تفسير ابن عربى (تأويلات عبد الرزاق کاشانی)تفسیر ابن عربی سوره يوسف

تفسیر ابن عربى(تأویلات عبد الرزاق) سوره یوسف

سوره یوسف‏

[۱- ۵]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۱ الى ۵]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‏

الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ (۱) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ (۲) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَیْنا إِلَیْکَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ کُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِینَ (۳) إِذْ قالَ یُوسُفُ لِأَبِیهِ یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَیْتُهُمْ لِی ساجِدِینَ (۴)

قالَ یا بُنَیَّ لا تَقْصُصْ رُؤْیاکَ عَلى‏ إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً إِنَّ الشَّیْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِینٌ (۵)

الر تِلْکَ آیاتُ الْکِتابِ الْمُبِینِ‏ مرّ ذکره‏ أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏ لکون لفظه و ترکیبه إعجازا، و ظاهر معناه مطابقا للواقع و باطنه دالا على صوره السلوک و بیان حال السالک کالقصص الموضوعه لذلک و أشدّ طباقا، و أحسن وفاقا منها یا أَبَتِ إِنِّی رَأَیْتُ أَحَدَ عَشَرَ کَوْکَباً إلى آخره، هذه من المنامات التی ذکرنا فی سوره (هود) أنها تحتاج إلى تعبیر لانتقال المتخیله من النفوس الشریفه التی عرض على النفس من الغیب سجودها له إلى الکواکب و الشمس و القمر و ما کانت فی نفس الأمر إلا أبویه و إخوته‏ لا تَقْصُصْ رُؤْیاکَ عَلى‏ إِخْوَتِکَ فَیَکِیدُوا لَکَ کَیْداً هذا من الإلهامات المجمله، فإنه قد یلوح صوره الغیب من المجردات الروحانیه على الوجه الکلی العالی عن الزمان فی الروح و یصل أثره إلى القلب و لا یتشخص فی النفس مفصلا حتى یقع العلم به کما هو فیقع فی النفس منه خوف و احتراز، إن کان مکروها، و فرح و سرور إن کان مرغوبا. و یسمى هذا النوع من الإلهام: إنذارات و بشارات، فخاف علیه السلام من وقوع ما وقع قبل وقوعه، فنهاه عن إخبارهم برؤیاه احترازا. و یجوز أن یکون احترازه کان من جهه دلاله الرؤیا على شرفه و کرامته و زیاده قدره على إخوته، فخاف من حسدهم علیه عند شعورهم بذلک.

 

 

 

[۶]

[سوره یوسف (۱۲): آیه ۶]

وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ وَ یُعَلِّمُکَ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَ عَلى‏ آلِ یَعْقُوبَ کَما أَتَمَّها عَلى‏ أَبَوَیْکَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّکَ عَلِیمٌ حَکِیمٌ (۶)

وَ کَذلِکَ یَجْتَبِیکَ رَبُّکَ‏ أی: مثل ذلک الاصطفاء بإراءه هذه الرؤیا العظیمه الشأن، یصطفیک للنبوّه إذ الرؤیا الصادقه، خصوصا مثل هذه من مقدّمات النبوه، فعلم من رؤیاه أنه من المحبوبین الذین یسبق کشوفهم سلوکهم‏ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ‏ بالنبوّه و الملک.

 

 

 

[۷- ۳۲]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۷ الى ۳۲]

لَقَدْ کانَ فِی یُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ (۷) إِذْ قالُوا لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى‏ أَبِینا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَهٌ إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ (۸) اقْتُلُوا یُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أَبِیکُمْ وَ تَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِینَ (۹) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا یُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیَّارَهِ إِنْ کُنْتُمْ فاعِلِینَ (۱۰) قالُوا یا أَبانا ما لَکَ لا تَأْمَنَّا عَلى‏ یُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (۱۱)

أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ وَ یَلْعَبْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (۱۲) قالَ إِنِّی لَیَحْزُنُنِی أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ یَأْکُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (۱۳) قالُوا لَئِنْ أَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَهٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (۱۴) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ یَجْعَلُوهُ فِی غَیابَتِ الْجُبِّ وَ أَوْحَیْنا إِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (۱۵) وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً یَبْکُونَ (۱۶)

قالُوا یا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَکْنا یُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ کُنَّا صادِقِینَ (۱۷) وَ جاؤُ عَلى‏ قَمِیصِهِ بِدَمٍ کَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ (۱۸) وَ جاءَتْ سَیَّارَهٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى‏ دَلْوَهُ قالَ یا بُشْرى‏ هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَهً وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِما یَعْمَلُونَ (۱۹) وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَهٍ وَ کانُوا فِیهِ مِنَ الزَّاهِدِینَ (۲۰) وَ قالَ الَّذِی اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَکْرِمِی مَثْواهُ عَسى‏ أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ کَذلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (۲۱)

وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ (۲۲) وَ راوَدَتْهُ الَّتِی هُوَ فِی بَیْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَ قالَتْ هَیْتَ لَکَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّی أَحْسَنَ مَثْوایَ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (۲۳) وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِینَ (۲۴) وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِیصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَیا سَیِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ یُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِیمٌ (۲۵) قالَ هِیَ راوَدَتْنِی عَنْ نَفْسِی وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْکاذِبِینَ (۲۶)

وَ إِنْ کانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَکَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِینَ (۲۷) فَلَمَّا رَأى‏ قَمِیصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَّ إِنَّ کَیْدَکُنَّ عَظِیمٌ (۲۸) یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ إِنَّکِ کُنْتِ مِنَ الْخاطِئِینَ (۲۹) وَ قالَ نِسْوَهٌ فِی الْمَدِینَهِ امْرَأَتُ الْعَزِیزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِی ضَلالٍ مُبِینٍ (۳۰) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَکْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَیْهِنَّ وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّکَأً وَ آتَتْ کُلَّ واحِدَهٍ مِنْهُنَّ سِکِّیناً وَ قالَتِ اخْرُجْ عَلَیْهِنَّ فَلَمَّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَکٌ کَرِیمٌ (۳۱)

قالَتْ فَذلِکُنَّ الَّذِی لُمْتُنَّنِی فِیهِ وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَ لَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَیُسْجَنَنَّ وَ لَیَکُوناً مِنَ الصَّاغِرِینَ (۳۲)

لَقَدْ کانَ فِی یُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آیاتٌ لِلسَّائِلِینَ‏ أی: آیات معظمات لمن یسأل عن قصتهم و یعرفها تدلهم أولا على أن الاصطفاء المحض أمر مخصوص بمشیئه اللّه تعالى لا یتعلق بسعی ساع و لا إراده مرید، فیعلمون مراتب الاستعدادات فی الأزل. و ثانیا: على أنّ من أراد اللّه به خیرا لم یکن لأحد دفعه و من عصمه اللّه لم یکن لأحد رمیه بسوء و لا قصده بشرّ، فیقوى یقینهم و توکلهم و یشهدون تجلیات أفعاله و صفاته. و ثالثا: على أنّ کید الشیطان و إغواءه أمر لا یأمن منه أحد حتى الأنبیاء، فیکونون منه على حذر، و أقوى من ذلک کله أنها تطلعهم من طریق الفهم الذی هو الانتقال الذهنی على أحوالهم فی البدایه و النهایه و ما بینهما و کیفیه سلوکهم إلى اللّه فتثیر شوقهم و إرادتهم و تشحذ بصیرتهم و تقوّی عزیمتهم و ذلک أن مثل یوسف مثل القلب المستعدّ الذی هو فی غایه الحسن، المحبوب، الموموق إلى أبیه یعقوب العقل، المحسود من إخوته من العلات، أی: الحواس الخمس الظاهره و الخمس الباطنه و الغضب و الشهوه بنى النفس إلا الذاکره، فإنها لا تحسده و لا تقصده بسوء، فبقیت إحدى عشره على عددهم. و أما حسدهم علیه و قصدهم بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى لذاتها و مشتهیاتها و تمنع استعمال العقل القوه الفکریه فی تحصیل کمالات القلب من العلوم و الأخلاق، و تکره ذلک و لا ترید إلا استعماله إیاها فی تحصیل اللذات البدنیه و مشتهیات تلک القوى الحیوانیه.

و لا شک أن الفکر نظره إلى القلب أکثر، و میله إلى تحصیل السعادات القلبیه من العلوم و الفضائل أشدّ و أوفر، و ذلک معنى قولهم: لَیُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى‏ أَبِینا مِنَّا و أخوه هو:

القوّه العاقله العملیه من أمّ یوسف القلب التی هی راحیل النفس اللوامه التی تزوّجها یعقوب القلب بعد وفاه لیا النفس الأمّاره، و إنما قالوا لیوسف و أخوه لأن العقل کما یقتضی تکمیل القلب بالعلوم و المعارف یقتضی تکمیل هذه القوه باستنباط أنواع الفضائل من الأخلاق الجمیله و الأعمال الشریفه و نسبتهم إیاه إلى الضلال الذی هو البعد عن الصواب بقولهم: إِنَّ أَبانا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ‏ قصورها عن النظر العقلی و بعد طریقه عن طریقتها فی تحصیل الملاذ البدنیه و إلقاؤهم إیاه فی غیابه الجبّ استیلاؤها على القلب و جذبها إیاه إلى الجهه السفلیه بحدوث محبّه البدن و موافقاته له حتى ألقی فی قعر جبّ الطبیعه البدنیه، إلا أنه ألبس قمیصا من الجنه أتى به جبریل إبراهیم علیهما السلام یوم جرّد و ألقی فی النار، فألبسه إیاه و ورثه إسحاق و ورثه منه یعقوب فعلقه فی تمیمه على عنقه، فأتاه جبریل علیه السلام فی البئر فأخرجه و ألبسه إیاه، و إلا لغمره الماء و ظهرت عورته، کما قیل. و هو إشاره إلى صفه الاستعداد الأصلی و النور الفطریّ و ذلک هو الذی منع إبراهیم عن النار و حماه بإذن اللّه حتى صارت علیه بردا و سلاما.

و استنزالها العقل إلى الفکر فی باب المعاش و تحصیل أسبابه و التوجه نحوه هو معنى قولهم:

یَخْلُ لَکُمْ وَجْهُ أَبِیکُمْ وَ تَکُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِینَ‏ أی: فی ترتیب المعاش و تهیئه أسبابه على حسب المراد. و مراودتها للعقل عن القلب بالتسویلات الشیطانیه و التعزیرات النفسانیه مع کراهیه العقل لذلک هو معنى قولهم عند مراوده یعقوب عنه: أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً یَرْتَعْ وَ یَلْعَبْ‏ و افتراؤهم على الذئب هو أنّ القوه الغضبیه إذا ظهرت و استشاطت حجبت القلب بالکلیه عن أفعاله الخاصه به. و الظاهر من حالها أنها أقوى إضرارا به و إبطالا لفعله و حجبا له الذی هو معنى الأکل مع أن القوه الشهوانیه و الحواس و سائر القوى أشدّ نکایه فی القلب و أضرّ به فی نفس الأمر و أجذب له إلى الجهه السفلیه و أشدّ إباء و امتناعا من قبول السیاسات العقلیه و طاعه الأوامر و النواهی الشرعیه و إذعان القلب بالموافقه فی طلب الکمالات الروحیه منها، و ظهور ذلک الأثر من القوه الغضبیه مع کونه بخلاف ذلک فی الحقیقه هو الدم الکذب على قمیصه و ابیضاض عین یعقوب فی فراقه عباره عن کلال البصیره و فقدان نور العقل عند کون یوسف القلب فی غیابه جبّ الطبیعه، و بعض السیّاره الذی أخرجه من البئر هو القوّه الفکریه و شراؤه من عزیز مصر.

بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَهٍ تسلیمهم له إلى عزیز الروح الذی هو من مصر مدینه القدس بما یحصل للقوه الفکریه من المعانی و المعارف الفائضه علیها من الروح عند استنارتها بنوره و قربها منه، فإن القوه الفکریه لما کانت قوه جسمانیه، و القلب لیس بجسمانی، لم تصل إلى مقامه إلا عند کونه مغشى بغشاوات النفس فی مقام الصدر أی: الوجه الذی یلی النفس منه. و أما إذا تجرّد فی مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام الروح الذی سموه السرّ فتترکه عند عزیز الروح و تسلمه إلیه و تفارقه على الدریهمات التی تحصل لها بقربه من المعانی المذکوره.

و امرأه العزیز المسماه زلیخاء التی أوصى إلیها به بقوله: أَکْرِمِی مَثْواهُ عَسى‏ أَنْ یَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً هی النفس اللوّامه التی استنارت بنور الروح و وصل أثره إلیها و لم تتمکن فی ذلک و لم تبلغ إلى درجه النفس المطمئنه و تمکین اللّه إیاه فی الأرض إقداره بعد التزکیه و التنوّر بنور الروح على مقاومه النفس و القوى و تسلیطه على أرض البدن باستعمال آلاته فی تحصیل الکمالات و سیاستها بالریاضات حتى یخرج ما فی استعداده من الکمال إلى الفعل کما قال:

وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ‏ أی: و لنعلمه فعلنا ما فعلنا به من الإنجاء و التمکین‏ وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ‏ بالتأیید و التوفیق و النصر حتى یبلغ غایه کمال أشدّه من مقامه الذی یقتضیه استعداده فیؤتیه العلم و الحکمه کما قال: وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً و الأشدّ هو نهایه الوصول إلى الفطره الأولى بالتجرّد عن غواشی الخلقه الذی نسمیه مقام الفتوه وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ‏ أن الأمر بید اللّه فی ذلک، فیضیفون إلى السعی و الاجتهاد و التربیه، و لا یعلمون أنّ السعی و الاجتهاد و التربیه و الریاضه أیضا من عند اللّه جعلها اللّه أسبابا و وسائط لما قدّره و لذلک لم یعزلها و قال بعد قوله: آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً.

وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ‏ فی الطلب و الإراده و الاجتهاد و الریاضه، و مراوده زلیخاء إیاه عن نفسه و تغلیقها الأبواب علیه إشاره إلى ظهور النفس اللوّامه بصفتها. فإنّ التلوین فی مقام القلب یکون بظهور النفس کما أن التلوین فی مقام الروح یکون بوجود القلب و جذبها للقلب إلى نفسها بالتسویل و الاستیلاء علیه و تزیین صفاتها و لذاتها، و سدّها طرق مخرجه إلى الروح بحجبها مسالک الفکر و منافذ النور بصفاتها الحاجبه و همه بها میل القلب إلیها لعدم التمکین و الاستقامه و رؤیته لبرهان ربه إدراک ذلک التلوین بنور البصیره و نظر العقل کما قیل فی القصه: تراءى له أبوه، فمنعه أو صوّت به، و قیل: ضرب بکفه فی نحره فخرجت شهوته من أنامله و ذهبت، کل ذلک إشاره إلى منع العقل إیاه عن مخالطه النفس بالبرهان و نور البصیره و الهدایه و تأثیره فیه بالقدره و الأید النوریّ الموجب لذهاب شهوتها و ظلمتها النافذ فیها إلى أطرافها المزیل عنها بالهیئه النوریه الهیئه الظلمانیه، و قدّ قمیصه من دبر إشاره إلى خرقها لباس الصفه النوریه التی له من قبل الأخلاق الحسنه و الأعمال الصالحه بتأثیرها فی القلب بصفتها، فإنها صفه یکسبها القلب بالجهه التی تلی النفس المسماه بالصدر و هو الدبر لا محاله.

و قوله: أَلْفَیا سَیِّدَها لَدَى الْبابِ‏ إشاره إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إلیه بواسطه تذکر البرهان العقلی و ورود الوارد القدسی علیه، و استتباعه للنفس و هی تنازعه بالجذب إلى جهتها و استیلائه على القلب ثم على النفس بواسطته. و قولها: ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِکَ سُوءاً تلویح إلى أن النفس تسوّل أغراضها فی صور المصالح العقلیه و تزینها بحیث تشتبه مفاسدها بالمصالح العقلیه التی یجب على العقل مراعاتها و القیام بها و موافقتها فیها و مخالفته إیاها فیها إراده السوء بها و مقابحها بالمحاسن التی تتعلق بالمعاش کمماکره النساء بالرجال و میل القلب إلى الجهه العلویه یکذب قولها و دعواها، و الشاهد الذی شهد من أهلها قیل کان ابن عمّ لها، أی: الفکر الذی یعلم أنّ الفساد الواقع من جهه الأخلاق و الأعمال لا یکون إلا من قبل النفس و استیلائها، إذ لو کان من جهه القلب و میله إلى النفس لوقع فی الاعتقاد و العزیمه لا فی مجرّد العمل. و قیل کان ابن خالتها، أی: الطبیعه الجسمانیه التی تدل على المیل السفلی فی النفس الجاذب للقلب من جهه الصدر المباشر للعملیات إلى أرض البدن و موافقاته و اطلاع الروح بنور الهدایه، على أن الخلل وقع فی العمل لا فی العقد و العزیمه و ذلک لا یکون إلا من قبل الداعیه النفسانیه، و هو معنى قوله: فَلَمَّا رَأى‏ قَمِیصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ کَیْدِکُنَّ إِنَّ کَیْدَکُنَّ عَظِیمٌ‏.

و قوله: یُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَ اسْتَغْفِرِی لِذَنْبِکِ‏ إشاره إلى إشراق نور الروح على‏ القلب و انجذابه إلى جانبه للنازل النوریّ و الخاطر الروحی الذی یصرفه عن جهه النفس و یأمره بالإعراض عن عملها و یذکره لئلا یحدث المیل مره أخرى. و تأثیر ذلک الوارد و الخاطر فی النفس بالتنویر و التصفیه فإن تنوّرها بنور الروح المنعکس إلیها من القلب استغفارها عن الهیئه المظلمه التی غلبت بها على القلب، و لما بلغ القلب هذا المنزل من الاتصال بالروح و الاستشراق من نوره و تنوّرت النفس بشعاع نور القلب و تصفت عن کدوراتها عشقته للاستناره بنوره، و التشکّل بهیئته، و التقرّب إلیه، و إراده الوصول إلى مقامه لا لجذبه إلى نفسه و قضاء وطرها منه باستخدامها إیاه فی تحصیل اللذات الطبیعیه و استنزالها إیاه عن مقامه و مرتبته إلى مرتبتها لیتشکل بهیئتها و یشارکها فی أفعالها و لذاتها، کما کانت عند کونها أمّاره فتتأثر قواها حینئذ حتى القوى الطبیعیه بتأثرها، و ذلک معنى قول نسوه المدینه:

امْرَأَتُ الْعَزِیزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا و کلما استولى القلب علیها بهیئته النوریه و حسنه الذاتی الفطری و الصفاتی الکسبیّ من الترقی إلى مجاوره الروح و بلوغه منزل السرّ، استنارت جمیع القوى البدنیه بنوره لاستتباعه للنفس و استتباعها إیاه، فشغلت عن أفعالها و تحیرت و وقفت عن تصرفاتها فی الغذاء و ذهلت عن سکاکین آلاتها التی کانت تدبر بها أمر التلذذ و التغذی و التفکه، و جرحت قدرتها التی تستعمل بها الآلات فی تصرفاتها و بقیت مبهوته فی متکآتها التی هی محالها فی أعضاء البدن التی هیأتها لها النفس فی قراها و هو معنى قوله:

فَلَمَّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَکٌ کَرِیمٌ‏ و قولها:

اخْرُجْ عَلَیْهِنَ‏ استجلاؤها لنوره بالإراده و اقتضاؤها طلوعه علیها بحصول استعداد التنوّر لها. و لما انخرطت النفس فی سلک إراده القلب، و قلّت منازعتها إیاه فی عزیمه السلوک، و تمرّنت لمطاوعته حان وقت الریاضه بالدخول فی الخلوه لتجرّد القلب حینئذ عن علائقه و موانعه و تجریده عزمه بانتفاء التردد إذ بتردّد العزم بانجذابه إلى جهه النفس تاره و إلى جهه الروح أخرى لا تمکن الریاضه و لا السلوک و لا تصح الخلوه لفقدان الجمعیه التی هی من شرطها و هذه الریاضه لیست ریاضه النفس بالتطویع فإنها لا تحتاج إلى الخلوه بل إلى ترک ارتکاب المخالفات و الإقدام على کسرها و قهرها بالمقاومات من أنواع الزهد و العباده إنما هی ریاضه القلب بالتنزّه عن صفاته و علومه و کمالاته و کشوفه فی سلوک طریق الفناء و طلب الشهود و اللقاء و ذلک بعد العصمه من استیلاء النفس علیه کما قالت: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ‏ طلب العصمه من نفسه و استزادها وَ لَئِنْ لَمْ یَفْعَلْ ما آمُرُهُ‏ من إیفاء حظی لیمنعنّ من اللذات البدنیه و روح الهوى و المدرکات الحسیّه بالخلوه و الانقطاع عنها وَ لَیَکُوناً مِنَ الصَّاغِرِینَ‏ لفقدان کرامته و عزّته عندنا و اختذالنا عنه و اعتزاله عن رئاسه الأعوان و الخدم فی البدن. و لما حببت إلیه الخلوه کما حببت إلى رسول اللّه صلى اللّه علیه و سلم عند التحنث فی حراء.

 

 

 

[۳۳- ۳۴]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۳۳ الى ۳۴]

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ وَ إِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ (۳۳) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ کَیْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (۳۴)

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ‏ و إنما قال: مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ‏، و دعا ربّه أن یصرف عنه کیدهنّ بقوله: وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ وَ أَکُنْ مِنَ الْجاهِلِینَ‏ لأنّ فی طباعها المیل إلى الجهه السفلیه و جذب القلب إلیها و داعیه استنزاله إلیها بحیث لا یزول أبدا، و تنوّرها بنوره و طاعتها له أمر عارضی لا یدوم و القلب یمدّها فی أعمالها دائما فإنه ذو طبیعتین و ذو وجهین ینزع بإحداهما إلى الروح و بالأخرى إلى النفس، و یقبل بوجه إلى هذه و بوجه إلى هذه، فلا شی‏ء أقرب إلیه من الصبوه إلیها بجهالته لو لم یعصمه اللّه بتغلیب الجهه العلیا و إمداده بأنوار الملأ الأعلى کما قال النبی علیه السلام: «اللهمّ ثبّت قلبی على دینک»، قیل له: أو تقول ذلک و أنت نبیّ یوحى إلیک؟ قال صلى اللّه علیه و سلم: «و ما یؤمننی إنّ مثل القلب کمثل ریشه فی فلاه تقلبها الریاح کیف شاءت».

و ذلک الدعاء هو صوره افتقار القلب الواجب علیه أبدا فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ کَیْدَهُنَ‏ أی: أیّده بالتأیید القدسیّ و قوّاه بالإلقاء السبوحیّ فصرف وجهه عن جناب الرجس إلى جناب القدس، و دفع عنه بذلک کیدهنّ‏ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ‏ لمناجاه القلب فی مقام السرّ الْعَلِیمُ‏ بما ینبغی أن یفعل به عند افتقاره إلیه.

 

 

 

[۳۵- ۵۷]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۳۵ الى ۵۷]

ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآیاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِینٍ (۳۵) وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّی أَرانِی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِی خُبْزاً تَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِیلِهِ إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ (۳۶) قالَ لا یَأْتِیکُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُکُما بِتَأْوِیلِهِ قَبْلَ أَنْ یَأْتِیَکُما ذلِکُما مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّی إِنِّی تَرَکْتُ مِلَّهَ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَهِ هُمْ کافِرُونَ (۳۷) وَ اتَّبَعْتُ مِلَّهَ آبائِی إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ ما کانَ لَنا أَنْ نُشْرِکَ بِاللَّهِ مِنْ شَیْ‏ءٍ ذلِکَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَیْنا وَ عَلَى النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُونَ (۳۸) یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (۳۹)

ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (۴۰) یا صاحِبَیِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُکُما فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَیُصْلَبُ فَتَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیانِ (۴۱) وَ قالَ لِلَّذِی ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ فَأَنْساهُ الشَّیْطانُ ذِکْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ (۴۲) وَ قالَ الْمَلِکُ إِنِّی أَرى‏ سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی رُءْیایَ إِنْ کُنْتُمْ لِلرُّءْیا تَعْبُرُونَ (۴۳) قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِیلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِینَ (۴۴)

وَ قالَ الَّذِی نَجا مِنْهُما وَ ادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّهٍ أَنَا أُنَبِّئُکُمْ بِتَأْوِیلِهِ فَأَرْسِلُونِ (۴۵) یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ أَفْتِنا فِی سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ یَأْکُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ یابِساتٍ لَعَلِّی أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَعْلَمُونَ (۴۶) قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِی سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِیلاً مِمَّا تَأْکُلُونَ (۴۷) ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِکَ سَبْعٌ شِدادٌ یَأْکُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِیلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (۴۸) ثُمَّ یَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذلِکَ عامٌ فِیهِ یُغاثُ النَّاسُ وَ فِیهِ یَعْصِرُونَ (۴۹)

وَ قالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّکَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَهِ اللاَّتِی قَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ إِنَّ رَبِّی بِکَیْدِهِنَّ عَلِیمٌ (۵۰) قالَ ما خَطْبُکُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ یُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَیْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَهُ الْعَزِیزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِینَ (۵۱) ذلِکَ لِیَعْلَمَ أَنِّی لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَیْبِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الْخائِنِینَ (۵۲) وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِی إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَهٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّی إِنَّ رَبِّی غَفُورٌ رَحِیمٌ (۵۳) وَ قالَ الْمَلِکُ ائْتُونِی بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِی فَلَمَّا کَلَّمَهُ قالَ إِنَّکَ الْیَوْمَ لَدَیْنا مَکِینٌ أَمِینٌ (۵۴)

قالَ اجْعَلْنِی عَلى‏ خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ (۵۵) وَ کَذلِکَ مَکَّنَّا لِیُوسُفَ فِی الْأَرْضِ یَتَبَوَّأُ مِنْها حَیْثُ یَشاءُ نُصِیبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ (۵۶) وَ لَأَجْرُ الْآخِرَهِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ (۵۷)

ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآیاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ‏ أی: ظهر لعزیز الروح و نسوه النفس و القوى و أعوان الروح من العقل و الفکر و غیرهما رأی متفق علیه من جمیعها و هو لیسجننه، أی: لیترکنه فی الخلوه التی هی أحب إلیه. أما الروح فلقهره إیاه بنور الشهود و منعه عن تصرفاته و صفاته، و أما النفس و سائر القوى فلامتناعها عن استجذابه إلیها من بعد ما رأوا آیات العصمه و صدق العزیمه و عدم المیل إلیها و بهره علیها بنوره و إخلاصه فی الافتقار إلى اللّه و إلا لما خلته و شأنه فی الخلوه، و أما الوهم فلانهزامه عن نوره و فراره من ظله عند التصلب فی الدین و التعوّد بالحق.

و أما العقل فلتنوّره بنور الهدایه، و أما الفکر فلحصول سلطانه فی الخلوه، و الفتیان اللذان دخلا معه السجن أحدهما قوّه المحبه الروحیه اللازمه له و هو شرابیّ الملک الذی یسقیه خمر العشق کما قیل فی القصه: إنه کان شرابیه، و الثانی: هوى النفس التی لا تفارقه أیضا بحال، فإنّ الهوى حیاه النفس الفائضه إلیها منه لاستبقائها و هو خبّاز الملک الذی یدبر الأقوات فی المدینه کما قیل و هما یلازمانه فی الخلوه دون غیرهما.

و منام الشرابیّ فی قوله: إِنِّی أَرانِی أَعْصِرُ خَمْراً اهتداء قوه المحبه إلى عصر خمر العشق من کرم معرفه القلب فی نوم الغفله عن الشهود الحقیقی و منام الخبّاز فی قوله: إِنِّی أَرانِی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِی خُبْزاً تَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ‏ توجه الهوى بکلیته إلى تحصیل لذات طیر القوى النفسانیه و حظوظها و شهواتها، و شبّهت بالطیر فی جذب ما تجذبه من الحظوظ لسرعه حرکتها نحوه.

و قوله: لا یَأْتِیکُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ‏ إلخ، إشاره إلى منعه إیاهما عن حظوظهما إلا بعد تبیینه لهما ما یؤول إلیه أمرهما من شأنهما الذی یجب لهما القیام به بالسیاسه و التسدید و التقویم و الإصلاح و إظهار التوحید لهما بقوله: إِنِّی تَرَکْتُ‏ إلى آخره، بعثه إیاهما على القیام بالأمر الإلهیّ الضروری و ترک الفضول و الامتناع عن تفرّق الوجهه و تشتت الهمّ، فإنّ خاصیه الهوى التفرقه و التوزع و تعبد الشهوات المختلفه للقوى المتنازعه، و خاصیه المحبه فی البدایه و قبل الوصول إلى النهایه التعلق بحسن الصفات و التعبد لها دون جمال الذات، فدعاهما إلى التوحید بقوله: إِنِّی تَرَکْتُ مِلَّهَ قَوْمٍ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏ أی: المشرکین، العابدین لأوثان صفات النفس بل لوجود القلب و صفاته‏ وَ هُمْ بِالْآخِرَهِ أی: و هم عن البقاء فی العالم الروحانی محجوبون، و بقوله: ما کانَ لَنا أَنْ نُشْرِکَ بِاللَّهِ مِنْ شَیْ‏ءٍ.

و بقوله: أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَیْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أی: إذا کان لکل منکما أرباب کثیره کما قال تعالى: فِیهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ‏[۱] یأمره هذا بأمر و هذا بأمر متمانعون فی ذلک، عاجزون إمّا للمحبه فکالصفات و الأسماء، و إما للهوى فکالقوى النفسانیه کان خیرا له أم ربّ واحد لا یأمره إلا بأمر واحد، کما قال: وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَهٌ[۲]، قهار، قویّ، یقهر کل أحد، لا یمانعه فی أمره شی‏ء، و لا یمتنع علیه. و أجبرهما بالسیاسه على اتحاد الوجهه، فإنّ القلب إذا غلبت علیه الوحده امتنعت محبته عن حب الصفات و انصرفت إلى الذات، و إذا تمرّن فی التوحید انقمع هواه عن تعبد الحظوظ و الشهوات و التفرّق فی تحصیل اللذات و اقتصر على الحقوق و الضرورات بأمر الحق لا بطاعه الشیطان.

و قوله: أَمَّا أَحَدُکُما فَیَسْقِی رَبَّهُ خَمْراً تعیین لشأن الأول بعد السیاسه بالمنع عن الشرک و هو تسلیط حب اللذات على الروح‏ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَیُصْلَبُ فَتَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْ رَأْسِهِ‏ بیان لما یؤول إلیه أمر الثانی. و صلبه: منعه عن أفعاله بنفسه و قمعه عن مقتضاه و تثبیته و تقریره على جذع القوه الطبیعیه النباتیه بحیث لا تصرّف للمتخیله فیه و لا له فیها و لا فی سائر القوى الحیوانیه و ذلک هو إماته الهوى، فتأکل بعد الإماته و الصلب طیر قوى النفس من رأسه بأمر الحق و هو الوقوف مع الحقوق‏ قُضِیَ الْأَمْرُ الَّذِی فِیهِ تَسْتَفْتِیانِ‏ أی: ثبت و استقرّ أمرکما على هذا و ذلک وقت وصوله و تقرّبه من اللّه و أوان ظهور مقام الولایه بالفناء فی اللّه.

و إذا تمکنت القوّتان فیما عینه لهما من الأمر تم أمره بالوصول إلى مقام الشهود الذاتی و انقضت خلوته، فإنّ طول مده السجن هو امتداد سلوکه فی اللّه، فإذا تمّ له الفناء استوى أمر القوتین لکونهما باللّه حینئذ لا بنفسهما و انتهى زمان الخلوه بابتداء زمان البقاء بالوجود الحقانیّ، و لکن‏ لم یتم بعد لوجود البقیه المشار إلیها بقوله:اذْکُرْنِی عِنْدَ رَبِّکَ‏ أی: اطلب الوجود فی مقام الروح بالمحبه و الاستقرار فیه، فإنّ المحبه إذا أسکرت الروح بخمر العشق ارتقى الروح إلى مقام الوحده و القلب إلى مقام الروح، و یسمى الروح فی ذلک المقام خفیا و القلب سرا، و هو لیس بالفناء لکونهما موجودین حینئذ مغمورین بنور الحق.

و من الوقوف فی هذا المقام ینشأ الطغیان و الأنانیه فلهذا قال: فَأَنْساهُ الشَّیْطانُ ذِکْرَ رَبِّهِ‏ أی: أنسى شیطان الوهم یوسف القلب ذکر اللّه تعالى بالفناء فیه لوجود البقیه و طلبه مقام الروح و إلا ذهل عن ذکر نفسه و وجوده و للاحتجاب بهذا المقام و هذه البقیه لبث‏ فِی السِّجْنِ بِضْعَ سِنِینَ‏ و إلیه‏ أشار النبی صلى اللّه علیه و سلم بقوله: «رحم اللّه أخی یوسف، لو لم یقل اذکرنی عند ربّک لما بقی فی السجن بضع سنین»، أو أنسى شیطان الوهم المقهور الممنوع المحجوب عن جناب الحق رسول المحبه المقرب عند ارتفاع درجته و استیلائه و استعلاء سلطانه،

و التحیّر فی الجمال الإلهی، و السکر الغالب ذکر یوسف القلب فی حضره الشهود لأن المحب المشاهد للجمال حیران ذاهل عن الخلق کله و تفاصیل وجوده بل نفسه مستغرق فی عین الجمع حتى یتم فناؤه و ینقضی سکره ثم یرجع إلى الصحو فیذکر التفصیل ثم لما انتهى فناؤه بالانغماس فی بحر الهویه و الانطماس فی الذات الأحدیه و انقضى زمان السجن أحیاه اللّه تعالى بحیاته و وهب له وجودا من ذاته و صفاته فأراه صوره التبدیل فی صفات النفس مدّه اعتزاله عنها بالخلوه و السلوک فی اللّه بصوره أکل البقرات العجاف السمان، و فی صفات الطبیعه البدنیه بصوره استیلاء السنبلات الیابسه على الخضر و الملک الذی قال: إِنِّی أَرى‏ قیل: هو ریان بن الولید الذی ملک قطفیر على مصر و ولّاه علیها لا العزیز المسمّى قطفیر،

و إن کان العزیز بلسان العرب هو الملک فعلى هذا یکون الملک إشاره إلى العقل الفعال ملک ملوک الأرواح المسمّى روح القدس، فإن اللّه تعالى لا یحیی أهل الولایه عند الفناء التامّ الذی هو بدایه النبوّه إلا بواسطه نفخه و وحیه و بالاتصال به تظهر التفاصیل فی عین الجمع و لهذا قالوا لما دخل علیه کلمه بالعبرانیه فأجابه بها و کان عارفا بسبعین لسانا فکلمه بها، فتکلم معه بکلمها و الملأ الذین قالوا: أَضْغاثُ أَحْلامٍ‏ هی القوى الشریفه من العقل و الفکر المحجوب بالوهم و الوهم نفسه المحجوبه عن سرّ الریاضه و التبدیل، کما ترى المحجوبین بها الواقفین معها یعدّون أحوال أهل الریاضات من الخرافات و رسول المحبه الذی ادّکر بعد أمه إنما یذکر بواسطه ظهور ملک روح القدس و إیحائه و إراءته تفاصیل وجوده بالرجوع إلى الکثره بعد الوحده و إلا لکان فیه حاله الفناء ذاهبا فی عین الجمع لا یرى فیها وجود القلب و لا غیره، فکیف یذکره إنما یدّکره بظهوره بنور الحق بعد عدمه.

و العام الذی‏ فِیهِ یُغاثُ النَّاسُ وَ فِیهِ یَعْصِرُونَ‏ هو وقت تمتیعه للنفس عند الاطمئنان التام و الأمن الکلی. و قول نسوه القوى‏ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَیْهِ مِنْ سُوءٍ.

و قول امرأه العزیر: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ‏ إشاره إلى تنوّر النفس و القوى بنور الحق و اتصافها بصفه الاتصاف و الصدق و حصول ملکه العداله بنور الوحده و ظهور المحبه حال الفرق بعد الجمع و کمال طمأنینه النفس لإقرارها بفضیله القلب و صدقه و ذنبها و براءته فإنّ من کمال اطمئنان النفس اعترافها بالذنب و استغفارها عما فرط منها حاله کونها أماره و تمسکها بالرحمه الإلهیه و العصمه الربانیه و استخلاص الملک إیاه لنفسه استخلافه للقلب على الملک بعد الکمال التامّ، کما جاء فی القصه: أجلسه على سریره و توّجه بتاجه و ختمه بخاتمه و قلّده بسیفه و عزل قطفیر ثم توفى قطفیر و زوّجه الملک امرأته زلیخا و اعتزل عن الملک و جعله فی یده و تخلّى بعباده ربه. کل ذلک إشاره إلى مقام خلافه الحق کما قال لداود: إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِیفَهً فِی الْأَرْضِ‏[۳].

و توفّی العزیز إشاره إلى وصول القلب إلى مقامه و ذهاب الروح فی شهوده للوحده. و تزوّجه بامرأه العزیز إشاره إلى تمتیع القلب النفس بعد الاطمئنان بالحظوظ فإن النفس الشریفه المتنوّره تقوى بالحظوظ على محافظه شرائط الاستقامه و تقنین قوانین العداله و استنباط أصول العلم و العمل و هما الولدان اللذان جاء فی القصه أنها ولدتهما منه افراثیم و میشا.

و روی أنه لما دخل علیها قال لها: ألیس هذا خیرا مما طلبت؟ فوجدها عذراء و هو إشاره إلى حسن حالها فی الاطمئنان مع التمتیع و مراعاه العداله، و کونها عذراء إشاره إلى أنّ الروح لا یخالط النفس لتقدّسه دائما و امتناع مباشرته إیاها، فإن مطالبه کلیه لا تدرک جزئیاتها بخلاف القلب و إنما کانت امرأته لتسلطه علیها و وصول أثر أمره و سلطانه إلیها بواسطه القلب و محکومیتها له فی الحقیقه و سؤال التولیه على خزائن الأرض و وصف نفسه بالحفظ و العلم هو أن القلب یدرک الجزئیات المادیه و یحفظها دون الروح فیقتضی باستعداده قبول ذلک المعنى من الواهب الذی هو ملک روح القدس و تمکینه فی الأرض یتبوّأ منها حیث یشاء استخلافه بالبقاء بعد الفناء عند الوصول إلى مقام التمکین و هو أجر المحسن أی العابد لربّه فی مقام الشهود لرجوعه إلى التفصیل من عین الجمع‏ وَ لَأَجْرُ الْآخِرَهِ أی: الحظ المعنوی بلذّه شهود الجمال و مطالعه أنوار سبحات الوجه الباقی‏ خَیْرٌ لِلَّذِینَ آمَنُوا الإیمان العینی‏ وَ کانُوا یَتَّقُونَ‏ بقیه الأنانیه.

 

 

 

[۵۸- ۶۷]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۵۸ الى ۶۷]

وَ جاءَ إِخْوَهُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ (۵۸) وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِی بِأَخٍ لَکُمْ مِنْ أَبِیکُمْ أَ لا تَرَوْنَ أَنِّی أُوفِی الْکَیْلَ وَ أَنَا خَیْرُ الْمُنْزِلِینَ (۵۹) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِی بِهِ فَلا کَیْلَ لَکُمْ عِنْدِی وَ لا تَقْرَبُونِ (۶۰) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَ إِنَّا لَفاعِلُونَ (۶۱) وَ قالَ لِفِتْیانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِی رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى‏ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (۶۲)

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى‏ أَبِیهِمْ قالُوا یا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْکَیْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَکْتَلْ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (۶۳) قالَ هَلْ آمَنُکُمْ عَلَیْهِ إِلاَّ کَما أَمِنْتُکُمْ عَلى‏ أَخِیهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَیْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (۶۴) وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَیْهِمْ قالُوا یا أَبانا ما نَبْغِی هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَیْنا وَ نَمِیرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ کَیْلَ بَعِیرٍ ذلِکَ کَیْلٌ یَسِیرٌ (۶۵) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَکُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِی بِهِ إِلاَّ أَنْ یُحاطَ بِکُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَکِیلٌ (۶۶) وَ قالَ یا بَنِیَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَهٍ وَ ما أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‏ءٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ عَلَیْهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُتَوَکِّلُونَ (۶۷)

و لما رجع إلى مقام التفصیل و جلس على سریر الملک للخلافه. جاءه أخوته القوى الحیوانیه بعد طول مفارقته إیاهم فی سجن الریاضه و الخلوه بمصر الحضره القدسیه و الاستغراق فی عین الجمع‏ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ‏ متقربین إلیه بوسیله التأدّب بآداب الروحانیین لاطمئنان النفس و تنوّرها و تنوّر تلک القوى بها و تدرّبها بهیئات الفضائل و الأخلاق ممتارین لأقوات العلوم النافعه من الأخلاق و الشرائع‏ فَعَرَفَهُمْ‏ مع حسن حالهم و صلاحهم بالذکاء و الصفاء و فقرهم و احتیاجهم إلى ما یطلبون منه من المعانی‏ وَ هُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ‏ لارتقائه عن رتبتهم بالتجرّد و اتصافه بما لا یمکنهم إدراکه من الأوصاف و لهذا استحضر القوّه العاقله العملیه بقوله: ائْتُونِی بِأَخٍ لَکُمْ مِنْ أَبِیکُمْ‏ إذ المعانی الکلیه المتعلقه بالأعمال لا یدرکها إلا تلک القوه. و اعلم أنّ المحبوبین یسبق کشوفهم اجتهادهم فیعلمون قواهم الشرائع و الأحکام و یسوسونها بعد الوصول و إن اطمأنت نفوسهم قبله.

و أما جهازهم الذی جهزهم به فهو الکیل الیسیر من الجزئیات التی یمکنهم إدراکها و العمل بها، و قال: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِی بِهِ فَلا کَیْلَ لَکُمْ‏ من المعانی الکلیه الحاصله عِنْدِی وَ لا تَقْرَبُونِ‏ لبعد رتبتکم عن رتبتی إلا بواسطته. و لما کانت العاقله العملیه إذا لم تفارق مقام العقل المحض إلى مقام الصدر لم یمکنها مرافقه القوى الحسیّه و إلقاؤها المعانی الجزئیه الباعثه إیاها على العمل و تحریک القوه النزوعیه الشوقیه نحو المصالح العقلیه قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ‏ أی: بتصفیه الاستعداد لقبول فیضه و قوله‏ لِفِتْیانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِی رِحالِهِمْ‏ إشاره إلى أمر القلب فتیانه القوى النباتیه عند تمتیع النفس حاله الاطمئنان بإیراد موادّ قواهم التی یتقوون بها و یقتدرون على کسب کمالاتهم إذ هی بضاعتهم التی یمکنهم بها الامتیار، و رحالهم آلات إدراکاتهم و مکاسبهم‏ لَعَلَّهُمْ‏ یعرفون قواهم و قدرهم على الاکتساب‏ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى‏ أَهْلِهِمْ‏ من سائر القوى الحیوانیه کالغضبیه و الشهوانیه و أمثالهما لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ‏ إلى مقام الاسترباح و الامتیار من قوت المعانی و العلوم النافعه بتلک البضاعه فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى‏ أَبِیهِمْ‏ بتصفیه الاستعداد و التمرّن بهیئات الفضائل اقتضوه إرسال القوه العاقله العملیه معهم لإمدادهم فی فضائل الأخلاق بالمعانی دائما، أی: استمدّوا من فیضه‏ نَکْتَلْ‏ أی: نستفد منه و إنا لا نستنزله إلى تحصیل مطالبنا فنهلکه کما فعلنا حاله الجاهلیه بأخیه بل نحفظه بالتعهد له و مراعاته فی طریق الکمال. و أخذ العهد منهم فی إرساله معهم و استیثاقه عباره عن تقدیم الاعتقاد الصحیح الإیمانی على العمل و إلزامهم ذلک العقد أولا و إلا لم یستقم حالهم فی العمل و لم ینجع.

لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ أی: لا تسلکوا طریق فضیله واحده کالسخاوه مثلا دون الشجاعه أو لا تسیروا على وصف واحد من أوصاف اللّه تعالى فإن حضره الوحده هی منشأ جمیع الفضائل و الذات الأحدیه مبدأ جمیع الصفات، فاسلکوا طرق جمیع الفضائل المتفرّقه حتى تتصفوا بالعداله فتتطرّقوا إلى الحضره الواحدیه، و سیروا على جمیع الصفات حتى یکشف لکم عن الذات.

و قد ورد فی الحدیث: إن اللّه تعالى یتجلى على أهل المذاهب یوم القیامه فی صوره معتقدهم فیعرفونه ثم یتحوّل إلى صوره أخرى فینکرونه‏ وَ ما أُغْنِی عَنْکُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‏ءٍ أی: لا أدفع عنکم شیئا إن منعکم توفیقه و حجبکم ببعض الحجب عن کمالاتکم فإن العقل لیس إلیه إلا إفاضه العلم لا إجاده الاستعداد و رفع الحجاب.

 

 

 

[۶۸- ۷۶]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۶۸ الى ۷۶]

وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَیْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما کانَ یُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَیْ‏ءٍ إِلاَّ حاجَهً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ قَضاها وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (۶۸) وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلى‏ یُوسُفَ آوى‏ إِلَیْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّی أَنَا أَخُوکَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (۶۹) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقایَهَ فِی رَحْلِ أَخِیهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسارِقُونَ (۷۰) قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَیْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (۷۱) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِکِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ (۷۲)

قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِی الْأَرْضِ وَ ما کُنَّا سارِقِینَ (۷۳) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ کُنْتُمْ کاذِبِینَ (۷۴) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِی رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ کَذلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ (۷۵) فَبَدَأَ بِأَوْعِیَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِیهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِیهِ کَذلِکَ کِدْنا لِیُوسُفَ ما کانَ لِیَأْخُذَ أَخاهُ فِی دِینِ الْمَلِکِ إِلاَّ أَنْ یَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ (۷۶)

وَ لَمَّا دَخَلُوا أی: امتثلوا أمر العقل بسلوک طرق جمیع الفضائل لم یغن عنهم من جهه اللّه‏ مِنْ شَیْ‏ءٍ أی: لم یدفع عنهم الاحتجاب بحجاب الجلال و الحرمان عن لذه الوصال لأن العقل لا یهتدی إلا إلى الفطره و لا یهدی إلا إلى المعرفه. و أما التنوّر بنور الجمال، و التلذذ بلذه الشوق بطلب الوصال، و ذوق العشق بکمال الجلال و الجمال، بل جلال الجمال و جمال الجلال فأمر لا یتیسر إلا بنور الهدایه الحقانیه إِلَّا حاجَهً فِی نَفْسِ یَعْقُوبَ‏ هی تکمیلهم بالفضیله وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ‏ لتعلیم اللّه إیاه لا ذو عیان و شهود وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ‏ ذلک فیحسبون الکمال ما عند العقل من العلم أو ناس الحواس لا یعلمون علم العقل الکلی‏ آوى‏ إِلَیْهِ أَخاهُ‏ للتناسب بینهما فی التجرّد جَعَلَ السِّقایَهَ فِی رَحْلِ أَخِیهِ‏ مشربته التی یکیل بها على الناس، أی: قوه إدراکه للعلوم لیستفید بها علوم الشرائع و یستنبط قوانین العداله، فإن العاقله العملیه تقوى على إدراک المعقولات عند التجرّد عن ملابس الوهم و الخیال کما تقوى النظریه و هی القوه المدبره لأمر المعاش المشوبه بالوهم فی أول الحال.

و نسبته إلى السرقه لتعوّده بإدراک الجزئیات فی محل الوهم من المعانی المتعلقه بالمواد و بعده عن إدراک الکلیات، فلما تقوّى علیها بالأوی إلى أخیه و استفادته منه تلک القوه بالتجرّد فکأنه قد سرق و لم یسرق. و المؤذن الذی نسبهم إلى السرقه هو الوهم لوجدان الموهم تغیر حال الجمیع عما کانت علیه، و عدم مطاوعتها له و توهمه لذلک نقصا فیهم.

و الحمل الموعود لمن یجیئ بالصواع، و هو التکلیف الشرعی الذی یحصل بواسطه العقل العملی عند استفادته علم ذلک من القلب، و الصواع هو القوه الاستعدادیه التی یحصل بها علمه. و الفاقد لها المفتش لمتاعهم، المستخرج إیاها من رحل أخیه هو الفکر الذی بعثه القلب لهذا الشأن.

و لما کان دین روح القدس تحقق المعارف و الحقائق النظریه مما لا یتعلق بالعمل‏ ما کانَ لِیَأْخُذَ أَخاهُ‏ بالبعث على العملیات و الاستعمال على الفضائل‏ فِی دِینِ الْمَلِکِ‏ لأن دینه العلم و علمه التعقل‏ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ‏ أی: وقت تنوّر النفس بنور القلب المستفاد منه و تفسح الصدر القابل للعملیات و ذلک هو رفع الدرجات، لأن النفس حینئذ ترتفع إلى درجه القلب و القلب إلى درجه الروح فی مقام الشهود وَ فَوْقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ‏ کالقوى‏ عَلِیمٌ‏ کالعقل العملی و فوقه القلب و فوقه العقل النظری و فوقه الروح و فوقه روح القدس و اللّه تعالى فوق الکل، علّام الغیوب کلها.

 

 

 

[۷۷- ۸۲]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۷۷ الى ۸۲]

قالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها یُوسُفُ فِی نَفْسِهِ وَ لَمْ یُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَکاناً وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (۷۷) قالُوا یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَیْخاً کَبِیراً فَخُذْ أَحَدَنا مَکانَهُ إِنَّا نَراکَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ (۷۸) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (۷۹) فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِیًّا قالَ کَبِیرُهُمْ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباکُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَیْکُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِی یُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى یَأْذَنَ لِی أَبِی أَوْ یَحْکُمَ اللَّهُ لِی وَ هُوَ خَیْرُ الْحاکِمِینَ (۸۰) ارْجِعُوا إِلى‏ أَبِیکُمْ فَقُولُوا یا أَبانا إِنَّ ابْنَکَ سَرَقَ وَ ما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَ ما کُنَّا لِلْغَیْبِ حافِظِینَ (۸۱)وَ سْئَلِ الْقَرْیَهَ الَّتِی کُنَّا فِیها وَ الْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنا فِیها وَ إِنَّا لَصادِقُونَ (۸۲)

و معنى: قالُوا إِنْ یَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ‏ أن القلب استعدّ لهذا المعنى من قبل دون القوى، فبقوا منکرین لهما، متهمین إیاهما عند أبیهما لتحصیل مطالبهما و طلب لذه وراء ما یطلبونها. و قیل: کان لإبراهیم صلوات اللّه علیه و سلامه منطقه یتوارثها أکابر أولاده، فورثها من إسحاق عمه یوسف لکونها کبرى من أولاده، و قد حضنته بعد وفاه أمّه راحیل، فلما شبّ أراد یعقوب انتزاعه منها، فلم تصبر عنه، فحزمت المنطقه تحت ثیابه علیه السلام ثم قالت: إنی فقدت المنطقه، فلما وجدت علیه سلّم لها و ترکه یعقوب عندها حتى ماتت.

و هی إشاره إلى مقام الفتوّه التی ورثها من إبراهیم الروح قبل مقام الولایه وقت شبابه. و قد حزمتها علیه النفس المطمئنه التی حضنتها وقت وفاه راحیل اللوّامه. و إراده انتزاع یعقوب إیاه منها إشاره إلى أن العقل یرید الترقی إلى کسب المعارف و الحقائق، و إذا وجده موصوفا بالفضائل فی مقام الفتوّه رضی به، و ترکه عند النفس المطمئنه سالکا فی طریق الفضائل حتى توفیت بالفناء فی اللّه فی مقام الولایه و اللّه أعلم.

و إسرار یوسف فی نفسه کلمته علمه بقصورهم عن إدراک مقامه و نقصانهم عن کماله، و هی قوله: أَنْتُمْ شَرٌّ مَکاناً و الذی اقترح أن یأخذه یوسف القلب مکان أخیه العقل العملی هو الوهم لمداخلته فی المعقولات، و شوقه إلى الترقی إلى أفق العقل، و حکمه فیها لا على ما ینبغی و میلهم إلى سیاسته إیاهم دون العقل العملی للتناسب الذی بینهم فی التعلق بالماده و نزوعه إلى تحصیل مآربهم من اللذات البدنیه.

و لما وجد القلب متاعه من إدراک المعانی المعقوله عند العقل العملی دون الوهم‏ قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إن أخذنا الوهم مکانه و آویناه إلینا و ألقینا إلیه ما ألقینا إلى أخینا کنا مرتکبین الظلم العظیم لوضعنا الشی‏ء فی غیر محله- و یأسهم منه شعورهم بعدم تکفیل الوهم إیاهم و تمتیعهم بدواعیه و حکمه- و کبیرهم الذی ذکرهم موثق أبیهم الذی هو الاعتقاد الإیمانی، و تفریطهم فی یوسف عند حکومه الوهم هو الفکر، و لهذا قال المفسرون: هو الذی کان أحسنهم رأیا فی یوسف و منعهم عن قتله.

و قوله: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى یَأْذَنَ لِی أَبِی‏ أی: لا أتحرک إلا بحکم العقل دون الوهم إلى أن أموت، و أمرهم بالرجوع إلى أبیهم سیاسته إیاهم بامتثال الأوامر العقلیه وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أی: إنّا لا نعلم کون ذلک المتاع عند العاقله العملیه إلا نقصا و سرقه لعدم شعورنا به و بکونه کمالا وَ ما کُنَّا حافظین للمعنى العقلی العینی لأنّا لا ندرک إلا ما فی عالم الشهاده، و کذا أهل قریتنا التی هی مدینه البدن من القوى النباتیه وَ الْعِیرَ الَّتِی أَقْبَلْنا فِیها من القوى الحیوانیه، فاسألهم لیخبروک بسرقه ابنک.

 

 

 

[۸۳- ۱۰۰]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۸۳ الى ۱۰۰]

قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِیلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ یَأْتِیَنِی بِهِمْ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ (۸۳) وَ تَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ یا أَسَفى‏ عَلى‏ یُوسُفَ وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِیمٌ (۸۴) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ حَتَّى تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهالِکِینَ (۸۵) قالَ إِنَّما أَشْکُوا بَثِّی وَ حُزْنِی إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (۸۶) یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْکافِرُونَ (۸۷)

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَیْهِ قالُوا یا أَیُّهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَهٍ مُزْجاهٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَیْنا إِنَّ اللَّهَ یَجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ (۸۸) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (۸۹) قالُوا أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ قالَ أَنَا یُوسُفُ وَ هذا أَخِی قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنا إِنَّهُ مَنْ یَتَّقِ وَ یَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ (۹۰) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللَّهُ عَلَیْنا وَ إِنْ کُنَّا لَخاطِئِینَ (۹۱) قالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّهُ لَکُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (۹۲)

اذْهَبُوا بِقَمِیصِی هذا فَأَلْقُوهُ عَلى‏ وَجْهِ أَبِی یَأْتِ بَصِیراً وَ أْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ (۹۳) وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِیرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (۹۴) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّکَ لَفِی ضَلالِکَ الْقَدِیمِ (۹۵) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِیرُ أَلْقاهُ عَلى‏ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِیراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (۹۶) قالُوا یا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا کُنَّا خاطِئِینَ (۹۷)

قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَکُمْ رَبِّی إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ (۹۸) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى‏ یُوسُفَ آوى‏ إِلَیْهِ أَبَوَیْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِینَ (۹۹) وَ رَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ یا أَبَتِ هذا تَأْوِیلُ رُءْیایَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّی حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِی إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِکُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّیْطانُ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِخْوَتِی إِنَّ رَبِّی لَطِیفٌ لِما یَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ (۱۰۰)

قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً أی: زیّنت طبائعکم الجسمانیه لکم أمر التلذذ باللذات البدنیه و الشهوات الحسیّه فحسبتموها کمالا، و تتبّع المعقولات و التزام الشرائع و التآمر بالفضائل نقصا فَصَبْرٌ جَمِیلٌ‏ أی: فأمرکم صبر جمیل فی العمل بالشرائع و الفضائل دائما و الوقوف مع حکم الشرع و العقل، أو صبر جمیل على الاستمتاع على وجه الشرع أجمل بکم من الإباحه و الاسترسال بحکم الطبیعه، أو فأمری صبر جمیل فی بقاء یوسف القلب و إخوته‏ على استشراق الأنوار القدسیه و استنزال الأحکام الشرعیه و استخراج قواعدها التی لا مدخل لی فیها، فلا بدّ لی من فراقهم إلى أوان فراغهم إلى رعایه مصالح الجانبین و الوفاء بکلا الأمرین، أی: المعاش و المعاد، فإنّ العقل کما یقتضی طلب الکمال و إصلاح المعاد، یقتضی صلاح البدن و ترتیب المعاش و تعدیل المزاج بالغذاء و تربیه القوى باللذات، أو فأمری صبر جمیل على ذلک‏ عَسَى اللَّهُ أَنْ یَأْتِیَنِی بِهِمْ جَمِیعاً من جهه الأفق الأعلى و الترقی عن طوری إلى ما یقتضیه نظری و رأیی من مراعاه الطرفین و مقامی و مرتبتی من اختیار التوسط بین المنزلتین‏ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ‏ بالحقائق‏ الْحَکِیمُ‏ بتدبیر العوالم، فلا یترکهم مراعین للجهه العلویه، ذاهلین عن الجهه السفلیه، فیخرّب مدینه البدن و یهلک أهلها، و ذلک قبل التمتیع التام الذی أشرنا إلیه إذ هو مقام الاجتهاد بعد الکشف و السلوک فی طریق الاستقامه بعد التوحید وَ تَوَلَّى عَنْهُمْ‏ أی: أعرض عن جانبهم و ذهل عن حالهم، لحنینه إلى یوسف القلب و انجذابه إلى جهته.

وَ ابْیَضَّتْ عَیْناهُ مِنَ الْحُزْنِ‏ أولا بوقوعه فی غیاهب الحبّ و کلال قوه بصیرته لفرط التأسف على فراقه ثم بترقیه عن طوره و فنائه فی التوحید و تخلفه عنه و عدم إدراکه لمقامه و کماله، فبقی بصره حسیرا غیر بصیر بحال یوسف‏ فَهُوَ کَظِیمٌ‏ مملوء من فراقه.

و قولهم: تَفْتَؤُا تَذْکُرُ یُوسُفَ‏ إشاره إلى شدّه حنینه و نزوعه و انجذابه إلى جهه القلب فی تلک الحاله دونهم لشده المناسبه بینهما فی التجرّد و المیل إلى العالم العلوی. و قوله:

وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ‏ إشاره إلى علم العقل برجوع القلب إلى عالم الخلق و وقوفه مع العاده بعد الذهاب إلى الجهه الحقانیه و انخلاعه عن حکم العاده عن قریب، کما سئل أحدهم: ما النهایه؟ قال: الرجوع إلى البدایه. و لهذا العلم قال: یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ‏ و ذلک عند فراغه عن السلوک بالکلیه و وصول أثر ذلک الفراغ إلى العقل بقربه إلى رتبته فی التنزل و التدلی فیأمر القوى باستنزاله إلى مقامهم بطلب الحظوظ فی صوره الجمعیه البدنیه و تدبیر معاشهم و مصالحهم الجزئیه، و ذلک هو الروح الذی نهاهم عن الیأس منه، إذ المؤمن یجد هذا الروح و الرضوان فی الحیاه الثانیه التی هی باللّه فیحیا به و یتمتع بحضوره بجمیع أنواع النعیم و لذات جنّات الأفعال و الصفات و الذات بالنفس و القلب و الروح دون الکافر کما قال: إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ‏.

و قولهم: مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ إشاره إلى عسرهم و سوء حالهم، و ضیقهم فی الوقوف مع الحقوق‏ وَ جِئْنا بِبِضاعَهٍ مُزْجاهٍ إلى ضعفهم لقلّه مواد قواهم و قصور غذائهم عن بلوغ مرادهم.

و قولهم: فَأَوْفِ لَنَا الْکَیْلَ‏ استعطافهم إیاه بطلب الحظوظ. و قوله:هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ‏ إشاره إلى تنزل القلب إلى مقامهم فی محل الصدر لیعرفوه فیتذکروا حالهم فی البدایه و ما فعلوا به فی زمان الجهل و الغوایه. و قولهم: أَ إِنَّکَ لَأَنْتَ یُوسُفُ‏ تعجب منهم عن حاله بتلک الهیئه النورانیه و الأبهه السلطانیه و بعدها عن حال بدایته.

و قوله: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْنا إلى آخره، إشاره إلى علّه ذلک و سبب کمالهم. و قولهم:تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللَّهُ عَلَیْنا إشاره إلى تهدی القوى عند الاستقامه إلى کماله و نقصها.

و قوله: لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ‏ لکونها مجبوله على أفعالها الطبیعیه. و قوله: یَغْفِرُ اللَّهُ لَکُمْ‏ إشاره إلى براءتها من الذنب عند التنوّر بنور الفضیله و التأمر بأمره عند الکمال.

و القمیص هو الهیئه النورانیه التی اتصف بها القلب عند الوصول إلى الوحده فی عین الجمع و الاتصاف بصفات اللّه تعالى. و قیل: هو القمیص الإرثی الذی کان فی تعویذه حین ألقی فی البئر، و هو إشاره إلى نور الفطره الأصلیه. کما أن الأول إشاره إلى نور الکمال الحاصل له بعد الوصول، و الأول أولى بتبصیر عین العقل فإنّ العقل لما لم تکتحل بصیرته بنور الهدایه الحقانیه عمی عن إدراک الصفات الإلهیه. وَ أْتُونِی بِأَهْلِکُمْ أَجْمَعِینَ‏ أی: ارجعوا إلیّ عن آخرکم فی مقام الاعتدال و مراعاه التوسط فی الأفعال، فإن القلب متوسط بین جهتی العلو و السفاله، و انضموا إلیّ، و ائتمروا بأمری، و اقربوا منی و لا تبعدوا عن مقامی فی طلب اللذات البدنیه بمقتضى طباعکم. و ریحه الذی وجده من بعید هو وصول أثر رجوع القلب إلى عالم العقل و المعقول، و إقباله إلیه من محض التوحید بتجهیز القوى الحیوانیه بجهاز الحظوظ على حکم العداله و قانون الشرع و العقل، فقد قیل: إنه جهّز العیر بأجمل ما یکون، و وجهها إلى کنعان. و ضلاله القدیم هو: تعشّقه بالقلب أزلا و ذهوله عن جهتهم.

و قوله: أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنِّی أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ‏ إشاره إلى سابق علمه برجوع القلب إلى مقام العقل. و استغفاره لهم: تقریره إیاهم على حکم الفضائل العقلیه بالاستقامه بعد صفائهم و ذکائهم و قبولهم للهیئات النورانیه بعد خلع الظلمانیه. و دخولهم على یوسف هو وصولهم إلى مقام الصدر حال الاستقامه. و دخولهم مصر کون الکل فی حضره الجمعیه الإلهیه الواحدیه مع تفاضل مراتبهم فی عین جمع الوحده. و رفع أبویه على العرش عباره عن ارتفاع مرتبتی العقل و النفس عن مراتب سائر القوى و زیاده قربهما إلیه و قوّه سلطنتهما علیها.

و خرورهم له سجدا عباره عن انقیاد الکل و طاعتهم له بالأمر الوحدانی بلا فعل حرکه بأنفسهم بحیث لا یتحرک منها شعر و لا ینبض لها عرق إلا باللّه. و تأویل رؤیاه صوره ما تقرّر فی استعداده الأول من قبول هذا الکمال.

قَدْ جَعَلَها رَبِّی حَقًّا أخرجها من القوه إلى الفعل‏ وَ قَدْ أَحْسَنَ بِی‏ بالبقاء بعد الفناء إِذْ أَخْرَجَنِی مِنَ‏ سجن الخلوه التی کنت فیها محجوبا عن شهود الکثره فی عین الوحده و مطالعه الجمال فی صفات الجلال‏ وَ جاءَ بِکُمْ مِنَ‏ بدو خارج مصر الحضره الإلهیه مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ‏ شیطان الوهم‏ بَیْنِی وَ بَیْنَ إِخْوَتِی‏ بتحریضه إیاهم على إلقائی فی قعر بئر الطبیعه، بانهماکهم و تهالکهم على اللذات البدنیه إِنَّ رَبِّی لَطِیفٌ‏ یلطف بأحبابه بتوفیقهم للکمال و تدبیر أمورهم بحسب مشیئته الأزلیه و عنایته القدیمه إِنَّهُ هُوَ الْعَلِیمُ‏ بما فی الاستعدادات‏ الْحَکِیمُ‏ بترتیب أسباب الکمال و توفیق المستعدّ للوصول إلیه.

 

 

 

[۱۰۱- ۱۰۸]

[سوره یوسف (۱۲): الآیات ۱۰۱ الى ۱۰۸]

رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَ عَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَهِ تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ (۱۰۱) ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیْکَ وَ ما کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ یَمْکُرُونَ (۱۰۲) وَ ما أَکْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِینَ (۱۰۳) وَ ما تَسْئَلُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ لِلْعالَمِینَ (۱۰۴) وَ کَأَیِّنْ مِنْ آیَهٍ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَمُرُّونَ عَلَیْها وَ هُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (۱۰۵)

وَ ما یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَ هُمْ مُشْرِکُونَ (۱۰۶) أَ فَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِیَهُمْ غاشِیَهٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِیَهُمُ السَّاعَهُ بَغْتَهً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ (۱۰۷) قُلْ هذِهِ سَبِیلِی أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِیرَهٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِی وَ سُبْحانَ اللَّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ (۱۰۸)

رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ‏ أی: من توحید الملک الذی هو توحید الأفعال‏ وَ عَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحادِیثِ‏ أی: معانی المغیبات و ما یرجع إلیه صوره الغیب، و هو من باب توحید الصفات. فاطِرَ سموات الصفات فی مقام القلب و أرض توحید الأفعال فی مقام النفس‏ أَنْتَ وَلِیِّی‏ بتوحید الذات فی دنیا الملک و آخره الملکوت‏ تَوَفَّنِی مُسْلِماً أفننی عنی فی حاله کونی منقادا لأمرک لا طاغیا ببقاء الإنیه وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ‏ الثابتین فی مقام الاستقامه بعد الفناء فی التوحید.

وَ ما یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللَّهِ‏ الإیمان العلمی‏ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِکُونَ‏ بإثبات موجود غیره أو الإیمان العینی إلا و هم مشرکون باحتجابهم بأنانیتهم‏ غاشِیَهٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ‏ حجاب یحجب استعدادهم عن قبول الکمال من هیئه راسخه ظلمانیه أَوْ تَأْتِیَهُمُ‏ القیامه الصغرى‏ بَغْتَهً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ‏ بنور الکشف و التوحید، فلا یرتفع حجابهم فیبقون فی الاحتجاب أبدا.

قُلْ هذِهِ‏ السبیل التی أسلکها، و هی سبیل توحید الذات‏ سَبِیلِی‏ المخصوص بی، لیس علیه إلا أنا وحدی‏ أَدْعُوا إِلَى‏ الذات الأحدیه الموصوفه بکل الصفات فی عین الجمع‏ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِی‏ فی هذه السبیل و کل من یدعو إلى هذه السبیل فهو من أتباعی، إذ الأنبیاء قبلی کلهم کانوا داعین إلى المبدأ و المعاد و إلى الذات الواحدیه الموصوفه ببعض الصفات إلا إبراهیم علیه السلام فإنه قطب التوحید، و لهذا کان صلى اللّه علیه و سلم من أتباعه باعتبار الجمع دون التفصیل،إذ لا متمم لتفاصیل الصفات إلا هو علیه الصلاه و السلام و إلا لکان غیره خاتما السبیل الحق کما ختم لأن کل أحد لا یمکنه الدعوه إلا إلى المقام الذی بلغ إلیه من الکمال‏ وَ سُبْحانَ اللَّهِ‏ أنزهه من أن یکون غیره على سبیله، بل هو السالک سبیله و الداعی إلى ذاته‏ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ‏ المثبتین للغیر فی مقام التوحید الذاتی، المحتجبین عنه بالأنائیه، بل أنا به، فإن عنى فهو الداعی إلى سبیله.

 

 

 

[۱۰۹]

[سوره یوسف (۱۲): آیه ۱۰۹]

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِی إِلَیْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى‏ أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ عاقِبَهُ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَدارُ الْآخِرَهِ خَیْرٌ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا أَ فَلا تَعْقِلُونَ (۱۰۹)

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ إِلَّا رِجالًا نُوحِی إِلَیْهِمْ‏ أی: من کان فیه بقیّه من الرجولیه من أهل قرى الصفات و المقامات لا من مصر الذات، فإن البقاء الحاصل لأهل التمکین لا یکون إلا بقدر الفناء. و الرجوع إلى الخلق لا یکون إلا على حسب العروج. فالفناء التام و العروج الکامل لا یکون إلا للقطب الذی هو صاحب الاستعداد الکامل الذی لا رتبه إلا قد یبلغها و یلزم أن یکون الرجوع التامّ الشامل لجمیع تفاصیل الصفات عند البقاء له و هو الخاتم و لهذا

قال علیه الصلاه و السلام: «کان بنیان النبوّه تم و رصف و بقی منه موضع لبنه واحده، فکنت أنا تلک اللبنه».

و إلى هذا المعنى‏ أشار بقوله صلى اللّه علیه و سلم: «بعثت لأتمم مکارم الأخلاق» .

 أَ فَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ‏ أرض استعدادهم‏ فَیَنْظُرُوا کَیْفَ کانَ‏ نهایه أمر الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ و غایه کمالهم، فیبلغوا منتهى إقدامهم و یحصلوا کمالاتهم بحسب استعداداتهم، فإنّ لکل أحد خاصیه و استعداده الخاص یقتضی سعاده خاصه هی عاقبته، و من الاطلاع على خواص النفوس و غایات إقدامهم فی السیر یحصل للنفس هیئه اجتماعیه من تلک الکمالات هی کمال الأمّه المحمدیه على حسب اختلاف استعداداتهم و هی الدار الآخره التی هی خیر للذین اتّقوا صفات نفوسهم التی هی حجب الاستعدادات‏ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ أنّ هذا المقام خیر مما أنتم علیه من الدار الفانیه و تمتعاتها، فإنها لَهِیَ الْحَیَوانُ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ‏[۴].

 

 

 

[۱۱۰]

[سوره یوسف (۱۲): آیه ۱۱۰]

حَتَّى إِذَا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّیَ مَنْ نَشاءُ وَ لا یُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ (۱۱۰)

حَتَّى إِذَا اسْتَیْأَسَ الرُّسُلُ‏ أی: ساروا و اتّقوا و تراخى فتحهم و نصرهم فی الکشوف على کفره قوى النفس حتى إذا استیأس الرسل الذین هم أشراف القوم من بلوغ الکمال‏ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ کذّبتهم ظنونهم فی استعدادهم للکمال أو رجائهم‏ جاءَهُمْ نَصْرُنا بالتأیید و التوفیق من إمداد أنوار الملکوت و الجبروت‏ فَنُجِّیَ مَنْ نَشاءُ من أهل العنایه من الرسل و أتباعهم‏ وَ لا یُرَدُّ قهرنا بالحجب و التعذیب‏ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِینَ‏ بإظهار صفات نفوسهم على قلوبهم فیکسبونها الهیئات الغاسقه الحاجبه المؤذیه.

 

 

 

[۱۱۱]

[سوره یوسف (۱۲): آیه ۱۱۱]

لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَهٌ لِأُولِی الْأَلْبابِ ما کانَ حَدِیثاً یُفْتَرى‏ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَ تَفْصِیلَ کُلِّ شَیْ‏ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَهً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (۱۱۱)

لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَهٌ أی: ما یعبر بها عن ظاهرها إلى باطنها، کما عبرنا فی قصه یوسف علیه السلام لأولی العقول المجرّده عن قشور الوهمیات الخالصه عن غشاوات الحسیّات‏ ما کانَ‏ هذا القرآن‏ حَدِیثاً یُفْتَرى‏ من عند النفس‏ وَ لکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی‏ کان ثابتا قبله فی اللوح‏ وَ تَفْصِیلَ کُلِّ شَیْ‏ءٍ أجمل فی عالم القضاء و هدایه إلى التوحید وَ رَحْمَهً بالتجلیات الصفاتیه من وراء أستار آیاته‏ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ‏ بالغیب لصفاء الاستعداد.


[۱] ( ۱) سوره الزمر، الآیه: ۲۹.

[۲] ( ۲) سوره القمر، الآیه: ۵۰.

[۳] ( ۱) سوره ص، الآیه: ۲۶.

[۴] ( ۱) سوره العنکبوت، الآیه: ۶۴.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

دکمه بازگشت به بالا
-+=