أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِی إِسْرائِیلَ القوى الروحانیه المستضعفه، المستخدمه فی تحصیل اللذات الجسمانیه.
و تربیته إیاه ولیدا و لبثه فیهم سنین صوره حال الطفولیه و الصبویه إلى أوان التجرّد و طلب الکمال الذی أشدّه ببلوغ الأربعین، فإنّ القلب فی هذا الزمان فی تربیه النفس و الولایه لها لحکمه عادیه الآله. و الفعله هی الحرکه المذمومه عند النفس من الاستیلاء على الشهوه و الکفر الذی نسبه إلیه هو إضاعه حق التربیه وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّینَ أی: لست من الکافرین لکون الصلاح فی ذلک بل من الذین لا یهتدون إلى طریق الوحده.
فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً أی: حکمه متعالیه عن طریق البرهان وراء طور الکسب و العقل وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ إلیکم بها. و أما تعبید بنی إسرائیل القوى التی هی قومی فلیس بمنّه تمنها علیّ، بل عدوان و طغیان إذ لو لم تعبدهم لما ألقتنی أمی الطبیعه البدنیه فی یمّ الهیولى فی تابوت الجسد، و لقام بتربیتی أهلی و قومی من القوى الروحانیه.
[۲۳- ۶۹]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۲۳ الى ۶۹]
قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِینَ (۲۳) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ (۲۴) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ (۲۵) قالَ رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ (۲۶) قالَ إِنَّ رَسُولَکُمُ الَّذِی أُرْسِلَ إِلَیْکُمْ لَمَجْنُونٌ (۲۷)
قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَیْنَهُما إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (۲۸) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَیْرِی لَأَجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِینَ (۲۹) قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُکَ بِشَیْءٍ مُبِینٍ (۳۰) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (۳۱) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ مُبِینٌ (۳۲)
وَ نَزَعَ یَدَهُ فَإِذا هِیَ بَیْضاءُ لِلنَّاظِرِینَ (۳۳) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِیمٌ (۳۴) یُرِیدُ أَنْ یُخْرِجَکُمْ مِنْ أَرْضِکُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (۳۵) قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ (۳۶) یَأْتُوکَ بِکُلِّ سَحَّارٍ عَلِیمٍ (۳۷)
فَجُمِعَ السَّحَرَهُ لِمِیقاتِ یَوْمٍ مَعْلُومٍ (۳۸) وَ قِیلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (۳۹) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَهَ إِنْ کانُوا هُمُ الْغالِبِینَ (۴۰) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَهُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ کُنَّا نَحْنُ الْغالِبِینَ (۴۱) قالَ نَعَمْ وَ إِنَّکُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِینَ (۴۲)
قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (۴۳) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِیَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّهِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (۴۴) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِیَ تَلْقَفُ ما یَأْفِکُونَ (۴۵) فَأُلْقِیَ السَّحَرَهُ ساجِدِینَ (۴۶) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِینَ (۴۷)
رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ (۴۸) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ (۴۹) قالُوا لا ضَیْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (۵۰) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطایانا أَنْ کُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِینَ (۵۱) وَ أَوْحَیْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِی إِنَّکُمْ مُتَّبَعُونَ (۵۲)
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِی الْمَدائِنِ حاشِرِینَ (۵۳) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَهٌ قَلِیلُونَ (۵۴) وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (۵۵) وَ إِنَّا لَجَمِیعٌ حاذِرُونَ (۵۶) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (۵۷)
وَ کُنُوزٍ وَ مَقامٍ کَرِیمٍ (۵۸) کَذلِکَ وَ أَوْرَثْناها بَنِی إِسْرائِیلَ (۵۹) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِینَ (۶۰) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَکُونَ (۶۱) قالَ کَلاَّ إِنَّ مَعِی رَبِّی سَیَهْدِینِ (۶۲)
فَأَوْحَیْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَکانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ الْعَظِیمِ (۶۳) وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِینَ (۶۴) وَ أَنْجَیْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِینَ (۶۵) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِینَ (۶۶) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۶۷)
وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۶۸) وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِیمَ (۶۹)
قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِینَ قیل فی القصه: إن فرعون کان منطقیا مباحثا سأل بما هو عن حقیقته تعالى، فلما أجابه موسى علیه السلام بقوله: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا و بیّن أنّ حقیقته لا تعرف بالحدّ لبساطتها، غیر معلومه للعقل لشدّه نوریتها و لطافتها، بأن عرّفها بالصفه الإضافیه و الخاصه اللازمه، و عرّض به فی تجهیله و نفی الإیقان عنه بقوله:
إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ أی: لو کنتم من أهل الإیقان لعلمتم أن لا طریق للعقل إلى معرفته إلا الاستدلال على وجوده بأفعاله الخاصه به، و أما حقیقته فلا یعرفها إلا هو وحده و ما سألتم عنه بما مما لا یصل إلیه نظر العقل. استخفه و نبّه قومه على خفه عقله و کون جوابه غیر مطابق للسؤال تعجبا منه لقومه و تسفیها له، فلما ثنى قوله بمثل ما خفه عقله و کون جوابه غیر مطابق للسؤال تعجبا منه لقومه و تسفیها له، فلما ثنى قوله بمثل ما قال أولا من إیراد خاصه أخرى جننه، فثلث بقوله: إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أی: إن جننت فأین عقلکم حتى یعرف طوره و لم یتجاوز حدّه.
و هذه المقاله إشاره إلى أن النفس المحجوبه بمعقولها لا تهتدی إلى معرفه الحق و حکمه الرساله و الشرع، و لا تذعن للمتابعه و لا تنقاد للمطاوعه بل تظهر بالأنائیه و طلب العلوم و الربوبیه و التغلب على الرساله الإلهیه و هو معنى قوله: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَیْرِی لَأَجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِینَ.
و الشیء المبین الذی یمنعه عن الاستیلاء و یردعه عن الغلبه و الاستعلاء هو النور البارق القدسی، و البرهان النّیر العرشی الذی ائتلف به القلب فی الأفق الروحی المعجز للنفس و القوى الداله على صدقه فی الدعوى المفید لقوّتیه العاقلتین النظریه و العلمیه للهیئه النوریه و القوه القهریه حتى صارت الأولى قوه قدسیه متأیده بالحکمه البالغه یعتمد علیها فی قمع العدوّ عند المجادله و دفع الخصم عند المغالطه. و الثانیه قوّه ملکیه متأیده بالقدره الکامله یعجز بها من غالبه فی القوه و عارضه بالقدره، فإذا ألقى عصا القوه القدسیه بالذکر القلبی صار ثعبانا ظاهر الثعبانیه فی الغلبه القویه، و إذا نزع ید الملکیه من جیب الصدر حیّر الناظر بالإشراق و النوریه.
و لما تحیرت النفس الفرعونیه و قواها و عجزت و خافت أن یخرجها من أرض البدن و یدفع شرّ فسادها و رئاستها فیها، و یمنع تسلطها و استیلاءها بعث الدواعی الشیطانیه، استنهضوا البواعث النفسانیه إلى مدائن محال القوى الوهمیه و التخیلیه، و أحضروا سحرتها لإلقاء الوساوس و الهواجس بآلات المغالطات و التشکیکات و جمعوها لوقت الحضور و جمعیه جمیع القوى النفسانیه و البدنیه و الروحانیه فی توجه السرّ إلى حضره القدس، فألقوا حبال التخییلات و الوهمیات و عصیّ الهواجس و الوساوس لتوهم الغلبه بعزّه فرعون النفس الأمّاره و قوّته، و رجاء التعظیم و المنزله و التقریب فی صدر الریاسه و السلطنه فتلقفها ثعبان القوه القدسیه بقوه التوحید و ابتلع مأفوکاتها بنور التحقیق، فانقادت سحره الوهم و الخیال و التخیل إذ فقدت آلاتها و آمنت بنور الیقین فی متابعه موسى القلب و هارون العقل بربّهما، فبقیت مقطوعه الأرجل و الأیدی عن السعی فی أرض البدن بأنواع الحیل و الکید و المکر و طلب المعاش و تحصیل اللذات و الشهوات و التصرّف فی أملاک القوى البدنیه بالریاسه و السلطنه من جهه مخالفه النفس و موافقه القلب مصلوبه على جذوع النفس النباتیه، ممنوعه عن حرکاتها بالریاضه و القهر و السیاسه، منقلبه إلى ربّهم فی متابعه القلب و مشایعه السرّ عند التوجه إلى الحق، مغفوره خطایاهم من التزویرات و المفتریات بنور القدس.
و أوحى إلى موسى القلب إسراء القوى الروحانیه فی لیل هدوء الحواس و سکون القوى النفسانیه إلى الحضره الوحدانیه و العبور من بحر الماده الهیولانیه. فلما أتبعهم فرعون النفس فی التلوینات حاشرا جنوده من مدائن طبائع الأعضاء، حاذرا من ذهاب رئاسته و ملکه، ممتلئا من غیظ تسلّط القلب و اتباعه و استیلائه على مملکته و أعوانه، فکادوا أن یظفروا بهم، ضرب موسى القلب بأمر الحق عند تقابلهما و تعارضهما بعصا القوه القدسیه البحر الهیولانی فانفلق إلى الحقوق و الحظوظ و نجا موسى و قومه بطریق التجرید و أخرج أعداءهم بالمنع عن الحظوظ و الإجبار على الحقوق من جنات اللذات النفسانیه و عیون أذواقها و أهوائها و کنوز مدّخراتها و أسبابها و مقام الرکون إلى مشتهیاتها إلى أن خرج موسى و أهله من البحر بالمفارقه و غرق فرعون النفس و قومه أجمعون.
[۷۰- ۲۰۹]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۷۰ الى ۲۰۹]
إِذْ قالَ لِأَبِیهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (۷۰) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاکِفِینَ (۷۱) قالَ هَلْ یَسْمَعُونَکُمْ إِذْ تَدْعُونَ (۷۲) أَوْ یَنْفَعُونَکُمْ أَوْ یَضُرُّونَ (۷۳) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا کَذلِکَ یَفْعَلُونَ (۷۴)
قالَ أَ فَرَأَیْتُمْ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (۷۵) أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمُ الْأَقْدَمُونَ (۷۶) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِی إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِینَ (۷۷) الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ (۷۸) وَ الَّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی وَ یَسْقِینِ (۷۹)
وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ (۸۰) وَ الَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحْیِینِ (۸۱) وَ الَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدِّینِ (۸۲) رَبِّ هَبْ لِی حُکْماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ (۸۳) وَ اجْعَلْ لِی لِسانَ صِدْقٍ فِی الْآخِرِینَ (۸۴)
وَ اجْعَلْنِی مِنْ وَرَثَهِ جَنَّهِ النَّعِیمِ (۸۵) وَ اغْفِرْ لِأَبِی إِنَّهُ کانَ مِنَ الضَّالِّینَ (۸۶) وَ لا تُخْزِنِی یَوْمَ یُبْعَثُونَ (۸۷) یَوْمَ لا یَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ (۸۸) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ (۸۹)
وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّهُ لِلْمُتَّقِینَ (۹۰) وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِلْغاوِینَ (۹۱) وَ قِیلَ لَهُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (۹۲) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ یَنْصُرُونَکُمْ أَوْ یَنْتَصِرُونَ (۹۳) فَکُبْکِبُوا فِیها هُمْ وَ الْغاوُونَ (۹۴)
وَ جُنُودُ إِبْلِیسَ أَجْمَعُونَ (۹۵) قالُوا وَ هُمْ فِیها یَخْتَصِمُونَ (۹۶) تَاللَّهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ (۹۷) إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ (۹۸) وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (۹۹)
فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ (۱۰۰) وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ (۱۰۱) فَلَوْ أَنَّ لَنا کَرَّهً فَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (۱۰۲) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۰۳) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۱۰۴)
کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِینَ (۱۰۵) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ (۱۰۶) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (۱۰۷) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۰۸) وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۰۹)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۱۰) قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَکَ وَ اتَّبَعَکَ الْأَرْذَلُونَ (۱۱۱) قالَ وَ ما عِلْمِی بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (۱۱۲) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّی لَوْ تَشْعُرُونَ (۱۱۳) وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِینَ (۱۱۴)
إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ (۱۱۵) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یا نُوحُ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِینَ (۱۱۶) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِی کَذَّبُونِ (۱۱۷) فَافْتَحْ بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ فَتْحاً وَ نَجِّنِی وَ مَنْ مَعِیَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (۱۱۸) فَأَنْجَیْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِی الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ (۱۱۹)
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِینَ (۱۲۰) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۲۱) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۱۲۲) کَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِینَ (۱۲۳) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ (۱۲۴)
إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (۱۲۵) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۲۶) وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۲۷) أَ تَبْنُونَ بِکُلِّ رِیعٍ آیَهً تَعْبَثُونَ (۱۲۸) وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّکُمْ تَخْلُدُونَ (۱۲۹)
وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِینَ (۱۳۰) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۳۱) وَ اتَّقُوا الَّذِی أَمَدَّکُمْ بِما تَعْلَمُونَ (۱۳۲) أَمَدَّکُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِینَ (۱۳۳) وَ جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (۱۳۴)
إِنِّی أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (۱۳۵) قالُوا سَواءٌ عَلَیْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَکُنْ مِنَ الْواعِظِینَ (۱۳۶) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِینَ (۱۳۷) وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ (۱۳۸) فَکَذَّبُوهُ فَأَهْلَکْناهُمْ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۳۹)
وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۱۴۰) کَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِینَ (۱۴۱) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَ لا تَتَّقُونَ (۱۴۲) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (۱۴۳) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۴۴)
وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۴۵) أَ تُتْرَکُونَ فِی ما هاهُنا آمِنِینَ (۱۴۶) فِی جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ (۱۴۷) وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِیمٌ (۱۴۸) وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُیُوتاً فارِهِینَ (۱۴۹)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۵۰) وَ لا تُطِیعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِینَ (۱۵۱) الَّذِینَ یُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ وَ لا یُصْلِحُونَ (۱۵۲) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِینَ (۱۵۳) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآیَهٍ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (۱۵۴)
قالَ هذِهِ ناقَهٌ لَها شِرْبٌ وَ لَکُمْ شِرْبُ یَوْمٍ مَعْلُومٍ (۱۵۵) وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَیَأْخُذَکُمْ عَذابُ یَوْمٍ عَظِیمٍ (۱۵۶) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِینَ (۱۵۷) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۵۸) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۱۵۹)
کَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِینَ (۱۶۰) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ (۱۶۱) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (۱۶۲) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۶۳) وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۶۴)
أَ تَأْتُونَ الذُّکْرانَ مِنَ الْعالَمِینَ (۱۶۵) وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَکُمْ رَبُّکُمْ مِنْ أَزْواجِکُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (۱۶۶) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ یا لُوطُ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِینَ (۱۶۷) قالَ إِنِّی لِعَمَلِکُمْ مِنَ الْقالِینَ (۱۶۸) رَبِّ نَجِّنِی وَ أَهْلِی مِمَّا یَعْمَلُونَ (۱۶۹)
فَنَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِینَ (۱۷۰) إِلاَّ عَجُوزاً فِی الْغابِرِینَ (۱۷۱) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِینَ (۱۷۲) وَ أَمْطَرْنا عَلَیْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِینَ (۱۷۳) إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۷۴)
وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۱۷۵) کَذَّبَ أَصْحابُ الْأَیْکَهِ الْمُرْسَلِینَ (۱۷۶) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ (۱۷۷) إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ (۱۷۸) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُونِ (۱۷۹)
وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۸۰) أَوْفُوا الْکَیْلَ وَ لا تَکُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِینَ (۱۸۱) وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِیمِ (۱۸۲) وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ (۱۸۳) وَ اتَّقُوا الَّذِی خَلَقَکُمْ وَ الْجِبِلَّهَ الْأَوَّلِینَ (۱۸۴)
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِینَ (۱۸۵) وَ ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَ إِنْ نَظُنُّکَ لَمِنَ الْکاذِبِینَ (۱۸۶) فَأَسْقِطْ عَلَیْنا کِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ (۱۸۷) قالَ رَبِّی أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (۱۸۸) فَکَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ یَوْمِ الظُّلَّهِ إِنَّهُ کانَ عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ (۱۸۹)
إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَهً وَ ما کانَ أَکْثَرُهُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۹۰) وَ إِنَّ رَبَّکَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ (۱۹۱) وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ (۱۹۲) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ (۱۹۳) عَلى قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ (۱۹۴)
بِلِسانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ (۱۹۵) وَ إِنَّهُ لَفِی زُبُرِ الْأَوَّلِینَ (۱۹۶) أَ وَ لَمْ یَکُنْ لَهُمْ آیَهً أَنْ یَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِی إِسْرائِیلَ (۱۹۷) وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِینَ (۱۹۸) فَقَرَأَهُ عَلَیْهِمْ ما کانُوا بِهِ مُؤْمِنِینَ (۱۹۹)
کَذلِکَ سَلَکْناهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ (۲۰۰) لا یُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ (۲۰۱) فَیَأْتِیَهُمْ بَغْتَهً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (۲۰۲) فَیَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (۲۰۳) أَ فَبِعَذابِنا یَسْتَعْجِلُونَ (۲۰۴)
أَ فَرَأَیْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِینَ (۲۰۵) ثُمَّ جاءَهُمْ ما کانُوا یُوعَدُونَ (۲۰۶) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما کانُوا یُمَتَّعُونَ (۲۰۷) وَ ما أَهْلَکْنا مِنْ قَرْیَهٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (۲۰۸) ذِکْرى وَ ما کُنَّا ظالِمِینَ (۲۰۹)
ما تَعْبُدُونَ کل من عکف على شیء یهواه و یحبّه و یتولاه فهو عابد له، محجوب به عن ربّه، موقوف معه عن کماله، و ذلک عدوّ الموحد، إذ الغیر لا یوجد عنده إلا فی التوهم.
فالباعث على عبادته الشیطان و الغالب على عابده الظلم و العدوان، و لا یضرّ غیر الحق فی شهوده و لا ینفع و لا یبصر بنفسه و لا یسمع لأنه یشهد الحق قائما على کل نفس بما تفعل و أیدی الأفعال کلها فی حضره أسمائه منه تصدر، کما قال علیه السلام: الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ* وَ الَّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی وَ یَسْقِینِ إلى آخره، فهو الخالق و الهادی و المطعم و الساقی و الممرض و الشافی و الممیت و المحیی، و یقرّر هذا المعنى قوله: أَیْنَ ما کُنْتُمْ تَعْبُدُونَمِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ یَنْصُرُونَکُمْ أَوْ یَنْتَصِرُونَ (۹۳)[۱] إلى قوله: فَما لَنا مِنْ شافِعِینَ (۱۰۰) وَ لا صَدِیقٍ حَمِیمٍ (۱۰۱)[۲].
و لما کان هذا المقام مقام الفناء و ذنبه لا یکون إلا بوجود البقیه، خاف ذنب حاله، و رجا غفرانه منه بنور ذاته فقال: وَ الَّذِی أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدِّینِ أی: القیامه الکبرى و لا یجازینی من ظهور البقیه بالحرمان، ثم سأل الاستقامه فی التحقق به فی مقام البقاء بقوله:رَبِّ هَبْ لِی حُکْماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ أی: حکمه و حکما بالحق لأکون من الذین جعلتهم سببا لصلاح العالم و کمال الخلق و اجعلنی محبوبا لک فیحبنی بحبک خلقک أبدا فیحصل لی لِسانَ صِدْقٍ فِی الْآخِرِینَ إذ لا بد لمن یحب شیئا من کثره ذکره بالخیر ذکر اللازم مکان الملزوم إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ أی: إلا حال من أتى اللّه و سلامه القلب بأمرین: براءته عن نقص الاستعداد فی الفطره، و نزاهته عن حجب صفات النفس فی النشأه.
یمکن أن یؤوّل کل نبیّ مذکور فیها بالروح أو القلب و تکذیب قومه المرسلین بامتناع القوى النفسانیه عن قبول التأدّب بآداب الروحانیین و التخلق بأخلاق الکاملین. و قول النبی صلى اللّه علیه و سلم:
أَ لا تَتَّقُونَ معناه: تجتنبون الرذائل إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ أؤدی إلیکم ما تلقفت من الحق من الحکم و المعانی الیقینیه غیر مخلوطه بالوهمیات و التخیلات فَاتَّقُوا اللَّهَ فی التجرید و التزکیه وَ أَطِیعُونِ فی التنوّر و التحلیه وَ ما أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ مما عندکم من اللذات و المدرکات الجزئیه فإنی غنیّ عنها إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِینَ بإلقاء المعانی و الحکم الکلیه و إشراق الأنوار اللذیذه القدسیه.
[۲۱۰- ۲۱۲]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۲۱۰ الى ۲۱۲]
وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّیاطِینُ (۲۱۰) وَ ما یَنْبَغِی لَهُمْ وَ ما یَسْتَطِیعُونَ (۲۱۱) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (۲۱۲)
وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّیاطِینُ لأن تنزّلهم لا یکون إلا عند استعداد قبول النفوس لنزولها بالمناسبه فی الخبث و الکید و المکر و الغدر و الخیانه و سائر الرذائل، فإنّ مدرکات الشیاطین من قبیل الوهمیات و الخیالیات، فمن تجرّد عن صفات النفس و ترقى عن أفق الوهم إلى جناب القدس، و تنوّرت نفسه بالأنوار الروحیه و مصابیح الشهب السبوحیه، و أشرق عقله بالاتصال بالعقل الفعال، و تلقى المعارف و الحقائق فی العالم الأعلى ما ینبغی و لا یمکن للشیاطین أن یتنزّلوا علیه و لا أن یتلفقوا المعارف و الحقائق و المعانی الکلیه و الشرائع، فإنهم معزولون عن جناب سماء الروح و استماع کلام الملکوت الأعلى، مرجومون بشهب الأنوار القدسیه و البراهین العقلیه، لأن طور الوهم لا یترقى عن أفق القلب و مقام الصدر و لا یتجاوز إلى السرّ، فکیف إلى حدّ من هو بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى[۳]؟.
[۲۱۳]
[سوره الشعراء (۲۶): آیه ۲۱۳]
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَکُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ (۲۱۳)
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أی: لا تلتفت إلى وجود الغیر بظهور النفس و لا تحتجب فی الدعوه بالکثره عن الوحده فَتَکُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ بإلقاء الشیاطین و إن امتنع تنزّلهم بالموافقه و المراقبه کقوله: أَلْقَى الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ[۴]، فإنه لا یأمن فی الإنذار و النزول إلى مبالغ عقول المنذرین و نفوسهم إلقاءهم و إن أمن تنزّلهم و مصاحبتهم و إغواءهم عند التلقی.
[۲۱۴]
[سوره الشعراء (۲۶): آیه ۲۱۴]
وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ (۲۱۴)
وَ أَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ من الذین یقارب استعدادهم استعدادک و یناسب حالهم بحسب الفطره حالک، إذ القبول لا یکون إلا بجنسیه ما فی النفس و قرب فی الروح.
[۲۱۵- ۲۱۷]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۲۱۵ الى ۲۱۷]
وَ اخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ (۲۱۵) فَإِنْ عَصَوْکَ فَقُلْ إِنِّی بَرِیءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (۲۱۶) وَ تَوَکَّلْ عَلَى الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ (۲۱۷)
وَ اخْفِضْ جَناحَکَ بالنزول إلى مرتبه من اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ لتخاطبه بلسانه لیفهم، و ترقیه عن مقامه فیصعد، و إلا لم یمکنهم متابعتک فَإِنْ عَصَوْکَ لاستحکام الرین و تکاثف الحجاب فتبرأ عن حولهم و قوّتهم و حولک و قوّتک بالتوکل و الفناء فی أفعاله تعالى فإنهم و إیاک لا یقتدرون على ما لم یشأ اللّه و لا یکون إلا ما یرید و شاهد فی توکلک و فنائک عن أفعالک مصادر أفعاله من العزّه التی یقهر بها من یشاء من العصاه فیحجبهم و یمنعهم من الإیمان و الرحمه التی یرحم بها و یفیض النور على من یشاء من أهل الهدایه فإنه یحجب المحجوبین بقهره و جلاله و یهدی المهتدین بلطفه و جماله، و لیس لک من الأمر شیء إِنَّکَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ[۵].
[۲۱۸- ۲۲۰]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۲۱۸ الى ۲۲۰]
الَّذِی یَراکَ حِینَ تَقُومُ (۲۱۸) وَ تَقَلُّبَکَ فِی السَّاجِدِینَ (۲۱۹) إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (۲۲۰)
الَّذِی یَراکَ و یحضرک و یحفظک حِینَ تَقُومُ فی النشأه فی القیامه الصغرى و الفطره فی الوسطى بالوحده حین الاستقامه فی الکبرى وَ تَقَلُّبَکَ انقلابک و انتقالک فی أطوار الفانین فی أفعاله تعالى و صفاته و ذاته بالنفس و القلب و الروح فی زمرتهم و قبل النشأه الأولى فی أصلاب آبائک الأنبیاء الفانین فی اللّه عنها. إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ لما تقوله الْعَلِیمُ لما تعلمه فیعلم أنه لیس من کلام الشیاطین و إلقائهم.
[۲۲۱- ۲۲۷]
[سوره الشعراء (۲۶): الآیات ۲۲۱ الى ۲۲۷]
هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیاطِینُ (۲۲۱) تَنَزَّلُ عَلى کُلِّ أَفَّاکٍ أَثِیمٍ (۲۲۲) یُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَکْثَرُهُمْ کاذِبُونَ (۲۲۳) وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (۲۲۴) أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ (۲۲۵)
وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ (۲۲۶) إِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَکَرُوا اللَّهَ کَثِیراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ (۲۲۷)
هَلْ أُنَبِّئُکُمْ إلى آخره، تقریره لقوله تعالى: وَ ما یَنْبَغِی لَهُمْ وَ ما یَسْتَطِیعُونَ (۲۱۱)[۶] لأن الإفک و الإثم من لوازم النفوس الکدره الخبیثه المظلمه السفلیه المستمده من الشیاطین بالمناسبه، المستدعیه لإلقائهم و تنزّلهم بحسب الجنسیه و من جملتهم الشعراء الذین یرکبون المخیلات و المزخرفات من القیاسات الشعریه و الأکاذیب الباطله سواء کانت موزونه أم لا، فیتبعهم الغاوون الضالون فی ذلک و یأخذون منهم التزویرات و المفتریات دون الذین ینظمون المعارف و الحقائق و الآداب و المواعظ و الأخلاق و الفضائل و ما ینفع الناس و یفید و یهیج أشواقهم فی الطلب و یزید، و اللّه أعلم.
[۱] ( ۱) سوره الشعراء، الآیات: ۹۲- ۹۳.
[۲] ( ۲) سوره الشعراء، الآیات: ۱۰۰- ۱۰۱.
[۳] ( ۱) سوره النجم، الآیات: ۷- ۸.
[۴] ( ۱) سوره الحج، الآیه: ۵۲.
[۵] ( ۲) سوره القصص، الآیه: ۵۶.
[۶] ( ۱) سوره الشعراء، الآیه: ۲۱۱.