تفسیر ابن عربى(رحمه من الرحمن) سوره الأعراف آیه۱۴۶-۲۰۶
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۴۴]
قالَ یا مُوسى إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِی وَ بِکَلامِی فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ (۱۴۴)
فشهد اللّه لموسى أنه اصطفاه على الناس برسالاته و بکلامه ثم قال له: «فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ» و لا شک أن موسى قد شکر اللّه على نعمه الاصطفاء و نعمه الکلام شکرا واجبا مأمورا به، فیزیده اللّه لشکره نعمه رؤیته إیاه- إشاره- أمره أن یکون من الشاکرین لیزید فی القرب و التمکین.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۴۵]
وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْعِظَهً وَ تَفْصِیلاً لِکُلِّ شَیْءٍ فَخُذْها بِقُوَّهٍ وَ أْمُرْ قَوْمَکَ یَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِیکُمْ دارَ الْفاسِقِینَ (۱۴۵)
«وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ» ألواح موسى «مِنْ کُلِّ شَیْءٍ» و هو اللوح المحفوظ «مَوْعِظَهً وَ تَفْصِیلًا لِکُلِّ شَیْءٍ» ففصلت الکتب المنزله مجمل اللوح المحفوظ، و أبانت عن موعظته فاللوح المحفوظ هو المعبر عنه بکل شیء فی الکتاب العزیز من باب الإشاره و التنبیه، تسمیه إلهیه، و منه کتب اللّه کتبه و صحفه المنزله على رسله- إشاره- کان فی ألواح موسى علیه السلام تفصیل کل شیء علم، و لمحمد صلّى اللّه علیه و سلم جوامع الکلم.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۴۶]
سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ یَرَوْا کُلَّ آیَهٍ لا یُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلاً ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ کانُوا عَنْها غافِلِینَ (۱۴۶)
اعلم أن اللّه ما صرف أحدا عن الآیات إلا و قد صرفه عن العلم بالأمر على ما هو علیه الأمر و الشأن، و الآیات التی صرف العبد عنها هی الآیات التی أراها لمن أراها فی الآفاق و فی أنفسهم حتى یتبین لهم أنه الحق، فلا تکن من الذین صرفوا عن الآیات، فإن الذین صرفوا عنها حجبوا بنفوسهم، فنسبوا إلیها ما لیس لها، فعموا عن الآیات، فحلّت بهم الآفات- الوجه الثانی- الآیه هنا من حیث کونها معجزه لا من حیث کونها آیه فقط، فإن المعجزه إذا کانت مقدوره للبشر ادعی الصرف عنها مطلقا، فلا تظهر إلا على یدی من هو رسول إلى یوم القیامه، فإن المعجزات نصبت للخصم الألد الفاقد نور الإیمان، لذلک قال تعالى: «الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ» فمن تکبر من الخلق بغیر الحق فما هو کبیر فی نفس الأمر،
و إنما هی دعوى حال لا وجود له فی عین المدعی، و الحق هو الذی له الکبریاء، فما سمی متکبرا إلا لکون الدعوى ما ظهرت إلا فی محل ما له الکبریاء، فالمتکبر فی الأرض بغیر الحق أجهل الجاهلین، لأنه وضع الکبریاء فی غیر موضعه، إذ من شرطه أمران: الواحد: الحق الذی یقبله المخلوق، و الثانی: العلو، و من تکبر فی الأرض بالحق، فالحق له العلو بالذات و السمو، لم یصرف اللّه عنه الآیات، فیریه إیاها تشریفا، فإذا رآها تبیّن له عین الحق، فإنه ما رآها إلا بالحق، و الموفقون هم الذین إذا رأوا سبیل الرشد اتخذوه سبیلا، فیمشی بهم إلى السعاده الأبدیه، فإنهم نسبوا تکوین الآیات إلى الحق، و أن قوى سلطان الطبیعه إنما هو فی قبولها لما یکونه الحق فیها، و أما الذین نسبوا التکوین إلى الطبیعه و أضافوه إلیها و نسوا الحق بها فأنساهم أنفسهم إذ صرفهم عن آیات أنفسهم «وَ کانُوا عَنْها» «غافِلِینَ» فللطبیعه القبول، و للحق الوهب و التأثیر.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۴۷ الى ۱۴۸]
وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَهِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ یُجْزَوْنَ إِلاَّ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (۱۴۷) وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ یَرَوْا أَنَّهُ لا یُکَلِّمُهُمْ وَ لا یَهْدِیهِمْ سَبِیلاً اتَّخَذُوهُ وَ کانُوا ظالِمِینَ (۱۴۸)
لما علم السامری أنّ حب المال یلصق بالقلوب صاغ لهم العجل بمرأى منهم من حلیهم، لعلمه أن قلوبهم تابعه لأموالهم، فسارعوا إلى عبادته حین دعاهم إلى ذلک، و إنما کان عجلا، لأن السامری لما مشى مع موسى علیه السلام فی السبعین الذین مشوا معه، کشف اللّه عنه غطاء بصره، فما وقعت عیناه إلا على الملک الذی على صوره الثور، و هو من حمله العرش، لأنهم أربعه، واحد على صوره أسد، و آخر على صوره نسر، و آخر على صوره ثور، و رابع على صوره إنسان، فلما أبصر السامری الثور تخیل أنه إله موسى الذی یکلمه، فصور لهم العجل و قال: «هذا إِلهُکُمْ وَ إِلهُ مُوسى» و صاغه من حلیهم لیتبع قلوبهم أموالهم، لعلمه أن المال حبه منوط بالقلب، و علم أن حب المال یحجبهم أن ینظروا فیه، هل یضر أو ینفع أو یرد علیهم قولا إذا سألوه؟
و قال لهم هارون: (یا قوم إنما فتنتم به) أی اختبرتم به لتقوم الحجه للّه علیکم إذا سئلتم (و إن ربکم الرحمن) و من رحمته بکم أن أمهلکم و رزقکم مع کونکم اتخذتم إلها تعبدونه غیره سبحانه، ثم قال لهم: (فَاتَّبِعُونِی)* لما علم أن فی اتباعهم إیاه الخیر (وَ أَطِیعُوا أَمْرِی) لکون موسى علیه السلام أقامه فیهم نائبا عنه، فقالوا: (لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ) یریدون عباده العجل (عاکفین) أی ملازمین (حَتَّى یَرْجِعَ إِلَیْنا مُوسى) الذی بعث إلینا و أمرنا بالإیمان به، فحجبهم هذا النظر أن ینظروا فیما أمرهم به هارون علیه السلام، و أما الخوار فإنه من الأثر المقبوض من وطء الروح، فقبض السامری من أثر جبریل لما علم أن الروح تصحبه الحیاه حیث حلّ، فرمى ما قبضه فی العجل فخار العجل بذلک الأثر المقبوض، و لو رماه فی شکل فرس لصهل، أو شکل إنسان نطق، فإن الاستعداد لما ظهر بالحیاه إنما کان للقابل.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۴۹ الى ۱۵۰]
وَ لَمَّا سُقِطَ فِی أَیْدِیهِمْ وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ یَرْحَمْنا رَبُّنا وَ یَغْفِرْ لَنا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِینَ (۱۴۹) وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کادُوا یَقْتُلُونَنِی فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ (۱۵۰)
«وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ» وجدهم قد فعلوا ما فعلوا «غَضْبانَ» على قومه «أَسِفاً» علیهم لما فعلوه من اتخاذهم العجل إلها «قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِی مِنْ بَعْدِی» لما ترک موسى قومه خلفه و سار إلى ربه سماهم خلفاء، و ما استخلفهم و لکنه ترکهم خلفه «أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ» من یده «وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْهِ» عقوبه له بتأنیه فی قومه، و لو لم یلق موسى الألواح ما أخذ برأس أخیه، فإن فی نسختها الهدى و الرحمه تذکره لموسى، فکان یرحم أخاه بالرحمه، و تتبین مسألته مع قومه بالهدى، فناداه هارون علیه السلام بأمه، فإنها محل الشفقه و الحنان «قالَ ابْنَ أُمَّ» لا تأخذ بلحیتی و لا برأسی «إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِی وَ کادُوا یَقْتُلُونَنِی» کما قال له أیضا (إِنِّی خَشِیتُ) لما وقع ما وقع من قومک، أن تلومنی على ذلک، و تقول: (فَرَّقْتَ بَیْنَ بَنِی إِسْرائِیلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ) أی تلزم (قَوْلِی) الذی أوصیتک به «فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِی مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ» فهذا هارون الخلیفه العلی، المنیع السنی، سقاه کأس الذل، من أوى إلى الظل، فناداه بذات الرحم، و قد علم أنه لا عاصم الیوم من أمر اللّه إلا من رحم، فسوى بینهما فی النور و الضیاء، و تبرزا فی صدر الخلفاء
[- إشاره- أ تعرف ما جزاء من استخلف فی مقام الإحسان؟]
– إشاره- أ تعرف ما جزاء من استخلف فی مقام الإحسان؟ أن یأخذ بلحیته کلیم الرحمن، أی أن العبد ما دام فی عبودیته، کانت السلامه له مصاحبه، فإذا قبل النیابه فی الخلافه فقد تلبسها و ظهر بأوصافها، و أبطن عبودیته، فحینئذ یبتلى بمن یأخذ بلحیته للاختبار- إشاره- لا شک أن هارون علیه السلام أعلى رتبه ممن قال من العارفین: إن
[فى ان الوجود ینعدم فی حقهم]
الوجود ینعدم فی حقهم، فلا یرون إلا اللّه و لا یبقى للعالم عندهم ما یلتفتون به إلیه فی جنب اللّه، و مع ذلک فقد أخبرنا الحق عنه أنه قال لأخیه موسى فی وقت غضبه «فَلا تُشْمِتْ بِیَ الْأَعْداءَ» فجعل لهم قدرا، و هذا هو الواقع، لأن العالم ما زال عند من زال عندهم فی نفس الأمر، فنقصهم من العلم بما هو الأمر علیه على قدر ما فاتهم، فعندهم عدم العالم، فنقصهم من الحق على قدر ما انحجب عنهم من العالم، فإن العالم کله هو عین تجلی الحق لمن عرف الحق، ثم رد موسى علیه السلام وجهه إلى السامری فقال له: (فَما خَطْبُکَ) أی ما حدیثک (یا سامِرِیُّ) فقال له السامری ما رآه من صوره الثور الذی هو أحد حمله العرش، فظن أنه إله موسى الذی یکلمه، فلذلک صنعت لهم العجل، و علمت أن جبریل ما یمر بموضع إلا حیی به، لأنه روح، فلذلک قبضت من أثره، لعلمه بتلک القبضه، فنبذتها فی العجل فخار، فما فعله السامری إلا عن تأویل فضلّ و أضلّ، و قبل موسى علیه السلام عذر أخیه، و أما الذین عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفکری حقه للاحتمال الداخل فی القصه، فما عذرهم الحق، و لا وفّى عابدوه النظر فی ذلک.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۵۱]
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ لِأَخِی وَ أَدْخِلْنا فِی رَحْمَتِکَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ (۱۵۱)
«وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ» بعباده.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۵۲ الى ۱۵۴]
إِنَّ الَّذِینَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَیَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّهٌ فِی الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ کَذلِکَ نَجْزِی الْمُفْتَرِینَ (۱۵۲) وَ الَّذِینَ عَمِلُوا السَّیِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَ آمَنُوا إِنَّ رَبَّکَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۵۳) وَ لَمَّا سَکَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَ فِی نُسْخَتِها هُدىً وَ رَحْمَهٌ لِلَّذِینَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُونَ (۱۵۴)
لما سکن عن موسى الغضب أخذ الألواح، فما وقعت عیناه مما کتب فیها إلا على الهدى و الرحمه، فإنه بالضدّ یزول الضد، فقال: «رَبِّ اغْفِرْ لِی وَ لِأَخِی وَ أَدْخِلْنا فِی رَحْمَتِکَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ» و من لم یلزم الأدب الشرعی لم یغضب للّه، و الغضب للّه أسلم و أنجى و أحسن بالإنسان، فإن فیه لزوم الأدب المشروع، و لما کان الغضب فی أصل جبله الإنسان، کالجبن و الحرص و الشره، بیّن الحق له مصارف إذا وقع من العبد و اتصف به، و للتسلیم محال و مواضع قد شرعت، التزم بها الأدباء، حالا و غاب عنها أصحاب الأحوال، و لعدم التسلیم محال و مواضع قد شرعت، فالأدیب هو الواقف من غیر حکم حتى یحکم الشارع الحق، و هو خیر الحاکمین، فإذا وقف الأدیب حیث حکم لا یزید و لا ینقص، و الغضب صفه باطنه فی الإنسان قد یکون لها أثر فی الظاهر و قد لا یکون، فإن الحال أغلب، و الأحوال یعلو بعضها على بعض فی القهر و الغلبه على من قامت بهم، و أما الغضب لغیر اللّه، فالطبع البشری یقتضی الغضب و الرضى، یقول رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم: [إنما أنا بشر أغضب کما یغضب البشر و أرضى کما یرضى البشر]- الحدیث-.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۵۵]
وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلاً لِمِیقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَهُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِیَّایَ أَ تُهْلِکُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِیَ إِلاَّ فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِی مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِیُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغافِرِینَ (۱۵۵)
جزى اللّه عنا موسى علیه السلام خیرا، إذ ترجم عنا بقوله: «إِنْ هِیَ إِلَّا فِتْنَتُکَ» أی اختبارک، اختبرت بها عبادک «تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ» أی تحیره «وَ تَهْدِی مَنْ تَشاءُ» أی تبین له طریق نجاته فیها «أَنْتَ وَلِیُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَیْرُ الْغافِرِینَ» بستر جلاله، و أی غفر أشد من حیره العقول، و ما خاطب الحق إلا العقول، و نصب أدلتها متقابله، فما أثبته دلیل نفاه الآخر، فاختبرت عبادک بالأدله، و ما ثم دلیل یوصل إلیک.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۵۶]
وَ اکْتُبْ لَنا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَهً وَ فِی الْآخِرَهِ إِنَّا هُدْنا إِلَیْکَ قالَ عَذابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ فَسَأَکْتُبُها لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاهَ وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ (۱۵۶)
«وَ اکْتُبْ لَنا فِی هذِهِ الدُّنْیا حَسَنَهً وَ فِی الْآخِرَهِ إِنَّا هُدْنا إِلَیْکَ» رجعنا عما کنا علیه من مخالفتک، من حال البطر و الأشر و کفران النعم، إلى حال التوبه و الافتقار «قالَ عَذابِی أُصِیبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ» ثم قال تعالى مبالغه فی الرحمه الواجبه و الامتنانیه
[ «وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ»]
: «وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ» و هی رحمه الامتنان، و هی الرحمه العامه التی یرحم اللّه بها العالم من عین المنه، لا الرحمه الواجبه المخصوصه، فإن الرحمه جعلها اللّه لخلقه، فمنا من تفیض علیه الرحمه من خزائن الوجوب، و منا من تفیض علیه الرحمه من خزائن المنن، فالکل طامع، و المطموع فیه واسع (إِنَّ رَبَّکَ واسِعُ الْمَغْفِرَهِ) أ ترى هذه السعه الربانیه تضیق عن شیء و هی لم تضق عن الممکنات إذ کانت فی الشر المحض و هو العدم؟ فکیف تضیق عن الممکنات إذ هی فی الشر المشوب؟
فقوله تعالى: «وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ» وجد و یوجد إلى غیر نهایه، فبرحمه اللّه یحیا و یرزق کل موجود سوى اللّه، فالرحمه شامله، و هی فی کل موطن بحسب ذلک الموطن، فأثرها فی النار بخلاف أثرها فی الجنه، فوسعت کل شیء من مکروه و غیره، و غضب و غیره، فما فی العالم عین قائمه و لا حال إلا و رحمه اللّه تشمله و تحیط به، و هی محل له، و لا ظهور له إلا فیها، و الرحمه حکم لا عین، فإنها لو کانت عینا وجودیه لانتهت و ضاقت عن حصول ما لا یتناهى فیها و إنما هی حکم یحدث فی الموجودات بحدوث أعیان الموجودات، و غضبه تعالى شیء، فقد وسعته الرحمه و حصرته و حکمت علیه، فلا یتصرف إلا بحکمها، فترسله إذا شاءت، و تمسکه إذا شاءت، و من ذلک أن ملائکه العذاب قد وسعتهم الرحمه کسائر الأشیاء، فیمنعهم ما وسعهم منها عن مقاومه الرحمه، فیجدون فی نفوسهم رحمه بأهل النار، لأنهم یرون اللّه قد تجلى فی غیر صوره الغضب الذی کان قد حرضهم على الانتقام من الأعداء، فیشفعون عند اللّه فی حق أهل النار الذین لا یخرجون منها، فیکونون لهم بعد ما کانوا علیهم، فیقبل اللّه شفاعتهم فیهم، و قد حقت الکلمه الإلهیه أنهم عمار تلک الدار، فیجعل الحکم فیهم للرحمه التی وسعت کل شیء، فأعطاهم فی جهنم نعیم المقرور و المحرور، لأن نعیم المقرور بوجود النار، و نعیم المحرور بوجود الزمهریر، فتبقى جهنم على صورتها ذات حر و زمهریر، و یبقى أهلها متنعمین فیها بحرها و زمهریرها، فمآل الکل إلى الرحمه و إن تخلل الأمر آلام و عذاب و علل و أمراض مع حکم الاسم الرحمن،
فإنما هی أعراض عرضت فی الأکوان دنیا و آخره، فانقسمت رحمته تعالى بعباده إلى واجبه و امتنان، فبرحمه الامتنان ظهر العالم، و بها کان مآل أهل الشقاء إلى النعیم فی الدار التی یعمرونها، و ابتداء الأعمال الموجبه لتحصیل الرحمه الواجبه، و هی الرحمه التی قال اللّه فیها، لنبیه صلّى اللّه علیه و سلم على طریق الامتنان (فَبِما رَحْمَهٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) (وَ ما أَرْسَلْناکَ إِلَّا رَحْمَهً لِلْعالَمِینَ) رحمه امتنان، و بها رزق العالم کله فعمت، و الرحمه الواجبه لها متعلق خاص بالنعت و الصفات التی ذکرها اللّه فی کتابه فقال: «فَسَأَکْتُبُها» یعنی الرحمه الواسعه، فأدخلها تحت التقیید بعد الإطلاق من أجل الوجوب، فهی الرحمه التی أوجبها على نفسه «لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاهَ وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ» و هذه کلها واجبات، فأوجب الرحمه لهم بلا شک، و استوجب هؤلاء هذه الرحمه على ربهم فی موطن، بکونهم یتقون و یؤتون الزکاه على مفهوم الزکاه لغه و شرعا «وَ الَّذِینَ هُمْ بِآیاتِنا یُؤْمِنُونَ» فما کتب اللّه على نفسه ما کتب إلا لمن قام بحق النیابه عنه فیما استنابه، و لیس إلا المتقین، و هم الذین جعلوا اللّه وقایه لهم منه، و من کل شیء یکون منه، کما جعلهم اللّه وقایه بینه و بین ما ذمّه من الأمور مما هو خلق للّه، فینسب ذلک إلى الآله التی وقع بها الفعل، فلما وفّاه وقاه، و صح له ما کتب على نفسه، و ما عدا هؤلاء فهم أهل المنن، فنالوا أغراضهم على الاستیفاء، ثم ان اللّه امتن علیهم بعد ذلک بالمغفره و الرحمه التی عم حکمها، و منهم من لم یتق فیخصه بالحرمه المطلقه، و هی رحمه الامتنان و لا تتقید بحصر- تحقیق- قوله تعالى: «وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ» فیها علم دقیق خفی لا یشعر به لخفائه مع ظهوره، فإن العلماء باللّه قد علموا شمول الرحمه، و المؤمنون قد علموا اتساعها، ثم یرونها مع الشمول و الاتساع، ما لها صوره فی بعض المواطن، و مع کونها ما لها صوره ظاهره فی بعض المواطن فإن الحکم لها فی ذلک الموطن الذی ما لها فیه صوره، و لا یکون لها حکم إلا بوجودها، و لکن هو خفی لبطونها، جلی لظهور حکمها، و أکثر ما یظهر ذلک فی صنعه الطب و إقامه الحدود، فاللّه یقول فی إقامه الحدود فی حد الزانی و الزانیه (وَ لا تَأْخُذْکُمْ بِهِما رَأْفَهٌ فِی دِینِ اللَّهِ) فهذا عین انتزاع الرحمه بهم،
و إقامه الحدود من حکم الرحمه و ما لها عین ظاهره، و کالطب إذا قطع الطبیب رجل صاحب الأکله، فإن رحمه فی هذا الموطن و لم یقطع رجله هلک، فحکم الرحمه حکم بقطع رجله و لا عین لها، فللرحمه موطن تظهر فیه بصورتها، و لها موطن تظهر فیه بحکمها، فیتخیل أنها قد انتزعت من ذلک المحل، و لیس کذلک، و فی الأحکام الشرعیه فی هذه المسأله خفاء إلا لمن نور اللّه بصیرته، فإن القاتل ظلما قد نزع اللّه الرحمه من قلبه فی حق المقتول، و هو تحت حکم الرحمه فی قتله ظلما، و بقی حکمها فی القاتل، فإما أن یقاد منه، و إما أن یموت فیکون فی المشیئه، و إن کان القاتل کافرا فإما أن یسلم فتظهر فیه الرحمه بصورتها، و حیثما کانت الرحمه بالصوره کانت بالحکم، و قد تکون بالحکم و لا تکون بالصوره.
و اعلم أن الرحمه الإلهیه التی أوجدها اللّه فی عباده لیتراحموا بها مخلوقه من الرحمه الذاتیه التی أوجد اللّه بها العالم حین أحب أن یعرف، و بها کتب على نفسه الرحمه، و هذه الرحمه المکتوبه منفعله عن الرحمه الذاتیه، و الرحمه الامتنانیه هی التی وسعت کل شیء، فرحمه الشیء لنفسه تمدها الرحمه الذاتیه و تنظر إلیها، و فیها یقع الشهود من کل رحیم بنفسه، و أما رحمه الراحم بمن أساء إلیه و ما یقتضیه شمول الإنعام الإلهی و الاتساع الجودی، فلا مشهد لها إلا رحمه الامتنان، و هی الرحمه التی یترجاها إبلیس فمن دونه، لا مشهد لهؤلاء فی الرحمه المکتوبه و لا فی الرحمه الذاتیه، و بهذا کان اللّه و الرحمن دون غیر الرحمن من الأسماء له الأسماء الحسنى، فجمیع الأسماء دلائل على الاسم الرحمن و على الاسم اللّه، و لکن أکثر الناس لا یشعرون، فإن الرحمه الإلهیه وسعت کل شیء، فما ثم شیء لا یکون فی هذه الرحمه، إن ربک واسع المغفره، فلا تحجروا واسعا، فإنه لا یقبل التحجیر، قال بعض الأعراب: یا رب ارحمنی و محمدا و لا ترحم معنا أحدا. و النبی صلّى اللّه علیه و سلم یسمعه. فقال النبی صلّى اللّه علیه و سلم: یا هذا لقد حجّرت واسعا، یعنی حجّرته قولا و طلبه، قال سهل بن عبد اللّه: لقیت إبلیس فعرفته و عرف منی أنی عرفته، فوقعت بیننا مناظره، فقال لی و قلت له، و علا بیننا الکلام و طال النزاع، بحیث أن وقفت و وقف، و حرت و حار، فکان من آخر ما قال لی: یا سهل اللّه عزّ و جل یقول:
«وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ» فعمّ، و لا یخفى علیک أنی شیء بلا شک، لأن لفظه کل تقتضی الإحاطه و العموم، و شیء أنکر النکرات، فقد وسعتنی رحمته، قال سهل: فو اللّه لقد أخرسنی و حیّرنی بلطافه سیاقه، و ظفره بمثل هذه الآیه، و فهم منها ما لم نفهم، و علم منها ما لم نعلم، فبقیت حائرا متفکرا و أخذت أتلو الآیه فی نفسی، فلما جئت إلى قوله تعالى: «فَسَأَکْتُبُها» الآیه، سررت و تخیلت أنی قد ظفرت بحجه و ظهرت علیه بما یقصم ظهره، و قلت له: یا ملعون إن اللّه قد قیدها بنعوت مخصوصه یخرجها من ذلک العموم، فقال: «فَسَأَکْتُبُها» فتبسم إبلیس و قال: یا سهل ما کنت أظن أن یبلغ بک الجهل هذا المبلغ، و لا ظننت أنک هاهنا، أ لست تعلم یا سهل أن التقیید صفتک لا صفته؟
قال سهل:فرجعت إلى نفسی و غصصت بریقی، و أقام الماء فی حلقی، و و اللّه ما وجدت جوابا، و لا سددت فی وجهه بابا، و علمت أنه طمع فی مطمع، و انصرف و انصرفت، و و اللّه ما أدری بعد هذا ما یکون، فإن اللّه سبحانه ما نص بما یرفع هذا الإشکال، فبقی الأمر عندی على المشیئه منه فی خلقه، لا أحکم علیه فی ذلک بأمد ینتهی أو بأمد لا ینتهی، فهذا إبلیس ینتظر رحمه اللّه أن تناله من عین المنه و الجود المطلق، الذی به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب، و به تاب على من تاب و أصلح، فالحکم للّه العلی الکبیر عن التقیید فی التقیید، فلا یجب على اللّه إلا ما أوجبه على نفسه، و بقیت الرحمه مطلقه ینتظرها من ینتظرها من عین المنه التی کان منها وجوده، فمهما رأیت الوجوب فاعلم أن التقیید یصحبه، فإن اللّه تعالى رحمن بعموم رحمته التی وسعت کل شیء، رحیم بما أوجب على نفسه لعباده، فهو رحمن فی العموم، رحیم فی الخصوص، و هو رحمن برحمه الامتنان، رحیم بالرحمه الخاصه، و هی الواجبه فی قوله: «فَسَأَکْتُبُها لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ» الآیات، و قوله: (کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَهَ) و أما رحمه الامتنان فهی التی تنال من غیر استحقاق بعمل، و برحمه الامتنان رحم اللّه من وفقه للعمل الصالح الذی أوجب له الرحمه الواجبه، و بها نال العاصی و أهل النار إزاله العذاب و إن کان مسکنهم و دارهم جهنم. و من صفه من وجبت لهم الرحمه:-
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۵۷]
الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الْأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنْدَهُمْ فِی التَّوْراهِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّباتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبائِثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (۱۵۷)
الضمیر فی «یَجِدُونَهُ» و «یَأْمُرُهُمْ» یعود على أهل الکتاب، بأنه نبی مبعوث إلیهم أیضا فی کتبهم، فمن إیمانهم بکتبهم إیمانهم به صلّى اللّه علیه و سلم، فما آمن أهل الکتاب بکل ما أتى به موسى و عیسى علیهما السلام، و لو آمنوا بکل ما أتى به موسى و عیسى علیهما السلام لآمنوا بمحمد صلّى اللّه علیه و سلم و بکتابه «وَ یَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِی کانَتْ عَلَیْهِمْ» و هی الأعباء الثقال، و هؤلاء المذکورون طائفه مخصوصه من أهل الکتاب، فخرج من لیس بأهل الکتاب من هذا التقیید الوجوبی، و بقی الحق رحمانا على الإطلاق، فمن عباد اللّه من یبسط رحمه اللّه على عباده طائعهم و عاصیهم، و من عباد اللّه من یرید إزاله رحمه اللّه عن بعض عباده، و هو الذی یحجّر رحمه اللّه التی وسعت کل شیء، و لا یحجرها على نفسه، و صاحب هذه الصفه لو لا أن اللّه سبقت رحمته غضبه، لکان هذا الشخص ممن لا یناله رحمه اللّه أبدا، فإن إبلیس لما رأى منه اللّه قد سرت فی العالم، طمع فی رحمه اللّه من عین المنه لا من عین الوجوب الإلهی، فعمّ کل الأشیاء اتساع رحمته تعالى، فمن حجّر رحمه اللّه فما حجرها إلا على نفسه، و لو لا أن الأمر على خلاف ذلک، لم ینل رحمه اللّه من حجرها و قصرها، و لکن و اللّه ما یستوى حکم رحمه اللّه فیمن حجرها بمن لم یحجرها و أطلقها من عین المنه، فما من شیء إلا و هو طامع فی رحمه اللّه، فمنهم من تناله بالوجوب، و منهم من تناله بحکم المنه.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۵۸]
قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ یُحیِی وَ یُمِیتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِیِّ الْأُمِّیِّ الَّذِی یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ کَلِماتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (۱۵۸)
أرسل رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم إلى الناس کافه بشیرا و نذیرا و داعیا إلى اللّه بإذنه و سراجا منیرا، فبلغ الرساله و أدى الأمانه و دعا إلى اللّه عزّ و جل على بصیره، و قال له تعالى: «قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ یُحیِی وَ یُمِیتُ»
[هو توحید الملک]
و هذا هو التوحید التاسع، توحید الهویه فی الاسم المرسل، و هو توحید الملک، و لهذا نعته بأنه یحیی و یمیت، فمن أعطى أحیا و نفع، و من منع أضر و أمات، و من منع لا عن بخل کان منعه حمایه و عنایه وجودا من حیث لا یشعر الممنوع، و کان الضرر فی حقه حیث لم یبلع إلى نیل غرضه لجهله بالمصلحه فیما حماه عنه النافع، و مات هذا الممنوع لکونه لم تنفذ إرادته کما لا تنفذ إراده المیت، فهذا منع اللّه و ضرره و إماتته، فإنه المنعم المحسان، فأرسل الرسل بالتوحید تنبیها لإقرارهم فی المیثاق الأول «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ یُحیِی وَ یُمِیتُ» فهو سبحانه المحیی الذی یعطی الحیاه لکل شیء، فما ثمّ إلا حی، لأنه ما ثمّ إلا من یسبح اللّه بحمده، و لا یسبحه إلا حی، سواء کان میتا أو غیر میت، فإنه حی، لأن الحیاه للأشیاء فیض من حیاه الحق علیها، فهی حیه فی حال ثبوتها، و لو لا حیاتها ما سمعت قوله (کن) بالکلام الذی یلیق بجلاله فکانت، و إنما کان محییا لکون حیاه الأشیاء من فیض اسم الحی کنور الشمس من الشمس المنبسط على الأماکن، و لم تغب الأشیاء عنه لا فی حال ثبوتها و لا فی حال وجودها، فالحیاه لها فی الحالتین مستصحبه، فهو یحیی و یمیت، و لیس الموت بإزاله الحیاه فی نفس الأمر و عند أهل الکشف، و لکن الموت عزل الوالی و تولیه وال، لأنه لا یمکن أن یبقى العالم بلا وال یحفظ علیه مصالحه لئلا یفسد، أ لا ترى إلى المیت یسأل و یجیب إیمانا و کشفا، و أنت تحکم فی هذه الحاله أنه میت، و ما أزال عنه اسم الموت السؤال، فإن الانتقال موجود، فلو لا أنه حی فی حال موته ما سئل، فلیس الموت بضد الحیاه إن عقلت، فالموت عباره عن انتقال من منزل الدنیا إلى منزل الآخره، ما هو عباره عن إزاله الحیاه منه فی نفس الأمر، و إنما اللّه أخذ بأبصارنا، فلا ندرک حیاته، فالمیت عندنا ینتقل و حیاته باقیه علیه لا تزول، و إنما یزول الوالی، و هو الروح عن هذا الملک، الذی وکله اللّه بتدبیره أیام ولایته علیه، و المیت عندنا یعلم من نفسه أنه حی، و إنما تحکم علیه بأنه لیس بحی لوقوفک مع بصرک، و مع حکمک فی حاله قبل اتصافه بالموت من حرکه و نطق و تصرف، و قد أصبح متصرفا فیه لا متصرفا، و هو تنبیه من اللّه لنا أن الأمر کذا هو، التصرف فیه للحق لا لک، فی حال دعواک التصرف، فالموت انتقال خاص على وجه مخصوص، لذلک قال تعالى متمما «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ» فمن وحّده بلسان رسوله لا من لسانه جازاه اللّه على توحیده جزاء رسوله، فإن وحده لا بلسان رسوله بل بلسان رسالته جازاه مجازاه إلهیه لا تعرف، تدخل تحت قوله: ما لا عین رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۵۹ الى ۱۶۰]
وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّهٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (۱۵۹) وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَیْ عَشْرَهَ أَسْباطاً أُمَماً وَ أَوْحَیْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَهَ عَیْناً قَدْ عَلِمَ کُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَ ظَلَّلْنا عَلَیْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَیْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى کُلُوا مِنْ طَیِّباتِ ما رَزَقْناکُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لکِنْ کانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ (۱۶۰)
[عصا موسى]
– إشاره- ضرب موسى علیه السلام بعصاه الحجر فانفجر، و البحر المغلق فانفلق، لأن سر الحیاه فی العصا، فلذلک انفجر الحجر ماء، و سر القیومیه فیها فلذلک أظهرت فی البحر یبسا، فسر الحیاه فی النبات، و القیومیه تعطی التفرقه فانفرق البحر.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۶۱ الى ۱۶۳]
وَ إِذْ قِیلَ لَهُمُ اسْکُنُوا هذِهِ الْقَرْیَهَ وَ کُلُوا مِنْها حَیْثُ شِئْتُمْ وَ قُولُوا حِطَّهٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَکُمْ خَطِیئاتِکُمْ سَنَزِیدُ الْمُحْسِنِینَ (۱۶۱) فَبَدَّلَ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَیْرَ الَّذِی قِیلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما کانُوا یَظْلِمُونَ (۱۶۲) وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَهِ الَّتِی کانَتْ حاضِرَهَ الْبَحْرِ إِذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ إِذْ تَأْتِیهِمْ حِیتانُهُمْ یَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ یَوْمَ لا یَسْبِتُونَ لا تَأْتِیهِمْ کَذلِکَ نَبْلُوهُمْ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ (۱۶۳)
السبت الراحه و السبت السیر السریع فی اللسان، و للراحه تسمى یوم السبت سبتا، فیوم السبت یوم الراحه، فإنه سبحانه نظر إلى ما خلق فی یوم السبت، فاستلقى و وضع إحدى رجلیه على الأخرى، و قال أنا الملک، لظهور الملک، و لهذا سمی یوم السبت، و السبت الراحه، و لهذا أخبر تعالى أنه ما مسه من لغوب فیما خلقه، و اللغوب الإعیاء، فهی راحه لا عن إعیاء کما هی فی حقنا- من باب الإشاره لا التفسیر- «إِذْ یَعْدُونَ فِی السَّبْتِ» یتجاوزون بالراحه حدّها.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۶۴ الى ۱۶۷]
وَ إِذْ قالَتْ أُمَّهٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِکُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِیداً قالُوا مَعْذِرَهً إِلى رَبِّکُمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ (۱۶۴) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ أَنْجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِیسٍ بِما کانُوا یَفْسُقُونَ (۱۶۵) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ کُونُوا قِرَدَهً خاسِئِینَ (۱۶۶) وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکَ لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ إِلى یَوْمِ الْقِیامَهِ مَنْ یَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّکَ لَسَرِیعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ (۱۶۷)
و من هذه الحقیقه قال صلّى اللّه علیه و سلم: أعوذ برضاک من سخطک و بمعافاتک من عقوبتک.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۶۸]
وَ قَطَّعْناهُمْ فِی الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِکَ وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (۱۶۸)
«لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ» إلى اللّه، فالراجع إلى اللّه إنما یرجع من المخالفه إلى الموافقه، و من المعصیه إلى الطاعه.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۶۹ الى ۱۷۲]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْکِتابَ یَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ یَقُولُونَ سَیُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ یَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ یَأْخُذُوهُ أَ لَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِمْ مِیثاقُ الْکِتابِ أَنْ لا یَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِیهِ وَ الدَّارُ الْآخِرَهُ خَیْرٌ لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (۱۶۹) وَ الَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالْکِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاهَ إِنَّا لا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِینَ (۱۷۰) وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ کَأَنَّهُ ظُلَّهٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَیْناکُمْ بِقُوَّهٍ وَ اذْکُرُوا ما فِیهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ (۱۷۱) وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَهِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ (۱۷۲)
هذا هو المیثاق الثانی بعد وجود آدم، قبض الحق على ظهره و استخرج منه بنیه، و أشهدهم على أنفسهم، و هو العهد الخالص، أی الدین الخالص، و المیثاق الأول کان قبل وجود جسد آدم، و هو میثاق النبیین، و کما ذکرنا فی تفسیر قوله تعالى: (وَ أَوْحى فِی کُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) و أن لهذه النشأه الإنسانیه صورا مبثوثه فی العناصر و الأفلاک و السموات و الکرسی و العرش و اللوح و القلم، حتى فی العدم، کذلک لو لا ما کان لنا وجود فی صوره آدم العنصریه، معینین مرئیین متمیزین عند اللّه فی علمه و رؤیته و عندنا ما قلنا «بلى» أنت ربنا، فإن آدم علیه السلام لما أوجده اللّه و سواه کما سوى الأفلاک جعل لنا فی صورته صورا، مثل ما فعل فیما تقدم من المخلوقات، ثم قبض على تلک الصور المعینه فی ظهر آدم، و آدم لا یعرف ما یحوی علیه، کما أنّ کل صوره لنا فی کل فلک و مقام لا یعرف بها ذلک الفلک و لا ذلک المقام، و أنه للحق فی کل صوره لنا وجه خاص إلیه، من ذلک الوجه یخاطبنا، و من ذلک الوجه نرد علیه، و من ذلک الوجه نقر بربوبیته، فلو أخذنا من بین یدی آدم لعلمنا، فکان الأخذ من ظهره غیبا له، و أخذه أیضا معنا فی هذا المیثاق من ظهره، فإن له معنا صوره فی صورته، فشهد کما شهدنا، و لا یعلم أنه أخذ منه، أو ربما علم، فإنه ما نحن على یقین من أنه لم یعلم بأنه أخذ منه و لا بأنا أخذنا منه، فقد ورد فی الخبر المشهور الحسن الغریب [أن اللّه تجلى لآدم علیه السلام و یداه مقبوضتان فقال له: یا آدم اختر أیتهما شئت، فقال: اخترت یمین ربی و کلتا یدی ربی یمین مبارکه، قال: فبسطها، فإذا آدم و ذریته، فنظر إلى شخص من أضوئهم أو أضوئهم، فقال: من هذا یا رب؟
فقال اللّه له: هذا ابنک داود، فقال یا رب کم کتبت له؟ فقال أربعین سنه، فقال: یا رب و کم کتبت لی؟ فقال اللّه: ألف سنه، فقال: یا رب فقد أعطیته من عمری ستین سنه: فقال اللّه له: أنت و ذاک، فما زال یعد لنفسه حتى بلغ تسعمائه و أربعین سنه، فجاء ملک الموت لیقبض روحه، فقال له آدم: إنه بقی لی ستون سنه، فأوحى اللّه إلى آدم: أی آدم إنک وهبتها لابنک داود، فجحد آدم فجحدت ذریته، و نسی آدم فنسیت ذریته، فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم: فمن ذلک الیوم أمر بالکتاب و الشهود] فهذا آدم و ذریته صورا قائمه فی یمین الحق، و هذا آدم خارج عن تلک الید، و هو یبصر صورته و صور ذریته، فی ید الحق، فأخذ اللّه الصور من ظهر آدم و آدم فیهم، و أشهدهم على أنفسهم بمحضر من الملأ الأعلى و الصور التی لهم فی کل مجلى «أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى» فشهد على نطقهم من حضر ممن ذکرنا بالإقرار بربوبیته علیهم و عبودیتهم له، و هو قوله تعالى: «شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَهِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ» فلو کان له شریک فیهم لما أقروا بالملک له مطلقا، فإن ذلک موضع حق من أجل الشهاده، فنفس إقرارهم بالملک له بأنه ربهم هو عین نفی الشریک، و إنما قلنا ذلک لأنه لم یجر للتوحید هنا لفظ أصلا، و لکن المعنى یعطیه،
قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم فی هذه الآیه: إن اللّه لما خلق آدم قبض على ظهره فاستخرج منه کأمثال الذر فأشهدهم على أنفسهم، و من رحمه اللّه بخلقه فی أخذ العهد على الناس لما أخذهم اللّه من ظهور آبائهم، و أشهدهم على أنفسهم بربوبیته قالوا: «بلى» أنت ربنا، و لم یشهدهم بتوحیده، إبقاء علیهم، لعلمه أن فیهم من یشرک به إذا خرج إلى الدنیا، و تبریه من الشریک فی العقبى یوم العرض الأکبر، فإنه لم یذکر اللّه فی هذه الآیه عنا فی الأخذ المیثاقی إلا الإقرار بوجود اللّه لا بتوحیده، ما تعرض للتوحید فیها، فقال: «أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ» و لم یقل لهم (أ لست بواحد؟) لعلمه تعالى بأنه إذا أوجدهم أشرک بعضهم و وحد بعضهم «قالُوا بَلى» فاجتمعوا فی الإقرار له بالربوبیه، أی أنه سیدهم، و زاد المشرک الشریک، و قد یکون العبد مملوکا لاثنین بحکم الشرکه، فأی سید قال له (أ لست بربک؟) فلا بد أن یقول العبد بلى، و یصدق، فلهذا قلنا إن الإقرار إنما کان بوجود اللّه ربا له، أی مالکا و سیدا، فما کان التصدیق إلا بالوجود و الملک، لا بالتوحید، و إن کان فیه توحید فغایته توحید الملک،فکانت الفطره
إنما هی بوجود الحق و الملک لا بالتوحید، و بعد هذا المیثاق یولد کل بنی آدم على الفطره و هو قوله صلّى اللّه علیه و سلم: [کل مولود یولد على الفطره] و هو المیثاق الخالص لنفسه، فقولهم «بلى» هی الفطره التی ولد الناس علیها، و إلیها ینتهون، و من هنا نعلم أن الإیمان فی حق الرضیع أثبت، فإنه ولد على الفطره، فطره الإیمان، و هو إقراره بالربوبیه للّه تعالى على خلقه، حین الأخذ من الظهر و الإشهاد، و ما نقل إلینا أنه طرأ أمر أخرج الذریه عن هذا الإقرار و صحته قبل أن یولد، فلما ولد ولد على تلک الفطره الأولى، فإن الروح الإنسانی لما خلقه اللّه خلقه کاملا بالغا عاقلا عارفا مؤمنا بتوحید اللّه، مقرا بربوبیته، و هو الفطره التی فطر اللّه الناس علیها، و لو لا ما هو عاقل بذاته، و هو عقل لنفسه، ما أقر بربوبیه خالقه عند أخذ المیثاق منه بذلک، إذ لا یخاطب الحق إلا من یعقل عنه خطابه، و من هذا الجمع قال رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم: الأرواح أجناد مجنده، فإنه لما جمعهم جمعهم فی حضره التمثیل، فما کان وجها لوجه هناک تعارفوا هنا، و ما وقع ظهرا لظهر هناک تناکر هنا، و ما بینهما من وجه إلى ظهر و جانب و غیر ذلک، و بهذا الإقرار کل أحد یقر بهذه الشهاده فی الآخره، و لا ینکر و لا یدعی لنفسه ربوبیه، و ثبت بهذا الإقرار الاسترقاق للّه على بنی آدم، فطولبوا بالوفاء بحق العبودیه لهذا الإقرار، و لذلک فإن العبد إذا اشتراه الإنسان من غیره فمن شرطه أن یقر العبد لبائعه بالملک، و لا یسمع مجرد دعواه فی أنه مالک له، و لا یقوم على العبد حجه بقول سیده ما لم یعترف هو بالملک له، و یغفل عن هذا القدر کثیر من الناس، فإن الأصل الحریه، و استصحاب الأصل مرعی، و بعد الاعتراف بالملک صار الاسترقاق فی هذه الرقبه أصلا یستصحب، حتى تثبت الحریه إن ادعاها، هکذا هو الأمر، و لما أخذ اللّه تعالى المیثاق و العهد فی قوله تعالى: «أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ» ألقمه الحجر الأسود، و أمر بتقبیله تذکره، و أخبر بلسان الرسول صلّى اللّه علیه و سلم أن الحجر یمینه، و لا تصح المعصیه إلا بعد العقد، و لذلک کان الابتلاء أصله الدعوى، فمن لا دعوى له لا ابتلاء یتوجه علیه، و لهذا ما کلفنا اللّه حتى قال لنا: «أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ» فقلنا: «بَلى» فإقرارنا بربوبیته علینا عین إقرارنا بعبودیتنا له، و العبودیه بذاتها تطلب طاعه السید، فلما ادعینا ذلک، حینئذ کلفنا لیبتلی صدقنا فیما ادعیناه، و أوجدنا فی هذه الدنیا على تلک الفطره، فادعى المؤمن الإیمان و هو التصدیق بوجود اللّه و أحدیته و أنه لا إله إلا هو إلى غیر ذلک، فلما ادعى بلسانه أن هذا مما انطوى علیه جنانه، و ربط علیه قلبه، احتمل أن یکون صادقا فیما ادعاه أنه صفه له، و یحتمل أن یکون کاذبا فی أن ذلک صفه له، فاختبره اللّه لإقامه الحجه له أو علیه، بما کلفه من عبادته على الاختصاص، لا العباده الساریه بسریان الألوهیه،
و نصب له و بین عینیه الأسباب، و أوقف ما تمسّ حاجه هذا المدعی على هذه الأسباب، فلم یقض له بشیء إلا منها و على یدیها، فإن رزقه اللّه نورا یکشف به و یخترق سدف هذه الأسباب، فیرى الحق تعالى من ورائها مسببا اسم فاعل، أو یراه فیها خالقا و موجدا لحوائجه التی اضطره إلیها، فذلک المؤمن الذی هو على نور من ربه و بینه من أمره، الصادق فی دعواه، الموفی حق المقام الذی ادعاه، بالعنایه الإلهیه التی أعطاه، و من لم یجعل اللّه له نورا فما له من نور، قال بألوهیه الأسباب التی رزقه اللّه منها و جعلها حجبا بینه و بین اللّه، فأضاف الألوهه إلى غیر مستحقها، فکذب فی دعواه لکثره الأسباب، و إقراره فی شرکه بأن ذلک قربه منه إلى اللّه خالق الأسباب، فلم یصدق، و الذی لم یقل بنسبه الألوهه للأسباب، لکنه لم یر إلا الأسباب و ما حصل له من الکشف ما یخرجه عنها، مع توحید الألوهه، کان ذلک شرکا خفیا لا یشعر به صاحبه أنه شرک یحجبه عن الأمر العالی الذی طلب به، فلم یوجد صاحب هذه الدعوى فی توحید اللّه و توحیده فی أفعاله- مع الاضطراب عند فقد السبب و سکونه عند وجوده- صادقا، فنقصه على قدر ما فاته من ذلک، هذا و لم یجعل الأسباب آلهه، فاختبر اللّه العباد بما شرع لهم بإرسال الرسل، و اختبر اللّه المؤمنین بالأسباب، فکل صنف اختبره بحسب دعواه، و لما وضع اللّه الأسباب لم یرفعها فی حق أحد، و إنما أعطى بعض عباده من النور ما اهتدى به فی المشی فی ظلمات الأسباب، غیر ذلک ما فعل، فعاینوا من ذلک على قدر أنوارهم، فحجب الأسباب مسدله لا ترفع أبدا، فلا تطمع، و إن نقلک الحق من سبب،
فإنما ینقلک بسبب آخر، فلا یفقدک السبب جمله واحده، فإنه حبل اللّه الذی أمرک بالاعتصام به، و هو الشرع المنزل، و هو أقوى الأسباب و أصدقها، و بیده النور الذی یهتدى به فی ظلمات بر هذه الأسباب و بحرها، فمن عمل کذا و هو السبب، فجزاؤه کذا، فلا تطمع فیما لا مطمع فیه، و لکن سل اللّه رشه من ذلک النور على ذاتک «شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَهِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ»– نصیحه- اعلم أن الإنسان یغفل و یسهو و ینسى، و یرى لنفسه مرتبه سیاده فی وقت غفلته على غیره من العباد، فإذ و لا بد من هذا فلیجتهد أن یکون عند الموت عبدا محضا، لیس فیه شیء من السیاده على أحد من المخلوقین، و یرى نفسه فقیره إلى کلّ شیء من العالم من حیث فقره إلى اللّه
[قولهم: «بَلى»]
– تحقیق- اعلم أنه إذا انقطعت الأعمال من العبید التی کانت عن تکلیف مشروع لم تنقطع العباده، فإذا تناهى حد العمل الحسن و القبیح فی أهل الجنه و أهل النار، بقی جزاؤهم جزاء العباده فی السعداء، و جزاء العبودیه فی أهل النار، و هو جزاء لا ینقطع أبدا، فهذا أعطاهم اتساع الرحمه و شمولها، فإن المجرمین لم یزل عنهم شهود عبودیتهم و إن ادعوا ربانیه، فیعلمون من نفوسهم أنهم کاذبون، بما یجدونه، فتزول الدعوى بزوال أوانها، و تبقى علیهم نسبه العبودیه التی کانوا علیها فی حال الدعوى و قبل الدعوى، و یجنون ثمره قولهم: «بَلى» فکانوا بمنزله من أسلم بعد ارتداده، فحکم على الکل سلطان «بَلى» فأعقبهم سعاده بعد ما مسهم من الشقاء بقدر ما کانوا علیه فی زمان الدعوى، فما زال حکم «بَلى» یصحبهم من وقته إلى ما لا یتناهى دنیا و برزخا و آخره، و عرضت عوارض لبعض الناس أخرجتهم فی الظاهر عن حکم توحیدهم، بما ادعوه من الألوهه فی الشرکاء، فأثبتوه و زادوا، و کل عارض زائل، و حکمه یزول بزواله، و یرجع الحکم إلى الأصل، و الأصل یقتضی السعاده، فمآل الکل إن شاء اللّه إلیها مع عماره الدارین، و لکل واحده ملؤها، و الرحمه تصحبها کما صحبت هنا العبودیه لکل أحد ممن بقی علیها أو ادعى الربوبیه، فإنه ادعى أمرا یعلم من نفسه خلافه، فیرجع الأمر فی الآخره إلى حکم أخذ المیثاق بالرحمه التی وسعت کل شیء- إشاره- إنما کان الأخذ من ورائک، و لو کان من أمامک ما ضل أحد، التفسیر حمل الظهور على الظهر، و الإشاره حمله على الظهور الذی هو ضد الخفا، فکأنه یقول: أخذهم من ظهورهم لهم إلى ظهورهم له، فأقروا، أما قوله: (لو کان من أمامک ما ضل أحد) أی لو شهدتنی من کونی قادرا و لا سبیل إلى ذلک، و لما وقع حینئذ إنکار قط، و الأخذ إشاره إلى القهر.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۷۳ الى ۱۷۵]
أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَکَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ کُنَّا ذُرِّیَّهً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِکُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (۱۷۳) وَ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ وَ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ (۱۷۴) وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ الَّذِی آتَیْناهُ آیاتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّیْطانُ فَکانَ مِنَ الْغاوِینَ (۱۷۵)
و هو ابن باعورا، و کان قد آتاه اللّه العلم بخاصیه آیه من آیاته، فدعا بها على موسى علیه السلام و قومه، فأجابه اللّه فیما دعا فیه، و شقی هو فی نفسه و سلب اللّه عنه علم ذلک، و جعل مثله کمثل الکلب، و هنا نکته أحب بیانها و إن قلیلا ما یقع التنبیه علیها، و ربما غلط فیها قوم من حیث الجواز الإمکانی، و الوجود قد ثبت على أحد طرفی الممکن، فلا سبیل إلى انقلابه، و هو أن الحق سبحانه ما تجلى لشیء قط و احتجب عنه، و لا کتب فی قلبه إیمانا فمحاه، و کل من قال استتر عنی بعد التجلی، فما تجلى له قط، و لکن جلّی له فقال: هو هو، و لا ثبات للکون على حال، فتغیر علیه، فکذلک کتبه الإیمان و إتیان الآیات و البینات، إذا أعطیت فی القلوب و قامت شواهدها منها فلا تزال أبدا، فإذا أزیل عن شخص مثل هذا، فاعلم أنه ما کتب قط فی لوح قلبه، و لا کان رداء علیها، لکن کانت رداء علیه، و أعطی عبارتها و لسانها، لا أعیانها و وجودها، فمثل هذا العطاء یسترد و یزال، و لذلک قال:
«وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ الَّذِی آتَیْناهُ آیاتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها» فقوله: «فَانْسَلَخَ مِنْها» کما یسلخ الرجل من ثوبه، و الحیه من جلدها، فکانت علیه رداء کما ذکرنا، لم یکن عنده سوى النطق، فإذا نطق ظهر مکنون الاسم و أثره بالخاصیه، و لا یشترط فی الخواص المفرده تطهیر و لا تقدیس و لا حضور و لا جمعیه و لا کفر و لا إیمان، إلا بمجرد ما یکون النطق بتلک الحروف المعینه ظهر الأثر، و لو کان القائل غافلا عن نطقه، فدل على أن الآیات کانت على بلعام ابن باعورا فی الظاهر کالثوب، فإنه أعطی الحروف، فکان یفعل بالخاصیه لا بالصدق، فعمل بها فی غیر طاعه اللّه فأشقاه اللّه، و لو کان فی باطنه لمنعه الحیاء و المقام من الدعاء على نبی من الأنبیاء، و أجیب لخاص الاسم، و عوقب و جعل مثل الکلب، و نسی حروف ذلک الاسم.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۷۶ الى ۱۷۹]
وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذلِکَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَکَّرُونَ (۱۷۶) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ أَنْفُسَهُمْ کانُوا یَظْلِمُونَ (۱۷۷) مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِی وَ مَنْ یُضْلِلْ فَأُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ (۱۷۸) وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِکَ هُمُ الْغافِلُونَ (۱۷۹)
«لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها» فهم المحجوبون لا یعلمون و لا یشهدون، فالعین طریق، و العلم تحقیق، فما تنظر إلا لتعلم، و لا تخاطب إلا لتفهم، و التلبیس یدخل على البصر، و من استعمله العلم کان بحکم الفهم، فالشهاده على الخبر أقوى فی الحکم من شهاده البصر، فإذا أنصف الإنسان، فرق بین الإیمان و العیان، فالتصدیق بالخبر فوق الحکم بما یشهده البصر، فإذا أنصف الإنسان، فرق بین الإیمان و العیان، فالتصدیق بالخبر فوق الحکم بما یشهده البصر، إلا إذا نظر و اعتبر «أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ» الإنسان الحیوان حکمه حکم سائر الحیوان، إلا أنه یتمیز عن غیره من الحیوان بالفصل المقوم له، کما یتمیز الحیوان بعضه عن بعض الفصول المقومه لکل واحد من الحیوان، فالإنسان الحیوانی من جمله الحشرات، فقال تعالى فی أهل الضلال: «أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ» فإن لهم قلوبا یعقلون بها، و إن لهم أعینا یبصرون بها، و إن لهم آذانا یسمعون بها، فأنزلوا أنفسهم منزله الأنعام «بَلْ هُمْ أَضَلُّ» لأن الأنعام ما جعل اللّه لهم هذه القوى التی توجب لصاحب البصر أن یعتبر، و لصاحب الأذن أن یعی ما یسمع، و لصاحب القلب أن یعقل، فرتبه خلق الإنسان الحیوانی من الإنسان الکامل رتبه خلق النسناس من الإنسان الحیوانی.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۸۰]
وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمائِهِ سَیُجْزَوْنَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ (۱۸۰)
[مراتب الأسماء الإلهیه]
مراتب الأسماء الإلهیه: الأسماء الإلهیه على ثلاث مراتب، أسماء تدل على الذات لا تدل على أمر آخر، و أسماء تدل على صفات تنزیه، و أسماء تدل على صفات أفعال، و ما ثم مرتبه رابعه، و کل هذه الأسماء قد ظهرت فی العالم، فأسماء الذات یتعلق بها و لا یتخلق و أسماء صفات التنزیه یقدس بها جناب الحق تعالى و یتخلق بها العبد بحسب ما تعطیه مما یلیق به، فکما أن العبد یقدس جلال اللّه أن تقوم به صفات الحدوث، کذلک یقدّس العبد بهذه الأسماء فی التخلق بها أن تقوم به صفات القدم و الغنى المطلق، و أسماء صفات الأفعال یوحد العبد بها ربه فلا یشرک فی فعله تعالى أحدا من خلقه.
شرح الأسماء الحسنى و تعلقها: نسب الحق تعالى إلى نفسه الأسماء الحسنى دون غیرها من الأسماء، و إن کانت أسماء له فی الحقیقه، إلا أنه عرّاها عن النعت بالحسنى فهو عزّ و جل «الله» من حیث هویته و ذاته.
«الرحمن» بعموم رحمته التی وسعت کل شیء.
«الرحیم» بما أوجب على نفسه للتائبین من عباده.
«الرب» بما أوجده من المصالح لخلقه.
«الملک» بنسبه ملک السموات و الأرض إلیه، فإنه رب کل شیء و ملیکه.
«القدوس» بقوله و ما قدروا اللّه حق قدره، و تنزیهه عن کل ما وصف به.
«السلام» بسلامته من کل ما نسب إلیه مما کره من عباده أن ینسبوه إلیه.
«المؤمن» بما صدق عباده، و بما أعطاهم من الأمان إذا وفوا بعهده.
«المهیمن» على عباده بما هم فیه من جمیع أحوالهم مما لهم و علیهم.
«العزیز» لغلبه من غالبه إذ هو الذی لا یغالب، و امتناعه فی علو قدسه أن یقاوم.
«الجبار» بما جبر علیه عباده فی اضطرارهم و اختیارهم، فهم فی قبضته.
«المتکبر» لما حصل فی النفوس الضعیفه من نزوله إلیهم فی خفی ألطافه لمن تقرب بالحد و المقدار، من شبر و ذراع و باع و هروله و تبشیش و فرح و تعجب و ضحک و أمثال ذلک.
«الخالق» بالتقدیر و الإیجاد.
«البارى» بما أوجده من مولدات الأرکان.
«المصور» بما فتح فی الهباء من الصور، و فی أعین المتجلى لهم من صور التجلی المنسوبه إلیه ما نکر منها و ما عرف، و ما أحیط بها و ما لم یدخل تحت إحاطه.
«الغفار» بمن ستر من عباده المؤمنین.
«الغافر» بنسبه الیسیر إلیه.
«الغفور» بما أسدل من الستور من أکوان و غیر أکوان.
«القهار» من نازعه من عباده بجهاله و لم یتب.
«الوهاب» بما أنعم به من العطاء لینعم، لا جزاء و لا لیشکر به و یذکر.
«الکریم» المعطی عباده ما سألوه منه.
«الجواد» المعطی قبل السؤال لیشکروه فیزیدهم و یذکروه فیثیبهم.
«السخی» بإعطاء کل شیء خلقه،و توفیته حقه.
«الرزاق» بما أعطى من الأرزاق لکل متغذ من معدن و نبات و حیوان و إنسان من غیر اشتراط کفر و لا إیمان.
«الفتاح» بما فتح من أبواب النعم و العقاب و العذاب.
«العلیم» بکثره معلوماته. «العالم» بأحدیه نفسه.
«العلام» بالغیب فهو تعلق خاص، و الغیب لا یتناهى، و الشهاده متناهیه إذا کان الوجود سبب الشهود و الرؤیه کما یراه بعض النظار، و على کل حال فالشهاده خصوص.
«القابض» بکون الأشیاء فی قبضته، و الأرض جمیعا قبضته، و کون الصدقه تقع بید الرحمن فیقبضها.
«الباسط» بما بسطه من الرزق الذی لا یعطی البغی بسطه، و هو القدر المعلوم، و أنه تعالى یقبض ما شاء من ذلک لما فیه من الابتلاء و المصلحه، و یبسط ما شاء من ذلک لما فیه من الابتلاء و المصلحه.
«الرافع» من کونه تعالى بیده المیزان، یخفض القسط و یرفعه، فیرفع لیؤتی الملک من یشاء، و یعز من یشاء و یغنی من یشاء.
«الخافض» لینزع الملک ممن یشاء، و یذل من یشاء، و یفقر من یشاء، بیده الخیر و هو المیزان فیوفی الحقوق من یستحقها، و فی هذه الحال لا یکون معامله الامتنان فإن استیفاء الحقوق من بعض الامتنان أعم فی التعلق.
«المعز» «المذل» فأعز بطاعته، و أذل بمخالفته، و فی الدنیا أعز بما آتى من المال من أتاه، و بما أعطى من الیقین لأهله، و بما أنعم به من الرئاسه و الولایه و التحکم فی العالم بإمضاء الکلمه و القهر، و بما أذل به الجبارین و المتکبرین، و بما أذل به فی الدنیا بعض المؤمنین، لیعزهم فی الآخره، و یذل من أورثهم الذله فی الدنیا لإیمانهم و طاعتهم.
«السمیع» دعاء عباده إذا دعوه فی مهماتهم فأجابهم من اسمه السمیع، فإنه تعالى ذکر فی حد السمع فقال: و لا تکونوا کالذین قالوا سمعنا و هم لا یسمعون، و معلوم أنهم سمعوا دعوه الحق بآذانهم، و لکن ما أجابوا ما دعوا إلیه و هکذا یعامل الحق عباده من کونه سمیعا.
«البصیر» بأمور عباده کما قال لموسى و هارون إننی معکما أسمع و أرى، فقال لهما: لا تخافا فإذا أعطى بصره الأمان، فذلک معنى البصیر، لا أنه یشهده و یراه فقط، فإنه یراه حقیقه سواء نصره أو خذله أو اعتنى به أو أهمله.
«الحکم» بما یفصل به من الحکم یوم القیامه بین عباده، و بما أنزل فی الدنیا من الأحکام المشروعه، و النوامیس الوضعیه الحکمیه، کل ذلک من الاسم الحکم.
«العدل» بحکمه بالحق، و إقامه المله الحنیفیه، قل رب احکم بالحق، فهو میل إلیه إذ قد جعل للهوى حکما من اتبعه ضل عن سبیل اللّه.
«اللطیف» بعباده فإنه یوصل إلیهم العافیه مندرجه فی الأدویه الکریهه، فأخفى من ضرب المثل فی الأدویه المؤلمه المتضمنه الشفاء و الراحه لا یکون، فإنه لا أثر لها فی وقت الاستعمال مع علمنا بأنها فی نفس استعمال ذلک الدواء، و لا نحسّ بها للطافتها. و من باب لطفه سریانه فی أفعال الموجودات و هو قوله: «وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ» و لا نرى الأعمال إلا من المخلوقین، و نعلم أن العامل لتلک الأعمال إنما هو اللّه، فلو لا لطفه لشوهد.
«الخبیر» بما اختبر به عباده و من اختباره قوله: «حتى نعلم» فیرى هل ننسب إلیه حدوث العلم أم لا، فانظر أیضا هذا اللطف، و لذلک قرن الخبیر باللطیف فقال اللطیف الخبیر. «الحلیم» هو الذی أمهل و ما أهمل، و لم یسارع بالمؤاخذه لمن عمل سوءا بجهاله، مع تمکنه أن لا یجهل و أن یسأل و ینظر حتى یعلم.
«العظیم» فی قلوب العارفین به.
«الشکور» لطلب الزیاده من عباده مما شکرهم علیه، و ذکرهم به من عملهم بطاعته، و الوقوف عند حدوده و رسومه و أوامره و نواهیه، و هو یقول: «لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ» فبذلک یعامل عباده، فطلب منهم بکونه شکورا أن یبالغوا فیما شکرهم علیه.
«العلی» فی شأنه و ذاته عما یلیق بسمات الحدوث، و صفات المحدثات.
«الکبیر» بما نصبه المشرکون من الآلهه، و لهذا قال إبراهیم علیه السلام: «بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ» و هنا الوقف و یبتدئ «هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ کانُوا یَنْطِقُونَ» فلو نطقوا لاعترفوا بأنهم عبید، و أن اللّه هو الکبیر العلی العظیم.
«الحفیظ» بکونه بکل شیء محیط، فاحتاط بالأشیاء لیحفظ علیها وجودها، فإنها قابله للعدم کما هی قابله للوجود، فمن شاء سبحانه أن یوجده فأوجده حفظ علیه وجوده، و من لم یشأ أن یوجد و شاء أن یبقیه فی العدم حفظ علیه العدم، فلا یوجد ما دام یحفظ علیه العدم، فإما أن یحفظه دائما أو إلى أجل مسمى.
«المقیت» بما قدر فی الأرض من الأقوات و بما أوحى فی السماء من الأمور فهو سبحانه یعطى قوت کل متقوت على مقدار معلوم.
«الحسیب» إذا عدد علیک نعمه، لیریک منته علیک، لمّا کفرت بها فلم یؤاخذک لحلمه و کرمه و بما هو کافیک عن کل شیء، لا إله إلا هو العلیم الحکیم.
«الجلیل» لکونه عز فلم تدرکه الأبصار و لا البصائر، فعلا و نزل بحیث أنه مع عباده أینما کانوا کما یلیق بجلاله، إلى أن بلغ فی نزوله أن قال لعبده مرضت فلم تعدنی، وجعت فلم تطعمنی، و ظمئت فلم تسقنی، فأنزل نفسه من عباده منزله عباده من عباده، فهذا من حکم هذا الاسم الإلهی.
«الرقیب» لما هو علیه من لزوم الحفظ لخلقه، فإن ذلک لا یثقله و لیعلم عباده أنه إذا راقبهم یستحون منه، فلا یراهم حیث نهاهم، و لا یفقدهم حیث أمرهم.
«المجیب» من دعاه لقربه و سماعه دعاء عباده کما أخبر عن نفسه «وَ إِذا سَأَلَکَ عِبادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعْوَهَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ» فوصف نفسه بأنه متکلم إذ المجیب من کان ذا إجابه و هی التلبیه. «الواسع» العطاء بما بسط من الرحمه التی وسعت کل شیء، و هی مخلوقه فرحم بها کل شیء، و بها أزال غضبه عن عباده.
«الحکیم» بإنزال کل شیء منزلته، و جعله فی مرتبته، و من أوتی الحکمه فقد أوتی خیرا کثیرا، و قد قال عن نفسه: إن بیده الخیر و قال صلّى اللّه علیه و سلم: و الخیر کله بیدیک فلم یبق منه شیئا و الشر لیس إلیک.
«الودود» الثابت حبه فی عباده، فلا یؤثر فیما سبق لهم من المحبه معاصیهم، فإنها ما نزلت بهم إلا بحکم القضاء و القدر السابق، لا للطرد و البعد «لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَ ما تَأَخَّرَ» فسبقت المغفره للمحبین اسم مفعول.
«المجید» لما له من الشرف على کل موصوف بالشرف فإن شرف العالم بما هو منسوب إلى اللّه أنه خلقه و فعله فما هو شرفه بنفسه فالشریف على الحقیقه من شرفه بذاته و لیس إلا اللّه.
«الباعث» عموما و خصوصا، فالعموم بما بعث من الممکنات إلى الوجود من العدم، و هو بعث لم یشعر به کل أحد إلا من قال بأن للممکنات أعیانا ثبوتیه، و إن لم یعثر على ما أشرنا إلیه القائل بهذا، و لما کان الوجود عین الحق فما بعثهم إلا اللّه بهذا الاسم خاصه، ثم خصوص البعث فی الأحوال کبعث الرسل، و البعث من الدنیا إلى البرزخ نوما و موتا، و من البرزخ إلى القیامه، و کل بعث فی العالم فی حال و عین، فمن الاسم الباعث فهو من أعجب اسم تسمى الحق به تعریفا لعباده.
«الشهید» لنفسه بأنه لا إله إلا هو، و لعباده بما فیه الخیر و السعاده لهم بما جاءوا به من طاعه اللّه و طاعه رسوله، و بما کانوا علیه من مکارم الأخلاق، و شهید علیهم بما کانوا فیه من المخالفات و المعاصی و سفساف الأخلاق، لیریهم منه اللّه و کرمه بهم حیث غفر لهم و عفا عنهم، و کان مآلهم عنده إلى شمول الرحمه، و دخولهم فی سعتها إذ کانوا من جمله الأشیاء و أنّ تلک الأشیاء المسماه مخالفه لم یبرزها اللّه من العدم إلى الوجود إلا برحمته، فهی مخلوقه من الرحمه، و کان المحل الذی قامت به سببا لوجودها، لأنها لا تقوم بنفسها و إنما تقوم بنفس المخالف، و قد علمت أنها مخلوقه من الرحمه، و مسبحه بحمد خالقها، فهی تستغفر للمحل الذی قامت به حتى ظهر وجود عینها لعلمها بأنها لا تقوم بنفسها.
«الحق» الوجود الذی لا یأتیه الباطل، و هو العدم من بین یدیه و لا من خلفه، فمن بین یدیه من قوله لما خلقت بیدی، و من خلفه لقول رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم: لیس وراء اللّه مرمى، فنسب إلیه الوراء و هو الخلف، فهو وجود حق لا عن عدم، و لا یعقبه عدم، بخلاف الخلق فإنه عن عدم و یعقبه العدم من حیث لا یشعر به، فإن الوجود و الإیجاد لا ینقطع، فما ثم فی العالم من العالم إلا وجود و شهود، دنیا و آخره من غیر انتهاء و لا انقطاع، فأعیان تظهر فتبصر.
«الوکیل» الذی وکله عباده على النظر فی مصالحهم، فکان من النظر فی مصالحهم أن أمرهم بالإنفاق على حد معین، فاستخلفهم فیه بعد ما اتخذوه وکیلا، فالأموال له بوجه، فاستخلفهم فیها.و الأموال لهم بوجه فوکلوه فی النظر فیها، فهی لهم بما لهم فیها من المنفعه، و هی له بما هی علیه من تسبیحها بحمده، فمن اعتبر التسبیح قال: إن اللّه ما خلق العالم إلا لعبادته، و من راعى المنفعه قال: إن اللّه ما خلق العالم إلا لینفع بعضه بعضا.
«القوی المتین» هو ذو القوه لما فی بعض الممکنات أو فیها مطلقا من العزه، و هی عدم القبول للأضداد، فکان من القوه خلق عالم الخیال، لیظهر فیه الجمع بین الأضداد، لأن الحس و العقل یمتنع عندهما الجمع بین الضدین، و الخیال لا یمتنع عنده ذلک، فما ظهر سلطان القوی، و لا قوته إلا فی خلق القوه المتخیله و عالم الخیال، فإنه أقرب فی الدلاله على الحق، فإن الحق هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن، فما حاز الصوره على الحقیقه إلا الخیال، و هذا ما لا یسع أحدا إنکاره، فإنه یجده فی نفسه و یبصره فی منامه، فیرى ما هو محال الوجود موجودا، فتنبه لقوله: إن اللّه هو الرزاق ذو القوه المتین.
«الولی» هو الناصر من نصره، فنصرته مجازاه، و من آمن به فقد نصره، فالمؤمن یأخذ نصر اللّه من طریق الوجوب، فإنه قال: «و کان حقا علینا نصر المؤمنین» مثل وجوب الرحمه علیه سواء. قال تعالى: «کتب ربکم على نفسه الرحمه أنه من عمل منکم سوءا بجهاله ثم تاب من بعده و أصلح» و أین هذا من اتساعها؟ فنصره اللّه تشبه رحمه الوجوب، و تفارق رحمه الامتنان الواسعه، فإنه ما رأینا فیما أخبرنا به تعالى نصره مطلقه، و إنما رأیناها مقیده إما بالإیمان و إما بقوله: «إن تنصروا الله ینصرکم».
«الحمید» بما هو حامد بلسان کل حامد و بنفسه، و بما هو محمود بکل ما هو مثنى علیه و على نفسه، فإن عواقب الثناء علیه تعود.
«المحصی» کل شیء عددا، من حروف و أعیان وجودیه، إذ کان التناهی لا یدخل إلا فی الموجودات، فیأخذه الإحصاء فهذه الشیئیه شیئیه الوجود و فی قوله و أحصى کل شیء عددا.
«المبدى» هو الذی ابتدأ الخلق بالإیجاد فی الرتبه الثانیه، و کل ما ظهر من العالم و یظهر فهو فیها، و ما ثم مرتبه ثالثه فهی الآخر و الأولى للحق، فهو الأول، فالخلق من حیث وجوده لا یکون فی الأول أبدا، و إنما له الآخر، و الحق معه فی الآخر، فإنه مع العالم أینما کانوا، و قد تسمى بالآخر فاعلم.
«المعید» عین الفعل من حیث ما هو خالق و فاعل و جاعل و عامل، فهو إذا خلق شیئا و فرغ خلقه، عاد إلى خلق آخر، لأنه لیس فی العالم شیء یتکرر، و إنما هی أمثال تحدث، و هی الخلق الجدید، و أعیان توجد.
«المحیی» بالوجود کل عین ثابته لها حکم قبول الإیجاد، فأوجدها الحق فی وجوده.
«الممیت» فی الزمان الثانی فما زاد من زمان وجودها فمفارقتها و انتقالها لحال الوجود الذی کان لها موت، و قد یرجع إلى حکمها من الثبوت الذی کان لها فمن المحال وجودها بعد ذلک حتى تفرغ، و هی لا تفرغ لعدم التناهی فیها فافهم.
«الحی» لنفسه لتحقیق ما نسب إلیه مما لا یتصف به إلا من من شرطه أن یکون حیا.
«القیوم» لقیامه على کلّ نفس بما کسبت. «الواجد» بالجیم لما طلب فلحق، فلا یفوته هارب، کما لا یلحقه فی الحقیقه طالب معرفته.
«الواحد» من حیث ألوهته فلا إله إلا هو.
«الصمد» الذی یلجأ إلیه فی الأمور و لهذا اتخذناه وکیلا.
«القادر» هو النافذ الاقتدار فی القوابل الذی یرید فیها ظهور الاقتدار لا غیر.
«المقتدر» بما عملت أیدینا فالاقتدار له، و العمل یظهر من أیدینا، فکل ید فی العالم لها عمل فهی ید اللّه، فإن الاقتدار للّه فهو تعالى قادر بنفسه، مقتدر بنا. «المقدم» «المؤخر» من شاء لما شاء و من شاء عما شاء.
«الأول» «الآخر» بالوجوب و برجوع الأمر کله إلیه.
«الظاهر» «الباطن» لنفسه ظهر فما زال ظاهرا و عن خلقه بطن، فما یزال باطنا فلا یعرف أبدا.
«البر» بإحسانه و نعمه و آلائه التی أنعم بها على عباده.
«التواب» لرجوعه على عباده لیتوبوا، و رجوعه بالجزاء على توبتهم.
«المنتقم» ممن عصاه تطهیرا له من ذلک فی الدنیا بإقامه الحدود، و ما یقوم بالعالم من الآلام، فإنها کلها انتقام و جزاء خفی لا یشعر به کل أحد، حتى إیلام الرضیع جزاء.
«العفو» لما فی العطاء من التفاضل فی القله و الکثره و أنواع الأعطیات على اختلافها لا بد أن یدخلها القله و الکثره، فلا بد أن یعمها العفو، فإنه لا بد من الأضداد کالجلیل.
«الرءوف» بما ظهر فی العباد من الصلاح و الأصلح، لأنه من المقلوب و هو ضرب من الشفقه.
«الوالی» لنفسه على کل من ولی علیه، فولی على الأعیان الثابته فأثر فیها الإیجاد، و ولی على الموجودات فقدم من شاء، و أخر من شاء، و حکم فعدل، و أعطى فأفضل.
«المتعالی» على من أراد علوا فی الأرض، و ادعى له ما لیس له بحق.
«المقسط» هو ما أعطى بحکم التقسیط، و هو قوله «و ما ننزله إلا بقدر معلوم» و هو التقسیط.
«الجامع» بوجوده لکل موجود فیه.
«الغنی» عن العالمین بهم.
«المغنی» من أعطاه صفه الغنى بأن أوقفه على أن علمه بالعالم تابع للمعلوم، فما أعطاه من نفسه شیئا فاستغنى عن الأثر منه فیه لعلمه بأنه لا یوجد فیه إلا ما کان علیه.
«البدیع» الذی لم یزل فی خلقه على الدوام بدیعا لأنه یخلق الأمثال و غیر الأمثال، و لا بد من وجه به یتمیز المثل عن مثله، فهو البدیع من ذلک الوجه.
«الضار» «النافع» بما لا یوافق الغرض و بما یوافقه.
«النور» لما ظهر من أعیان العالم، و إزاله ظلمه نسبه الأفعال إلى العالم.
«الهادی» بما أبانه للعلماء به مما هو الأمر علیه فی نفسه.
«المانع» لإمکان إرسال ما مسکه، و ما وقع الإمساک إلا لحکمه اقتضاها علمه فی خلقه.
«الباقی» حیث لا یقبل الزوال، کما قبلته أعیان الموجودات بعد وجودها، فله دوام الوجود، و دوام الإیجاد.
«الوارث» لما خلفناه عند انتقالنا إلى البرزخ خاصه.
«الرشید» بما أرشد إلیه عباده فی تعریفه إیاهم بأنه تعالى على صراط مستقیم فی أخذه بناصیه کل دابه، فما ثم إلا من هو على ذلک الصراط، و الاستقامه مآلها إلى الرحمه، فما أنعم اللّه على عباده بنعمه أعظم من کونه آخذا بناصیه کل دابه، فما ثم إلا من مشی به على الصراط المستقیم.
«الصبور» على ما أوذى به فی قوله: «إن الذین یؤذون الله و رسوله» فما عجل لهم فی العقوبه مع اقتداره على ذلک، و إنما أخر ذلک لیکون منه ما یکون على أیدینا من رفع ذلک عنه بالانتقام منهم، فیحمدنا على ذلک، فإنه ما عرفنا به مع اتصافه بالصبور إلا لندفع ذلک عنه و نکشفه، هذا فیما ورد عن الأسماء أما الکنایات فإذا جاءت فی کلام الرسول عن اللّه تعالى أو فی کتاب اللّه فلننظر القصه و الضمیر و نحکم على تلک الکنایه بما یعطیه الحال فی القصه المذکوره لا یزاد فی ذلک و لا ینقص منه.
و اعلم أنه لما کانت الأسماء الإلهیه نسبا تطلبها الآثار لذلک لا یلزم ما تعطل حکمه منها ما لم یتعطل و إنما یقدح ذلک لو اتفق أن تکون أمرا وجودیا، فاللّه إله سواء وجد العالم أو لم یوجد، فإن بعض المتوهمین تخیل أن الأسماء تدل على أعیان وجودیه قائمه بذات الحق فإن لم یکن حکمها یعم و إلا بقی منها ما لا أثر له معطلا. فلما خلق اللّه العالم رأیناه ذا مراتب و حقائق مختلفه، تطلب کل حقیقه منه من الحق نسبه خاصه، فلما أرسل تعالى رسله کان مما أرسلهم به لأجل تلک النسب أسماء تسمى بها لخلقه، یفهم منها دلالتها على ذاته تعالى، و على أمر معقول لا عین له فی الوجود، له حکم هذا الأثر و الحقیقه الظاهره فی العالم من خلق و رزق، و نفع و ضر، و إیجاد و اختصاص، و أحکام و غلبه و قهر و لطف، و تنزل و استجلاب و محبه، و بغض و قرب، و بعد و تعظیم و تحقیر، و کل صفه ظاهره فی العالم تستدعی نسبه خاصه لها اسم معلوم عندنا من الشرع، فمنها مشترکه و إن کان لکل واحد من المشترکه معنى إذا تبین ظهر أنها متباینه فالأصل فی الأسماء التباین و الاشتراک فیه لفظی، و منها متباینه و منها مترادفه، و مع ترادفها فلا بد أن یفهم من کل واحد معنى لا یکون فی الآخر، فعلمنا ما سمى به نفسه و اقتصرنا علیها.
[ «بحث فی الأسماء الإلهیه»]
«بحث فی الأسماء الإلهیه» تنقسم الأسماء الإلهیه إلى أسماء إلهیه تطلب العالم، و یطلبها العالم، کالاسم الرب و القادر و الخالق و النافع و الضار و المحیی و الممیت و القاهر و المعز و المذل إلى أمثال هذه الأسماء. و ثم أسماء إلهیه لا تطلب العالم، و لکن یستروح منها نفس من أنفاس العالم من غیر تفصیل، کما یفصل بین هذه الأسماء التی ذکرناها آنفا فأسماء الاسترواح کالغنی و العزیز و القدوس و أمثال هذه الأسماء، و ما وجدنا للّه أسماء تدل على ذاته خاصه من غیر تعقل معنى زائد على الذات فإنه ما ثم اسم إلا على أحد أمرین: إما ما یدل على فعل و هو الذی یستدعی العالم و لا بد، فإنه من المحال أن یکون فی العالم شیء لیس له مستند إلى أمر إلهی یکون نعتا للحق کان ما کان، و إما ما یدل على تنزیه و هو الذی یستروح منه صفات نقص کونی تنزه الحق عنها، غیر ذلک ما أعطانا اللّه. فما ثم اسم علم ما فیه سوى العلمیه للّه أصلا إلا إن کان ذلک فی علمه أو ما استأثر اللّه به فی غیبه مما لم یبده لنا، و سبب ذلک لأنه تعالى ما أظهر أسماءه لنا إلا للثناء بها علیه، فمن المحال أن یکون فیها اسم علمی أصلا، لأن الأسماء الأعلام لا یقع بها ثناء على المسمى، لکنها أسماء أعلام للمعانی التی تدل علیها، و تلک المعانی هی التی یثنى بها على من ظهر عندنا حکمه بها فینا، و هو المسمى بمعانیها، و المعانی هی المسماه بهذه الأسماء اللفظیه، کالعالم و القادر و باقی الأسماء.
فللّه الأسماء الحسنى و لیست إلا المعانی، لا هذه الألفاظ، فإن الألفاظ لا تتصف بالحسن و القبح إلابحکم التبعیه لمعانیها الداله علیها، فلا اعتبار لها من حیث ذاتها، فإنها لیست بزائده على حروف مرکبه و نظم خاص یسمى اصطلاحا. و اعلم أن أسماء اللّه منها معارف کالأسماء المعروفه و هی الظواهر، و منها مضمرات مثل کاف الخطاب، و تائه، و تاء المتکلم، و یائه، و ضمیر الغائب، و ضمیر التثنیه من ذلک، و ضمیر الجمع مثل نحن نزلنا، و نون الضمیر فی الجمع مثل إنا نحن، و کلمه أنا، و أنت، و هو، و منها أسماء تدل علیها الأفعال و لم یبن منها أسماء مثل سخر اللّه منهم، و مثل اللّه یستهزئ بهم، و منها أسماء النیابه هی للّه، و لکن نابوا عن اللّه منابه، مثل قوله: «سرابیل تقیکم الحر» و کل فعل منسوب إلى کون ما من الممکنات إنما ذلک المسمى نائب فیه عن اللّه، لأن الأفعال کلها للّه، سواء تعلق بذلک الفعل ذم أو حمد، فلا حکم لذلک التعلق بالتأثیر فیما یعطیه العلم الصحیح، فکل ما ینسب إلى المخلوق من الأفعال فهو فیه نائب عن اللّه، فإن وقع محمودا نسب إلى اللّه لأجل المدح،
فإن اللّه یحب أن یمدح، کذا ورد فی الصحیح عن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم. و إن تعلق به ذم لم ننسبه إلى اللّه، أو لحق به عیب. مثل المحمود قول الخلیل علیه السلام: فهو یشفین، و قال فی المرض: إذا مرضت، و لم یقل: أمرضنی، و ما أمرضه إلا اللّه فمرض، کما أنه شفاه، فإذا کنى الحق عن نفسه بضمیر الجمع فلأسمائه لما فی ذلک المذکور من حکم أسماء متعدده، و إذا ثنّى فلذاته و نسبه اسم خاص، و إذا أفرد فلاسم خاص أو ذات و هی المسمى، و إذا کنى بتنزیه فلیس إلا الذات، و إذا کنى بفعل فلیس إلا الاسم على ما قررناه. و انحصر فیما ذکرناه جمیع أسماء اللّه لا بطریق التعیین، فإنه فیها ما ینبغی أن یعین، و ما ینبغی أن لا یعین، و قد جاء من المعین مثل الفالق و الجاعل، و لم یجىء المستهزئ و الساخر، و هو الذی یستهزئ بمن شاء من عباده، و یکید و یسخر ممن شاء من عباده حیث ذکره، و لا یسمى بشیء من ذلک، و لا بأسماء النواب، و نوابه لا یأخذهم حصر، فللّه الأسماء ما له الصفات، فهو المعروف بالاسم لا بالصفه، و لذلک ما ورد بالصفه کتاب و لا سنه، و ورد قرآنا «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها» و ورد «سُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ» فتنزه عن الصفه لا عن الاسم، فانظر حکمه اللّه فی کونه لم یجعل له صفه فی کتبه، بل نزه نفسه عن الوصف فقال: «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» فجعلها أسماء و ما جعلها نعوتا و لا صفات،
و قال: «فادعوه بها» و بها کان الثناء، و الاسم ما یعطی الثناء، و إنما یعطیه النعت و الصفه، و ما شعر أکثر الناس لکون الحق ما ذکر له نعتا فی خلقه، و إنما جعل ذلک أسماء کأسماء الاعلام التی ما جاءت للثناء، و إنما جاءت للدلاله، و تلک الأسماء الإلهیه الحسنى هی لنا نعوت یثنى علینا بها، و أثنینا علینا بها، و أثنى اللّه على نفسه بها، لأن نزول الشرائع فی العالم من اللّه إنما تنزل بحکم ما تواطأ علیه أهل ذلک اللسان، سواء صادف أهل ذلک اللسان الحق فی ذلک أو لا، و قد تواطأ الناس على أن هذه الأسماء التی سمى الحق بها نفسه مما یثنى بها فی المحدثات إذا قامت بمن تقوم به نعتا أو صفه، فأثنى اللّه على نفسه بها، و نبه على أنها أسماء لا نعوت، لیفهم السامع الفهم الفطن أن ذلک من حکم التواطؤ، لا حکم الأمر فی نفسه کما دل دلیل الشرع بلیس کمثله شیء من جمیع الوجوه، فلا یقبل الأینیه. فالثناء على اللّه بصفات الإثبات التی جعلها أسماء، و جعلها الخلق نعوتا، کما هی لهم نعوت إذا وقع هذا الثناء من العبد صوره لا یکون روح تلک الصوره تسبیحا بلیس کمثله شیء کان جهلا بما یستحقه المثنى علیه، فإنه أدخله تحت الحد و الحصر، بخلاف کون ذلک أسماء لا نعوتا، فیا ولی لا یفارق التسبیح ثناؤک على اللّه جمله واحده، فإنک إن کنت بهذه المثابه نفخت روحا فی صوره ثنائک التی أنشأتها «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» و إن کان له جمیع الأسماء التی یفتقر کل فقیر إلى مسماها، و لا فقر إلا إلى اللّه، و مع هذا فلا یطلق علیه من الأسماء إلا ما یعطی الحسن عرفا و شرعا، و کذلک نعت أسماءه بالحسنى و الحق هو الذی نصبه الشرع للعباد، و بما سمى به نفسه نسمیه، و بما وصف به ذاته نصفه، لا نزید على ما أوصل إلینا و لا نخترع له اسما من عندنا، و قال لنا: «فَادْعُوهُ بِها» فإذا دعوته باسم منها تجلى مجیبا لک فی عین ذلک الاسم، فإن الاسم اللّه و إن کان جامعا للنقیضین، فهو و إن ظهر فی اللفظ فلیس المقصود إلا اسما خاصا منه، تطلبه قرینه الحال، فإذا قال طالب الرزق المحتاج إلیه: یا اللّه ارزقنی، و اللّه هو المانع أیضا، فما یطلب بحاله إلا الاسم الرزاق، فما قال بالمعنى إلا یا رزاق ارزقنی، فمن أراد الإجابه من اللّه فلا یسأله إلا بالاسم الخاص بذلک الأمر، و لا یسأل باسم یتضمن ما یریده و غیره، و لا یسأل بالاسم من حیث دلالته على ذات المسمى، و لکن یسأل من حیث المعنى الذی هو علیه، الذی لأجله جاء، و تمیز به عن غیره من الأسماء تمیز معنى لا تمیز لفظ «وَ ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمائِهِ» أی یمیلون فی أسمائه إلى ما لیس بحسن، و إن کان فی المعنى من أسمائه، لکن منع أن یطلق علیه لما ناط به عرفا أو شرعابأنه لیس بحسن- الوجه الثانی-
[إشاره: حکمه اللّه تعالى فی تعدد أسمائه]
هم یمیلون عن أسمائه، لا بل یمیلون فی أسمائه إلى غیر الوجه الذی قصد بها، ثم قال: «سَیُجْزَوْنَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ» من ذلک، فکل یجزى بما مال إلیه- إشاره- من حکمه اللّه فی وحدانیته سبحانه أن جعل له أسماء کثیره ندعوه بها فی عموم أحوالنا، فننتقل من اسم إلى اسم، لتتنوع علینا الأدعیه و الأذکار، مع أحدیه المدعو و المذکور، کل ذلک للملل الذی فی جبلتنا، فسبحان اللطیف بعباده، و هذا من خفایا ألطافه التی لا یعرفها إلا القلیل من عباده.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۸۱ الى ۱۸۲]
وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّهٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ یَعْدِلُونَ (۱۸۱) وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ (۱۸۲)
ما سمى اللّه المکر استدراجا إلا لتنقله فی المراتب من درج إلى درج، فإنه بانتقاله یعمّ المقامات و المراتب، و هو بین محمود و مذموم، و لو لا ذلک ما وصف اللّه نفسه بالمکر و الاستدراج، و أخفى اللّه الاستدراج فیمن أشقاه اللّه، فهم کما قال تعالى فیهم: (وَ هُمْ یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً).
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۸۳]
وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ (۱۸۳)
و هی تحف اللّه مع المخالفات، فهو مکر و استدراج من حیث لا یعلم.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۸۴]
أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّهٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ (۱۸۴)
«أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّهٍ» أی أنه یوصل إلى معرفه الرسول بالدلیل، و بهذه الآیه یستدل على أنه لا بد من أن ینصب اللّه تعالى على ید هذا الرسول دلیلا یصدقه فی دعواه، و لو لم یکن کذلک ما صدق قوله: «أَ وَ لَمْ یَتَفَکَّرُوا» و لا تکون الفکره إلا فی دلیل على صدقه أنه رسول من عند اللّه.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۸۵]
أَ وَ لَمْ یَنْظُرُوا فِی مَلَکُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْءٍ وَ أَنْ عَسى أَنْ یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیِّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ (۱۸۵)
«أَ وَ لَمْ یَنْظُرُوا» یعنی یتفکروا، فإنه سبحانه لما أراد النظر الذی هو الفکر، قرنه بحرف فی، و لم یصحبه لفظ کیف، فهو أمر بالنظر العقلی «فِی مَلَکُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» فیعلموا أنها لم تقم بأنفسها، و إنما أقامها غیرها، و هذا النظر لا یلزم منه وجود الأعیان مثل النظر فی الکیفیه، و إنما الإنسان کلف أن ینظر بفکره فی ذلک لا بعینه، و من الملکوت ما هو غیب و ما هو شهاده، فما أمرنا قط بحرف فی إلا فی المخلوقات لا فی اللّه، لنستدل بذلک علیه و أنه لا یشبهها، فاعتبر الشرع حکم النظر العقلی فی إثبات وجود اللّه و توحیده، و ما یجب له من الأحکام، و بالنظر العقلی فی صدق آیات رسوله التی نصبها دلیلا على صدقه، و فی القرآن مثل هذا کثیر، و هذه الآیات و أمثالها لأهل النظر و الاستدلال الذین نصب اللّه لهم الأدله و الآیات.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۸۶]
مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِیَ لَهُ وَ یَذَرُهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ (۱۸۶)
«فَلا هادِیَ لَهُ» معناه لا موفق.
[سوره الأعراف (۷): آیه ۱۸۷]
یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَهِ أَیَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِیکُمْ إِلاَّ بَغْتَهً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (۱۸۷)
«یَسْئَلُونَکَ عَنِ السَّاعَهِ أَیَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها» یعنی یوم القیامه، إذا جاء الوقت یعطیها اللّه خلقها، هو الذی أعطى کل شیء خلقه، لذلک قال: «إِلَّا هُوَ» «ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» فإن الغیب إذا ثقل علیه الأمر و ضاق عنه و لم یتسع له استراح على عالم الشهاده، فتنفس الغیب تنفس الحامل المثقل، فأبرز فی عالم الشهاده ما کان ثقل علیه، و من وجه آخر: ثقلت من کونها أمانه مکلفه بحفظها و أدائها فی وقتها، فهو ثقل معنوی، فإنه فی طبع کل شیء القلق مما یثقل علیه حتى یخرجه عنه «لا تَأْتِیکُمْ إِلَّا بَغْتَهً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ» لجهلهم.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۸۸ الى ۱۸۹]
قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (۱۸۸) هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَهٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِیَسْکُنَ إِلَیْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِیفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَیْتَنا صالِحاً لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِینَ (۱۸۹)
[ «هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَهٍ»]
«هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَهٍ» هذا یدل على أن النفوس خلقت من معدن واحد «وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِیَسْکُنَ إِلَیْها» حنین الرجل حنین الکل إلى جزئه، کاستیحاش المنازل لساکنیها، و لأن المکان الذی فی الرجل الذی استخرجت منه المرأه عمره اللّه بالمیل إلیها، فحنینه إلى المرأه حنین الکبیر، و حنوه على الصغیر، فمن عرف قدر النساء و سرّهن لم یزهد فی حبهن، بل من کمال العارف حبهن، فإنه میراث نبوی و حب إلهی، فإنه صلّى اللّه علیه و سلم قال:
[حبب إلی] فلم ینسب حبه فیهن إلا إلى اللّه تعالى «فَلَمَّا تَغَشَّاها» الغشیان نکاح و هو ستر، فهو سر، أی غطاها بذاته و سترته بنفسها، فکان لها لباسا و کانت له لباسا.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۹۰ الى ۱۹۶]
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَکاءَ فِیما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ (۱۹۰) أَ یُشْرِکُونَ ما لا یَخْلُقُ شَیْئاً وَ هُمْ یُخْلَقُونَ (۱۹۱) وَ لا یَسْتَطِیعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ (۱۹۲) وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا یَتَّبِعُوکُمْ سَواءٌ عَلَیْکُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (۱۹۳) إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُکُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْیَسْتَجِیبُوا لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (۱۹۴)
أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (۱۹۵) إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّى الصَّالِحِینَ (۱۹۶)
«إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ» الولایه نصر الولی، أی نصر الناصر، و نعت الولایه لا ینسبها اللّه لنفسه إلا بتعلق خاص للمؤمنین خاصه و الصالحین من عباده، و لما کان نعتا إلهیا هذا النصر المعبر عنه بالولایه تسمى سبحانه به و هو اسمه الولی، و لما أنزل اللّه تعالى على عبده محمد صلّى اللّه علیه و سلم هذه الآیه لیعرف الناس بها، فکأن اللّه حکى عن نبیه صلّى اللّه علیه و سلم ما لا بد له أن یقوله و یتلفظ به، فجعله قرآنا یتلى، إذ کان الصلاح من خصائص العبید فی نفس الأمر، فقال تعالى:
«إِنَّ وَلِیِّیَ اللَّهُ الَّذِی نَزَّلَ الْکِتابَ وَ هُوَ یَتَوَلَّى الصَّالِحِینَ» فشهد له بالصلاح إذا کان الحق حاکیا فی هذه الآیه، و إن کان آمرا فیکون النبی صلّى اللّه علیه و سلم أخبر بذلک لقوله تعالى: (اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا) و هو من المؤمنین «وَ هُوَ یَتَوَلَّى الصَّالِحِینَ» فیکون من المشهود لهم بالصلاح، فعرفنا أن اللّه تولاه، و أخبرنا أن اللّه یتولى الصالحین، فشهد لنفسه بالصلاح بالوجه الذی ذکرناه، و لم ینقل ذلک عن غیره من الأنبیاء صلوات اللّه و سلامه علیهم، و لهذا القطع بأن اللّه یتولى الصالحین کان الصلاح مطلوبا لکل نبی مکمل، و شهد اللّه به لمن شاء من عباده على التعیین تشریفا له بذلک، کعیسى و یحیى علیهما السلام، فإن الاسم الصالح من خصائص العبودیه، و نعت عبودی لا یکون إلا للعبید الکمل، فمنهم من شهد له بها الحق عزّ و جل بشرى من اللّه، مثل یحیى و عیسى و إبراهیم و محمد علیهم السلام، و منهم من سألها لنفسه کسلیمان علیه السلام.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۱۹۷ الى ۱۹۹]
وَ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَکُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُونَ (۱۹۷) وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا یَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ وَ هُمْ لا یُبْصِرُونَ (۱۹۸) خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ (۱۹۹)
«خُذِ الْعَفْوَ» أی القلیل.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۲۰۰ الى ۲۰۱]
وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّکَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ (۲۰۰) إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (۲۰۱)
[ «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا»]
«إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا» فهم أصحاب اللمات الملکیه «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» و هؤلاء هم الذین تولاهم اللّه بالإبصار، و هو من صفات خصائص المتقین، فهم علماء أهل تقوى، طرأ علیهم خاطر حسن أصله شیطانی. فوجدوا له ذوقا خاصا لا یجدونه إلا إذا کان من الشیطان، فیذکرهم ذلک الذوق بأن ذلک الخاطر من الشیطان «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» أی مشاهدون له بالذوق، فإن اقتضى العلم أخذه و قلب عینه لیحزن بذلک الشیطان أخذه، و لم یلتفت منه و کان من المبصرین، فعلم کیف یأخذ ما یجب أخذه من ذلک، ففرق بینه و بین ما یجب ترکه، کما قال عیسى علیه السلام لما قال له إبلیس حین تصور له على أنه لا یعرفه، فقال له: یا روح اللّه قل لا إله إلا اللّه، رجاء منه أن یقول ذلک، فیکون قد أطاعه بوجه ما، و ذلک هو الإیمان، فقال له عیسى علیه السلام: أقولها لا لقولک لا إله إلا اللّه، فجمع بین القول و مخالفه غرض الشیطان، لا امتثالا لأمر الشیطان، و إن اقتضى العلم رد ذلک فی وجهه رده، فهذا معنى قوله «تَذَکَّرُوا» و لا یکون التذکر إلا لمعلوم قد نسی «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» أی رجع إلیهم نظرهم الذی غاب عنهم، رجع بالتذکر، و اعلم أن اللّه تعالى أن یحیط به بصر أو عقل، و لکن الوهم السخیف یقدره و یحده، و الخیال الضعیف یمثله و یصوره، هذا فی حق بعض العقلاء الذین قد نزهوه عما تخیلوه و توهموه، ثم بعد التنزیه یتسلط علیهم سلطان الوهم و الخیال فیحکم علیه بالتقدیر، و هو قوله تعالى: «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ تَذَکَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» و هو رجوعهم إلى ما أعطاهم العقل بالبرهان الصحیح من التنزیه عن ذلک، فالقوه المذکره من خاصیتها أن تعمی إبلیس عن ملاحظه کیده فی الحال و تدهشه، فلا یلحق یرجع إلیه بصره إلا و المؤمن على إحدى حالتین إما فی غفله فیمسه مره أخرى، و إما فی حضور فیحترق إن دنا منه، و اعلم أن الأنبیاء و الرسل ما لهم إلا ثلاثه خواطر، و هی الخاطر الإلهی و الخاطر الملکی و الخاطر النفسی، فهم معصومون من الشیطان و خواطره، لیمیز اللّه رسله و أنبیاءه من سائر المؤمنین بالعصمه التی أعطاهم و ألبسهم إیاها، و المؤمنون لهم الخواطر الأربعه، فمنهم من ظهر علیه حکم الخاطر الشیطانی فی الظاهر، و هم عامه الخلق، و منهم من یخطر له و لا یؤثر فی ظاهره، و هم المحفوظون من أولیاء اللّه تعالى، فالشیطان یلقی فی قلوب الأولیاء و لیس له على الأنبیاء سبیل.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۲۰۲ الى ۲۰۴]
وَ إِخْوانُهُمْ یَمُدُّونَهُمْ فِی الغَیِّ ثُمَّ لا یُقْصِرُونَ (۲۰۲) وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآیَهٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَیْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما یُوحى إِلَیَّ مِنْ رَبِّی هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَهٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (۲۰۳) وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ (۲۰۴)
روینا أن هذه الآیه نزلت فی القراءه فی الصلاه، ففی الصلاه یقرأ المأموم أم الکتاب و غیرها مع الإمام فیما أسر، و فیما جهر أم الکتاب فقط، و الذی أذهب إلیه بعد وجوب قراءه الفاتحه على کل مصل من إمام و غیر إمام، أنه إن قرأ فی نفسه کان أفضل، إلا أن یکون بحیث یسمع الإمام، فالإنصات و الاستماع لقراءه الإمام واجب لأمر اللّه الوارد فی هذه الآیه، و ما خص حال صلاه من غیرها، و القرآن مقطوع به عند الجمیع، و لیس للمأموم أن یشرع فی قراءه الفاتحه إذا جهر بها الإمام حتى یفرغ منها، أو یتبع سکتات الإمام فیها فیقرأ ما فرغ الإمام منها فی سکته الإمام، و فی صلاه السر یقرؤها بحسب ما یغلب على ظنه،إلا فی الصلاه بعد الجلسه الوسطى فإنه یقرؤها ابتداء، و قد وعد اللّه من استمع القرآن و أنصت بالرحمه، فإن أفعال الترجی من اللّه حکمها حکم الواجب، و مع هذا فإن اللّه أوقع الترجی مع صفه الاستماع و الإنصات، و ما قطع بالرحمه، فکیف حال من خاصم و رفع صوته و داخل التالی؟ و أرجو أن یکون الترجی الإلهی واجبا کما یراه العلماء، فالأجر العظیم بالإصغاء إلى القارئ إذا قرأ القرآن، أو بإصغاء الإنسان إلى نفسه إذا تلاه، فإذا قرئ القرآن المبین فاستمعوا له و أنصتوا لعلکم ترحمون، فإنه ما جاء بالکلام إلا للإفهام، فإذا خالج السامع القارئ فی قراءته، فقد شهد من الفهم ببراءته، و أساء الأدب، فأسخط اللّه فغضب، یقول صلّى اللّه علیه و سلم: [أیکم خالجنیها و ما لی أنازع القرآن] و أی برهان أعظم من هذا البرهان، الرسول حاز الآداب، و جاء بالکتاب و خاطب أولی الألباب، و ما خص أعداء من أحباب، بل عم الخطاب، فمنا من أصاب، و منا المصاب، «لَعَلَّکُمْ تُرْحَمُونَ» بالفهم، فإنک إن خالجته فیها، حرمت معانیها، و إذا کنا نهینا و تحبط أعمالنا برفع أصواتنا على صوت رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلم إذا تکلم، و هو المبلغ عن اللّه، فغضّ أصواتنا عند ما نسمع تلاوه القرآن آکد.
[سوره الأعراف (۷): الآیات ۲۰۵ الى ۲۰۶]
وَ اذْکُرْ رَبَّکَ فِی نَفْسِکَ تَضَرُّعاً وَ خِیفَهً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَکُنْ مِنَ الْغافِلِینَ (۲۰۵) إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ یَسْجُدُونَ (۲۰۶)
«إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ» و هم الملائکه المقربون «لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» یقول: یذلون و یخضعون له «وَ یُسَبِّحُونَهُ» أی ینزهونه عن الصفات التی لا تلیق به و هی التی تقربوا بها إلیه من الذل و الخضوع و صدقهم اللّه فی هذه الآیه فی قولهم: (وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَ لَهُ یَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ و جل مع هذه الأحوال المذکوره، و هنا یسجد التالی للقرآن فی هذه السجده اقتداء بسجود الملأ الأعلى و بهدیهم، قال اللّه تعالى لما ذکر النبیین علیهم السلام لمحمد صلّى اللّه علیه و سلم، و ذکر أنه تعالى آتاهم الکتاب و الحکمه و النبوه قال له: (أُولئِکَ الَّذِینَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) و هم بشر مثله، فما ظنک بالملائکه الذین لا یعصون اللّه ما أمرهم و یفعلون ما یؤمرون، و أی هدی أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائکه، فمن سجد فیها و لم یحصل له نفحه مما حصل للملائکه فی سجودها من حیث ملکیته الخاصه به فما سجدها، و هکذا فی کل سجده ترد.
رحمه من الرحمن فى تفسیر و اشارات القرآن، ج۲، ص: ۲۱۰